شيء من الأمانة

عناصر الخطبة

  1. أهمية الأمانة والمقصود بها
  2. فقدان الأمانة في آخر الزمان
  3. الأمانة أبرز صفات الأنبياء والرسل
  4. مفاسد ضياع الأمانة وفوائد المحافظة عليها
  5. بعض النظريات المخلة بالأمانة ونظرة الإسلام لها
  6. دعائم إرساء الأمانة في المجتمع
اقتباس

إنه مهما زاد إيمان العبد لا بد له من روافد تحفظ إيمانه. ومن ثم تحفظ أمانته، وتعينه على الخير، وتصونه من الشر، وهذه الروافد لا يمكن إرساؤها إلا بتعاون عدة أطراف؛ منها: العبد ذاته. ومنها: البيئة التي تحيط بالعبد. ومنها: النظام العام. ولذلك نرى القران يحث على الجماعية في …

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أخرج أبو داود في سننه بإسناد جيد عن قزعة الباهلي -رضي الله عنه- قال: "أرسلني ابن عمر في حاجة؟!" فقال: هلم أودعك؛ كما ودعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك".

لماذا يعلمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستودع الله أمانة المسافر؟

"أستودع الله دينك وأمانتك" وما المقصود بالأمانة؟

معاشر الإخوة: إن لمفهوم الأمانة قيمة عظيمة عند الله.

فكل ما هو نفيس عالي القيمة يتأكد حفظه، والاستئمان عليه، ولذلك كان الدين العزيز بتكاليفه السامية الغالية أمانة تعرض للحمل على السموات والأرض والجبال، وقد سمى الله حامل الوحي جبريل -عليه السلام- بالروح الأمين: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾[الشعراء: 193].

فهو أمين ومستأمن على الوحي، وسن أن يدعى للمسافر الذي يودع، فيغيب عن أنظار أحبته، الذين كان بينهم يذكرونه ويعينونه على الاستقامة أن إذا انطلق من سفره بأن يحفظه الله في أمانته، قال القاري -رحمه الله-: "وأمانتك" أي حفظ الله أمانتك فيما تزاوله من الأخذ والإعطاء، ومعاشرة الناس في السفر، إذ قد يقع منك هناك خيانة".

قال: وقيل بالأمانة الأهل والأولاد الذين خلفهم.

وقيل: المراد بالأمانة التكاليف كلها؛ كما فسر بها قول الله -تعالى-: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[الأحزاب: 72.

الحاصل أن جميع ما أوجبه الله على عباده عبارة عن أمانات يجب على العباد حفظها بالقيام التام بها، ورعايتها والقيام عليها.

وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين؛ كأمانات الأموال والأعمال، والولايات والأسرى.

والآن تصوروا لو عدمت الأمانة في الناس، فلم توجد مطلقا في أي إنسان، يعني لو لم يبقَ في الأرض أمين قط، هل يبقى في الحياة شيء نافع؟ هل يبقى للحياة قيمة أو حتى طعم؟ هل يتميز حق من باطل؟ هل تبقى بين الناس ثقة؟ هل يبقى أمن؟ هل يبقى ضمير؟ هل يحل في النفوس اطمئنان؟ هل يأنس إنسان أو يسعد أو حتى يعيش في بيئة لا أمانة فيها؟

لا يمكن، ولذلك كان من علامات فساد الأرض المؤذن بقيام الساعة تضيع الأمانة لا خير في الأرض بعد ذلك.

في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: من لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال صلى الله عليه وسلم: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، كيف إضاعتها؟ قال: إذا وكل الأمر إلى غير أهله؛ فانتظر الساعة".

ولأهمية الأمانة جعل الله -تعالى- جميع الفضائل ومكارم الأخلاق، ومنها الأمانة موجودة في أصل فطرة الإنسان؛ فمنهم من ينميها، ومنهم من يفسدها، قال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة".

في صحيح البخاري عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين: رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت.

وفي رواية: "نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة.

ثم حدثنا عن رفع الأمانة، قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت -أي الأثر اليسير- ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل المجل -أي مثل أثر التنفط من شدة الحرارة- كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرًا، وليس فيه شيء، ورم أعلى الجلد ما فيه إلا ماء، ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله.

قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".

يعني الثناء باطل لمن لا يستحق الثناء، وما يترتب على ذلك من الخيانة.

قال: ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت: لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه.

وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا".

يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله- عن لزوم الأمانة في جذر قلوب الرجال، يقول: "والأمانة هي الإيمان أنزلها في أصل قلوب الرجال، وهو كإنزال الميزان والسكينة: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الفتح: 4].

ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".

ولو تأملنا لتأكد إلينا أن الأمانة من أبرز وأعظم أخلاق الرسل وصفاتهم عليهم الصلاة والسلام؛ فنوح وهود وصالح وشعيب ولوط، كل واحد منهم قال لقومه؛ كما في سورة الشعراء: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾[الشعراء: 107].

ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم – كان مشهورا بين قومه قبل الرسالة وبعدها بأنه الأمين حتى إن الناس كانوا يختارونه لحفظ ودائعهم عنده.

أيها الإخوة: إن خلقا عظيما كالأمانة له أثر عميق في إصلاح، أو إفساد حياة الناس العملية، والاجتماعية والمالية والخدمية، بل حتى النفسية.

تأملوا لو نزعت الأمانة -أو قلت- من جميع القائمين على مصالح الناس، وحاجتهم، كيف يكون الحال؟

تأملوا لو صاروا كذابين وخونة ولصوصا، فالتاجر يكذب، والمقاول يرشي، والموظف يرتشي، والإداري يختلس، والمفتش يزور، والقاضي يحابي، والسياسي يسرق، وصاحب النفوذ يستغل، ورجل الأمن يبتز، والزوج يخون، ألا تكون الحياة مرة لا تطاق؟

بلى.

ولا شك -أيها الإخوة-: أن نصيبا من هذا الوصف موجود في بيئتنا، وليست كارثة جدة منا ببعيد، لكن ما هو الحل؟

إن النظام العام لأي مجتمع لا يمكن أن يستقيم إلا بالأمانة، حتى لو كان نظاما وضعيا، كيف تكون ديمقراطية مثلا إذا كانت الانتخابات مزورة؟ وكيف يكون النظام إسلامي إذا استغل لأكل أموال الناس بالباطل؟

ألم يقل سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[التوبة: 34].

 لقد غلت النظرية الماركسية، فزعمت أن منشأ الأخلاق هي النظم، ولذلك عزت كل ما اتصف به الناس من مساوئ الأخلاق؛ كالخيانة، والسرقة، والكذب، إلى النظام الرأسمالي.

وكانت ترى وتبشر أنه بحلول النظام الاشتراكي، أو الشيوعي، فإن كل هذه المساوئ ستتحول إلى حسنات وفضائل، فتحل الأمانة مكان الخيانة،

لكن التجربة الواقعية أثبتت بطلان هذه النظرية الماركسية؛ لأنه لما طبق النظام الاشتراكي لم يتغير الحال، فالناس ظلوا كما هم يخونون، ويكذبون ويسرقون.

أما الرأسمالية، فإنها تشيع بين الناس ما يثير الغرائز، ويحفز على الخيانة، والغش والكذب، ثم بعد ذلك تسترضي في الناس أن يكون أمناء ولا بد، وتطالب بطهارة الضمير.

وبشكل عام؛ ما هو مصدر الأخلاق؟ وما الذي يدعو الناس إلى الالتزام بمحاسنها، أو يغريهم باللجوء إلى مساوئها؟

ليس في تلك النظريات المادية السابقة، حتى محاولة للإجابة على مثل هذه الأسئلة، بل ربما عدت الكلام فيها أمرا خارجا عن نطاق النظم الإدارية والاجتماعية والاقتصادية.

أما الإسلام، فإنه يولي هذا الأمر أهمية قصوى؛ لأنه -أي الإسلام- لا يفرق بين الدين والدنيا، ولا بين الأخلاق في المسجد أو الأخلاق في المكتب، أو في المصنع؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"[أخرجه أحمد].

وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف".

وكما قال صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لا لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".

هناك رابط قوي بين الدين والأخلاق.

إن الإسلام يخبرنا بأن أصل هذه المكارم في فطرة الإنسان كما تقدم في الأحاديث الماضية.

لكن كونها موجودة في فطرة الإنسان، لا يعني أنهم مجبورون على الالتزام بها؛ لأن الفطرة إنما هي بمثابة الصوت الداخلي الذي يهمس في قلب الإنسان: يا عبد الله! يا مؤمن! يا من تخاف الله! يا من تريد الجنة والثواب! يا من تخاف النار والحساب والعقاب! هذا خير فاتبعه، أو يقول: هذا شر فابتعد عنه! –الفطرة-.

لكن الإنسان مخير بين أن يستمع إلى هذا الصوت، أو أن يعرض عنه، كما أنه مخير بين أن يستمع إلى داعي الهداية الخارجي، أو يعرض عنه.

وهنا يفترق الناس يفترقون بحسب مستوى الإيمان في قلوبهم، الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الدين الحق إنما هو الفطرة ذاتها، ومن ثم إذا قوي الإيمان قوي داعي هذه المكارم في قلوب المؤمنين، فأيقنوا بلقاء الله، وتطلعوا إلى بركاته في الدنيا، ورحمته في الآخرة، فكانوا أشد بعدا عن الخيانة والكذب، والعكس صحيح.

أسأل الله أن يقوي إيماننا، ويحسن أخلاقنا كما حسن خلقنا.

أستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنه مهما زاد إيمان العبد لا بد له من روافد تحفظ إيمانه.

ومن ثم تحفظ أمانته، وتعينه على الخير، وتصونه من الشر، وهذه الروافد لا يمكن إرساؤها إلا بتعاون عدة أطراف؛ منها: العبد ذاته.

ومنها: البيئة التي تحيط بالعبد.

ومنها: النظام العام.

ولذلك نرى القرآن يحث على الجماعة في الإبقاء على الاستقامة، والثبات على الحق، حيث يقول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان﴾[المائدة: 2].

ويقول سبحانه: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر: 3].

فأول الأطراف العبد ذاته، يجب عليه حفظ إيمانه؛ بالابتعاد عن مواطن الفتن، والحرص على إحسان العبادة، إذ هي التي تبقي قلبه حيا صامدا أمام شهوة المال الحرام، فلا يبرر لنفسه الرشوة، أو الغش، أو الاختلاس، بحجة كل الناس يعملون هذا، أو السوق هكذا، أو هي نسبة بسيطة، والله غفور رحيم، أو هي ضرورة، وهي ليست كذلك، لا، هذا من همزات الشيطان.

ومن خطواته المخيفة التي تجر العبد من معصية إلى أخرى أكبر منها -نسأل الله السلامة- لا، ما تكفي صلاة الجمعة، ولا حتى الصفوف الأولى فيه، والإمساك بالمصحف بين الحين والآخر، لا بد من إيمان قوي يجعل للآخرة الهامش الأكبر في حياة العبد، لا الهامش الأصغر، فحين يسمع قول الله -تعالى-: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾[الأعراف: 56].

ويعلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن الراشي والمرتشي، فقال كما في السنن: "لعنة الله على الراشي والمرتشي".

بل حتى الرائش الذي يرتب عملية الرشوة ملعون أيضا.

حين يعلم ذلك يخاف الله -تعالى- بقدر الإيمان في قلبه.

فلا بد من تقوية الإيمان.

الطرف الثاني: البيئة.

الواجب على العبد الحرص على مرافقة الأخيار الذين يتورعون عن المال الحرام، وينفرون من المعاملات المحرمة؛ لأنهم يعلمون أن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار، أولى به".

إن للعبد خيارين: إما مصاحبة الأخيار الصالحين، أو مصاحبة الغافلين المفرطين.

فالغافلون هم دليل العبد إلى الشيطان، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ(37)﴾[الزخرف: 36-37].

ولذلك قال العالم لقاتل المائة: "انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء".

فالأرض السوء، والبيئة السوء؛ خطر على العبد.

أما النظام العام، فالفساد الإداري إذا أهمل، ولم يعالج بنظام رقابي، واضح وصارم، زاد ذلك الفساد سوءً عبر السنين.

وإذا لم يردع أهله؛ شاعت الرشوة، وعمت الفوضى، وفسدت الذمم، وسكت عن أخطاء المقاولين والإداريين، وأسيء استخدام النفوذ والصلاحيات، وتهارش الناس تهارش السباع، وكل يأكل مال الآخر.

فلا بد من توجه مخلص في إقامة نظام رقابي عادل، لا يحابي كبيرا، ولا يهمل صغيرا.

معاشر الإخوة: إنه لو قام تعاون صادق بين الأطراف الثلاثة: العبد، والبيئة، والنظام، فإنه يرجى للمجتمع أن ينعم ويسعد، وأن يعود للأمانة مكانها المرموق في حياة المسلمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.

اللهم أعنا على طاعتك.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.