ختام رمضان وخاتمة الإحسان

عناصر الخطبة

  1. إنما الأعمال بالخواتيم
  2. نهاية رمضان تذكر بنهاية العمر
  3. قصص حقيقة في حسن الخاتمة
  4. قصص واقعية في سوء الخاتمة
  5. جراح أهلنا في غزة
  6. فضل الشهادة في سبيل الله
اقتباس

إن ما تبقى من رمضان فرصة عظيمة لعمل الصالحات والإكثار من الطاعات، وما يدرينا فلعلها الفرصة الأخيرة لنا في حياتنا هذه؛ فلنحرص حرصاً شديداً على ختام رمضان بالإحسان، حتى يختم الله لنا بخاتمة الإحسان، ولنحذر التفريط والتضييع واللهو في هذا النصف الأخير والعشر الختامية منه؛ فإنما الأعمال بالخواتيم.. وليس رمضان فقط بل الواجب علينا أن نحرص على ختام أعمارنا بطاعة الرحمن والتقرب من الكريم المنان؛ فإن السعيد من خُتم له بخاتمة حسنة، والشقي من خُتم له بخاتمة سيئة.

 

الخطبة الأولى:

دخل علينا رمضان وانقضت أيامه ولياليه سراعاً وها نحن في ليلة النصف منه ولم يبق معنا فيه إلا نصف الختام، وليالي العشر التي هي خير الليالي وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى.

بالأمس دخل علينا رمضان وها نحن اليوم نقول قد قاربنا على العشر الختامية منه، وهذا درس بليغ لنا بأن ننتبه لأنفسنا ونستيقظ من غفلتنا، فكما دخل علينا رمضان ومر مرّ السحاب، وانقضت فيه الأيام والليالي بسرعة البرق، فكذلك أعمارنا ستنقضي سريعاً، وتنتهي فجأة، وليس مع الإنسان في هذه الحياة إلا الانتباه لنفسه حتى يختم له بالخاتمة الحسنة، ويكتب الله له الخروج من هذه الحياة الدنيا على خاتمة حسنة.

اختموا النصف الأخير من رمضان -يا عباد الله- بكثرة الطاعات والقربات والحسنات، ولا تختموه باللهو والعبث، وكما تحرصون على ختم رمضان بالاجتهاد في العبادة والإكثار من الطاعة، فلنختم أعمارنا أيضاً بالخاتمة الحسنة؛ فإن العبد كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَدْخُلَهَا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى لا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَى ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا ".

يقول أحد مغسلي الأموات هنا عندنا في المكلا: "لقد رأينا ونحن نغسل الأموات بعض الأموات وجوههم سوداء مظلمة، وأبدانهم قاسية ثقيلة، ويعلم الله أننا نتعب كثيراً في تغسيلهم، بل وفي بعض الأحيان نرفض تغسيلهم ونرشد أهلهم على كيفية تغسيلهم ليغسلوهم؛ لأننا نلاقي صعوبة بالغة في تغسيلهم مع أنهم كغيرهم من الأموات إلا أن تغسيلهم يصعب جداً جداً".

هناك شباب يموتون على معصية التخزين، وشباب يموتون على شرب الخمر، والبعض منهم يموت وهو لا يصلي وهم كثير، وأما موت الفجأة فحدِّث ولا حرج، يقول هذا المغسل: "في خلال الشهرين الماضيين فقط قمت بتغسيل ثلاثين شخصاً هنا في المكلا ماتوا فجأة وقبض الله أرواحهم بموت الفجأة دون سابق إنذار".

وبعضهم من أصحاب التدخين الذين يعانون من أمراض القلب وأزماته، ويذكر أنهم يلاقون صعوبة كبيرة في تغسيل هؤلاء المدخنين؛ بسبب السموم التي تخرج من أجوافهم عند الغسل، وتخرج من داخلهم مواد سوداء كريهة الرائحة تنبعث منهم تجعلنا في بعض الأحيان ننفر منهم، ونأمر أهلهم بتغسيلهم، ولا نستطيع أن نتحمل ما يخرج منهم من مواد كريهة وروائح نتنة.

وفي المقابل يقول: "هناك من يموت وهو رافع السبابة يشهد شهادة الحق والتوحيد؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قد ختم له عليها ومات وهو رافع سبابته إلى السماء يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وبعضهم يموت فنأتي لتغسيله فننبهر بالنور المشرق من وجهه والإشراق المضيء الذي يتلألأ منه حتى كأن وجوه بعضهم قطعة من قمر، وبعضهم يموت وهو صائم وما أكثر الذين يموتون وهم صيام، وخاصة من كبار السن وأهل الصلاح والفضل، والبعض يموت قبل ساعات طويلة فنأتي لتغسيله فنجده وكأنه مات الآن".

وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله". قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل موته".

﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27].

يقول المغسل: "اتصل عليَّ شخص لتغسيل قريب له، وكان هذا المتصل من خيار الناس وأصلحهم – نحسبه والله حسيبه – وكان مؤذناً في أحد المساجد وكان واقفاً معي في أثناء التغسيل، وبعد انتهاء التغسيل قال لي" إذا أنا مت فلا أريد أحداً يغسلني إلا أنت فابتسمت..

وفي اليوم الثاني وصل إلي الخبر المفاجئ بأن فلان هذا قد تعرض لحادث أليم بسبب إطلاق نار عشوائي، ومات على إثره فتأثرت كثيراً وتذكرت كلماته بالأمس عندما قال لي "إذا أنا مت فلا يغسلني أحد سواك".

فجئت إلى نفس الخشبة ونفس المغسلة التي غسلنا عليها قريبه بالأمس وقمنا بتغسيله فكان النور يكاد أن يغطي وجهه، والبشر واضح عليه حتى إن أحد المشايخ دخل عليهم في أثناء التغسيل، فلما رآه انفجر باكياً وقال لأهله" لا تبكوا حزناً عليه فوالله إني لا أبكي إلا فرحاً مما رأيت من النور المشرق على وجهه".

وفي موقف آخر يقول: "غسلت ثلاثة أشخاص كلهم ماتوا في يوم الجمعة، وكان النور ينبعث منهم غسلت أحدهم فلما كشفت الغطاء عن وجهه هالني النور الذي على وجهه فنظرت إلى سبابته فوجدتها مرتفعة تشهد شهادة الحق شهادة أن لا إله إلا الله، فلما قمنا بتغسيله كأن أحداً يقلبه معنا بسبب خفة بدنه وسهولته فأمرت أهله أن يفرحوا لموتته، ولا يبكوا عليه؛ فإنها والله خاتمة الإحسان، فلما سألت عنه قال لي قريب له: إنه مات مظلوماً، والله المستعان".

ورجل آخر كان مؤذناً في أحد المساجد هنا في المكلا مات والنور ينبعث من وجهه وجسمه خفيف جداً، وغسله ميسر وسهل، فسألت أحد أبنائه عنه فقال: إن أبي مات وهو صائم وله عشر ساعات منذ أن توفاه الله -سبحانه وتعالى- ومع ذلك فإن جسمه يزداد رطوبة وجهه يزداد نوراً وبياضاً. فقلت: سبحان الله إنه رجل صالح.

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)﴾ [فصلت: 30- 33].

الخطبة الثانية:

عباد الله: إن ما تبقى من رمضان فرصة عظيمة لعمل الصالحات والإكثار من الطاعات، وما يدرينا فلعلها الفرصة الأخيرة لنا في حياتنا هذه؛ فلنحرص حرصاً شديداً على ختام رمضان بالإحسان، حتى يختم الله لنا بخاتمة الإحسان، ولنحذر التفريط والتضييع واللهو في هذا النصف الأخير والعشر الختامية منه؛ فإنما الأعمال بالخواتيم.

وليس رمضان فقط بل الواجب علينا أن نحرص على ختام أعمارنا بطاعة الرحمن والتقرب من الكريم المنان؛ فإن السعيد من خُتم له بخاتمة حسنة، والشقي من خُتم له بخاتمة سيئة.

يقول مغسلنا: "حضرت لتغسيل شخص فلما رأيته خفت خوفاً شديداً منه مع أننا نغسل من هو أشد منه من أصحاب الحوادث والأشلاء ومن هو أبشع منه منظراً إلا أن هذا الشخص خفت منه كثيراً مع أن موتته طبيعية وجسمه متكامل!!

فتحت الغطاء عنه فوجدته كأنه قطعة من خشب متصلبة حاولت تليين مفاصله فلم أستطع ودخلني خوف غير معهود منه فتركت تغسيله وأمرت أحد الموجودين أن يغسله لأني أحسست شيئاً غريباً فيه لا أدري ما هو، فلما سألت عنه مَن يعرفه قال: إنه لا يدخل المسجد ولا يصلي.

وفي مشهد آخر لشخص مخزن مات والقات في فمه فحاولنا فتح فكيه لإخراج القات من فيه ولكن فمه كان مغلقاً بقوة وفكيه مطبقتان بشكل محكم، وكان في الثلاثين من عمره فلم نستطع إخراج القات من فمه إلا بصعوبة بالغة ..

ولما بدأنا الغسل كان جسمه يشتد صلابة، ولون بشرته يتغير إلى السواد الكالح، نسأل الله السلامة والعافية.

وشخص آخر يقول: "سحبت الغطاء عنه فهالني سواد وجهه وظلمته، فلم أتحمل رؤيته فأرجعت الغطاء عليه، وقلت لمن كان عندي: من هذا؟ فقال: هذا أبي. فقلت: ألا ترى فيه شيئاً؟ فقال: نعم إنه يشتد سواداً وظلمة، ولم يكن هكذا، فغسلته وكفنته بسرعة وخرجت فاتصل عليَّ شخص وقال لي: من قال لك تغسل فلانًا؟ ألا تعلم أنه لم يركع لله ركعة ولم يعرف الصلاة يوماً من الأيام، والناس الذين يعرفونه قد خرجوا من المسجد عندما حضرت جنازته، وامتنعوا من الصلاة عليه.

وشخص آخر جئت لتغسيله فكان جسمه يتغير شيئًا فشيئًا، وجسده يتصلب أكثر فأكثر ووجهه يحمر فهالني هذا المنظر فقلت لمن كان عندي: ما بال هذا الرجل؟ فقال: إنه لا يكلم أمه منذ قرابة خمس عشرة سنة؛ قاطع لها، لا يكلمها كلمة ولا يحسن إليها بشيء حتى ختم الله له بهذه الخاتمة السيئة المخزية.

تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"، فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وإن الكافر إذا بُشِّر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه".

عباد الله: علينا جميعاً أن نتقي الله في أنفسنا ونراجع أحوالنا ونتوب إلى ربنا ونحسن أعمالنا حتى يحسن الله إلينا ويختم لنا بالخاتمة الحسنة.

استغلوا رمضان الفضيل في الإحسان وعمل الخير والتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- فإنكم قد أمضيتم النصف الأول منه، ولم يتبق لكم إلا النصف الأخير، فأحسنوا الختام فإنما الأعمال بالخواتيم.

كما أذكر نفسي وإياكم بالدعاء لأهلنا وإخواننا في غزة العز؛ فإنهم يتعرضون لعدوان يهودي غاشم، ولكن نحسب -إن شاء الله- أن الله -سبحانه وتعالى- يريد بإخواننا خيراً ويصطفي منهم شهداء يختم لهم بالشهادة، وما أعظمها من خاتمة حسنى أن يختم للإنسان بالشهادة في سبيل الله!!

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ؛ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ"، نسأل الله أن يختم لنا بالشهادة في سبيله.