الحرية بين المفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي

عناصر الخطبة

  1. محاربة الحجاب في فرنسا
  2. الحرية الكاذبة والبهيمية في أوربا
  3. الآثار السلبية للحرية البهيمية
  4. الحذر من دعاة الفساد
اقتباس

وإني أحذر من هذا المكان أمة الإسلام بأن أعداء الدين والفضيلة باتوا أكثر حرصًا من ذي قبل على جرنا لمستنقع رذيلتهم, وإنهم يحرصون على هذه البلاد -حرسها الله- على جهة الخصوص؛ لأنها البلد الإسلامي الوحيد الذي بقي ثابتًا وسيظل بإذن الله أمام تيارات الفحش والرذيلة, فتنبهوا لما يراد بكم وابنوا في بناتكم ونسائكم جُدرًا منيعة أمام طوفان الفجور العاتي ..

الحمد لله المتفرِّد بأحسن الأسماء وأكمل الأوصاف، رفع عن المرأة كلَّ سبل الضيم والإجحاف، أحمده سبحانه وأشكره شرع لأمة الإسلام شريعة الطهر والعفاف وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, يحب ولاند له يُخاف, وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله كامل الخصال البشرية والأوصاف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. 

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم يا خير أمةٍ أخرجت للناس بسبب رغد العيش وسعة الرزق ألا وهي تقوى الله, يقول الله جلَّت قدرته: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف:96]

أيها الأحبة في الله: سمعنا وسمعتم ما تناقلته وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي من إقرار دولة تعد رائدة الحرية والمبشِّرة بها في الغرب، لقانون يمنع الفتاة المسلمة من وضع قطعة قماش على شعرها وليس من الحجاب الشرعي الكامل، وهدَّدت من تقوم بذلك بمنعها من الدراسة والتعليم وغير ذلك من حقوقها المدنية، وقد سمعنا ردود الفعل حيث عبَّر عدد من بني الإسلام عن إصابتهم بالدهشة لهذا الموقف وتألمهم له.

وهذا في الواقع لعدم معرفتهم بحقيقة الحضارة الغربية التي بهروا بها وقام قوم يبشِّرون أمة الإسلام بأنها المنقذة لهم من تخلفهم وضياعهم، ونسوا أن المخرج الوحيد لهذه الأمة من حالها وأن سبيل عزِّتها يكمن في تمسكها بكامل دينها بما فيه تمسك المرأة بحجابها، ومن بني الإسلام من فرح لهذا الموقف الذي كشف الوجه الحقيقي للحرية الزائفة التي يبشِّر بها أهل الكفر ذلك الوجه الذي بُحَّت أصوات أهل الحق وهم يحذِّرون منه، ولكن قلَّ من يسمع لهم أو يجيب نداءهم.

فيا أمة الإسلام عامة ويا فتاة الإسلام خاصة تنبَّهي ولا تُخدعي بالشعارات الزائفة مهما علا بريقها, فالمؤمن والمؤمنة أصحاب رؤيا نافذة وبصيرة ثقابة، أكرمهم الله بخير ميزان, لم تعط أمة من الأمم مثله كتاب الله وسنة رسوله, فنقول لهم أعرضوا عليها كل ما يشكل عليكم وستجدون فيهما بلا ريب حلاً لكل مشكلاتكم وميزانًا لما تأخذوه وما تدعوه من تراث غيركم من الأمم ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:38].

الحرية التي تدعوا إليها الحضارة الغربية المعاصرة اليوم حريَّة بهيميةٌ خرقاء تؤصِّل للفحش والمجون وسيطرة الشهوات؛ فللمرأة أن تخرج هناك عارية حمراء بلا لباس حتى يغطي سوأتها ولاحق لأحد أن يعترض عليها؛ لأنها حرة, ومن يعترض على ذلك يجازى باسم الحرية، وللرجال نفس الحق بل أنشئت هناك باسم الحرية أندية رسمية تسمى (أندية العراة), ولهم شواطئ خاصة باسمهم، باسم الحرية للمرأة بل حتى للفتاة الصغيرة المراهقة أن تعاشر من تشاء من الرجال وليس لوليها ولا حتى أبوها أن يعترض عليها, تأتي بمن يزني بها على فراش أبيها وليس له إلا أن ينظر ويبارك أو العقوبة و السجن.

باسم الحرية الفردية أصبح من حق الرجل أن ينزو على الرجل بل يقنن ذلك رسميًا وباسم الحرية أصبح اللوطية يتفاخرون بفعلتهم القذرة ويعلنونها على الملأ ولهم حقوق نظامية ولهم مناصب عليا هناك، وفي المقابل هناك اكتفاء النساء بالنساء وأصبح للسحاقيات صوت عالي وحقوق يرعاها النظام.

هناك باسم الحرية يعيش الذكور والإناث كعيشة البهائم ينزو بعضهم على بعض حتى في الحدائق العامة وعلى أرصفة الشوارع وقد حدثني والله من رأى ذلك بأم عينه وقال: قلت في نفسي ليتهم تنحَّو عن الطريق.

بل هناك باسم الحرية رجال تنزو على البهائم وبهائم تنزو على النساء وقد يكون ذلك أمام جمع من الناس.

هناك باسم الحرية كانت قنوات العهر والفجور التي تعرض العلاقة بين الرجال والنساء، وبين الرجال مع الرجال والنساء مع النساء وكل فريق منهم مع الحيوانات.

بل لم يسلم من ذلك حتى الأطفال فأصبحت هناك عصابات تتاجر في خطف الأطفال وإجبارهم على ممارسة الرذيلة بل وإعلان ذلك وترويجه بين الناس.

وقائمة مستنقع الرذائل التي غرقوا فيه والظلمات التي يتخبطون فيها طويلة.

أتدرون ما النتيجة؟ النتيجة إيدز وزهري وسيلان وضياع للأنساب وتفكك للأسر ومصائب عدة يدركها كل عاقل.

أولئك القوم يستمدون شريعتهم وحريتهم التي يسعون لترويجها بين المسلمين من عدو البشرية إبليس -أجارنا الله وإياكم من مكره- أخبرنا عن ذلك ربنا وحبيبنا وخالقنا جل جلاله بقوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:27].

فالله أكبر متى يدرك فئامٌ من بني قومي ممن يدعون زورًا وبهتانًا لتحرير المرأة أنهم إنما يدعون لنبذ شريعة الرحيم الرحمان واتباع شريعة الشيطان.

نتيجة تلك الحرية الشيطانية نشرته منظمة اليونسكو ومنظمات حقوق المرأة في تقارير أخيرة لها حيث قالت: "إن مافيا البغاء مجندةٌ أكثر من تسعة ملايين امرأة للدعارة والبغاء خمس وتسعون بالمئة منهن يعملن في ذلك مكرهات".

هل رأيتم -معاشر الأحبة في الله- كيف أن تلك الحرية هي حرية الفحش والزنا والخنا والموبقات, فالرجل والمرأة لهم مطلق الحرية لأن يتفننوا في ذلك, ولكن بمجرد أن تظهر بوادر ولو بسيطة للاتجاه نحو الطهر والعفاف إذا بالمجتمع ترتعد فرائصه خوفًا ويتدخل قمة الهرم السياسي لمنع الطهر والعفاف أو بوادره، عند العودة للطهر والعفاف تنتهي الحرية ويبرز تصحرها ووجهها الكالح، أما حرية الإسلام فهي تدع للرجل والمرأة الحرية في أن يبدع في نشر الخير والطهر والعفاف ولكن تنتهي حدودها بمجرد أن تظهر بوادر للفجور, ويضع الإسلام الحواجز المنيعة دون انتشار ذلك في المجتمع.

وإني أحذر من هذا المكان أمة الإسلام بأن أعداء الدين والفضيلة باتوا أكثر حرصًا من ذي قبل على جرنا لمستنقع رذيلتهم, وإنهم يحرصون على هذه البلاد -حرسها الله- على جهة الخصوص؛ لأنها البلد الإسلامي الوحيد الذي بقي ثابتًا وسيظل بإذن الله أمام تيارات الفحش والرذيلة, فتنبهوا لما يراد بكم وابنوا في بناتكم ونسائكم جُدرًا منيعة أمام طوفان الفجور العاتي، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النور:19].

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام وجعلنا خير أمة أخرجت للأنام، أحمده سبحانه وأشكره, فحُقَّ أن يحمد سبحانه على الدوام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُقصد أو يُرام, وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة سرمدية متصلة على الدوام.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا رحمني الله وإياكم أنه لا يمكن لعدو الملة والدين أن يبغي الخير لأمة الإسلام، والأمثلة العملية شاهدة على ذلك, فكم من دولة دخلوها بحجة رفع الضيم والجور عن أهلها وبشروهم بالسعادة والأمن و الرفاهية، فماذا كانت النتيجة؟ جعلوا أعزة أهلها أذلة، ونهبوا خيراتها، وانتشر الفقر والخوف والقتل في جنباتها, وأسوأ من ذلك أن الفتنة الطائفية بدأت تطل برأسها بعد أن كانت خامدة لسنين طويلة.

أيها الأحبة في الله: لنربي أنفسنا وبناتنا ونسائنا على الفطنة واليقظة وعدم الانخداع بالشعارات الجوفاء، لنغرس فينا وفيهم عقيدة راسخة كالجبال لا تتزعزع, وهي أن السعادة والأمن والرخاء هو في التقيد بشريعة الله, وأن الشقاء والضنك والذل والتخلف هو في البعد عنها، يوم أن تمسك بشريعة الله سلفنا الصالح رجالاً ونساء قادوا البشرية فأسعدوها ويوم بدأ التفلُّت من شريعة الله والتمرد عليها أصاب الأمة ما أصابها، وقد حذَّر الله الأمة من ذلك في كتابه يوم أن قال: ﴿… فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾ [طـه:123-124] ولا يعني ذلك -أيها الأحبة في الله- التقوقعَ على النفس وعدم الاستفادة مما عند الآخرين، لا بل نأخذ ما عندهم من علم وتقنية وفوائد أخرى دون التخلي عن ديننا وقيمنا وأخلاقنا.