الإحسان إلى المرأة

عناصر الخطبة

  1. ضعف النساء جبلة وخلقة
  2. حاجة المرأة إلى الرحمة والشفقة
  3. تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع النساء
  4. فضل الإحسان إلى المرأة وبعض الصور المنافية لذلك
  5. التحذير من ظلم المرأة
اقتباس

النساء شقائق الرجال، لا يقوم مجتمع إلا بهن، ولا تستكمل حياة بدونهن، فالمرأة أصلك وشقك الآخر وعضدُك، ألم تولد من ذكر وأنثى؟ وهل يكون لك ولد بدون زوجة؟ أو لست تحتاج إلى من يواسيك من أخت وبنت وعمة؟ ولتحقيق…

الخطبة الأولى:

إليكم -أيها المؤمنون- وصية نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في أمر عظيم، مرتبط بالخيرية والكمال، لا يأنف منه إلا ناقص، ولا يتبرم منه إلا ضعيف كسلان، ولا يقبل هذه الوصية ويقوم بها إلا ذوو الكمالات والفضل من الرجال؛ هذه الوصية قوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرا".

وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان قوله عليه الصلاة والسلام: "خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي".

ذلك أن المرأة ضعيفة في تكوينها وخلقتها وبيانها، ومع هذا الضعف فالنساء شقائق الرجال، لا يقوم مجتمع إلا بهن، ولا تستكمل حياة بدونهن، فالمرأة أصلك وشقك الآخر وعضدُك، ألم تولد من ذكر وأنثى؟ وهل يكون لك ولد بدون زوجة؟ أو لست تحتاج إلى من يواسيك من أخت وبنت وعمة؟

ولتحقيق العدل والإنصاف مع المرأة والإحسان إليها لا بد أن يكون نظر الرجل إليها بمرآة النبوة، وليس بهوى النفس، وضيقها، وشحها، فاستمع إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام" [متفق عليه].

وإذا تبينت -أيها الرجل المؤمن- نقصان المرأة بموجب الخلقة التي خلقها الله عليها، فكيف تطلب الكمال منها في كل أحوالها وأقوالها وأفعالها؟! وطلب الكمال في غير موضعه نقص، كما أن ترك الكمال مع القدرة عليه نقص، لكن عليك بسياسة الشرع الحكيم وقاعدته العظيمة في قوله تعالى: ﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: 237].

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" [رواه مسلم].

وإذا علمت -أيها المؤمن الكريم- ضعف المرأة علمت أنها محتاجة إلى رحمتك وشفقتك وتوددك وحنوك، وبذلك وعطائك، فعاملها بحلمك، وسعة صدرك، وصبرك، وإحسانك، وعفوك، وصفحك، وانظر إليها متبشبشا مبتسما، في حسن منطق، ولين جانب، وطلاقة وجه، وكن متأنيا في لومها والتثريب عليها، غاضا الطرف عن تقصيرها، معالجا خطأها بالرفق والحكمة،  كما هو سيرة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يقبل ابنته، ويتطلف مع زوجه، ويغتسل معها في إناء واحد، ويعتكف معها في المسجد، ويبيت معها في الفراش وهي حائض، ويصل صواحبها، وإذا كان في بيته كان في مهنة أهله، وكانت الأَمَةُ مِنْ إمَاءِ المَدينَةِ َتأْخُذُ بِيَدِه صلى الله عليه وسلم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءتْ، وكان يعظ النساء ويذكرهن، ويسلم عليهن، ويزورهن في بيويتهن، ويقبل هداياهن، ويقيل عندهن، ولا يتبرم من سؤالهن، ويراعي حالاتهن النفسية، ومن ذلك: أنه  كان عند بعض نسائه، فأرسلَتْ إِليه إِحدى أُمهات المؤمنين بِصَحْفَة فيها طعام، فَضَرَبتِ التي هو في بيتها يَدَ الخادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحفَةُ، فانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِلَق الصَّحفَةِ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: "غَارتْ أُمُّكم، غارتْ أُمُّكم"، ثم حبس الخادم، حتى أُتيَ بِصَحفَة من عند التي هو في بيتها، فدفعها إِلى التي كُسِرَتْ صَحْفَتُها، وأمسك المكسورة في بَيْتِ التي كَسَرَتْها" [أخرجه البخاري].

وفي رواية للترمذي: "إناء بإناء وطعام بطعام".

وكان يقول: "مَنِ ابْتُليَ مِنْ هذِهِ البَنَاتِ بِشَيءٍ فَأحْسَنَ إلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتراً مِنَ النَّارِ" [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].

ويقول: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْن حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ" وضَمَّ أصَابِعَهُ [رواه مسلم].

ويقول: "اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم وَالمَرْأةِ" [رواه النسائي].

ومع ظهور دلائل الشرع، ووضوح السنة، في الرفق بالمرأة والإحسان إليها أيا كانت، إلا أن طائفة من الرجال أعرضت عن هذا كله، فلم تلفت إلى المرأة، ولم ترع ضعفها، ولم تعطها ما وجب لها من التكريم والاحترام، ولم تحفظ فيها وصية نبينا -صلى الله عليه وسلم-، بل منهم من أخذ بإرث الجاهلية في التحجير على المرأة، وعضلها عن النكاح، ومنعها حقها في الميراث، وتفضيل الذكر عليها في العطية، والتسلط على مالها بغير حق، وتزويجها بغير رضاها، والتشكيك في عفافها في غير ريبة، والنظر إليها باحتقار، وإظهار عدم الاكتراث بها، والضجر والملل من الحديث إليها، والغلظة في التعامل معها، في صور من الظلم والقهر والعدوان والإهانة الذي تأباه الشريعة، وتترفع عنه النفوس الكريمة، ويزعمون-بهتانا وتحريفا- أن هذه هي القوامة على المرأة في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ [النساء: 34] حتى سلبوها إرادتها، وعطلوها من المشاعر والأحاسيس، وجعلوها كبقية المتاع.

ولا شك أن هذا فهم خاطئ، وزيغ عن الحق، وتحريف للكلم من بعد مواضعه، فالآية تعني أن الرجل يجب عليه القيام بما أمره الله به من الحفاظ على المرأة، والنظر في الأصلح لها في الدين والدنيا، وتربيتها على الإيمان والعفاف، وحفظها ممن يريد بها سوءا؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]، ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132].

وليس فيها الحرمان، والقسوة، والقهر، والظلم، والإهانة، فبأي دين صنعوا هذا؟! وبأي لغة فهموا التنزيل؟ ألا يخشون الله في هذه المرأة الضعيفة؟

لكن ليعلم هؤلاء المتعالون على المرأة أن من أذل المرأة فهو الذليل، ومن أهانها فهو المهين، ومن اعتدى عليها فهو مجرم أثيم، وله عند الله عذاب عظيم.