الغناء

عناصر الخطبة

  1. نعمة السمع
  2. نصوص دالة على تحريم السماع المحرم
  3. أضرار الاستماع للغناء
  4. كيفية نبذ الأباطيل
  5. التساهل في حفلات الأعراس
اقتباس

فازدادت فتنة الناس بهذا الشر، واستحكمت غفلتهم، حتى صار هذا المنكر عند بعضهم معروفاً، فلم يروا به بأساً، ولم يرفعوا لتحريمه رأساً، وصار الغناء وآلات اللهو والطرب أمراً مألوفاً يسمعونه أكثر من سماعهم أحاديثهم العابرة، فلا يكاد أحد يفتح المذياع على إذاعة من الإذاعات إلا ويسمع من ذلك ألوناً؛ بل إن البرامج لا تبدأ ولا تنتهي إلا مع آلات اللهو والطرب ..

أيها المسلمون: فمن أعظم ما امْتَنَّ الله به على عباده نعمة السمع، بل إن الله قدَّمَ ذكرها على ذكر نعمة البصر، كما في سورة النحل، التي تُسمى سورة النِّعَم، قال -عز وجل-: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78].

وشكر هذه النعم باب واسع، أكتفِي في هذه الخطبة بالحديث عن نوع منه، ألا وهو اجتناب السماع المحرم.

والحديث عن السماع المحرم حديث يطول ويطول، إذ هو من المحرمات التي ابتلي بها الناس من قديم الزمان، فمنذ أزمان، بل ومنذ قرون متطاولة، عرف الناس الغناء، وفُتنوا به أي فتنة، حتى أصبح حرفة يحترفها قوم من المــُضِلِّين.

غير أنه ما إن أتى عصرُ ما يسمى بالحضارة حتى تطور الأمر، وعظم الخطب، وعم البلاء، واشتدَّت الرَّزِيَّة بظهور المنكرات بمظهر أكثر إغراءً؛ ومن جملة ما زينوه من الباطل ذلك السماع المحرم الذي يسمى بالغناء.

فازدادت فتنة الناس بهذا الشر، واستحكمت غفلتهم، حتى صار هذا المنكر عند بعضهم معروفاً، فلم يروا به بأساً، ولم يرفعوا لتحريمه رأساً، وصار الغناء وآلات اللهو والطرب أمراً مألوفاً يسمعونه أكثر من سماعهم أحاديثهم العابرة، فلا يكاد أحد يفتح المذياع على إذاعة من الإذاعات إلا ويسمع من ذلك ألوناً؛ بل إن البرامج لا تبدأ ولا تنتهي إلا مع آلات اللهو والطرب، ثم تخصَّص في ذلك قوم فخصَّصوا لذلك إذاعات وقنوات متخصِّصة في هذا اللون من الحرام! فالله وحده المستعان.

زد على ذلك محلات بيع الغناء المنتشرة في كل مكان، وما يطرق سمع الداخل إلى الفنادق وأماكن التجمعات من أنواع الموسيقى، وما يكون أيام الأعياد والحفلات من اجتماع على الغناء والطرب. ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

ولذا كان لزاماً على كل من بلغته هذه الحال أن يسعى في الإصلاح قدر استطاعته، وألا يترك إنكار مثل هذه الأمور بناءً على علم الناس بحكمها؛ بل ما دام المنكر موجوداً فتغييره واجب، هذا حكم الله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50].

وقد وردت نصوص الكتاب والسنة بتحريم الأغاني وما يصاحبها من آلات اللهو والطرب، وجاءت بذلك الآثار الكثيرة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من سلف هذه الأمة، كالأئمة الأربعة وغيرهم من سادة هذه الأمة.

قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [لقمان:6]، قال أبو الصهباء عن ابن مسعود أنه قال: هو الغناء، والذي لا إله غيره! يرددها ثلاث مرات. وبهذا قال جمع من المفسرين كترجمان القرآن عبد الله بن عباس، ومجاهد، وعكرمة، رحمهم الله.

فانظر -يا عبد الله- كيف توعَّد الله مستمع الغناء بهذا الوعيد الشديد: أن يُحل عليه عذابه. وأيُّ عذاب؟ إنه العذاب المهين. ولهذا الوعيد الشديد عدّ بعض العلماء استماعَ الأغاني من كبائر الذنوب، ومنهم ابن حجر الهيثمي في كتابه الشهير: الزواجر عن ارتكاب الكبائر.

وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَيكوننّ من أمتي أقوامٌ يستحلّون الحِرَ والحريرَ والخمر والمعازف" الحديث. قال ابن القيم رحمه الله: ووجه الدلالة منه أن المعازف لو كانت حلالاً لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر.

وقد ذكر العلماء كثيراً من المفاسد والأضرار الناتجة عن استماع الأغاني، فمن ذلك أنه ينبتُ النفاقَ في القلب، قاله غير واحد من السلف، منهم ابنُ مسعود، وإبراهيمُ النخعي، وعمرُ بنُ عبد العزيز، ومكحولُ، والإمامُ أحمدُ. قال ابن مسعود: الغناءُ يُنبتُ النفاق في القلب كما ينبت الماءُ البقلَ، والذِّكرُ ينبت الإيمانَ في القلب كما ينبت الماءُ الزرعَ.

قال ابن القيم رحمه الله: "هذا كلام عارف بأثر الغناء وثمرته، فإنه ما اعتاده أحدٌ إلا ونافق قلبه وهو لا يشعر، ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لأبعده عن قلبه، فإنه ما اجتمع في قلبِ عَبْدٍ قطّ محبة الغناء ومحبة القرآن إلا وطردت أحداهما الأخرى، وقد شاهدنا نحن وغيرُنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه، فإذا جاء قرآنُ الشيطان فلا إله إلا الله كيف تخشع منهم الأصوات، وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب، وتطمئن، ويقع الوجد والبكاء، والحركة الظاهرة والباطنة، وطيب السهر، وتمني طول الليل، فإن لم يكن هذا نفاقاً فهو آخية النفاق وأساسه".

ومن مضار الغناء أن محبته تطرد محبة القرآن من القلب لأن الغناء وحي الشيطان وقرآنه فلا تجتمع محبته مع محبة وحي الرحمن وكلامه، قال ابن القيم في نونيته الشهيرة:

حُبُّ القُرَانِ وحُبُّ ألحانِ الغِنَا *** في قلْبِ عبْدٍ ليسَ يجتمِعانِ

ومن مفاسده أنه سبب للعقوبات في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالقحط والجدب وتسليط الأعداء وولاة السوء، قال ابن القيم رحمه الله: والذي شاهدناه وعرفناه بالتجارب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم إلا سلط الله عليهم العدو، وبُلوا بالقحط والجدب وولاة السوء، والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر.

ومن مفاسده العظيمة أن الشياطين تتسلط على المغنين والمستمعين للغناء، فالبيت الذي يفشو فيه سماع الغناء هو مَقَرُّ الشياطين، ومكان اجتماعهم؛ ولذا ثبت بمئات التجارب أن أكثر المصابين بالصرع والحالات النفسية المستعصية والذين ابتُلوا بتلبس الشياطين بهم ودخولهم فيهم إنما هم من أهل الغناء واللهو والطرب، وعكس ذلك يقع لأهل الذكر والقرآن، فلا يكاد يصيبهم من ذلك كثير ولا قليل.

وقد ثبت في الحديث الصحيح: "إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة"، هذا لفظ مسلم، وفي لفظ الترمذي: "وإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان".

الخطبة الثانية:

أما بعد: أيها المسلمون: فإن المسلم إذا سمع حكم ربه في أمر من الأمور لم يكن بوسعه إلا أن يمتثل أمر ربه -عز وجل-، حتى ولو كان ذلك مخالفاً لهواه.

ولعل من اعتاد سماع الغناء أن يشتد عليه تركه، ولكن لهؤلاء أقول: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق:2]. ومن ترك شيئاً لهأ عوضه الله خيراً منه.

فحرىٌ بنا -معاشر المسلمين- أن ننبذ هذه الأباطيل، وأن نحاربها، فلا استماع ولا مشاركة ولا دعم ولا مساهمة، أما أصحاب محلات بيع أشرطة الغناء فالواجب عدم تأجيرهم، ولا التعامل معهم بالبيع والشراء، ودوام نصحهم وتذكيرهم؛ حتى يثوبوا فيتوبوا، أو يملوا فيتخلوا.

وليعلم المسلم أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، فلا يجوز استماع شيء من اللهو والطرب ولو كان قليلاً؛ ولذا فإنه يجب التنبيه على أن المسلم أن لا يتساهل في شيء منها حتى ما يتخلل فقرات برامج المذياع من الموسيقى.

وأمرٌ أخير أختم به هذا الحديث، إنه ما انتشر في أوساط النساء من ملء الحفلات باللهو والرقص والغناء؛ وسبب تساهلهن وجرأتهن على هذا الأمر أن شرعنا قد أباح في ليلة العرس إعلانه بالدفوف، فتوسع في ذلك بعض أهل الأهواء حتى بلغ بهم الحال ما بلغ من استعمال آلات اللهو والطرب؛ ولذا فإني أنبه على أن الذي أباحه شرعنا هو مجرد ضرب الدفوف، وفي ليلة العرس فقط؛ أما غير الدفوف فلا تجوز لا في عرس ولا في غيره.

وكذلك لا تحل الدفوف إلا في ليلة العرس خاصة، أما ما يلتحق به مما تعارف الناس عليه فلا يحل فيه أي ضرب من ضروب اللهو كثيراً كان أو قليلاً، كما يجب التنبه إلى أن الدف لا يجوز للرجال بحال، وقد أفتى علماؤنا بتحريمه وتحريم ما شابهه، كما يقام ذلك في ما يسمى بالعرضات الشعبية وأشباهها.

نسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه…