بين الوهابية والقبورين

عناصر الخطبة

  1. من أساليب أعداء الإسلام مصطلحات تشوه دعوة التوحيد
  2. بعض المصطلحات التي يراد منها تشويه دعوة التوحيد
  3. أول من أطلق مصطلح الوهابية على دعوة التوحيد
  4. تأصيل الغرب لكراهية دعوة التوحيد
  5. أصناف أعداء دعوة التوحيد
  6. سبب تسمية خصوم دعوة التوحيد ب\"الوهابية\"
  7. مصيبة أهل البدع
اقتباس

لم يتوقف الأمر بعد زوال الاستعمار حسيا، بل ازداد الكيد واتسع، فقد واصل أهل البدع وأهل الخرافة والشرك وأهل الرفض، واصلوا تشويه دعوة التوحيد من خلال إحضار هذا المصطلح وجره بسماجة وصفاقة في كل معترك، بعبارات محفوظة: هذا الانفجار صنعه الـ….

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن من أساليب أعداء الإسلام التقليدية القديمة إطلاق أسماء أو صفات تشوه دعوة التوحيد، فمنذ نوح -عليه السلام- والمجرمون يحاربون دعوة التوحيد بإطلاق الألقاب السيئة والصفات المزرية على الدعوة وأهلها، ففي القرآن قال أعداء التوحيد في حق نوح – عليه السلام – كما في القرآن: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾[المؤمنون: 25] أي إنه رجل مجنون.

وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾[القمر: 9].

﴿وَازْدُجِرَ﴾ قال مجاهد: "أي استطير جنونا".

وهود – عليه السلام – اتهموه بالخبل، جاء في القرآن أنهم قالوا عنه: ﴿إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ﴾[هود: 54].

أي أنك سببت ألهتنا فانتقموا منك بالتخبيل والجنون.

وكذلك موسى -عليه السلام- وصفوه بالجنون في قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: 27].

ونبينا – صلى الله عليه وسلم – قالوا عنه العجائب، ساحر، مجنون، ومسحور، وكذاب، وشاعر.

فالافتراء واللمز وإطلاق الصفات والهيئات القبيحة على دعاة التوحيد دأب المجرمين عباد القبور والأصنام حتى قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ(53)﴾[الذاريات: 52-53] أي هل تواصوا فيما بينهم على هذا الكيد؟ أتواصوا به.

معاشر المسلمين: إن مما اشتهر من المصطلحات التي يراد منها تشويه الموحدين مصطلح الوهابية وأضاف إليه المبتدعة القبوريون لفظ التكفيريين إمعانا في التشنيع والتشويه، فأيما داعي للتوحيد مبغض للشرك برز في دعوته إلا أطلقوا عليه صفة وهابي، إرهابي، متطرف، متحجر، متعصب، مكفر..

فمن أين جاء هذا الإثم الوهابية؟!

الأقوال حول مصدر التسمية متعددة، لكن إذا جاء الكلام من أعداء الدعوة بما يضاد افتراءاتهم كان أقرب للصواب.

المستشرق الإنجليزي "ديفيد كوبر" أحد الذين كتبوا دائرة المعارف الإسلامية وهو متهم بالتهويل والتعصب ضد الإسلام يعترف بأن مصطلح الوهابية استخدم من قِبل خصوم الدعوة أثناء حياة الإمام بن عبدالوهاب، ثم استخدم من قبل الأوروبيين بشكل أوسع، ويقول بأن هذا المصطلح لم يستخدم من قبل أتباع الدعوة في جزيرة العرب وإنما كانوا يسمون أنفسهم الموحدين.

والمبشر الإنجليزي "توماس باتريك هيوس" الذي أرسل في مهمة تبشيرية إلى بيشاور باكستان في القرن الثامن عشر ومكث فيها عشرين سنة، يقول: "إن الوهابية حركة إسلامية إصلاحية أنشأها الإمام محمد عبدالوهاب ولم يرد أعدائه أن يسموا حركته المحمدية -يعني حتى لا تحسب على النبي – صلى الله عليه وسلم – محمد – فأطلقوا عليها الوهابية ".

أما دكتور "جورج رنتز" أمين مجموعة الشرق الأوسط في إحدى الجامعات الأوروبية، فيقول: "مصطلح وهابي استخدم للتعريف بأتباع الإمام محمد عبد الوهاب من قبل خصومهم ليشكلوا في أذهان الناس أن الشيخ قد ابتدع دينا جديدا يجب مقاومته عقديا ".

قال: "وهؤلاء الذين يسمونهم وهابيين لم يكونوا يعتقدون في ابن عبدالوهاب إلا أنه رجل متبع للسنة، ومن ثم رفضوا أن ينسبوا إليه، وأكدوا على أن دعوته تسمى دعوة التوحيد التي تدعوا إلى توحيد الله بالعبادة".

وقال دكتور "رنتز" أيضا بكل صراحة: "إن المستشرقين والكتاب الغربيين إنما استخدموا مصطلح الوهابية لازدراء أتباع الدعوة".

وقد أكدت بعض المصادر الأخرى أن البريطانيين من أوائل الغربيين الذي ابتدعوا مصطلح الوهابية منعا لأثر دعوة التوحيد على القارة الهندية التي كانوا يستعمرونها آنذاك، فقد لاحظوا أنه بعد اتصال الهنود بإخوانهم المسلمين في الحج أخذت دعوة التوحيد تزدهر في الهند، وأن عددا من العلماء الهنود بدؤوا يتأثرون بالدعوة وينتمون إليها.

وقد كان الإنجليز ينفقون على الدعوة القاديانية الأحمدية التي ساهموا في إنشاءها في الهند بداية القرن التاسع عشر، وهي دعوة صوفية خرافية منحرفة تدعو إلى العديد من العقائد الكفرية، وتدعو كذلك وهو الأهم عند الإنجليز تدعو إلى ترك الجهاد ضد الإنجليز، وكيف لا تدعو إلى هذا والإنجليز هم مؤسسوها والممولين لها، والداعين إليها، فزاد إنفاقهم إلى الدعوة القاديانية، وفي الوقت ذاته استحدثوا اسما لدعوة التوحيد الذي هو الوهابية، وكأنما هو مذهب مستحدث لا علاقة له بالإسلام ليشنعوا بالدعوة ويشوهوها ويثبطوا الناس على اللاحق بها، فكانوا يضيقون على كل من انتمى إلى الدعوة، سواء كانوا رجال كبارا أو صغارا أو نساءً، ويسمونهم وهابيين إرهابيين متمردين على بريطانيا العظمى.

ويسجنوهم أحيانا ويعذبونهم وفي بعض الأحيان يعدمونهم كإعدامهم لعلماء أهل الحديث السلفيين في سجن جزر أندمان في خليج البنغال بين الهند وبورما، كان ذلك في أواسط القرن الثامن عشر كالشيخ جعفر تنيساري والشيخ يحيى علي والشيخ أحمد عبدالله والشيخ نذير حسين الدهلوي وغيرهم.

كل ذلك منعا من انتشار دعوة التوحيد في الهند، دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وقد عملت الآلة الإعلامية البريطانية على تكثيف حملات التشويه لهذه الدعوة التي سمتها الوهابية بين مستعمراتها بمختلف اللغات للتوارث الأجيال المسلمة المغيبة المجهلة الممنوعة من العلم الحقيقي جيلا بعد جيل، تتوارث التحذير من الدعوة الوهابية، وليترسخ في الذهن شناعة مسمى الوهابية، وقبح هذا المسمى، وخطورة هذه الدعوة، ويترسخ في الأذهان أن أبناءها قساة أجلاف يكفرون المسلمين، ويشبهون الله بالبشر والبهائم، ويبغضون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويكرهون آل بيته الكرام ويحقرون أولياء الله الصالحين.

هذا ما صرخت به الآلة الإعلامية الغربية لتأصيل الكراهية لدعوة التوحيد، وزامن هذا كله دعم مادي وسياسي طويل الأمد، ومنقطع النظير للعقائد البدعية، وتزيين باهر للدعوات الخرافية التي تدعو إلى تعظيم القبور، وتقديس الأموات، وإسباغ صفات الربوبية على الأولياء، وإقامة الطقوس البدعية، وإحياء حفلات سوداء مشينة، باسم الإسلام، ونبذ الجهاد في سبيل الله.

هذا هو كيد الإنجليز وعداوتهم البغيضة لدعوة التوحيد منذ بدايات القرن الثامن عشر، وليس الانجليز فحسب، بل حتى العثمانيون مع الأسف في فترة من الزمان فقد أثبتت الرسائل المتبادلة في فترة حكم العثمانيين محمد علي باشا وإبراهيم اللذين ازدهرت في عهدهم الطرق الصوفية الخرافية أنهم كانوا يطلقون على أتباع دعوة التوحيد وهابية خوارج وزنادقة.

ثم توالى وسم كل داعي واسم كل داعي لإتباع القرآن والسنة على منهج النبي – صلى الله عليه وسلم – وفهم السلف الصالح صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن تبعهم بإحسان، ولكل داعي لتوحيد الله بالعبادة، ولكل مبغض للبدع الشركية والخرافات والرفض، ولكل معظم لعقيدة الولاء والبراء بأنه وهابي.

فما أن يبرز أحد من هؤلاء يدعو إلى توحيد الله ونبذ الشرك، والحب في الله والبغض في الله إلا أطلقوا عليه وهابي تكفيري، وتبعهم في إطلاق هذه الصفة أذنابهم من الليبراليين الذين هم بمثابة المنافقين الذين ينخرون في جسد الأمة وينهرونه كالجراثيم السامة.

ولم يتوقف الأمر بعد زوال الاستعمار حسيا، بل ازداد الكيد واتسع، فقد واصل أهل البدع وأهل الخرافة والشرك وأهل الرفض، واصلوا تشويه دعوة التوحيد من خلال إحضار هذا المصطلح وجره بسماجة وصفاقة في كل معترك، بعبارات محفوظة: هذا الانفجار صنعه الوهابية، هؤلاء وهابيون تكفيريون، هذا وهذه، وذاك تكفيري وهابي، وهؤلاء نباشي قبور وهابية… وهلم جرا.

حتى مل الناس من كثرة هذيانهم بهذا الاسم مع أنهم هم المكفرون حقيقة، يقول آية الله المامقاني كما يسمونه في تنقيح المقال يقول: "وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك على من لم يكن اثنى عشريا" يعني إماميا رافضيا.

ويقول مرجعهم الخوئي الهالك في مصباح الفقاهة: "بل لا شبهة في كفرهم" أي المخالفين النواصب أهل السنة.

إذاً فخصوم دعوة التوحيد -أيها الأخوة- هم الغربيون بمختلف فروعهم: النصرانية والعلمانية واليهود كذلك أعداء لدعوة التوحيد، والباطنية كذلك بشتى فرقهم الرافضة والنصيرية والاسماعيلة، وما شابههم والصوفية الخرافية معهم أيضا والليبراليون كذلك في نهاية الركب.

هؤلاء هم أعداء دعوة التوحيد، وكلهم مجتمعون على التمسك بمصطلح الوهابية والصياح والولولة به، كلما رؤوا في استخدامه مصلحة، ولعلنا جميعا نلمس هذا بوضوح في خطاب الرافضة والصوفية، وبقية الخصوم على مدى الزمان، وحتى يومنا هذا.

فسأل الله أن يبصرنا بكيد المبطلين، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام الموحدين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن إصرار عباد القبور والأضرحة وأشياعهم على إقحام لفظ الوهابية مقترنا بألفاظ مصاحبة أخرى كالتكفيرية والإرهابية وغيرها من الألفاظ في تصريحاتهم والتخويف والتهويل بها، دليل على ضعف حجتهم.

فالغالب على ضعيف الحجة الصراخ والتهويل والطعن والسب وإطلاق الألقاب، كما كان من قريش لما سبت النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهونت من شأنه بوصفه بالسحر والكذب والجنون لماذا؟

لأنهم كانوا لا يملكون الحجة، لا يملكون علما يقارع علم النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهم يعلمون أنه كان محقا ومعه الدليل القاطع فماذا يصنعون؟

يؤمنون؟! لا وألف لا، إنما استكبروا واستخدموا تلك الألقاب.

وقد جاء في السير وفي جلاء الأفهام لابن القيم أن المسور بن مخرمة -وهو ابن أخت أبي جهل- قال لأبي جهل: يا خالي هل كنتم تتهمون محمداً بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال: يا ابن أختي! والله لقد محمد – صلى الله عليه وسلم – فينا وهو شاب يدعى الأمين، فما جربنا عليه كذبا قط، قال: يا خال! فما لكم لا تتبعونه؟! قال: يا ابن أختي تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف، فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي فمتى ندرك مثل هذه؟

الله – تعالى أيها الأخوة- يعلم من القلوب ما كان منها غافلا ينتظر من يوقظه من غفلته، ولو سمع الحق بأسلوب لائق لقبل الحق واستيقظ، ويعلم منها ما كان مستكثرا لا يقبل الحق ولو رائه بأم عينه تماما، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ لا دليل ولا شيء من ذلك: ﴿إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[غافر: 56].

وكما قال أيضا جل في علاه: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33] هم يصدقون ولكنهم يجحدون.

وكما قال عن اليهود: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 146].

وقال أيضا جل من قائل: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14].

فالمجافون لدعوة التوحيد من الرافضة وأشباههم من عباد القبور والأضرحة، ومن غلاة الصوفية الخرافيين هم أهل أهواء، ومصيبة أهل الأهواء والبدع أنهم مستكبرون ليسوا كأهل المعاصي، أهل المعاصي غافلون معاصيهم تحجب عنهم الحق، ومشكلتهم أن إيمانهم أضعف من أن يوقظهم من غفلتهم، فقط هذه مشكلتهم.

أما أهل الأهواء والبدع فهم مستكبرون وأهوائهم لا تحجب عنهم الحق، لا، الحق يرونه بوضوح ولكن تحجب عنهم الخضوع للحق، قلوبهم لا تقبل الخضوع للحق؛ لأنها مستكبرة الهوى مرتبط بالكبر -أيها الأخوة- كما صح في مسلم من حديث قتيبة وصفه صلى الله عليه وسلم للقلب المفتون المستكبر، قال: "كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا" أي كالكوب المقلوب يتكسر على ظهره الماء وينكب ولا يمكن لذلك الكوب إذاً أن يحتوي الماء إذا كان هذا وضع القلب، فلا أمل في هدايته؛ لأنه يرفض الحق مع علمه به.

يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يَعْرِفُ مَعْروفاً وَلا يُنْكِرُ مُنْكَراً، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".

لا يقبل بالحق إلا من خلال هواه الذي أشربه قلبه كالاسفنجة، فصار لا يعترف بمعروف ولا منكر، ولا حق ولا باطل إلا من خلال هواه؛ لأنه يسمع بهواه ويبصر بهواه، فاتخذ هواه إلها، يعبده من دون الله، فختم الله على قلبه وعلى حواسه كلها، كما قال تعالى فيمن علم الحق ولكنه آثر الهوى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ يعلم ولكنه لا يرضى بذلك الحق.

﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23].

قال شيخ الإسلام – رحمه الله -:كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء، وأعظمهم شركًا، فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم، ولا أبعد عن التوحيد منهم، حتى أنهم يخربون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه، فيعطلونها عن الجماعات والجمعات، ويعمرون المشاهد التي على القبور التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها، والله -سبحانه وتعالى- في كتابه إنما أمر بعمارة المساجد لا المشاهد، فقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ [البقرة: 114].

قال مساجد الله ولم يقل مشاهد الله!.

وقال سبحانه: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 29].

ولم يقل عند كل مشهد، فأصحاب الأهواء مستكبرون على الحق، وحتى لو رأوه كالشمس وسط النهار، فلن يقبلوه، وكله باختيارهم.

معاشر الأخوة: هذا هو أصل مصطلح الوهابية، وهذا هو سبب استخدام المبتدعة له.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.