الحث على الزواج والتحذير من عوائقه

عناصر الخطبة

  1. مصالح الزواج ومقاصده
  2. من عوائق الزواج
  3. استحباب الوليمة
  4. منكرات الأفراح   
  5. تأخير الزواج بعذر الدراسة
  6. عضل المرأة من الظلم
اقتباس

أيها الأولياء: لا تمتنعوا من تزويج مولياتكم من أجل أهوائكم ورغباتكم وأطماعكم أو عدم مبالاتكم، فإنهن أمانة في أعناقكم وقد استرعاكم الله عليهن، واخشوا أن يسبب ذلكم لكم عاراً وخزياً لا تغسله مياه البحار، خاصة في هذا الزمان التي عظمت فيه المنكرات, وجُلبت فيه دواعي الفتنة والانحرافات، كل بيت يغص بالمصائب مليء بما يثير الغرائز، والإنسان مُهَيَّأ بفطرته لذلك إلا…

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واشكروه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فالحمد لله خلق بقدرته الذكر والأنثى وشرع الزواج لهدف أسمى، وقال تبارك وتعالى: (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

عباد الله: إن شريعة الإسلام من أسمى الشرائع، تسعى إلى تحقيق ما فطر الله الناس عليه, بضوابط تضمن لهم السلامة من المصائب وتجنبهم الوقوع في المعايب.

وإن النكاح من الأمور التي رغبت فيه الشريعة ودعت إلى تسهيله وإزالة موانعه والعراقيل التي تحول دون تحققه، فمن المصالح العظيمة التي شرع الزواج من أجلها:

أنه يصون النظر عن التطلع إلى ما لا يحل ويحصن الفرج ويحفظه، قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج…".

ومنها أنه يبعث الطمأنينة في النفس ويحصل به الاستقرار والأنس، قال الله تعالى: (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:21].

ومنها أنه سبب لحصول الذرية الصالحة التي ينفع الله بها الزوجين وينفع بها مجتمع المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".

ومن مصالح الزواج قيام الزوج بكفالة المرأة ونفقتها, وتوفير الراحة لها وصيانتها, ورفعتها عن التبذل والامتهان في طلب مؤنتها، وإعزازها من الذلة والعنوسة والكساد في بيت أهلها.

عباد الله: لما كان الزواج بهذه الأهمية في الكتاب والسنة وفيه هذه الفوائد العظيمة، فإنه يجب على المسلمين أن يهتموا بشأنه ويسهلوا طريقه ويتعاونوا على تحقيقه، ويمنعوا من يريد تعويقه من العابثين والسفهاء والحسدة والمخذلين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. لذلك جعل الله أمر التزويج بأيدي الرجال الراشدين والأولياء الصالحين، قال تعالى: (وَأَنْكِحُواْ الايَـامَى مِنْكُمْ) [النور:32].

وهذا خطاب للرجال العقلاء كما خاطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" رواه الترمذي.

عباد الله: إن هناك كثيراً من العراقيل وقفتْ حجر عثرة أمام إتمام مشروع الزواج، وما أوتينا إلا من قبل أنفسنا نحن الذين صنعناها وألِفناها ولم نسعَ إلى تغييرها والحد منها.

فمن هذه العوائق: تلك التكاليف الباهظة من غلاء المهور والمباهاة في إقامة الحفلات مما لا مُسَوِّغ له إلا إرضاء النساء والسفهاء ومجاراة المبذرين والسخفاء.

يجب علينا -أيها الأولياء، أيها الآباء، أيها العقلاء-  يجب علينا التكاتف للقضاء على هذه العادات السيئة، والقيام بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تيسير مؤنة الزواج وتخفيف المهور.

يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا تغلوا في صُدُق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية". والاثنتا عشرة أوقية تساوي مائة وعشرين ريالاً سعودياً بريال الفضة.

ولقد استنكر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- المغالاة في المهور كما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: "على كم تزوجت؟" قال: على أربع أواق، فقال له: "على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل". قال العلماء: أنكر عليه صلى الله عليه وسلم هذا المبلغ؛ لأنه كان فقيراً، فالفقير يكره له تحمل الصداق الكثير، بل يحرم عليه إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة. أما الغني فيكره له دفع المبلغ الكثير في الصداق إذا كان من باب المباهاة؛ لأنه يسن سنة لغيره.

والوليمة بمناسبة الزواج مستحبة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف لما تزوج: "أولم ولو بشاة". وهي على قدر حال الزوج، فلا ينبغي تركها ولا يجوز الإسراف فيها، ولا ينبغي الاقتصار على دعوة الأغنياء وذوي الجاه وترك الفقراء، يقول صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويمنعها المساكين، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" رواه مسلم والبيهقي.

ويجب الحذر من اختلاط النساء بالرجال في هذه الحفلات أو جلب المطربين والمطربات واستعمال المزامير المحرمة شرعاً. وإنما المأذون فيه استعمال الدف للنساء، بشرط عدم سماع الرجال لأصواتهن، وينبغي عليهم تجنب ألفاظ الخلاعة والميوعة والمجون.

وينبغي الحذر من التصوير والسفور، فلقد وصل الحال ببعض من ذهبت غَيْرَتُهم وقلّ حياؤهم أن يضعوا العروسين أمام النساء فتلتقط لهم الصور، ويشاهد الرجل النساء وهن يتمايلن أمامه بكل ميوعة وخلاعة ومجون. إن مثل هذا الزواج حري أن لا يوفق، إذ أنه بدأ بمعصية الله واشتمل على منكرات عظيمة.

أيها الرجال: أيها العقلاء، إلى متى تصرف النساء أمور الرجال؟ إلى متى يأمرن وينهين فيطعن؟ إلى متى ونحن نرى الكثير منا يقلد المرأة تصريف الأمور؟

إن المرأة مهما بلغت فهي ناقصة عقل ولا تكاد تعرف عواقب الأمور، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"[.إن العار والشنار إذا لحق إنما يلحق بالرجال.

صار بيد المرأة الموافقة على الزواج، وبيدها تحديد المهر، وبيدها شؤون الوليمة، فكثر العوانس وقلت المهور وأسرف في الولائم.

لنحذر -بارك الله فيكم- مَغَبَّةَ هذه الأمور فالقوامة للرجال، أما أن يقول الواحد منا: هذا شأن النساء فلا يخرجه ذلك من المسؤولية ولا يعفيه من تبعاتها.

عباد الله: ومن عوائق الزواج ما يتعلل به كثير من الفتيات أو من يتولى أمورَهن, من أنه لابد أن تكمل الفتاة دراستها الجامعية, حتى فوّت ذلك على الكثير منهن زهرة عمرها وصرف عنها الخُطّاب الأكفاء, مع أن الدراسة ليست ضرورية, في حين أن الزواج لا غنى بها عنه، ثم ماذا بعد الحصول على الشهادات، فوات الزوج المناسب في الوقت المناسب.

إنها تخسر بذلك حياتها الزوجية التي لا عوض عنها، فإن سعادة المرأة في حصول الزوج الصالح, لا في حصول المؤهل العالي، ولقد تعالت الصيحات من صاحبات الشهادات العالية، يبكين على زهرة الشباب، يبكين على تأخرهن في الزواج، تقول إحداهن:

لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة *** فقد قيل ماذا نالنـي من مقالهـا

فقل للتي كانت ترى فيّ قدوة *** هي اليوم بين الناس يرثى لحالها

وكلّ مناها بعض طفل تضمه *** فهل ممكن أن تشـتريه بمالهـا

إن هذا يصور المأساة حقيقة بسبب تقديم الدراسة وتأخير الزواج.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- في مَوْلِيّاتِكم، خذوا على أيديهن وأطروهن على الحق أطراً، فهن قاصرات نظر، جاهلات بالعواقب، فأقنعوهن وألحوا عليهن بما هو أصلح لهن.

وأخطر من ذلك وأدهى أن بعض الفتيات قد تكون موظفة, فتترك الزواج ولا تحرص عليه من أجل البقاء في وظيفتها، وقد يكون بعض الأولياء من أهل الخسة والدناءة, لا يريد تزويج مَوْلِيّتِهِ خشية انقطاع الراتب عنه، غير مبالٍ بما تتعرض له من الفتنة وما يفوت عليها من المصالح العظيمة في ترك الزواج، وما علم الشحيح أن المال يدفع لصون الأعراض:

أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض بالمال

وإن مثل هذا الفعل إنما هو من العضل الذي حرمه الله، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "إذا خطبها كفء وآخر وآخر فمنِعِ، صار ذلك كبيرة، يُمنع الولايةَ؛ لأنه إضرار وفسق".

وقد ذكر العلماء أنه إذا عَضَل الولي الأقرب, فإن الولاية تنتقل عنه إلى الولي الأبعد، فإن لم يكن لها ولي غير العاضل أو كان لها أولياء ورفضوا تزويجها، فإن القاضي يتولى تزويجها لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فإن السلطان ولي من لا ولي له".

فاتقوا الله -أيها الأولياء- لا تمتنعوا من تزويج مولياتكم من أجل أهوائكم ورغباتكم وأطماعكم أو عدم مبالاتكم، فإنهن أمانة في أعناقكم وقد استرعاكم الله عليهن، واخشوا أن يسبب ذلكم لكم عاراً وخزياً لا تغسله مياه البحار، خاصة في هذا الزمان التي عظمت فيه المنكرات, وجُلبت فيه دواعي الفتنة والانحرافات، كل بيت يغص بالمصائب مليء بما يثير الغرائز، والإنسان مُهَيَّأ بفطرته لذلك إلا أن يتداركه الله برحمته ويعصمه بقدرته.

نساء متبرجات وشباب متفرغون وقنوات تقدح زند الشهوة، وأولياء غافلون، بل مغفلون، وسائق وخادمة ومكالمات ولقاءات, وأمن من الرقابة السماوية والأرضية، فلا إيمان يمنع من وقوع المحذور، ولا خوف من عواقب الأمور، ومن أمن العقوبة أساء الأدب.

أيها الأولياء: اجعلوا الله أمام أعينكم، احرصوا على تزويج بناتكم ومن تحت أيديكم، إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، اتقوا الله فيهن، اتقوا الله فيهن، هل تريدون أن تسمعوا عنهن ما لا يسركم؟ هل تريدون أن تروا منهن ما يحزنكم؟ هل تريدون أن تخونوا الأمانة؟ هل تريدون أن تحرموا الجنة بسببهن؟ هل تريدون أن تدخلوا النار بدعائهن.

جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنْكِحُواْ الايَـامَى مِنْكُمْ وَلصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32].

الخطبة الثانية:

فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا أسباب الفتنة ودواعي انتشار الجريمة، فإن هذه المعوقات من أعظم تلك الأسباب والدواعي، واعلموا أن من الأولياء من يخاف الله ويرجو ما عند الله بطلب الستر والعفاف، ويسأل الله العيش الكفاف، يريد لبناته الأكفاء، ويسأل الله ذلك ويلح بالدعاء، ويشكو من بقاء بناته بلا زواج، وهو لم يقصر في شيء، ولم يطمع في مال، فهذا لا تثريب عليه، وإنما المؤاخذة على الشباب ممن عزفوا عن الحلال فوقعوا في الحرام، فهؤلاء هم المقصرون مهما كانت أعذارهم.

ولعل المقام لا يتسع للحديث عن ذلك فنرجئه إلى الجمعة اللاحقة -إن شاء الله- مع الحديث عن معوقات أخرى للزواج، نرجو من الله أن يأخذ بأيدي الأولياء إلى حلها وبأيدي الشباب للتغلب عليها، وأن يوفق أهل العلم والإصلاح لبث الوعي بين عامة الناس، والأخذ بأيديهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.