نظرة في الإرهاب

عناصر الخطبة

  1. منشأ مصطلح الإرهاب
  2. سبب انخداع البعض به
  3. حقيقته
  4. تحريم الإسلام للعدوان
  5. القيم الراقية في الجهاد
  6. مقارنتها بالعدوان الصليبي
  7. البغاةُ سفَّاكو الدماء وأسماؤهم الشرعية وعقوباتهم
  8. بيان هيئة كبار العلماء حول تحريم وتجريم تمويل الإرهاب
اقتباس

حين نتأمل كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- نجد أنَّ من أعظم المحرمات، وأكبر الكبائر، العدوان على الحقوق المعصومة من نفس ومال وعرض وغير ذلك، والله تعالى سمَّى ذلك إفساداً، بل إن العدوان على الكافرين مُحَرَّمٌ، وفيه تَجاوز الحق المشروع، وإن كنا نبغضهم غاية البغض فإنّ ذلك مما حرَّمَه الله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ [المائدة:2].

إنَّ من أكثر المصطلحات رواجاً في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي مصطلح الإرهاب، وهو كذلك من أشدها إضلالاً وخداعاً، وأخطرها على المفاهيم الإسلامية الناصعة؛ واليوم نحاول الوقوف لتعرية هذا المصطلح، وبيان الواجب تجاهه. 

إنَّ من العجيب المحزن أنّ مصطلح الإرهاب لم ينبت في دوائر المسلمين ولا مجامعهم ولا جامعاتهم، إنما نبت في الدوائر الغربية الصليبية والصهيونية؛ محاولة منهم لتدمير مفاهيم الإسلام، وتشويه صورة المسلمين، حتى عند المسلمين أنفسهم.

وقد أصبح وصف الإرهاب إنما يطلق على أهل الإسلام، وصدق أكثر الناس ذلك، وطُمست أعيننا، وباتت عقولنا محجوبة عن أن تبصر من هو الإرهابي الحق والمتطرف الصدق، أهو الذي يدافع عن حقه ومصير بلده في العراق أو فلسطين أو أفغانستان؟ أم هو الذي يدمر البلدان، ويستعمر الأوطان، وينهب الثروات، ويزرع العداوات، وينتهك كل الحقوق والأخلاقيات؛ ليجسد عدوانية مقيتة أشد من عدوانية الوحش الحيواني؟!.

بات الإنسان المسلم الذي يدافع عن حقه في وطنه من العدوان في فلسطين وغيرها إرهابياً، بينما دولة إسرائيل التي تدمر الحياة لا توصف بأنها إرهابية وإنما تدافع عن نفسها، وإنّ هذه الخدعة التي وقعت فيها فئام من المسلمين تجاه هذا المصطلح لم تكن لو كان لديهم حصانة شرعية وإدراك لما أنزل الله -تعالى- على رسوله في كتابه، ولكن لم يعوا عن الله تعالى ما أنزل، فباتوا ولهم أعين لا تبصر، وآذان لا تسمع، وقلوب لا تعقل! نعم، إننا لا نشاهد حروباً بل نشاهد إبادات نازية للأطفال والنساء والشيوخ لا تختلف عن نازية هتلر، وصرعى الإرهاب الأمريكي والصهيوني لا يختلف كثيرا عن محرقة هتلر. أمَا إننا بحاجة إلى أن نعي حقيقة المصطلح، وماذا وراءه.

إننا نحمد الله تعالى -أهلَ الإسلام- في هذا البلد وغيره أن الإرهاب الذي وقع في بلادنا إنما قام به قلة قليلة دفع الله شرها، ورد مكرها؛ بينما نرى الإرهاب الغربي والصهيوني تمثله دول برمتها وتحميه، وأي البلاد أحق بالأمن والسلام ؟!.

أيها المسلمون: ونحن هنا في هذا المنبر يجب أن تكون لنا نظرتنا الخاصة بهذه القضية نظرة شرعية تجاه الإرهاب، بعيداً عن ضجيج الإعلام والأقلام .

فأولاً: حين نتأمل كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- نجد أنَّ من أعظم المحرمات، وأكبر الكبائر، العدوان على الحقوق المعصومة من نفس ومال وعرض وغير ذلك، والله تعالى سمَّى ذلك إفساداً، بل إن العدوان على الكافرين مُحَرَّمٌ، وفيه تَجاوز الحق المشروع، وإن كنا نبغضهم غاية البغض فإنّ ذلك مما حرَّمَه الله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ [المائدة:2]، والله تعالى يقول: ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة:190]، ومن هذه الآيات يتبين لنا أنّ رد العدوان ليس عدواناً ولا إرهاباً، وإنما الإرهاب والعدوان مجاوزة الحق في القتال.

ثانياً: من تأمل سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حال غزواته يرى النموذج الأخلاقي الراقي حتى في حالة الحرب والجهاد، ذلك لأن الجهاد ليس نزَواتٍ شهوانيةً، ولا غروراً تقنيَّاً، ولا استعمارا، وإنما هو تحرير للعباد من سيادة العباد، ورفع المظالم عنهم.

تأمل هذه الأحاديث: عن كعب بن مالك، عن عمه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بعثه إلى ابن أبي الحقيق نهاه عن قتل النساء والولدان. انظروا كيف يعصم الرسول نساء هذا اليهودي وولدانه، مع أنه آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غاية الإيذاء؟! وانظروا اليوم ماذا تصنع أكبر دول العالم بالدول التي تغزوها وتستعمرها كيف تدمر وجه الحياة؟! فأي الملتين أحق بالإرهاب؟!

وهاهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يودع أصحابه الغزاة على مشارف المدينة ويوصيهم بالمبادئ والقيم فيقول: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، مَن كفر بالله. لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا، ولا امرأة، ولا كبيرا فانيا، ولا منعزلا بصومعة، ولا تقربوا نخلا، ولا تقطعوا شجرا، ولا تهدموا بناء". الله أكبر يا أمة محمد! أين حروب الأمم اليوم وحضارة الغرب عن هذه القيم؟! وأين بعض بني جلدتنا ممن استحوذت عليهم الشبهات عن هذه الصورة المشرقة؟!.

وفي غزاة مر ابن عمر -رضي الله عنهما- على الجرحى والقتلى فوجد امرأة مقتولة، فغضب وقال: لقد أنكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان. وعَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ, وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ، قَالَ: فَأَفْرَجُوا لَهُ، فَقَالَ : "مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ" ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ: "انْطَلِقْ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقُلْ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُك يَقُولُ: لاَ تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً، وَلاَ عَسِيفًا (العسيف=الأجير)".

وها هو أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَحْمِلُ سَفْرَةَ أَصْحَابِي, وَكُنَّا إذَا اسْتُنفِرْنَا نَزَلْنَا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ, حَتَّى يَخْرُجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولَ: "انْطَلِقُوا بِسْمِ اللهِ, وَفِي سَبِيلِ اللهِ تُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ, لاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ تَغُلُّوا".

إنها وصية لم تقل مرة واحدة ولا مرتين، بل كلما خرجت سَرية أعلن النبي مبادئ الإسلام في القتال، فلا يقاتَل إلا من هو أهل له! يروي بريدة -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ يَقُولُ: "اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، لا تَغْدِرُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا".

"وإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى خِصَالٍ ثَلاثٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، وَادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دُورِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ، وَاخْتَارُوا أَنْ يُقِيمُوا فِي دَارِهِمْ فَهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَلا الْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَاعْرِضْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيةَ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ثُمَّ قَاتِلْهُمْ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَحَاصِرْهُمْ، فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لا".

إنها -والله- وصية عظيمة، ووثيقة تاريخية شريفة، تبين لنا أي قمة أخلاقية عالية سامية بلغتها هذه الشريعة الربانية؛ لأنها شريعة الله تعالى لا أهواء البشر، لا يقاتلون حتى يدعون إلى الإسلام ويخيرون فإن أبوا فالقتال؛ وأين الدول التي تشرع الضربات الاستتباقية للشعوب عن هذا الميثاق الرباني الشريف؟!.

ثالثاً: مما بينته الشريعة أنَّ الذين يسفكون الدماء في هذه الأمة بغير حق أحد ثلاثة أصناف:

أولهم:- البغاة، وهم من ذكرهم الله في قوله : ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(10)﴾ [الحجرات:9-10].

ثانياً: الخوارج وهؤلاء شر هذه الأمة، وهم الذين يكفرون مرتكب الكبيرة، ويستحلون الدماء بغير حق، وهم الذين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون مِن خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم؛ أينما لقيتوهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة".

ثالثاً:- قطاع طريق، وهم الذين ذكر الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(34)﴾ [المائدة:33-34].

ولكل منهم أحكام تخصه في التعامل، وكل قد شدد الله تعالى في خطر ما هو عليه، على نحو من العدل والحكمة؛ وإنه لَمِن المؤسف أن تغيب هذه الأسماء الشرعية التي أنزلها الله تعالى في كتابه ويغلب علينا لفظ الإرهاب.

الخطبة الثانية :-

رابعاً: إن مما دلت عليه الشريعة تجاه الأصناف الثلاثة أن تواجهها الأمة بما شرع الله تعالى لا بما تهواه الأنفس، فأما البغاة فيدعون أولاً إلى الصلح، فإن أبوا قوتلوا حتى يفيئوا إلى العدل؛ وأما الخوارج فيقاتلوا -بعد أن تزول شبهتهم- قتالاً شديداً؛ لأنهم شر الطوائف، وأما قطاع الطريق فالواجب تتبُّعهم وإقامة حد الله فيهم كما في الآية.

وعليه، فلا يجوز لمسلم أن يتخذ سبباً لمناصرة هؤلاء ومعاونتهم، لا بلسانه ولا بماله ولا بيده، فإن كان منه شيء من ذلك فإنه منهم، وقد بينت "هيئة كبار العلماء" حرمة ذلك في بيانها التالي: الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن هيئة كبار العلماء قد نظرت الهيئة في حكم: "تمويل الإرهاب" باعتبار أن الإرهاب جريمة تستهدف الإفساد بزعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، كنسف المساكن والمدارس، والمستشفيات والمصانع والجسور، ونسف الطائرات أو خطفها، والموارد العامة للدولة كأنابيب النفط والغاز، ونحو ذلك من أعمال الإفساد والتخريب المحرمة شرعاً، وأن تمويل الإرهاب إعانة عليه، وسبب في بقائه وانتشاره .

كما نظرت الهيئة في أدلة "تجريم تمويل الإرهاب" من الكتاب، والسنة، وقواعد الشريعة، ومنها قول الحق -جل وعلا-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى? وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2]، وقال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205)﴾ [البقرة:204- 205]، وقال تعالى: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾ [الأعراف:56].

وفي صحيح مسلم من حديث علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعَنَ اللهُ مَنْ أَوَى مُحدثاً" الحديث . قال الحفظ بن حجر -رحمه الله- في الفتح "وفيه أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء".

ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: أن للوسائل حكم الغايات، ولما جاء في الشريعة من الأمر بحفظ الحقوق والعهود في البلاد الإسلامية وغيرها .

لذلك كله فإن الهيئة تقرر أن تمويل الإرهاب أو الشروع فيه محرم وجريمة معاقب عليها شرعاً، سواء بتوفير الأموال، أم جمعها أم المشاركة في ذلك، بأي وسيلة كانت، وسواء كانت الأصول مالية أم غير مالية، وسواء كانت مصادر الأموال مشروعة أم غير مشروعة .

فمن قام بهذه الجريمة عالماً، فقد ارتكب أمراً محرماً، ووقع في الجرم المستحق للعقوبة الشرعية بحسب النظر القضائي .

وتؤكد الهيئة أن تجريم تمويل الإرهاب لا يتناول دعم سبل الخير التي تعنى بالفقراء في معيشتهم، وعلاجهم، وتعليمهم؛ لأن ذلك مما شرعه الله في أموال الأغنياء حقاً للفقراء.

وإن هيئة كبار العلماء إذ تقرر هذا فإنها توصي المسلمين جميعاً بالتمسك بالدين، وهدي نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، والكف عن كل عمل من شأنه الإضرار بالناس، والتعدِّي عليهم.

ونسأل الله -عز وجل- لهذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، وعموم بلاد المسلمين الخير والصلاح، والحفظ، وجمع الكلمة، وأن يصلح حال البشرية أجمعين بما يحقق العدل وينشر الفضل. والله الموافق والهادي إلى سواء السبيل. وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.