الإحسان إلى الخادم

عناصر الخطبة

  1. من الغني؟
  2. تسخير الناس لبعضهم البعض
  3. المعيار الشرعي للتفاضل بين الناس
  4. بعض حقوق الخدم
اقتباس

من حكمة الله -تعالى-: أن فاوت بين الناس في الأرزاق، وسخر بعضهم لبعض، فجعل منهم الأغنياء والمحاويج، وجعل منهم الأقوياء والضعفاء، وجعل منهم الرفعاء والوضعاء، ويسر كلا لما خلق له؛ لتمضي عجلة الحياة، وتقضى الحوائج، وتعمر الأرض على …

الخطبة الأولى:

 

ثلاث من كانت له في هذه الدنيا فهو من ملوكها: الزوجة، والدار، والخادم؛ روى ابن جرير عن عبد الله بن عمرو: أن رجلا سأله فقال: "ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، فقال: إن لي خادما، قال: فأنت من الملوك".

 

وروى ابن جرير -أيضا- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له: الزوجة والخادم والدار؛ سمي: ملكا".

 

وقد ذكر نبي الله موسى -عليه السلام- قومه بهذه النعمة؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: 20].

 

ومن اعتبر أحوال كثير من الناس اليوم فإذا هم ملوك؛ لتوفر هذه المذكورات في أيديهم، فما بعد ذلك إلا شكر الله على هذه النعمة العظيمة، قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].

 

ومن حكمة الله -تعالى-: أن فاوت بين الناس في الأرزاق، وسخر بعضهم لبعض، فجعل منهم الأغنياء والمحاويج، وجعل منهم الأقوياء والضعفاء، وجعل منهم الرفعاء والوضعاء، ويسر كلا لما خلق له؛ لتمضي عجلة الحياة، وتقضى الحوائج، وتعمر الأرض، على ما أراده الله بسنته الكونية؛ كما قال الحق -تعالى-: ﴿وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ﴾ [النحل: 71]، ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: 32]، ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾ [فاطر: 2].

 

ولفت تعالى الأنظار إلى ذلك، مبينا أن التفضيل الحقيقي إنما هو بالإيمان والتقوى التي تنال بها الدرجات العلى في جنات النعيم، فقال سبحانه: ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: 21].

 

أيها المؤمنون: إذا يسر الله لعبده في هذه الدنيا خادما يخدمه، ويقوم على إصلاح أحواله ودنياه، فليعلم أنها من نعم الله، فليرع هذه النعمة، وليؤد حقها، وحقوقها كثيرة، ومنها ما يتعلق بالخادم نفسه، بإحسان معاملته، والعفو عن زلته، وقضاء حاجته، وعدم تكليفه ما لا يطيق من العمل، وترك إيذائه والإساءة إليه باللسان أو الفعل، من تقبيح وشتم وسب وضرب، ونحوها، وإعطاؤه أجره غير منقوص في وقته وعدم تأخيره، والوفاء بالعقد الذي بينك وبينه، وكلما كان صاحب العمل أكثر مسامحة وإحسانا كان من الله أقرب؛ لأن الله: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].

 

وقد أرشدنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الإحسان إلى الخدم، وترك الإساءة إليهم، بقوله وفعله؛ فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه، أو ليناوله منه؛ فإنه هو الذي ولي حره ودخانه" [رواه أحمد وابن ماجة].

 

وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه".

 

وخرج ابن ماجة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".

 

وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -تعالى-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره".

 

وروى الإمام أحمد في مسنده عن زياد بن أبي زياد عن خادم للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مما يقول للخادم: "ألك حاجة؟".

 

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال لي: أف قط، ولا قال لشيء: لم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا".

 

وفي رواية لمسلم: "ولا عاب على شيئا قط".

 

وروى مسلم أيضا عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني: بخ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قبض في قفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟ قلت: نعم أنا اذهب يا رسول الله".

 

وروى مسلم عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: "كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا:"اعلم أبا مسعود: لله أقدر عليك منك عليه" فالتفت فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

 

وفي سنن أبي داود من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم".