النفاق الليبرالي والباطني

عناصر الخطبة

  1. التحذير من خطورة النفاق والمنافقين
  2. مساوئ النفاق الهدمي العبثي في الأمة قديمًا وحديثًا
  3. أشد أنواع النفاق على الأمة: الليبرالي والباطني
  4. كثرة نقاط الاتفاق بين النفاق السلولي والنفاق السبئي
  5. الحقد الباطني على المسلمين
  6. استغلال الغرب للمنافقين في الطعن في الدين وازدراء الشريعة
  7. حماية عقائد المسلمين ومقدساتهم من اعتداء المنافقين حتم لازم
اقتباس

ورم النفاق الخبيث ظهر في جسد الأمة في أزمنة متفاوتة، وأشكال متباينة، فأول ظهور له كان بعد غزوة بدر، في يوم الفرقان يوم أعز الله فيه أهل الإيمان، وأذل فيه أهل الكفر والأوثان، فشرق بهذا العز من شرق من مرضى القلوب والريب، فتحركت عقارب النفاق في قلوب أهلها، فكادوا للأمة وعادوها، وكانت تحركاتهم ومشروعاتهم لا تحمل إلا مشروع هدم الإسلام والكيد بالنبي صلى الله عليه وسلم، والاستهزاء بالمؤمنين، والتندر بشعائر الدين، مع موالاة وارتماء في ..

إخوة الإيمان: هل عداءٌ على أمة القرآن أبقى وأنكى من عداء أهل النفاق ؟

هل إيذاءٌ على أمة الإيمان أفظع وأشنع من ألسنة النفاق الحداد ؟

هل عرفت أمتنا في تاريخها كيداً أشد من كيد النفاق الكبُار ؟

إنه الكيد الذي جرع الأمة مرارات من الحسرة والأسى، ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون:4].

إنه العداء الذي يتستر خلف شعارات الولاء والتبعية ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾[التوبة:56].

إنه العداء الذي يخادعنا دوماً بيمينه وأيمانه بالوقوف في صفنا، والغيرة على ديننا ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة:14].

ألسنتهم تنضح كذباً بالتلبس بلبوس الدين، وأفعالهم تحكي واقعاً غير ذلك ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون:1].

في حال القوة والغلبة وجناية الثمار فهم معنا، وولاؤهم لنا، وإن كانت الأخرى تلونوا تلون الحرباء، فكانوا عيونا للعداء ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[النساء:141].

ولذا حذرنا القرآن الكريم من هذه الطُغمة الباغية الآثمة، وعراهم وجلاهم في مواضع عدة، وذكر لنا أوصافهم وأفعالهم ومكرهم وتقلباتهم حتى قال حبر الأمة ابن عباس في سورة التوبة : "هي الْفاضحةُ، ما زالتْ تنْزلُ: ومنْهُمْ، ومنْهُمْ، حتى ظنُوا أنها لنْ تُبْقي أحدًا منْهُمْ إلا ذُكر فيها" مُتفقٌ عليْه.

وقال ابْنُ القيم رحمهُ اللهُ تعالى: "كاد القُرْآنُ أنْ يكُون كُلُهُ في شأْنهمْ".

ورم النفاق الخبيث ظهر في جسد الأمة في أزمنة متفاوتة، وأشكال متباينة، فأول ظهور له كان بعد غزوة بدر، في يوم الفرقان يوم أعز الله فيه أهل الإيمان، وأذل فيه أهل الكفر والأوثان، فشرق بهذا العز من شرق من مرضى القلوب والريب، فتحركت عقارب النفاق في قلوب أهلها، فكادوا للأمة وعادوها، وكانت تحركاتهم ومشروعاتهم لا تحمل إلا مشروع هدم الإسلام والكيد بالنبي صلى الله عليه وسلم، والاستهزاء بالمؤمنين، والتندر بشعائر الدين، مع موالاة وارتماء في أحضان اليهود الكافرين ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الحشر:11].

تربع على رأس هذا النفاق العبثي الهدْمي عبد الله بن أُبي بن سلول، عاش في صف المسلمين وتسمى باسمهم وظل يرمقهم ويرقبهم ويتحين الثغرات لينفث من خلالها السم النفاقي .

ولم يكد الزمان يغفو إغفاءه إلا وورم نفاقي آخر ينبت في جسد الأمة الإسلامية، في خلافة الخليفة الصالح عثمان بن عفان، تولى كبر هذا النفاق عبد الله بن سبأ اليهودي أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وأبدى آراء شاذة من الغلو في علي، وانتقاص الصحابة، وعقيدة الرجعة، ومسائل أُخرى يطول حديثها.

بذر هذا السبئي مذهبه الباطني المحدث، وجاء بعده من زاد عليه وأحدث، حتى ظهر في التاريخ فرق باطنية عدة، تنتسب للإسلام، كالنصيرية والإمامية والإسماعيلية وغيرها، مذاهب تحمل مشروعات عقائدية محرفة، لم يعرفها أهل الإسلام في قرونهم الفاضلة .

إخوة الإيمان : وظل هذا النفاق بنوعيه موجوداً في الأمة عبر تاريخها، لا يمر زمان إلا وتتأذى الأمة من النفاق السلولي المشوش، والنفاق السبئي المحرف.

وفي عصرنا اليوم نرى امتدادًا واضحًا لنوعي هذا النفاق في المجتمعات الإسلامية، فورثت العلمانيةُ والليبرالية النفاق السلولي العبثي، فليس لدى أصحاب من ينتمي لهذه المذاهب مشروع سوى مشروع التشويش، والتمرد على الشرائع الإلهية، وتغيير المصطلحات الشرعية، وإباحة المحرمات والمقدسات تحت لافتة الحريات .

وورث النفاق السبئي الفرقُ الباطنية، والتي أصبح لها اليوم صوت مرفوع، وإعلام مسموع، ودول تحتمي بحماها، نفاق يحمل مشروعه العقدي والتوسعي في بلاد المسلمين، يرفع شعار الممانعة والمقاومة، وتاريخه ينطق أنهم ليس لهم فتوحات تذكر، ولا تحرير للمقدسات يشكر، وإنما جهادهم طعنات وغدرات على أهل السنة، واستباحة دمائهم وأعراضهم .

عباد الله : وكما تشابهت قلوب أهل الكتاب، تشابهت أيضاً قلوب أهل النفاق وأهدافهم، فيوجد بين نوعي النفاق السلولي والسبئي من التوافق والاشتراك ما لا يخفى :

– فإذا كانت الفرق الباطنية قد سبت وشتمت ولعنت خير جيل، فإن العلمانية اليوم تنضح مؤلفاتها بالطعن في جيل الصحابة وانتقاصهم، وسيئ الأدب معهم، ولم ننس طعن واتهام أحد الكتاب قبل سنوات في صحيفة الرياض حين وصف الصديق رضي الله عنه، والذي له من الفضل والفضائل ما لا يخفى، فقال عنه ما نصًه: "ولعل أول وأهم واقعة تاريخية عبرت عن ميلاد فكرة التكفير في الإسلام هي حروب الردة التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق في مطلع عهده" ا.هـ وطار بهذا الكلام المواقع الشيعية حينها .

– إذا كانت الفرق الباطنية قد استباحة المحرمات وشرعنتها باختراع روايات عن آل البيت في حلها، فإن العلمانية اليوم قد استباحت المحرمات تحْت رايات الحُريات، مع البحث في التراث لنصوصٍ لا تُؤْمنُ بها ولا تُعظمُها، ولكنْ لتُشرع مُنْكرها في الناس!

– إذا كانت الفرق الباطنية قد انتحلت التقية، وجعلتها من صميم دينها، فإن أرباب النفاق السلولي يظهرون في مجتمعهم ما لا يبطنون، فهنا تسمع من عبارات الالتزام بالإسلام والاحتكام للشرع، وهناك أو في اللقاءات مع الصحف الأجنبية تقرأ السخرية بالأحكام، وانتقاص الشعائر، فالحجاب عادة بدوية، والحدود عقوبات ماضوية، والنصوص التراثية غير ملزمة لنا في عصر العلم والتكنولوجيا، والفهم للنص يختلف من زمن إلى زمن،،، إلى غير ذلك من الهراء الذي جبُنوا أن يتفوهوا به هنا .

– وتشترك طائفتا النفاق أيضاً: في استفزاز مشاعر المسلمين، بالطعْن في مُقدساتهمْ، والاعْتداء على حُرُمات دينهمْ، والتأليب على رموز الإسلام وعلمائه وقاماته.

– ويشتركون أيضاً: في استهداف المذهب السني السلفي، ووصفه بالأوصاف المنفرة، فالإعلام الباطني يصف أهل السنة الموحدين بالوهابيين والتكفيريين، أما في الإعلام العلماني فيوصفون بالمتشددين المتطرفين والأصوليين .

– ومن أبرز التشابه بين الفريقين: دورهما الكبير والمشبوه مع الغرب في اختراق المجتمعات السنية وإضعافها، ولوْلا النفاقُ السبئي في طهْران لما احْتُلت العراقُ وأفْغانسْتانُ،كما نطق به غير واحد من ساسة إيران .

والاخْتراقُ الغرْبيُ للْمُجْتمعات الإسْلامية ودعمها للمرجفين المنسلخين ما عاد يخْفى على أحدٍ.

التمويل الغربي لمراكز البحوث التي تهتم بالطعن في الإسلام وإعادة صياغته ونشر الأفكار المنحرفة والإلحادية حديث مذاع .

هذه الاختراقات الغربية للمجتمعات الإسلامية السنية إنما كانت عن طريق اليد النفاقية، وهي هي التي خرجتْ بامْتيازٍ الزنادقة والمُرْتدين الذين يشْتُمُون الله تعالى ورُسُلهُ عليْهمُ السلامُ ويزْدرُون دينهُ .

عباد الله: وغاية هذا العداء النفاقي واحدة وهي القضاءُ على الإسْلام السني الحق، وإحْلالُ إسْلامٍ آخر محلهُ، إما ليبْراليٌ لا أمْر فيه ولا نهْي، ولا حُدُود ولا حُرُماتٍ سوى الحُرية والهوى، وإما باطنيٌ يُعبدُ فيه الناسُ لبشرٍ مثْلهمْ، ويبْذُلُون لهُمْ أعْراضهُمْ وأمْوالهُمْ،ويسْفكُون دماءهُمْ لأجْل مجْدهمْ وعزتهمْ .

هذه بعض صور التوافق والتشابه بين النفاقين، والواقع والأحداث تثبت وتشهد أنه حقيقة لا خيال، وواقع ليس مؤامرة .

وإن حصل بين الفريقين تصادم واختلاف فهو تصادم سياسي لا عقائدي .

حمى اللهُ تعالى المُسْلمين منْ شرهمْ، ورد عليْهمْ كيْدهُمْ، آمين

أقول قولي هذا….

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا إخوة الإيمان: إن المواجهة الفكرية مع حزب النفاق بنوعيه، وجهادهم بالكلمة والحجة والبرهان، والاحتساب عليهم بفضح تلبيساتهم وأطروحاتهم لهو من أعظم ألوان الجهاد الشرعية المأمور بها ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التحريم:9]، خصوصاً والطرف الآخر يملك من الإعلام وقوة التأثير ما لا يخفى، وفي أبناء المسلمين من السطحية والتعلق بالتوافه ما يجعلهم يغترون بمنطقهم ومغرياتهم ولحن قولهم ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾[التوبة:47].

فكونوا يا أهل الإيمان من أُولي البقية المصلحين الذين ينهون عن الفساد الفكري والأخلاقي، فشرفنا والله وعزنا وبقاؤنا وخيريتُنا هي في التناصح والأمر بالمعروف بالحكمة، والنهي عن المنكر باللين والموعظة الحسنة .

أما إذا اختار الإنسان طريق القعود والابتعاد عن الاحتساب الفكري فلا يكن عثرةً في وجه إخوانه المصلحين.

فليت شعري من لم يكن بالحق مقتنعاً **** يُخل الطريق ولا يُوهن من اقتنعا

وأسوأ حالاً من القاعدين من جادل عن أهل الريب والنفاق والزندقة والإلحاد وحامى عنهم إما كرهاً في أهل الخير، وإما بسبب عواطف وضعت في غير محلها، والله تعالى يقول: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾[النساء:109].

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.