الحث على الزواج (2)

عناصر الخطبة

  1. الترغيب في النكاح وبيان فوائده
  2. الحث على زواج الفقراء
  3. وساوس الشيطان في موضوع الزواج
  4. الزهد في النكاح مخالف للسنة
  5. أهمية الاستخارة قبل الزواج
  6. الحث على زواج ذات الدين
  7. منع المرأة من الزواج ظلم
  8. توجيهات في خطبة النساء
اقتباس

الزّواجُ عبادَة لله وقربةٌ يتقرّبَ بها العبد إلى الله، فهو أفضل من نوافل العبادة؛ لأنّه يعين على تحصين الفرج وغضِّ البصر وسلامة العبد من الوقوع فيما حرَّم الله عليه. إنّ الزواجَ خير كثير متى ما توفّرت أسبابُه, فعليك بالسعي في ذلك، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم-يقول: “يا معشرَ الشّباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم، فإنّه له وجاء”، فهذا خطابٌ مِن محمّد -صلى الله عليه وسلم- موجَّه لشباب الأمّة المسلِمة…

 الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا أيّها النّاس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله: يقول الله جلّ جلاله في كتابة العزيز وهو أصدق القائلين: (وَأَنْكِحُواْ الأيَـامَى مِنْكُمْ وَلصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النور:32، 33].

فأيّها المسلمون: خطابٌ من ربِّ العالمين موجَّه إلى الأمة جمعًا، يقول الله لهم آمِرًا: (وَأَنْكِحُواْ الأيَـامَى مِنْكُمْ وَلصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)، يأمرنا جميعًا أن نحقِّق هذا الجانبَ العظيم، أعني جانبَ النّكاح، وأن نسعى في تزويج الأبناء والبَنات؛ لأنّ هذا فطرةُ الله التي فطر عليها العباد، قال تعالى: (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوجًا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21]. فالنكاح ضرورةٌ للشابّ وللشابّة، ضرورة للرّجل وللمرأة معًا، فبها يحصُل الأنسُ والطمأنينة، (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف:189]، فبالنّكاح سكونُ النفوس وطمأنينتها وراحتُها، مع ما يشتمِل عليه من الفوائد العظيمة وما يدفع الله به من البلاء العظيم، فهو يحقِّق الفوائدَ العظيمة، ويدفع المضارَّ الجسيمة، هذا النّكاح الشرعيّ يحصل به غضّ البصر وتحصين الفرج، وهما مطلوبان شرعًا: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30، 31].

أيّها الإخوة: وبهذا العقد عقدِ النّكاح تدوم الأسرةُ الصالحة، وبهذا العقدِ عقد النّكاح يكثر النّسل، ويمتدّ بنو الإنسان، وتتحقّق أمنيّة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- القائل: "تزوّجوا الودودَ الولود فإنّي مكاثرٌ بكمُ الأممَ يوم القيامة". وبهذا العقدِ أيضًا تُحفَظ الأنساب، فلولا النّكاح لم يحصُل توارث ولا نفقةٌ ولا معرفة فرع مِن أصل، بل تكون الأمّة فوضى في كلّ أحوالها، فمن رحمة الله بالمسلمين وفضله عليهم أن شرَع هذا النكاح وفطر النفوسَ على ذلك، فطر البشريّةَ على هذا النكاح ليحقِّق به لكلٍّ من الذكر والأنثى الراحةَ والطمأنينة.

أيّها المسلم: والله إذ يقول: (وَأَنْكِحُواْ الأيَـامَى مِنْكُمْ) هو أمرٌ للجميع أن يسعَوا في تحقيق ذلك، ويقوموا بالواجب خيرَ قيام، (وَأَنْكِحُواْ الأيَـامَى مِنْكُمْ وَلصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ). ولمّا كان الزواج قد يكون من عوائقه قلّةُ المادّة قال الله: (إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المعنى: لا تجعلوا قلَّةَ المال سببًا لزهدِكم في النّكاح وبعدكم عنه، اسعَوا إليه جهدَكم، وابذلوا طاقتَكم، والله -جلّ وعلا- ميسِّر الأمور وفاتحٌ أبوابَ الرزق، ﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾، فهو وعدٌ من الله لمَن تزوَّج أن يعينَه وييسِّر أمرَه ويفتحَ له من أبواب الرزق ما لا يخطر بباله، وربُّك حكيم عليم، ولهذا أخبرَ نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- أنَّ من الثلاثة الذين حقٌّ على الله عونُهم، ذكر منهم الرجلَ يتزوَّج تريد العفاف، فمن تزوَّج يريد العفافَ فحقّ على الله أن يعينَه في تلك المهمّة، فتُذلَّل الصِّعابَ أمامَه، ويفتَح له من أبواب الرزق ما لا يخطر بباله، وربّكَ يرزق من يشاء بغير حساب، إذًا فلا بدَّ من نيّة صادقة، ولا بدّ من اهتمام بهذا الأمر، ولا بدّ من عناية، وكلُّ المجتمع مسلم مطالبٌ بالتّعاون فيما بينه لإشاعةِ هذا الأمر وتكثيره والترغيب فيه.

أخي المسلم: قد يُوسْوِس لك الشيطان، ويزيِّن لك الباطل، ويزهّدك في النكاح الشرعي، فأوّل وساوسه أن يقول لك: كيفَ تُقدم على أمرٍ لا تستطيعه، أنت قليلُ ذاتِ اليد، وسوف لا تجد من يقرضُك ولا من يعينك، والأمور شاقَّة أمامَك، والطريق صَعب، إذًا فاصرف النظرَ عن الزّواج، وانتظِر به السنينَ تِلوَ السنين، وانغمِس في الشهوات والملذّات إلى أن يتحقّق لك ما تريد، هذه وساوسُ إبليس ليصرفَ المسلمَ عن الخير، ويصرفه عن الهدى، ويوقعَه في البلاء، فإنّ الشيطان لنا عدوّ، (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6].

أخي المسلم: إنَّ الله يقول: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور:33]، أمرٌ من الله للمسلم بأن يكونَ ذا عفّة عن محارم الله، يحفَظ فرجَه، يغضّ بصرَه، يُعرض عن الحرام رجاءً من الله أن يفتَح له بابَ الحلال، فإذا عفَّ عن محارم الله وزهد في الحرام وعلم الله منه صدقَ النيّة فالله سييسِّر له الأمور، والله على كلّ شيء قدير، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس:82]، فهو يقول جلّ وعلا: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾، ليتعفَّفوا عن محارم الله، وتلك العفّة تكون وسيلةً إلى الحصول على الحلال بتوفيقٍ من الله، تيسَّر الأمور، وتُزال العقبات، والله على كلّ شيء قدير.

أيّها المسلم: إنَّ الزواج نعمةٌ عظيمة من الله للعبد، إذا وفَّقه له فسيحصل له به الخير العظيم والفضل الكبير، راحةُ النفس، طمأنينة القلب، طيبُ الحياة.

أيّها المسلم: الزواج سنّة نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- وخُلُق الصالحين المقتدين به، فهو يقول -صلى الله عليه وسلم-: "حُبِّب إليّ من دنياكم النّساء والطّيب، وجُعلت قرةُ عيني في الصّلاة"، وقال: "النّكاح سنّتي، فمن رغِب عن سنّتي فليس منّي". طافَ ببيوت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة نفر من أصحاب النبي يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأُخبروا فكأنّهم تقالّوا ذلك، قال أحدهم: أمّا أنا فأصوم ولا أفطِر، وقال الآخر: أمّا أنا فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: أمّا أنا فلا أتزوّج النساء، تركوا تلك المباحات زهدًا فيها ورغبةً في الخير في تصوُّرِهم -رضي الله عنهم-، بلغ النبيَّ خبرُهم فقال: "أما إنّي أتقاكم لله وأخشاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوّج النساء، فمن رغِب عن سنّتي فليس منّي". وحقًّا إنّ من يزهد في النكاح أو لا يريده أو يُضعِّف من شأنه أو يدعو الشبابَ إلى أن يتركوا النكاحَ حتى يمضِي دورُ الشّباب ويدخل في عهد الكهولة فهذا مخالفٌ لسنّة محمّد -صلى الله عليه وسلم-.

أيّها المسلم: الزّواجُ عبادَة لله وقربةٌ يتقرّبَ بها العبد إلى الله، فهو أفضل من نوافل العبادة؛ لأنّه يعين على تحصين الفرج وغضِّ البصر وسلامة العبد من الوقوع فيما حرَّم الله عليه.

أيّها الشابّ المسلم: إنّ الزواجَ خير كثير، متى ما توفّرت أسبابُه فعليك بالسعي في ذلك، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم-يقول: "يا معشرَ الشّباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم، فإنّه له وجاء"، فهذا خطابٌ مِن محمّد -صلى الله عليه وسلم- موجَّه لشباب الأمّة المسلِمة: "من استطاع منكم الباءة فليتزوّج"، من كانت عندَه القدرة الماليّة والبدنيّة فليتزوّج وليبادِر، فإنّ ذلك أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ثمّ قال: "ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنّه له وجاء" يقتل حدّة الشخص.

ردّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون تبتُّلَه؛ لأنّ عثمان أراد أن ينقطع عن الدنيا فيزهد في الزواج، فردّ النبيّ عليه تبتُّله ومنعه من ذلك؛ لأنَّ الزواج من هديِ المرسلين، كما قال جلّ وعلا: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً﴾ [الرعد:38].

أيّها الشابّ المسلم: إيّاك والزهدَ في الزّواج، وإيّاك والنظرَ إلى الأمور البعيدة المدَى التي ربّما حالت بينك وبين الزواج، يأتيك عدوّ الله ويقول: أنت تتزوّج في هذا السنِّ المبكّر، لماذا تتحمّل المسؤولية ولا تزال في عهد شبابك، تتحمّل التّبِعات مِن نفقة ورعايةٍ وتقيّد وعدم انطلاق؟! دَع عنك النكاح، انطلِق في شبابك وأرضِ نفسك وأعطِها مُناها، وبعدَ الأربعين تزوّج فتلك السّعادة.

هذه مِن وساوس عدوِّ الله، يزهِّد الشّباب المسلمَ في الزواج قائلا له: إنّه يقيِّد حريّتَك، ويحمّلك المسؤولية والتّبعة، ويجعلك راعيًا، وتلتزم النّفقات، وتلتزم وتلتزم، وتكون مسؤولا، وربّما جاءك ولدٌ في السنّ المبكّر فتبقى شقيًّا مع زوجةٍ وأولاد، وأمامَك زمنٌ طويل، أعطِ نفسَك مناها، وأرضِ نفسَك وتمتَّع بشهواتك، والزّواج مُمكنٌ بعد حين. هذه الفكرةُ الخاطئة ارفُضها أيّها المسلم، وإيّاك أن تعوِّل عليها.

قد يأتي عدوّ الله ويقول: تزوّجتَ أيّها الشاب، فأين النّفقة؟ أين السّكن؟ أين وأين؟ حتى يجعلَ الأمورَ كلَّها أمامك شاقّة تتصوّرها عقباتٍ لا تستطيع تخطّيها، هذه المقالةُ لا تصغِ لها، وتذكّر قولَه جلّ وعلا: ﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.

أيّها الشابّ المسلم: قد يأتي عدوّ الله لك بصورةٍ أخرى أيضًا يزهّدك في الزّواج، ويبعدك عنه، ويجعلك لا ترغَب فيه، يقول لك: هذه المرأة التي خطبتَها هل أنتَ ضامن أن تستمرّ معك أو تبقى معك؟ ربّما فسَد الزواج، وعُدتَ وذهبَت أموالك هباءً منثورًا.

يا أخي: هذه خطواتُ عدوِّ الله، لقد أمرك نبيّك عندما تريد خطبَة امرأةٍ أن تستخير الله، فتسأله -جلّ وعلا-: إن تكن تلك المرأة خيرًا لك في دينك ودنياك فاسأل ربَّك أن ييسِّرها لك، وإن يكن في عِلم الله أنّها ليست تناسبك فاسألِ الله أن يصرفَك عنها ويصرفَها عنك.

أيّها المسلم: إنّ عدوَّ الله يزهِّد في كلِّ خير، فإيّاك أن تصغيَ لوساوسه أو تصغيَ لأهدافه السيّئة، بل استمرَّ على الخير، وحقِّق أمرَ الله ،وثِقْ بوعد الله، فالله لا يخلِف الميعاد.

أيّها المسلم: نبيّك -صلى الله عليه وسلم- رغَّبك في اختيار ذاتِ الدّين والخلُق القويم، فإنّها عونٌ لك في أمور دينِك ودنياك، يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-: "تُنكَح المرأة لأربع: لمالها وجمالِها ودينها ونسبها، فاظفَر بذات الدين ترِبت يداك"، يقول الله: (فَلصَّـالِحَـاتُ قَـانِتَـاتٌ حَـفِظَـاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء:34].

أيّها المسلم: إذا تقدَّم لفتاتِك من ترضى دينَه وخلقه وأمانتَه فكن عونًا لابنتِك على الزواج، حريصًا على صيانتِها وعفَّتها، "إذا أتاكم من ترضَون دينَه وأمانتَه فزوِّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير"، فلا يحول بينك وبين زواج الفتيات الأمورُ المادّية والمطامع المادّية، كلُّ هذه ينبغي أن لا تكون عائقًا، المهمّ أهليّةُ ذلك الرجل، صلاحيته فيما يغلِب على الظنّ وأهليته لحمل تلك الأمانة، فإذا تحقَّق ذلك فاحمد الله، وتذكّر قوله: (وَأَنْكِحُواْ الأيَـامَى مِنْكُمْ وَلصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

كلّما شاعَ النكاح في مجتمعٍ وكثُر في المجتمع دلَّ على خيريّة ذلك المجتمع وكثرةِ الخير والصلاح فيه، وكلّما قلّ هذا النكاح وضعُف شأنه إنّما هو عنوان عدم الاستقامةِ والعياذ بالله، فالحرص على إشاعة هذا النّكاح والإعانة عليه من الأمّهات والآباء أمرٌ مطلوب شرعًا؛ ليقوم الجميع بما أوجب الله عليهم، فتسعد البشريّة بتقلُّص الجرائمِ وقلَّتها، نسأل الله للجميع الثباتَ على الحقِّ والاستقامةَ على الهدى.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

أيّها الأب الكريم: إنّ الفتاة أمانةٌ في عنقِك، والله سائلك عنها يومَ لقائه، هذه الفتاةُ إيّاك أن تمنعَها من الزواج وأن تحولَ بينها وبين الزواج، فهناك فِئة من الناس ربّما سعَوا في جعل البنات عوانس، ومنعوهنَّ من الزواج، لماذا؟ لا لقلّة من يتقدّم ولا لعَدم أهليّة من يتقدّم، ولكن الأغراض والمطامِع المادّيّة تحمل ذلك الرجلَ إلى أن يضعَ عقباتٍ أمام فتاتِه يريد منعَها عن الزواج، لماذا؟ لأنّه يستفيد من مرتَّبها ومن أموالها، فهو لا يريد زواجَها خوفًا من أنَّ مرتَّبها ينقطع عنه، ولا يحصل له ذلك بعد الزواج والتحامِها بالزوج، فالطمعُ المادّي يمنعه من زواج ابنتِه، ولا يعلم أنّه ارتكب خطأً عظيمًا، وأنَّ الله سيُحاسبه يومَ الوقوف بين يدَيه.

أيّها الرّجل المسلم، أيّها الأب الكريم: اتِّق الله في هذه الفتاة، فإذا تقدّم لها خاطبٌ فانظر حالَ ذلك الخاطب، واعرِض عليها الأمرَ عرضًا واضحًا، اعرض عليها أحوالَ ذلك الرجل: سيرتَه، أعماله، أخلاقه، ما قيل عنه، حيث ينبغي التقصّي في هذا الرّجل، لا أقول: الكمال المطلق، فالكمال ليس بمقصود، ولكن المقصود الحِرص على أن تكونَ المرأة لدَيها تصوّر عن ذلك الرّجل الذي سيكون شريكًا لحياتِها. وعليك تقوى الله في أن تعلم هل هذا المتقدِّم أهلٌ لهذه الأمانة أم لا؟ تسأل عن دينِه، عن استقامته، عن أعماله، عن أخلاقه؛ لأنّ هذا هو المطلوب، وما أمكن إصلاحه فاستصلِحه، وما أمكن أن تنصَح ذلك المتقدّم أو تحذّره من أمور ترى أنّ بقاءه عليها عائق بينه وبين استمرار الحياة الزوجية فلا مانع مِن نصيحةٍ وتوجيه، المهمّ أن لا تَعقد الفتاة إلا على من يغلِب على ظنّك أنّه أهلٌ لتلك الأمانة، بعد استخارة الله والاستشارة، والأمرُ بيد الله، والغيب عِلمه عند الله.

أيّها المسلم: إنّ نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- أرشدَ المسلمَ أيضًا إلى أن ينظرَ إلى الفتاة التي يريد خطبتَها، نعم أرشدَه إلى أن ينظرَ إليها وقال: "عسى أن يؤدَم بينكما"، ويكون هذا النّظر بحضور محرمِها لأنّه لا يحلّ له الخلوةُ بامرأةٍ لم يعقِد عليها، وإنّما هي نظرة، ليلقي نظرة عليها، فإن قدَّر الله ذلك، وإلا فينبغي لذلك المتقدِّم أن يكتُم ذلك السرَّ ولا يفشيَ ويقول: نظرتُ لابنة فلان فلم تعجِبني، فيها من العيوب ما فيها، هي لم تعجِبك أنتَ وقد تعجب غيرَك، لم تكن حسناءَ في نظرك وقد تكون حسناءَ في نظرِ غيرك، فكتمانُ السّرِّ والمحافظة على الأمانة أمر مطلوب شرعًا.

أيّها الشابّ المسلم: وعندما تتقدّم لخطبَة امرأة وتنظر إليها فإني احذّرك من الاتّصالات الهاتفيّة قبل عقدِ النكاح، فإنّ كثيرًا من هذه الاتّصالات الهاتفيّة ربّما أبطأت أمرَ الزواج، وحصل قيل وقال وفضولُ كلام، لا طائلَ تحته، وإنّما هو سببٌ في إبعاد الزّوجين بعضهما من بعض.

أيّها الشاب المسلم: عندما تحصُل هذه الاتصالات الهاتفيّة غالبًا قبلَ العقد ربّما تكون سببًا في إفساد العَقد، ربَما يسألها عن تاريخها وحياتها السّابقة، وتفتح له كلامَ القيل والقال، وربّما سألته عن حياته الماضية، فقال عن نفسه ما قال، فيكون ذلك سببًا لانفصام الخطبة وعدم استمرارها. العَبدُ لا يخلو من خطأ، والمسلم لا يخلو من خطأ، قلّ أو كثر، لا الرّجل ولا المرأة، والتّوبة إلى الله والاستغفار والنّدم والإقلاع عن الخطأ هذا هو المطلوب من المسلم، وأمّا تتبّع الماضي وجعلُ الماضي منهجًا لكي يُصَدّ عن الزواج فإنّ هذه الأمور -إذا تبت منها- لن يسألك الله عنها، وإنّما عليك في حياتك المستقبليّة، هذا هو المطلوب، أمّا الاتصالات قبل العقد فلا خير فيها؛ لأنّه يخشى أن تجرَّ إلى لقاءٍ قبل العقد، وهذا أمرٌ محرَّم شرعًا، وإذا أردتَ التخلّصَ من هذه التبِعات فاعقِد العقدَ الشرعيّ الذي يقول فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله".

وعلى الجميع تقوى الله والتّعاون على البرّ والتقوى في سبيل إشاعة عقد النكاح وتكثيره، فهو علامةُ خير في الأمّة، أسأل الله للجميع التوفيق والعونَ على كلّ خير، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهمَّ عن خلفائه الراشدين…