الإجازة ويقظة الآباء

عناصر الخطبة

  1. قصور فهم البعض عن إدراك مقاصد الإجازة
  2. تذكير الأولياء بضرورة اليقظة والحذر
  3. تقديم بعض الأولياء محبة زوجاتهم وأبنائهم على محبة الله
اقتباس

ولئلا تكون الإجازة منبعًا للمعار، ومجمعًا للأخطار، وطريقًا للمهالك والمضارّ؛ يتوجَّبُ تذكيرُ كل وليٍّ بأن يكون يقِظًا حذِرًا، مُتحفِّظًا مُحترسًا، مُتنبِّهًا مُحترِزًا، قد حصَّن أسرتَه، وحمى عورتَه، وحرسَ شرفَه، وصانَ عِرضَه عن اللئام الفجَرة والخونَة المكرَة؛ فإن لشياطين الإنس انتشارًا وانبعاثًا وخطفَة، وأخذةً في غفلة، وخَتلاً في سهوة، وخِداعًا في خُفية ..

الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، أحمده حمدًا يُوافِي ما تزايَد من النعم، وأشكره على ما أولَى من الفضل والكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصِمُ من الزيغ وتدفعُ النقَم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقى وسلامًا يترَى إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسب، وطاعته أعلى نسَب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

أيها المسلمون: القصور في فهم مقاصد الأمور يحملُ على فعل ما يقبُح وترك ما هو أليَقُ وأجملُ وألزَم، ومن قصُر فهمُه عن إدراك مقاصد الإجازة وأهدافها ملأها عبثًا وصخَبًا، وأشعلَها طيشًا وسفهًا، ومن أدرك المُراد أنِفَ من خمول الدَّعَة ومهانة التفريط، وحمل رايةَ الجِدّ، وقطعَ أسبابَ العجز، واستثمَر إجازتَه بادئًا وعائدًا فيما يُعليه ويُرقِّيه في أمر الدنيا والدين.

أيها المسلمون: ولئلا تكون الإجازة منبعًا للمعار، ومجمعًا للأخطار، وطريقًا للمهالك والمضارّ؛ يتوجَّبُ تذكيرُ كل وليٍّ بأن يكون يقِظًا حذِرًا، مُتحفِّظًا مُحترسًا، مُتنبِّهًا مُحترِزًا، قد حصَّن أسرتَه، وحمى عورتَه، وحرسَ شرفَه، وصانَ عِرضَه عن اللئام الفجَرة والخونَة المكرَة؛ فإن لشياطين الإنس انتشارًا وانبعاثًا وخطفَة، وأخذةً في غفلة، وخَتلاً في سهوة، وخِداعًا في خُفية.

وأكثرُ الصبيان والصغار أغمار أغرار، وأحداثٌ أطهار، لا فطنةَ لهم ولا تجربة، ولا تحوُّط لديهم ولا احتراز، وفي الناس سِباعٌ عادية، وذئابٌ ضارية، وأجادلُ خاطفة، تنتظرُ غيابَ الوليِّ الحامي، وغفلةَ الأبِ الحانِي؛ فكونوا -أيها الآباء والأمهات- في الإجازات وفي سائر الأوقات حُرَّاسًا أُمنَاء، وأولياء أوفيَاء، وفُطناء وحُكماء، وصونوا أبناءَكم وبناتكم عن العاديات المُوبِقة، والأخطار المُحدِقة، واجتنِبوا التفريطَ والتشاغُل، وحاذِروا التقصير والتساهل، الذي لا تُؤمَنُ لواحِقُه وتوابِعُه، وتوالِيَه وعواقِبه؛ بَيدَ أن عاقبتَه بوار، وخاتمتَه خَسار.

أيها المسلمون: ومن ترك أهلَه وأولادَه ونساءَه وقِعادَه يقتحِمون الناسَ من غير تثبُّت، ويُخالِطون الآخرين دون تعقُّل، ويخرجون من البيوت دون تحفُّظ، ويمكثُون بعيدًا دون رقابة، ويُصاحِبون من رغِبوا دون مُساءلة؛ فقد قذَفهم في مُهلِكةٍ مُردِية، ورماهم في مدارج الانحراف والضياع.

أيها الأولياء: حُوطوا أُسركم بسِياج الرعاية والعناية، والرقابة والصيانة، والتربية والتقويم، واكسُوها برداء الحبِّ والحُنوِّ والشفقة، والجُودِ والكرم والإحسان، واغمُروها بروح الفرح والمرَح، والقُرب والوُدِّ والحَوار والجوار، واحفظوها بالطاعة والاستقامة والتقوى والإيمان؛ حتى لا تكون نهبًا لأهل الدنايا، وهدفًا لشرار الخلق، ومرتعًا للأراذِل الساقطين.

والله سائلٌ كل عبدٍ عما استرعاه أدَّى أم تعدَّى؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه حفِظَ أم ضيَّع، حتى يسألَ الرجلَ عن أهل بيته". أخرجه ابن حبان.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصُوه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].

أيها المسلمون: ومن الآباء والأولياء من تتهاوَى إرادتُه، وتتوارَى قيادتُه، وتتضاءَلُ إدارتُه، ويضعُف أمام محبةِ الزوجة والأولاد وإلحاحهم، ويستجيبُ لرغباتِهم ولو كانت معصيةً لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويُقدِّمُ محبوبَهم على محبوبِ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك عنوانُ الفتنة وعلامة الخُسران، قال -جلَّ في عُلاه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: 9]، ويقول -جلَّ في عُلاه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: 14].

قال مجاهد: "ما عادَوهم في الدنيا، ولكن حملهم مودتُهم على أن أخذوا لهم الحرام، فأعطَوه إياهم".

قال القرطبي -رحمه الله-: "والآيةُ عامةٌ في كل معصيةٍ يرتكِبُها الإنسانُ بسبب الأهل والولد، وخصوص السبب لا يمنعُ عمومَ الحكم".

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وتيقَّظوا من الغفلة، وقوموا بواجب المسؤولية، وأكثِروا من الدعاء بصلاحِ الأهل والأولاد والذرية، والعصمةِ من مُضِلاَّت الفتن ونزَغات الشياطين.

وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.