الغناء

عناصر الخطبة

  1. ذم الغناء وبعض أسمائه وأوصافه القبيحة
  2. بعض أدلة الكتاب والسنة على تحريم الغناء
  3. بعض أقوال الأئمة وفتاويهم في ذم الغناء
  4. غناء اليوم أشد حرمة من غناء الأمس من أوجه
  5. دور وسائل الإعلام في نشر الغناء
  6. حكم الغناء بآيات من القرآن وبعض ألفاظ المغنيين
اقتباس

الغناء -عباد الله-: كتاب الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية الزنا واللواط، وهو رسول العاشقين الفسقة لينالوا ما يريدون، وهو سبيل تسلط الفسقة من الجن على الإنس، وهذا الغناء الذي أصبحت لا تكاد تجد من نجا منه إلا من عصم الله، بل لربما رأيت…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله …

أما بعد:

إن المعركة بين إبليس وجنوده من الجن والإنس، وبين المؤمنين، دائمة لا تتوقف، وإنها معركة نعيشها كل يوم، لا، بل كل ساعة، وكل دقيقة، لقد أقسم إبليس يوم أن لعنه الله، وأهبطه إلى الأرض، أن يشن حرباً لا هوادة فيها عليكم، وأن يجند لها كل من استطاع أن يغويه من عباد الله، وقد اتخذ لأجل ذلك وسائل وطرقا كاد بها بني آدم، فمن مكايد عدو الله ومصايده، التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين: سماع الغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان.

الغناء -عباد الله-: كتاب الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية الزنا واللواط، وهو رسول العاشقين الفسقة لينالوا ما يريدون، وهو سبيل تسلط الفسقة من الجن على الإنس، وهذا الغناء الذي أصبحت لا تكاد تجد من نجا منه إلا من عصم الله، بل لربما رأيت الأب يعلم طفله، أو طفلته الغناء وألفاظه، ويشجعهم على هذا الفعل الذميم -مع الأسف الشديد- هذا الغناء، قد جاء له في الشرع بضعة عشر اسماً، من ذلك: اللهو، واللغو، والباطل، والزور، والمكاء، والتصدية، ورقية الزنا، وكتاب الشيطان، ومنفث النفاق في القلب، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمار الشيطان، والسمود، وهو الغناء بلغة حِميَر.

 أسماؤه دلت على أوصافه *** تباً لذي الأسماء والأوصاف

أما اسمه الأول، وهو اللهو، فقد جاء في قوله الله -تعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(7)﴾[لقمان: 6-7].

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "والله الذي لا إله غيره هو الغناء" يرددها ثلاث مرات.

وصح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه الغناء، وبه قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- الذين فسروا لهو الحديث بالغناء شهدوا الوحي والتنزيل، فهم أعلم الناس بكلام الله، أما كيف يكون الغناء ملهياً، فأنت لا تجد أحدا غنى بالغناء، وسماع آلاته، وتابع ما يصدر عن ذلك المغني، أو تلك المغنية، إلا وفيه ضلال عن الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء.

وقد جاء رجل إلى بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ما تقول في الغناء، أحلالا هو أم حرام؟ فقال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة، فأين يكون الغناء، فقال الرجل: "يكون مع الباطل فقال له ابن عباس: اذهب، فقد أفتيت نفسك".

والغناء، رقية الزنا، ومن أقوى جنوده، ففيه الدعوة إلى الموعد، والدعوة إلى الجلوس والخلوة مع المحبوب، والغرام والعشق، والصداقة، والتأوه والتأسف لفراق المحبوب، والدعوة إلى التهتك والسفور، وغير ذلك، مما لا يخفى عليكم ضرره وفحشه وإسفافه.

قال الفضيل بن عياض: "الغناء رقية الزنا".

وقال يزيد بن الوليد: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر، فإن كنتم ولا بد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنا.

والنساء هن أكثر من يتأثر بالغناء من جهة الصوت والأنغام، ومن جهة معنى الكلمات.

وربما يورث ذلك أن تحب الفتاة ذلك المغني، ومن ثم تجد صورته وأغانيه لا تفارقها، فأي فتنة في الدين أعظم من هذه؟ فلعمر الله كم من حرةٍ صارت بالغناء من البغايا؟

والغناء، ينبت النفاق في القلب، كما قال ذلك ابن مسعود -رضي الله عنه- فالغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد، فالقران ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، وترك الشهوات، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان.

والغناء يأمر بضد ذلك، بل ويحسنه، أليس الغناء يهيج النفوس إلى الشهوات، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح؟!

أليس هو الذي يسوق النفوس إلى وصل كل امرأة وصبي؟

فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهيجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صِنْو الخمر ورضيعه، ونائبه وحليفه، وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تنسخ، وأكثر ما يورث الغناء عشق الصور، واستحسان الفواحش.

أيها المسلمون: لقد حذر نبينا -صلى الله عليه وسلم- من سماع الغناء، واتخاذ آلات اللهو والمعازف، قال صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف"[رواه البخاري].

ومعنى: "يستحلون الحر -أي الزنا- والمعازف" هي: آلات اللهو كلها، ولا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالا لما ذمهم صلى الله عليه وسلم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحرير.

وعن علي –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: "إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته وعقّ أمه، وبر صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير واتخذت القيان، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا ريحاً حمراء، وخسفاً ومسخاً".

وقد أفتى علماء الأمة، والمحققون من أهل العلم، قديماً وحديثاً، بتحريم سماع الغناء.

فهو حرام حرمة بينة لا تخفى إلا على من ختم الله على قلبه أو عقله -عياذاً بالله-.

وغناء اليوم أشد حرمة من غناء الأمس من أوجه عديدة، كل وجه منها يكفي لردع من كان في قلبه مثقال ذرة من حياة وإيمان، وخوف من العزيز الجبار، فمن ذلك: أنه اقترن بالمعازف: والمعازف حرّمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل وقرنها مع محرمات معلومة من الدين بالضرورة كالزنا وشرب الخمر، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرَ والحرير، والخمر والمعازف"[رواه البخاري].

ومنها: أنها على الصورة التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخبر أن ظهورها مؤذن بحلول العذاب والنقم، كالخسف والمسخ والقذف، فقال صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف، قيل: يا رسول الله متى ذلك؟ قال: إذا ظهرت المعازف، وكثرت القيان، وشربت الخمر"[رواه ابن ماجة وسنده صحيح].

فتأمل -رحمك الله- هذا النص المحكم الواضح: سيعاقب الله أمة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بما عاقب به الأمم من قبلنا، بالقذف بحجارة من السماء، وبالمسخ قردة أو خنازير، أو الخسف، تخسف الأرض وتكثر الزلازل، متى يكون ذلك؟!

يكون إذا ظهرت المعازف، ومعنى ظهورها أي انتشارها وكثرتها، فها هي آلات المعازف لا تكاد تحصى عدداً، وها هي معاهد العزف، ومدارسه في أنحاء العالم الإسلامي، وها هن المغنيات المائلات المميلات، يحترفن الغناء، ولم يبق إلا تحقق الوعيد، بالخسف والمسخ والقذف.

اللهم لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منّا.

ومنها: أن غناء اليوم يدعو في مجمله للغرام والحب والعشق، وكل ما يفضي إلى الزنا، وإثارة الغرائز، وتحريك الشهوات، لا سيما عند النساء، وقد ثبت أنهن رقيقات يتأثرن بالصوت الحسن، فكيف إذا اقترن الصوت الحسن بالمزامير والمعازف؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "يا أنجشة رويدك رفقاً بالقوارير".

وتأمل قول فاجرة من أشهر أهل الغناء، عندما قالت في أحد أغانيها:

ما أضيَع اليوم الذي مر بي *** من غير أن أهوى وأن أعشق

فها هي كوكبتهم تتحسر على اليوم الذي يضيع دون هوى أو عشق.

ومنها: اقتران غناء اليوم بالتصوير الفاضح، للبغايا والمومسات فما من مطرب إلا ويترنح حوله نفر من الراقصات، وما من مطربة إلا وحولها نفر من الرجال يتراقصون ويتمايلون، فمن يجيز يا أمة الإسلام مثل هذا الاختلاط والسفور والرقص وتعرية النحور؟!

هذه الأوجه ثابتة في الغناء الذي يكون في الأماكن العامة، والحفلات المفتوحة للعوام من الناس.

وأما الحفلات الخاصة التي يحضرها سفلة القوم من الظالمين والفاسقين، فحرمتها آكد وأظهر؛ لأنه لا يخلو غالباً من شرب الخمور والمسكرات والمخدرات، فلا يحلو الغناء إلا به، ولا يحصل الطرب بدونه، فهما توأمان متلازمان.

ومنها: إنفاق الأموال الطائلة، في هذه المعصية، فالمطربون يتقاضون أجوراً باهظة بمئات الآلاف، نعم، مئات الآلاف لا عشراتها، لا سيما في الحفلات الخاصة، ويسهم منظمو هذه الحفلات بدفع هذه الأجور، وكذا جماهير الحضور.

وهذا سفه وتبذير، والمولى -عز وجل- يقول: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾[الإسراء: 27].

أيها المسلمون: هذه حرمات الله -عز وجل- فلا تعتدوها، وهذه حدوده فلا تتجاوزوها: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾[التوبة: 115].

عباد الله: لقد ابتلي كثير من المسلمين بسماع الموسيقى، وأشربت قلوبهم حب الغناء، وارتفعت أصوات المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات، في كل مكان، وتساهل الناس في هذا الأمر، وصار سماع الغناء جزء من حياتهم، ولا ينكر ارتفاعه في الأسواق والمطاعم والأماكن العامة، وامتلأت البيوت به.

وكل هذا -أيها الأحبة- مؤذن بشرّ -والله المستعان- فقد جاء الوعيد لمن فعل ذلك بالمسخ والقذف والخسف، كما سمعتم في الحديث.

إن المتأمل لواقع الناس اليوم، يرى أن هذه الأمة إن لم يتداركها الله برحمته، فإنها مقبلة على فتن عظيمة، لقد أحب الناس اللهو والعبث والمرح، نزعت الجدية من حياتهم، نسوا أننا أمة مجاهدة، أمة صاحبة رسالة، تكالب علينا الأعداء من كل جانب، نُهبت أموالنا، اغتصبت أراضينا، سُرقت خيرات الأمة، ومازلنا نرقص وتغني، تعجب أحياناً من رجل كبير في السن يتمايل مع أصوات المعازف، فكيف بالشاب المراهق؟!

إن مما عوّد الناس على سماع الغناء، وجعلها عادية في حياتهم: وسائل الإعلام الخبيثة المسموعة والمرئية، وزاد الطين بِلةً، محطات البث المباشر والقنوات الفضائية، وقد خصص منها محطات كاملة، تبث وعلى مدى 24 ساعة برامج كله رقص وغناء، بشكل فاضح ساقط، والبنت تنظر وتسمع، والولد، والزوجة، والبيت كله يتربى على هذا.

أتظنون -أيها الأحبة- أننا لا نحاسب حساباً عسيراً على هذا؟

والله الذي لا إله إلا هو سنحاسب.

فيا أخي الكريم: يا من ابتلي في نفسه وفي بيته بهذه المعصية، بادر بالتوبة، فإن ربك غفور رحيم، وهو القائل: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الحجر: 49].

بادر بالتوبة الصادقة، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه.

بارك الله لي ولكم …

الخطبة الثانية:

الحمد لله …

أما بعد:

أيها المسلمون: إذا كان الفناء محرماً في دين الإسلام، ويزداد حرمة إذا اقترن بالمعازف والتصوير والخمر، وغيرها مما سمعتم، فكيف يكون حرمته إذا وصل الأمر إلى الاستهزاء بآيات الله، أو التغني بالقرآن -والعياذ بالله-؟

لقد نقلت وسائل الإعلام في الأيام الماضية نبأ أحد المغنيين الذين غنوا بآيات من القرآن، وقد عد العلماء بأن التغني بالقرآن من الاستهزاء بآيات الله، وقد أجمعت الأمة على أن من استهزأ بشيء من الشرع إما بكتابة أو كلام أو غناء، أو ما شابه ذلك، أن ذلك ردة صريحة، وكفر مخرج من الملة، ولو لم يعلم صاحبه أن ما فعله من الكفر، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ(66)﴾[التوبة: 66].

أيها المسلمون: إن مثل هذا العمل ينبغي أن لا يمرر بسهولة، لا من المكان الذي غني فيه هذا الفاجر، ولا من قبل العلماء، ولا حتى من قبل كل من له غيرة على دين الله -عز وجل-، فحين يأتي أراذل البشر، وأسافل الخلق، في هذا الزمان، ويستخفّون بحرمة كلام الله، وصفة من صفاته، ويجعلونه كسائر كلام البشر، ويتخذونه للغناء والطرب، ثم يَسْلَمون من العقوبة والردع، وإقامة حكم الله فيهم، فهذا يفتح باب التلاعب بالشريعة، والطعن في الذات الإلهية وصفاته، والاستهانة بأعظم شيء يفتخر به المسلمون، وهو كتاب ربهم.

وإذا كانت العقوبة الدنيوية من السجن وغيره تطبق على من سب ملكاً أو حاكماً أو أميراً بحق وبغيره، ولا تتناول المستهزئ بكتاب رب العالمين، وبصفة من صفاته، فهذا من أعظم المحرمات، وأكبر الكبائر.

إنا لنخشى بغض الطرف عن هؤلاء المستهزئين بآيات الله أن تصل الأمور إلى حد قول الشاعر:

يقاد للسجن من سب الزعيم ومن *** سب الإله فإن الناس أحرار

وحينئذٍ فلا تفرح بالعيش في ظل الفساد، وتفلت الأمور، وخروجها عن طورها.

وليُعلم أن الله -سبحانه وتعالى- مزق ملك الأكاسرة كل ممزق، وأزال ملكهم، لما سخروا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف بكتاب الله -سبحانه وتعالى-؟!

وليعلم بأن الساكتين عن إقامة حد الله -تعالى-، وهم قادرون على ذلك، أنهم على خطر عظيم، ويخشى أن يكونوا مثلهم، لقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ﴾[النساء: 140].

أيها المسلمون: هذه ليست هي المرة الأولى، والتي نسمع فيها أن فاجراً غنى بالقرآن، فقد سبق هذا أناس وأناس، فهذا أحدهم اقتبس آية من سورة طه، فقال: "رحمن يا رحمن، يا من فوق عرشه مستو".

وآخر غنّى بالتين والزيتون، وقل يا أيها الكافرون.

وثالث غنى بسورة تبت.

ورابع كان يتربص بالطائفات الغافلات، وهنّ في حالة الإحرام بين الركن والمقام، فيغني، ويقول:

قف بالطواف ترى الغزال المحرما *** لبى الحطيم وعاد يقصد زمزما

والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الحجاج والعمّار وفد الله، دعوه فأجابهم، وسألوه فأعطاهم".

فانظر كيف يتعرض الفساق والفجار لوفد الرحمن بالغزل والمجون، وبقية أبيات الأغنية فاضحة فاجعة، يغازل المرأة المحرمة بين الركن والمقام، وعند الملتزم بكل بجاحة واستخفاف، ثم نجد من يسمي هذا المجون والفجور فناً ورسالة!.

نعم، إنها رسالة، ولكنها رسالة شيطانية إبليسية، رسالة لإفساد الأخلاق والدين، رسالة لإثارة الشهوات والغرائز، قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾[النور: 19].

وهناك من غنى مستخفاً بالموت والقبر، فهذا مطرب مشهور، يقول في أحد أغنياته:

أوصي أهلي وخلاني حين أموت *** يضعوا في قبري ربابة وعود

نعوذ بالله من الخذلان.

أيها المسلمون: إن في هذا لمؤشر إلى هذا العفن الفني، وإلى هذا الجو الموبوء والمشبوه الذي يعيشه معظم المغنيين والمغنيات، وأنه لا يسلم من الخمر والزنا والفجور والدعارة، حتى وصل الأمر بالاستهزاء برب العالمين -والعياذ بالله-.

فلا ندري بماذا سيبرر أصحاب الفن، ووسائل الإعلام مثل هذه الألفاظ في الأغان؟

وأخيراً: أنت أيها المسكين، يا من تتساهل في سماع مثل هذه الكفريات بحجة أنه غناء وفن ولهو، اعلم أن دينك وتوحيدك على خطر عظيم، فانج بنفسك، وتب إلى الله قبل أن يأتيك الموت، وأنت على هذه الحالة.

اللهم …