الاستعانة بالصلاة

عناصر الخطبة

  1. الأمر الإلهي بالاستعانة بالصلاة عند الشدائد
  2. الاستعانة بالصلاة دأب الأنبياء
  3. فزع نبينا الكريم للصلاة عند مواجهة أعداء الدعوة
  4. فزع الصحابة للصلاة عند المكاره
  5. الأثر الفعال للصلاة في تحمل المكاره ومواجهة الأعداء
اقتباس

الصلاة عون على الصبر عند فقد الأبناء والآباء والأعزاء, روي أن ابن عباس نعي إليه أخوه وهو في مسير مسافر، فاسترجع، وتنحى عن الطريق، ثم صلى ركعتين، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلَاةِ﴾؛ ولذا قال الإمام الآجري وجماعة من العلماء إن مَن أصيب بمصيبة يصلي ركعتين ..

أما بعد: اتقوا الله عباد الله ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:281].

أيها المؤمنون: بين أيدينا دعوة من الله، دعوة لكل مسلم مهموم ومصاب، دعوة لكل من اعتراه قلق وفزع، دعوة لمن اشتدت عليه الشدائد، وألمت به الملمات، دعوة لمن يواجه طغيان الطغاة، ومكر الماكرين، وعدوان الظالمين، إنها دعوة ربانيه للاستعانة بالصلاة.

نعم، الاستعانة بالصلاة في مواجهة البلاء والضراء، يقول ربنا -جل جلاله-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:153].

وقد كان أنبياء الله كثيرا ما يفزعون إلى الصلاة عند نزول البلاء واللأواء، روى الإمام أحمد عن صهيب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى همس شيئا لا نفهمه ثم قال: وكانوا [يعني الأنبياء] يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة".

ولقد كان لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- مفزع عظيم إلى الصلاة في مواجهة أعداء الدعوة في السلم والحرب، روى الإمام أحمد عن علي -رضي الله عنه- في يوم بدر قال: "ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة يصلي ويبكي حتى أصبح". 

وفي معركة بدر لما التحمت الصفوف، وبدأت بالضرب السيوف، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: فما رأيت ناشدا ينشد حقا له أشدَّ من مناشدة محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه، فهو يقول: "اللهم إني أنشدك وعدك".

إخوة الإيمان: وفي بداية إشراق نور الإسلام عانى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من استهزاء المشركين به، وتألم وضاق صدره، فيا ترى بماذا وجَّه الله نبيه لمواجهة استهزاء المشركين؟ اقرؤوا إن شئتم قول الباري -عز وجل-: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)﴾ [الحجر:97-99].

ووجه الله نبيه كذلك لمواجهة طغيان أبي جهل بقوله تعالى: ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق:19]. قال الإمام الشنقيطي صاحب تفسير أضواء البيان: اعلم ان ترتيبه -جل وعلا- الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره -صلى الله عليه وسلم- بسبب ما يقولون له من السوء دليل على أن الصلاة والتسبيح سبب لزوال المكروه؛ ولذا كان -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.

ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث نعيم بن همار -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تعالى: يا ابن ادم! لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره".

فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه أن يفزع إلى الله تعالى بأنواع الطاعات من الصلاة وغيرها، وذكر الإمام جرير في تفسيره ما رواه ابن أبي حاتم: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله: يا أهلاه! صَلُّوا صَلُّوا.

وروى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استيقظ ذات ليلة فزِعاً، وأمر بإيقاظ زوجاته للصلاة.

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: "فإذا رأى أحدُكُم ما يكره فلْيَقُم فلْيُصَلِّ".

وهكذا كانت الصلاة مفزعا للصحابة عند الخوف والتغيرات الجوية، فعن عبد الله بن النظر قال: حدثني أبي قال: كانت ظلمة على عهد أنس، قال: فأتيت أنسا فقلت: يا أبا حمزة، هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: مَعاذَ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر إلى المسجد مخافة القيامة.

فالله المستعان! شتان بين حالنا وحال الجيل الأول من صحابه رسول الله! فزع إلى المسجد، وصلاة وخوف عند التغيرات الجوية، أما حالنا فغفلة وقسوة في القلوب إلا من رحم الله، فرحماك ربنا رحماك!.

عباد الله: الصلاة عون على الصبر عند فقد الأبناء والآباء والأعزاء, روي أن ابن عباس نعي إليه أخوه وهو في مسير مسافر، فاسترجع، وتنحى عن الطريق، ثم صلى ركعتين، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلَاةِ﴾ [البقرة:45]؛ ولذا قال الإمام الآجري وجماعة من العلماء إن مَن أصيب بمصيبة يصلي ركعتين.

الخطبة الثانية:

أما بعد: فان الاستعانة بالصلاة علاج فعال لمواجهة الأزمات والمصائب، إنها ينبوع دافق في متناول كل مؤمن يريد زادا للطريق، وريا في الهجير, ومددا حين ينقطع المدد, ورصيدا حين ينفد الرصيد.

عباد الله: الصلاة لها أثر فعال في تحمل المصائب، ومواجهة طغيان الطغاة، إنها صلة ولقاء بين العبد والرب، صلة يستمد منها القلب قوة وزادا أنفس من أعراض الحياة الدنيا، الصلاة مَعين يجدد الطاقة، ويمد القلب بحبل الصبر الذي لا ينقطع.

ولذا كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في الشدة قال: "أرحنا بها يا بلال"، بالصلاة يستمد المؤمن معية الله له بالتأييد والتثبيت، والقوة، والأنس والسلوان، والاطمئنان، إن المسلم ضعيف لا غنى له عن عون إلهي لمواجهة الابتلاءات، وفي الصلاة قوه على تحمل صدمات الفجائع والمصائب.

يا عبد الله! إذا سمعَتْ أذنك أو رأت عينك دماء المسلمين تُسفك، وضاق صدرك، وأهَمَّك ذلك، فافزع إلى الصلاة، وادع الله لهم.

فهلا يا مسلمون كانت الصلاة مفزعنا؟! هلا كانت الصلاة راحتنا؟!.

يا كل مهموم! ويا كل مصاب! ويا كل ضائق صدره! دونك الصلاة، فهي مستراحك وراحتك، وجلاء همك، يقول ربنا ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(46)﴾ [البقرة:45-46].