المهدي بين الحقيقة والخيال

عناصر الخطبة

  1. عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي المنتظر
  2. مكانة المهدي وصفاته
  3. أسباب كثرة ادعاء المهدوية في الأمة
  4. الفقه الدقيق لقضية المهدي
  5. هل تنتظر الأمة المهدي أم تبادر بالإصلاح؟
  6. تنبيهات مهمة حول المهدي وحال الأمة.
اقتباس

إن كثيرًا من المسلمين اليوم في غمرة الاندفاع العاطفي وزحمة الأحداث المتلاحقة يتناسون أو قد يجهلون سنن التغيير التي أودعها الله في كتابه أو أجراها على لسان نبيه، ومن ذلك أن انتظار مجددٍ ما أو مصلح ما ليقوم بالتغيير وحده، هذا الانتظار هو عبث ولا طائل من ورائه. نحن نحتاج في هذا العصر إلى أن يعتمد المسلمون بعد الله على كل شرائح المجتمع، الذين يلتفون حول علماء فقهاء يعملون بفقههم وتفكيرهم سنن التغيير وتحويل المجتمعات والتأثير فيها،…

الخطبة الأولى:

الحمد لله.. وبعد:

يتعاقب الليل والنهار، ويتعاقب فيهما الظلام والنور، فمن ظلمة يعقبها نور، ثم ظلمة، ثم نور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وهكذا حال المسلمين؛ الفتن تقع خلال بيوتهم كوقع المطر، وما من زمان يمر عليهم إلا والذي بعده شرّ منه، حتى يلقوا ربهم عز وجل.

ولكن الله –سبحانه- رءوف بعباده، رحيم بهم، فلا يبقى الظلام دامسًا من حولهم فيقنطوا من رحمة الله، فبين الفترة والفترة يبرز لهم نور يضيء لهم الطريق ثم يخبو ليعود الظلام.

ومن خلال هذا الظلام سيبرز نور يبدد الظلمة، هذا النور بشَّر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين، وهو رجل من أهل بيته، وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفات بارزة، أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فقال: "لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا".

وأخبر -صلى الله عليه وسلم- عنه أنه من أهل بيته فقال: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة"، وأخبر أن تهيئته للخلافة وإصلاحه يتم في ليلة فقال: "المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة". وقال ابن كثير: "أي: يتوب عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك".

وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صفاته الخلقية فقال: "المهدي مني، أجلى الجبهة -واسع الجبهة-، أقنى الأنف -وهو طول الأنف مع دقته-، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، يملك سبع سنين".

وأكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتمية خروج المهدي فقال: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يملؤها عدلاً كما ملئت جورًا". وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  أن خروجه يكون عند اشتداد الظلم والجور والعدوان فقال: "وأنه سيملك بضع سنين، وفي وقته تكثر الماشية، وتعظم الأمة، ويفيض المال".

فقال: "يمكث فيكم سبعًا أو ثمانيًا، فإن أكثر فتسعًا"، وقال: "يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتُخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحًا -أي: يقاسمهم قسمة صحيحة فله النصف ولهم النصف-، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة".

وأخبر  أن عيسى ابن مريم -عليه السلام- سيصلي خلفه، وهذه فضيلة كبرى له، وأن ظهوره يتبعه ظهور آيات الساعة العظام.

أيها الإخوة، إن الاعتقاد بحتمية ظهور المهدي آخر الزمان أمر ثابت شرعًا وعقلاً، ويتفق عليه أهل السنة، لكن متى؟ الله أعلم، ونحن نقول هذا الكلام لأنه بين كل فترة وأخرى تظهر كتب ونشرات ومقالات تتكلم عن قرب ظهور المهدي في هذا الزمان، ويظهر أشخاص كذلك يقومون بادعاء المهدي، ويبدو أن هناك أسبابًا لذلك منها:

أولاً: شيوع الفتن والمنكرات.

ثانيًا: سقوط بعض الأنظمة والحكومات في العالم الإسلامي.

ثالثًا: تحقق وقوع كثير من أشراط الساعة الصغرى.

رابعًا: الاضطهاد العالمي للإسلام وأهله في مقابلة ضعف الأمة، وهذا واضح لكل ذي عينين، فقد دق الغرب الصليبي طبول الحرب على المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق والسودان وغيرها، وحارب المسلمين في أرضهم وثرواتهم وخيراتهم، بل وحتى في معتقداتهم.

خامسًا: الحرب الشرسة والمدمرة على إخواننا الفلسطينيين من اليهود المعتدين، والتي لم توقر رجلاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا دابة ولا شجرة ولا حجرًا، حتى المنازل والمساجد والمدارس، وكل ذلك يحدث في ظل عجز أكثرية المسلمين عن فعل أي شيء ملموس يرد عنهم وعن كرامتهم وعن دينهم الذي كُلفوا بحمايته والدفاع عنه.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، وفي ظل المعاناة والتقصير والعجز يقوم البعض بالتطلع إلى الخيال، إلى فارس الأحلام، وهو في نظرهم سيظهر في صورة مهدي يصوغه خيالهم وتشكله أحلامهم ورغائبهم، يؤمنون به رغم أن كل القرائن تؤكد أن المهدي الذي وردت الإشارات إليه في كتب السنة لم يظلنا زمانه، نعم لم يأت زمانه، بل كثيرًا ما خرج هنا وهناك من يزعم أنه المهدي بشحمه ولحمه ومواهبه، ثم يتمخض الجبل فيلد بدعًا ومنكرات وتنكبًا للسنة، بل ربما ولد كفرًا وضلالاً وزندقةً.

أيها الإخوة، إن واقع المسلمين اليوم لا يحتاج علاجًا سحريًّا، بل يحتاج إلى قادة رعاة يملكون من الوعي القيادي ما يستطيعون من خلاله أن يقودوا الأمة نحو مرفأ السلامة وشاطئ الرشاد دنيا وأخرى.

الأمة في حاجة إلى رموز جماعية، إلى رمز يشبع في الأذهان فكرة فارس الأحلام، إلى رمز يكون رجلاً تقيًّا واعيًا وأبًا رفيقًا حانيًا وعالمًا ربانيًّا، فوق الطعن والهمس، فإن فكرة الارتباط مهمة، وفكرة توفر الرمز كذلك مهمة، فإننا نرى المسلمين صغارًا وكبارًا لا يزالون يستنجدون برموز الأمة الموتى كصلاح الدين الذي أرّقناه في مضجعه من كثرة ندائنا له، وكعماد الدين زنكي وقطز وابن تيمية وآخرين ممن يستحيل أن ينجدوا أحدًا حتى قال الشاعر:

كم مرة في العام توقظونه؟

كم مرة تحت سياط الجبن تجلدونه

وغاية الخشونة أن تهتفوا: قم يا صلاح الدين قم

حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة

دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه

فإنه لو قام حيًا بينكم فسوف تقتلونه

نعم، إن كثيرًا من المسلمين اليوم في غمرة الاندفاع العاطفي وزحمة الأحداث المتلاحقة يتناسون أو قد يجهلون سنن التغيير التي أودعها الله في كتابه أو أجراها على لسان نبيه، ومن ذلك أن انتظار مجددٍ ما أو مصلح ما ليقوم بالتغيير وحده، هذا الانتظار هو عبث ولا طائل من ورائه.

نحن نحتاج في هذا العصر إلى أن يعتمد المسلمون بعد الله على كل شرائح المجتمع من القمة إلى القاعدة، الذين يلتفون حول علماء فقهاء يعملون بفقههم وتفكيرهم سنن التغيير وتحويل المجتمعات والتأثير فيها، وبخاصة ما نحن فيه من تعقيدات هذا العصر، هذه القوة والمنعة هي التي افتقدها نبي الله لوط عليه السلام حين قال كما حكى الله عنه: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: 80]، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله لوطًا كان يأوي إلى ركن شديد، وما بعث الله بعده نبيًا إلا وهو في ثروة من قومه".

وإذا كان الأنبياء يؤيَّدون بثروة من قومهم وهي القوة والمنعة في العدد والعدة وهم مع ذلك مؤيدون بالمعجزات وخوارق العادات فكيف بغيرهم الذين يريدون التغيير بالعشرات أو المئات ويقولون: نحن نتوكل على الله! ولا شك أن المسلم يطلب العون من الله ويتوكل عليه، والله سبحانه وعد المسلمين بالنصر، ولكن لا بد من الأخذ بالأسباب الشرعية، ومن أهمها تجميع القوى التي تناصر وتعاضد.

ترى هل درس المسلمون ذلك بعمق وأناة، أم أن مقولة نعمل والنتائج على الله لا تزال هي الشائعة والأكثر قبولاً ورواجًا؟! مع أنها ظاهريًّا صحيحة لكنها كلمة حق تستخدم في غير محلها، فالقول بأننا نعمل يجب أن يمحص؛ إذ ما يدريك أن عملك صواب وصحيح قد أخذت فيه بالأسباب.

نعم، إذا بذل الجهد الصحيح فالنتائج على الله، أما أن يُعمل أي عمل ثم يُقال: النتائج على الله، فهذا ضرب من حب السهولة وهروب من النقد، وحتى نستريح نفسيًا من اللوم والتقريع، وحتى مع توفر عنصر الإخلاص في هذا العمل فهذا لا يكفي، فلا بد من معرفة سنن الله في التغيير.

هكذا يجب أن تُفهم الأمور، لا كما فعل البعض من الذين يعيشون على الأحلام والرؤى والأماني الفارغة وانتظار المجهول، ثم قالوا للناس: ما عليكم، المهدي سيخرج، وسيقوم بحل كل مشاكلكم. ثم قاموا بالربط بين الأحاديث الواردة عن المهدي وغيره من أحوال آخر الزمان وأشراط الساعة وبين حال العالم في زمننا هذا، ورتبوا بعضها على بعض، وليس هذا فحسب، بل بنوا على ذلك أمورًا نتج عنها فتن جسيمة وانتهاك للحرمات كما حدث في الحرم المكي قبل فترة من الزمن.

والمخرج من ذلك والمنهج الصحيح هو أن نترك الواقع نفسه يفسر لنا هذه الأحاديث حتى لا نرجم بالغيب أو نقفو ما ليس لنا به علم، اقتداءً بعلماء السلف الصالح الذين أدوا إلينا هذه النصوص بكل صدق وأمانة، ولم يقحموا الظنون في تعيينها وترتيب بعضها على بعض بمجرد الرأي.

ولئن وقع منا تردد في: هل زماننا هو زمان ظهور المهدي؟ فلا ينبغي أن نتردد في الجزم أننا سواء كان هذا زمان ظهوره أو لا ملزمون بكافة التكاليف الشرعية من طاعة لله والجهاد في سبيله وطلب العلم والدعوة إلى دينه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في ذلك كله وغير ذلك من الواجبات.

فما يتوهمه بعض الكسالى من أن ظهور المهدي سيكون بداية عصر الاسترخاء والدعة باطل، بل النصوص تشير إلى أنه سيكون بداية للفتوح والجهاد والبذل في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل.

أيها الإخوة، إن الإسلام قادم بنا أو بغيرنا، بالمهدي أو بغيره، فهذا وعد صادق قد وعدنا الله به، قال: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر"، ولم يربط النبي –صلى الله عليه وسلم- حصول هذا بالمهدي ولا بغيره، فهل يفهم المسلمون ذلك؟!

الخطبة الثانية:

لا بد من التنبيه على عدة أمور فيما يخص موضوع المهدي:

أولاً: الاعتقاد بأن الإسلام لن ينتصر ولن يقوم إلا بخروج المهدي هذا اعتقاد خاطئ وغير صحيح، بل هو خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب الكثير من العامة والخاصة؛ لأنه ليس في شيء من أحاديث المهدي ما يفيد بذلك أبدًا.

بل كل هذه الأحاديث تبين فقط بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- بشر برجل من أهل بيته، ووصفه بأنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مئة سنة كما صح عنه –صلى الله عليه وسلم-.

فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعيًا من نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- الذي ظل ثلاثًا وعشرين عامًا وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام وإقامة دولته، فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعًا وأحزابًا لا يحكمون بما أنزل الله ولا يرجون لله وقارًا؟! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن طويل الله أعلم به.

فالشرع والعقل يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج المهدي لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا هم بواجبهم والله سبحانه يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

ثانيًا: لا يوجد أي دليل في السنة الصحيحة على أن المهدي يدعو الناس إلى الإيمان بمهديته.

ثالثًا: لا يوجد أي دليل في السنة الصحيحة على أنه يجب على المسلمين أن يؤمنوا بمهدية رجل معين كما يجب عليهم الإيمان بنبوة الأنبياء المعينين.

رابعًا: لا حاجةَ لمن يريد أن يخدم الإسلام ويرفع رايته إيمانًا واحتسابًا أن يورط نفسه في مثل هذه الدعاوي؛ لأنه يستطيع أن يخدم دين الله بجهوده المخلصة إذا وفقه الله بدون هذه الدعاوي، وأجره على الله، والله لا يضيع أجر المحسنين.

خامسًا: المسلمون ليسوا في حاجة إلى معرفة المهدي بالذات، بل يجب عليهم أن ينصروا الحق والعدل أيًا كان مصدره، وليس هذا الأمر خاصًا بالمهدي دون غيره.

سادسًا: ثبت أن النبي –صلى الله عليه وسلم- حدث أصحابه بما كان وسيكون من أحداث الفتن والملاحم، إلا أن من حفظ ذلك عنه رجلان أو ثلاثة من الصحابة؛ لذلك قال حذيفة بن اليمان: "والله ما أدري أنسي صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا إلا قد سماه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واسم أبيه واسم قبيلته" (رواه أبو داود).

ولعل ذلك النسيان لأكثر صحابة الرسول لهذا الحديث لحكمة بالغة؛ حتى لا يفشو الحديث عنها لأنها أمور تمس المستقبل وتشير إلى فتن مستقبلية، وبها أسماء أشخاص بأعيانهم ومواجهات ومنازعات، فشاء الله العليم أن يقتصر العلم بها على أفراد قلائل من الأولين والآخرين، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قال: "صلى النبي –صلى الله عليه وسلم- الفجر يومًا ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل ثم صلى ثم صعد المنبر حتى حضر العصر، ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، ما ترك فيها شيئًا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله، إن كنت لأري الشيء قد نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجلَ إذا غاب عنه فرآه فعرفه".

فدل ذلك على أن هناك أحداثًا نسي الرواة ذكرها لم تحدث حتى الآن، ولا نعلم عنها شيئًا؛ لذا فلا نستطيع الجزم أن كل علامات الساعة الصغرى كاملة قد حدثت.

سابعًا: المهدي هو حلقة الوصل بين علامات الساعة الصغرى وعلاماتها الكبرى، وهناك الكثير من علامات الساعة الصغرى لم تحدث حتى الآن؛ كانحسار الفرات عن جبل من ذهب، وكعودة جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا كما كانت، وتمني الموت بسبب الفتن لا حبًا في لقاء الله عز وجل، وتكليم السباع الإنس، وإخبار الفخذ بما يُحدث الأهل، وتكليم عذبة الصوت وشراك النعل.. وغير ذلك مما يدل على أن زمننا هذا ليس زمان ظهور المهدي.

ثامنًا: إلى اليائسين وإلى الحالمين نقول: لا يصح الاعتقاد بأنه لن تقوم للإسلام قائمة ولا دولة إلا بظهور المهدي، هذا لا يصح؛ لأن النصوص تثبت قيام دولة الإسلام وتحرير بيت المقدس قبل المهدي، وهذا أمر يعرفه كل مطلع على النصوص المبينة في كتب السنة.

أخيرًا: لا بد من مواجهة الواقع ومقاومة الباطل والمثابرة على الأخذ بأسباب نهوض الأمة، أما التخلي عن المسؤولية الحاضرة والفرار إلى الأماني المستقبلية أو ترقب حصول خوارق عادات يترتب عليها التمكين للإسلام والمسلمين في الأرض فهذا عجز ويأس وإحباط لا ينبغي أن يتصف المسلمون به.

إن سنة الله في الذين خلوا من قبل أن الابتلاء حتمي قبل التمكين، قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وِلَكِن لِّيِبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضْ﴾ [محمد: 4]، وقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

إن الله عز وجل قادر أن يجعل البشر جميعًا على أتقى قلب رجل واحد منهم بكلمة من حرفين ﴿كن﴾ فيكون، إلا أن حكمته جل وعلا اقتضت أن يبتلي الناس بعضهم ببعض؛ لتكون العاقبة للتقوى، فهل يترك المسلمون اليأس والكسل والإحباط ويبدؤون مرحلة العمل الحقيقي في خدمة دينهم وعقيدتهم؟! نرجو هذا ونتمناه.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه…