الطيرة

عناصر الخطبة

  1. معاني الطيرة وحكمها
  2. التشاؤم باب من أبواب الشرك
  3. سوء عواقب التشاؤم ومفاسده
  4. أقسام الناس في التطير والتشاؤم
  5. من صور التطير والتشاؤم
  6. الوسائل المعينة على التخلص من التشاؤم والتطير
  7. التحذير من الكهانة والذهاب إلى الكهان.
اقتباس

إنَّ التَّطَيُّرَ وَالتَّشَاؤُمَ بِمَرْئِيٍّ، أَوْ مَسْمُوعٍ، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ مَكَانٍ، شِرْكٌ بِاللهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ اللهِ، .. والطِّيَرَةُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الشِّرْكِ.. وَجَعَلَ الإِسْلَامُ التَّطَيُّرَ شِرْكًا لِاعْتِقَادِ الْمُتَطَيِّرِ أَنَّ الْمُتَطَيَّرَ مِنْهُ بِيَدِهِ نَفْعٌ أَوْ ضَرٌّ. وَالتَّطَيُّرُ نَاهِيكَ عَلَى أَنَّهُ شِرْكٌ؛ فَهُوَ يَجْلِبُ الْوُسَاوِسَ وَالْهُمُومَ عَلَى الْمُتَطَيِّرِ..

الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ التَّطَيُّرَ وَالتَّشَاؤُمَ بِمَرْئِيٍّ، أَوْ مَسْمُوعٍ، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ مَكَانٍ، شِرْكٌ بِاللهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ اللهِ، وَسُمِّيَ التَّطَيرُ تَطَيُّرًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمُ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِالطَّيْرِ إِذَا طَارَ عَنِ الْيَسَارِ، وَيَتَفَاءَلُونَ بِهِ؛ إِذَا طَارَ عَنِ الْيَمِيْنِ؛ حَتَّى غَلَبِتِ التَّسْمِيَةُ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَالتَّطَيُرُ وَالتَّشَاؤُمْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ؛ سَوَاءَ حَدَثَ بِالطَّيرِ أَوْ بِغَيْرِهِ.

فَقَدْ تَشَاءَمُوا مِنْ أَيَّامٍ وَأَشْهُرٍ مُعَيَّنَةٍ، وَمِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْعَاهَاتِ الْجَسَدِيَّةِ، وَللهِ دَرُّ مَنْ قَالَ:

وَمَا عَاجِلَاتُ الطَّيْرِ تُدْنِى مِنَ الْفَتَى *** نَجَاحًا وَلَا عَنْ رَيْثِهِنَّ قُصُورُ

لَعَمْرِكَ مَا تَدْرِي الطَّوَارِقُ بِالْحَصَى *** وَلَا زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ مَا اللهُ صَانِعُ

عِبَادَ اللهِ، الطِّيَرَةُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الشِّرْكِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ). وَلِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).

وَجَعَلَ الإِسْلَامُ التَّطَيُّرَ شِرْكًا لِاعْتِقَادِ الْمُتَطَيِّرِ أَنَّ الْمُتَطَيَّرَ مِنْهُ بِيَدِهِ نَفْعٌ أَوْ ضَرٌّ. وَالتَّطَيُّرُ نَاهِيكَ عَلَى أَنَّهُ شِرْكٌ؛ فَهُوَ يَجْلِبُ الْوُسَاوِسَ وَالْهُمُومَ عَلَى الْمُتَطَيِّرِ؛ قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: " وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُعْتَنِيًا بِالطِّيَرَةِ؛ فَهِي أَسْرَعُ إِلَيْهِ مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْحَدَرِهِ، وَقَدْ فَتَحَتْ لَهُ أَبْوَابَ الْوُسْوَاسِ فِيمَا يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ، وَيَفْتَحُ لَهُ الشَّيْطَانُ فِيهَا مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ، وَيُكَدِّرُ عَلَيْهِ مَعِيشَتَهُ، وَالْمُتَطَيِّرُ مُتْعَبُ الْقَلْبِ، يَتَخَيَّلُ مِنْ كُلِّ مَا يرَاهُ أَو يَسْمعُهُ أَشَدُّ النَّاسِ خَوفًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَضْيَقُ النَّاسِ صَدرًا، وَأَحْزَنُهُمْ قَلْبًا، كَثِيرُ الِاحْتِرَازِ وَالْمُرَاعَاةِ لِمَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ، وَكَمْ قَدْ حَرَمَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ مِنْ حَظٍّ؟ وَمَنَعَهَا مِنْ رِزْقٍ، وَقَطَعَ عَلَيْهَا مِنْ فَائِدَةٍ".

عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ النَّاسَ فِي الطِّيرَةِ أَقْسَامٌ:

الأَوَّلُ: مَنْ يَسْتَجِيبُ لِدَاعِي التَّطَيُّرِ، كَمَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةً قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا، كَكَلِمَةِ: مَا يَتَمُّ، أَوْ مَا يُفْلِحُ، فَيَتْرُكُ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ بِسَبَبِ تَشَاؤُمِهِ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَاتِ؛ فَهَذَا قَدْ وَلَجَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الشِّرْكِ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ!

الثَّانِي: مَنْ إِذَا وَقَعَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى الطِّيَرَةِ تَطَيَّرَ وَخَافَ، كَمَنْ سَمِعَ كَلِمَاتٍ مَكْرُوهَةً عِنْدَ إِقْدَامِهِ عَلَى أَمْرٍ مَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَا بَدَا لَهُ فِعْلُهُ، وَلَكِنَّهُ يَمْضِي فِي خَوْفٍ وَقَلَقٍ، وَيَخْشَى مِنْ تَأْثِيرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ عَلَيْهِ. فَهَذَا أَهْوَنُ مِنَ الأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يجِبْ دَاعِيَ الطِّيَرَةِ بِتَركِ الْفِعْلِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يمْضِيَ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللهِ تَعَالَى، دُونَ خَوْفٍ أَوْ قَلَقٍ.

الثَّالِثُ: مَنْ لَا يَتَطَيَّرُ، وَلَا يَسْتَجِيبُ لِدَاعِي التَّطَيُّرِ، وَإِنَّمَا يَسْلُكُ مَسْلَكَ الاِسْتِخَارَةِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا شَرَعَ اللهُ لَهُ مِنَ الأَسْبَابِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْفَأْلَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَا الطِّيَرَةَ نَاهِيَةً لَهُ عَنْ الْفِعْلِ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللهِ، وَأَرْفَعِهِمْ دَرَجَةً عِنْدَهُ، لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "َدْخُلُ الْجَنَّةَ من أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ"، قالوا: من هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال: "هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، ولا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

عِبَادَ اللهِ، للتَّطَيُّرِ صِوَرٌ كَثِيرَةُ:

1- فَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ بِالزَّمَانِ، حَتَّى شَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ فِي شَوَّالَ لَمْ تُوَفَّقْ فِي زَوَاجِهَا، وَلَنْ يُحِبَّهَا زَوْجُهَا. وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- "كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟»، قَالَ رَاوِي الْحَدِيثِ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

2- وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَشَاءَمُ بِيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، أَوْ بِشَهْرِ صَفَرَ وَيَقُولُونَ: لَو تَزَوَّجَ فِيهِ الإِنْسَانُ، أَوْ وُلِدَ لَهُ فِيهِ وَلَدٌ، أَوْ سَافَرَ فِيهِ، أَوْ عَمِلَ فِيهِ أَيَّ عَمَلٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُوَفَّقُ. وَهَذَا بَاطِلٌ، فَلَا أَثَرَ لِلْيَوْمِ، وَلَا للشَّهْرِ فِي تَفَاؤُلٍ وَلَا تَشَاؤُمَ. فَالْأَرْبِعَاءُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، وَصَفَرُ كَغَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ؛ لَا تَشَاؤُمُ فِيهِ وَلَا تَفَاؤُلُ. لِذَا قَالَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

فَالأَشْهُرُ وَالأَيَّامُ أَزْمِنَةٌ، لَا تَمْلِكُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا؛ فَالْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، وَفِي سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ.

3- وَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ الْبُومَةِ؛ فَيَقُولُ: إِنَّهَا نَاعِبَةٌ لِمَيِّتٍ، أَوْ مُخْبِرَةٌ بِشَرٍّ؛ فَكَأَنَّهَا عِنْدَهُمْ تَعْلَمُ الْغَيْبَ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ.

4- وَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ بِمُلَاقَاةِ الأَعْوَرِ، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْأَمْرَاضِ، فِي سَفَرِهِ أَو بُكُورِهِ.

5- وَهُنَاكَ مَنْ يَتَشَاءَمُ مِنْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَقَعَ لَهُ فِيهِ حَادِثٌ، أَو لِقَرِيبٍ أو عَزِيزٍ لَدَيهِ؛ فَإِذَا مَرَّ عَلَيهِ، أَوْ سَمِعَ بِهِ؛ اِنْقَبَضَ قَلْبُهُ، وَتَوَجَّسَ مِنْهُ خِيفَةً، وَهَذَا مِنَ التَّطَيُّرِ. فَمَا عَلَاقةُ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَبِتَصْرِيفِ اللهِ لِلْكَوْنِ؟ فَهَذِهِ مِنَ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَثِقَ بِاللِه، وَيَمْضِيَ لِحَاجَتِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، مُسْتَعِيذًا بِاللِه مِنَ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ.

6- وَبَعْضُ الْغَرِبِيِّينَ يَتَشَاءَمُ مِنْ الرَّقَمِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ؛ لِدَرَجِةٍ دَفَعَتْ بَعْضَ الْخُطُوطِ الْجَوِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ إِلَى إِلْغَاءِ هَذَا الرَّقَمِ مِنْ مَقَاعِدِهَا، وَبَعْضُ الْفَنَادِقِ أَلْغَتْ الرَّقَمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَدْوَارِهَا. فَسُبْحَانَ اللهُ! فَمَا الْعِلَاقَةُ بَيْنَ هَذَا الرَّقَمِ وَمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ حَوَادِثَ مُحْزِنَةٍ؟!

7-وَكَذَلِكَ تَفَاءَلَ بَعْضُ الْغَرْبِيِّينَ وَتَشَاءَمَ مِنَ التِّمسَاحِ (هَارِي)، وَالأَخْطَبُوطِ ﴿بُولْ﴾ فِي مُنَافَسَاتِهِمُ الرِّيَاضِيَّةِ. يَحْدُثُ هَذَا مَعَ اِدِّعَاءِ الْبَعْضِ أَنَّ الْعَالَمَ- وَخَاصَّةً الْغَرْبِيَّ- قَدْ تَعَدَّى هَذِهِ الْخُرَافَاتِ وَالشِّرْكِيَّاتِ.

وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْجَهْلِ الْمُطْبِقِ؛ فَعِبَادَةُ الأَشْجَارِ، وَالأَحْجَارِ، وَالْحَيَوَانَاتِ، وَالأَضْرِحَةِ، وَالْقُبُورِ فِي عَصْرِنَا هَذَا وَقَعَ فِيهَا أُنَاسٌ حَصَلُوا عَلَى أَعْلَى الشَّهَادَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، وَفِي تَخَصُّصَاتٍ نَادِرَةٍ؛ لَا تَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَوْ مُطَّلِعٍ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى حَذَرٍ، وَأَنْ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ.

 نَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ……

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ، وَمَنِ اِبْتُلِيَ بِالتَّطَيُّرِ فَعِلَاجُهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ –تَعَالَى-، وَعَدَمِ الاِلْتِفَاتِ إِلَي التَّطَيُّرِ وَبَوَاعِثِهِ، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنَ الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ؛ فَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي مَوْضُوعِهِ وَرَدُّ الطِيَرَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالدُّعَاءُ لِقَوْلِهِ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ" (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 وَإِذَا وَقَعَ فِي التَّطَيُّرِ وَالتَّشَاؤُمِ؛ فَكَفَارَتُهُ الدُّعَاءُ الوَارِدُ: "اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلاَ طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).

وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَلَّا يَسْعَى للتَّطَيُّرِ، وَلَوْ مِنْ بَابِ التَّجْرِبَةِ، وَحُبِّ الْفُضُولِ، فَيَجِدُ نَفْسَهُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: 118]؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَلَّا يَجْعَلَ دِينَهُ عُرْضَةً للتَّجَارُبِ، وَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ قَادَهُ الْفُضُولُ لِقُرَّاءِ الْكَفِّ، وَلِسَمَاعِ كَلَامِ الدَّجَالِينَ وَالْكُهَّانِ، ثُمَّ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي قَالُوهُ لَهُ؛ فَأَصْبَحَ أَسِيرًا لِلْمُشَعْوِذِينَ وَالدَّجَالِينَ وَالْكُهَّانِ!

الزَّجْرُ وَالطَّيْرُ وَالْكُهَّانُ كُلُهُمُ *** مُضَلِّلُونَ وَدُونَ الْغَيْبِ أَقْفَالُ

فَعَلَيْنَا – عِبَادَ اللهِ- اِجْتِنَابُ التَّطَيرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ، وَرَبْطُ النَّاسِ بِاللهِ، وَأَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ سُبْحَانَهِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا.

الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.

اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.

الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.