ذم الكذب

عناصر الخطبة

  1. مساوئ الكذب ومفاسده
  2. مظاهر الكذب
  3. أمور يقع فيها الناس ولا يحسبونه كذبا
  4. علاج الكذب
  5. ثلاث حالات يجوز فيها الكذب
اقتباس

عباد الله: اعلموا أن الكذب عمل مرذول، وصفة ذميمة، فهو من خصال النفاق، ومن شعب الكفر، بل إن الكفر نوع من أنواعه، والكذب من أسباب رد القول، ونزع الثقة من الكاذب، والكذب دليل على ضعة النفس، وحقارة الشأن، والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة، والكذاب يقلب الحقائق، ويقبِّح الـ…..

إن الحمد لله…

أما بعد:

فمعاشر المسلمين: فإن من سبر أحوال غالب الناس اليوم وجد بضاعتهم في الحديث: الكذب، وهم يرون أن هذا من الذكاء والدهاء، وحسن الصنيع، بل ومن مميزات الشخصية المقتدرة.

عباد الله: اعلموا أن الكذب عمل مرذول، وصفة ذميمة، فهو من خصال النفاق، ومن شعب الكفر، بل إن الكفر نوع من أنواعه، والكذب من أسباب رد القول، ونزع الثقة من الكاذب، والكذب دليل على ضعة النفس، وحقارة الشأن، والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة، والكذاب يقلب الحقائق، ويقبِّح الحسن ويُحسن القبيح، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- محذراً من الكذب: "وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" [رواه البخاري ومسلم].

قال الماوردي – رحمه الله -: "والكذب جماع كل شر، وأصل كل ذم؛ لسوء عواقبه، وخبث نتائجه؛ لأنه ينتج النميمة، والنميمة تنتج البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة، ولذلك قيل: "من قلَّ صدقه قلَّ صديقه".

 قال مالك بن دينار: "الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يخرج أحدهما صاحبه".

معاشر المسلمين: الكذب من قبائح الذنوب وفواحش العيوب، قال الله -تعالى-: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾[الإسراء: 36].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق: 18].

وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" [متفق عليه].

وعن ابن عمرو – رضي الله عنهما – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" [متفق عليه].

وفي حديث منام النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب قال: "فأتينا على رجل مضطجع لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد يشرشر شدقه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، ثم يذهب إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأول، فما يرجع إليه حتى يصبح كما كان، فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، قال: فقلت لهما من هذا؟ قالا: هو الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق".

وروى الإمام أحمد قال عليه الصلاة والسلام: "كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك فيه مصدق وأنت له به كاذب".

وروى الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: "هل يكب الناس في النار على وجههم إلى حصائد ألسنتهم" فالكذب من أكبر الكبائر، وأعظم المحرمات.

معاشر المسلمين: من مظاهر الكذب: الكذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شك أن من كذب على الله ورسوله أشد وأعظم ذنباً، وأقبح فعلاً ممن كذب على من سوى الله ورسوله، قال تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام: 144].

وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3)﴾ [الصف: 2-3].

وقال عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾[يونس: 69].

وقال عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: 33].

وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".

وروى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".

فالكذب على الله وعلى رسوله موبقة كبيرة.

ثانياً: الكذب في البيع والشراء: روى مسلم عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم" وذكر منهم: "المنفِّق سلعته بالحلف الكاذب".

وقد بوَّب البخاري – رحمه الله – في صحيحه: " باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع " ثم ساق الحديث الذي رواه حكيم بن حزام – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".

وقال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" [رواه البخاري ومسلم].

وإن الشيطان قد يصور للبائع أو المشتري ربحاً كثيراً إذا تحايل وكذب على صاحبه، وهذا هو الواقع عند بعض من لا يراقبون الله، ولا يخافون يوم الحساب، فتجده يخفي عيوب السلعة خوفاً من امتناع صاحبه من شرائها، وتجد المشتري يحقر سلعة صاحبه، وإن كان يعلم جودتها، وربما قال له كاذباً إني وجدت مثلها أو أحسن منها بقيمة أقل من قيمتك هذه، فيصدقه البائع.

ثالثا: أخذ مال المسلم عن طريق الحلف الكاذب: وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين بإثم ليقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله – عز وجل – وهو عليه غضبان" [متفق عليه].

وقال صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة وإن كان قضيباً من أراك" [رواه مسلم].

رابعاً: الكذب في الحلم: وهو أن يقول إنه رأى في المنام كذا وكذا وهو كاذب، قال صلى الله عليه وسلم: "أفرى الفري أن يري الرجل عينيه وهي ما لم تريا" [رواه البخاري].

ويقول صلى الله عليه وسلم: "من تحلم بحلم لم يره كُلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل" [رواه البخاري].

الخطبة الثانية:

الحمد لله…

معاشر المسلمين: وهناك أمور يقع فيها الناس ولا يحسبونه كذبا، ويتساهلون فيه، منها:

أولاً: دعوة الصغير لأخذ شيء وليس مع الداعي شيء؛ فعن عبدالله بن عامر – رضي الله عنه – قال: أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتنا وأنا صبي قال فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبدالله – تعالى – أعطيك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما أردت أن تعطيه؟" قالت: أعطيه تمراً، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كُتبت عليك كذبة".

فلينتبه الآباء والأمهات إلى هذا، ولنرب الأبناء على الصدق، وهذا الصحابي الجليل عبدالله بن عامر قد روى لنا بنفسه ما جرى مع أمه حين كان صغيراً، إذ أن الصغير شديد الحفظ لما يسمع، والتقليد لما يرى.

ثانياً: التحدث بالكذب لإضحاك الناس؛ فعن معاوية – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويل للذي يُحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له".

ثالثاً: التحدث بكل ما يسمع؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع".

رابعاً: الكذب في المفاخرة لإظهار الفضل وكذلك الكذب للتخلص من المواقف المحرجة؛ كحال من يكذب على والديه أو مدرسيه أو مسؤوليه؛ خوفاً من العقاب أو العتاب.

عباد الله: إن للكذب آثاراً سيئة على صاحبه، فالكذاب معدوم الثقة، ودائماً محل تهمة، ومحل شك، وكذلك وقوعه في خصلة من خصال النفاق، وقلة الخوف من الله، وغير ذلك من الآثار السيئة.

معاشر المسلمين: إن علاج الكذب لمن هو واقع فيه.

1- معرفة الكاذب لحرمة الكذب وشدة عقابه.

2- تعويد النفس على تحمل المسؤولية وقول الحق، حتى ولو على النفس فيه مشقة أو مضرة فإن الخير في الصدق.

3 – المحافظة على اللسان ومحاسبته.

4- استبدال مجالس الكذب وفضول الكلام بمجالس الذكر وحلق العلماء.

5- أن يعلم الكذاب أنه متصف بصفة المنافقين، وأن يستشعر أن الكذب طريق للفجور، وأن الصدق يهدي إلى الجنة.

6- تعويد الأطفال على الصدق بالقول والفعل.

واعلموا -عباد الله- أن الكذب حرام، ولا يجوز إلا في حالات:

أولاً: في حال الحرب مع الأعداء.

ثانياً: في الإصلاح بين الناس.

ثالثاً: حديث الرجل زوجته وحديث المرأة زوجها؛ فعن أم كلثوم – رضي الله عنها – أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً" [متفق عليه].

وزاد مسلم قالت أم كلثوم: "ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل زوجته، وحديث المرأة زوجها".

اللهم….