آداب التجارة وتحريم الغش

عناصر الخطبة

  1. تكفل الله عز وجل بتقدير أرزاق العباد
  2. الترغيب في الكسب الحلال والترهيب من الكسب الحرام
  3. آداب وصفات يجب على المسلم التاجر أن يتحلى بها
  4. عظائم وذنوب ترتكب في التجارة
اقتباس

وعلى التاجر الصدوق أن يبين للمشتري العيب في السلعة إن كان بها عيبٌ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعًا فيه عيب أن لا يبينه”. فإذا أردت أن تبيع سيارة أو طعامًا كالفواكه وما شابهها فيجب عليك أن تبيّن ما بها من عيب، وإلا محقت بركة هذا البيع وصار إلى خسران. وإننا لنشاهد بعض التجار يضعون ..

اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الله -عز وجل- قد تكفَّل بأرزاق العباد وحدّدها من قبل أن يظهروا في هذه الدنيا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتْبِ رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد"، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "لا يستبطئنّ أحد منكم رزقه؛ فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدًا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله -أيها الناس- وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصيته".

فلا يحملنكم حب المال والطمع فيه أن تطلبوه من غير حله؛ بالتعامل المحرم والطرق غير المشروعة، فإن في الحلال كفاية عن الحرام، والمؤمن قد أغناه الله بحلاله عن حرامه، وكفاه بفضله عمن سواه، والكسب الحلال يبارك الله فيه وإن كان قليلاً، فينمو ويكون عونًا لصاحبه على طاعة الله، والمال الحرام يمحق الله بركته وإن كان كثيرًا، فلا ينتفع به صاحبه وإن بقي في يده، وقد يسلط الله عليه من يتلفه فيتحسر عليه صاحبه.

وقد رغب نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- في اكتساب الحلال، ورهب وحذر من اكتساب الحرام، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]"، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، "فأنى يستجاب لذلك؟!".

ومن طرق كسب الحلال التي أباحها الإسلام التجارة، وقد بيّن الله في كتابه ونبينا -صلوات الله وسلامه عليه- في سنته أحكام البيع والشراء وأحكام الإيجار والكفالات والرهن وغير ذلك مما يتعلق بالتجارة، وجعل لها آدابًا كان لزامًا على المسلم التاجر أن يتحلى بها، فمِن ذلك التحلي بالأخلاق الفاضلة في البيع والشراء، فالصدق والأمانة في التعامل صفتان من صفات المؤمن بوجه عام: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، ولكنهما من الصفات التي تُطلب في التعاملات المالية بوجه خاص، قال -صلى الله عليه وسلم-: "التاجر الأمين الصدُوق مع النبيين والصديقين والشهداء". رواه الترمذي، وفي الصحيحين: "فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا مُحقت بركة بيعهما".

والصدق كما أنه مطلوب مع المسلمين فهو مطلوب مع غير المسلمين؛ لذا لما صدق المسلمون في بيوعهم وسائر تعاملاتهم كان لذلك الأثر البالغ في دخول كثير من المجتمعات الكافرة في الإسلام أفواجًا، حتى انقلبت بالكامل مجتمعات إسلامية.

والأمانة كذلك خير مطلب، يجب أن يتمسك بها المسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". حديث صحيح.

ومن الأخلاق التي تتميز بها المعاملات: التسامح والتساهل في البيع والشراء وسائر التعاملات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى".

ويتمثل هذا التسامح في صور كثيرة، منها إنظار المدين المعسر، وكل ما فيه أَجَل من التعاملات بإمداد الأَجَل ما دام بالإمكان الانتظار، فإن الله -جل وعلا- يقول: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: 280]. وروى مسلم عن رسول الله أنه قال: "أُتي بعبد من عباد الله آتاه الله مالاً، فقال له الله: ماذا عملت به في الدنيا؟! قال: يا رب: آتيتني مالاً، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أيسِّر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحق به منك، تجاوزوا عن عبدي".

ومن ذلك: إقالة البيع، أي: الاستجابة إلى فسخه إذا رغب المشتري ذلك؛ لظهور عدم احتياجه للمعقود عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أقال مسلمًا أقال الله عثرته". رواه أبو داود وابن ماجه وسنده صحيح.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].

الخطبة الثانية:

اعلم -أخي المسلم وفقني الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه- أن مما يتأكد اجتنابه والتحذير منه وإنكاره: الغش والخداع في التجارة، فإن الإسلام يحرم ذلك بكل صوره في بيع وشراء وفي سائر أنواع معاملات الإنسان، فالمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل مكسب، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما". ومرّ رسول الله برجل يبيع طعامًا فأعجبه ظاهرُه، فأدخل يده فيه فرأى بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟!"، قال: أصابته السماء يا رسول الله -أي: المطر-، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فهلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟! من غشنا فليس منا". فانظر بماذا حكم على من غش في الطعام، والطعام مادة ينتهي أثرها بسرعة، فكيف بما هو أعظم وأعظم من ذلك؟!

فالإيمان الصحيح الكامل يلزمنا الصدق والإخلاص والتقوى والنصح، وفي الحديث الصحيح: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير".

وعلى التاجر الصدوق أن يبين للمشتري العيب في السلعة إن كان بها عيبٌ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعًا فيه عيب أن لا يبينه". فإذا أردت أن تبيع سيارة أو طعامًا كالفواكه وما شابهها فيجب عليك أن تبيّن ما بها من عيب، وإلا محقت بركة هذا البيع وصار إلى خسران. وإننا لنشاهد بعض التجار يضعون الفاكهة الجيدة في الأعلى والرديئة أو الصغيرة غير المرغوب بها في الأسفل، وهذا من الغش المحرم.

ومن عظائم الذنوب التي ترتكب في التجارة: الحلف الكاذب من أجل بيع السلع، فيحلف للمشتري بأنها سليمة أو طازجة أو أنه اشتراها بمبلغ كذا وهو كاذب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب"، وعن عبد الرحمن بن شبل -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله يقول: "إن التجار هم الفجار"، قالوا: يا رسول الله: أليس قد أحل الله البيع؟! قال: "بلى، ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون".

ومن ذلك أيضًا: التلاعب في الموازين والكيل، قال تعالى محذرًا من ذلك: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 85]. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله فقال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن"، وذكر منها: "ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم".

ألا فاتقوا الله في أنفسكم، وتحروا الحلال واجتنبوا الحرام، فإنكم مسؤولون يوم القيامة عن المال سؤالين: من أين حصلت عليه؟! وفيم أنفقته؟! فأعدوا للسؤال جوابًا.

واعلموا أن المال الحرام لا ينتفع به صاحبه أبدًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من اكتسب مالاً من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله جميعًا فقذف به في جهنم".