تجريم الاعتداء على رجال الأمن والحدود في عرعر

عناصر الخطبة

  1. واجب العلماء والفقهاء في أوقات الفتن
  2. المحافظة على الجماعةِ من أعظمِ أصولِ الإسلام
  3. الغدر وقتل النفس جرائم محرمة
  4. مفاسد تكفير المسلمين واستحلال دمائهم
  5. فضل نعمة الأمن ودورها الحيوي في المجتمع
  6. وجوب لزوم العلماء الربانيين.
اقتباس

الأمنُ كَنْزٌ ثَمينٌ، فِي ظِلِّه تُحْفَظُ النُّفُوسُ وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ، وتَأْمَنُ السُّبُلُ وتُقَامُ الحُدُودُ، في ظِلِّ الأمْنِ تَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله وتُعمَرُ المسَاجِدُ، ويَسُودُ الشَّرْعُ ويَفْشُو المَعْروفُ ويَقِلُّ المُنْكَرُ ويحْصُلُ الاستِقْرارُ. ولا يَسْتَقيمُ أمرُ الدِّينِ إلاَّ مَعَ وُجُودِ الأمنِ، والأمْنُ يَحْتَاجُ إلى رِجَالٍ مُخلِصينَ، يَحرُسُونَ البِلادَ، ويحمُونَ الثُّغورَ، فَكانَ مِن حقِّهم أنْ يَكونَ لهم الإجلالُ والاحترامُ، والأمنُ والأمانُ والدُّعاءُ، وألاَّ نرضى لأيِّ أحَدٍ أنْ يَمَسَّهم بسوءٍ. فكيفَ إذا كانَتِ الخيانَةُ والغدرُ بحُرَّاسِ الحدُودِ باسمِ الدِّينِ والجهادِ في سبيلِهِ؟ إنَّ هذا لشيءٌ عُجابٌ! فدينُ اللهِ -تعالى- جاءَ رَحْمَةً وَعَدْلاً بالخلقِ! وجاءت شَريعَتُنا لِتَحفَظ الأنفُسَ الْمَعصُومَةَ مِن التَّعدِّيَ عَليها بغَيرِ حقٍّ، بل جعلت الوعيدَ الشَّديدَ لِمن قَتَلَ نَفسَهُ…

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله أعلى مَعالِمَ العِلمِ وأَعلامَهُ، وأَظهرَ شَعَائِرَ الشَّرعِ وأحكامَه، بَعثَ الرُّسُلَ إلى سُبلِ الحقِّ هادين، وأخلَفهم بعلماءَ إلى سُننِ الهُدى داعينَ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، ونشهد أنَّ نبيَّنَا محمدًا عبدُ الله ورسولُه الأمينُ. صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آلِه وأصحابِه والتَّابعينَ لهم ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

أمَّا بعد: فإنَّ الوصيةَ الكُبرى لنا تَقَوى اللهِ تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [يونس: 62- 63].

عباد الله: إنِّنا مُطالبونَ بالتَّمسُّكِ بشريعتِنا الغَرَّاءِ والعَضِّ عليها بالنَّواجذِ وحمايةِ جنابِها من أنْ تُخدَشَ أو تُثلَم، على أيدي العَابثينَ أو الغُلاةِ لِواذًا، أولئك الذين يقلِّبون نصوصَ الدِّينِ، ويتلاعبونَ بأحكامِهِ ومسلَّماتِهِ كيفَما شاءوا، ومَن عَدِم العِلمَ والنُّورَ تخبَّط في الظُّلَم! ولا عاصمَ اليومَ مِن أمرِ اللهِ إلاَّ مَن تمسَّكَ بِالوَحْيَينِ والعِلمِ والقَلَمِ أخذا بوصيِّةِ المصطفَى القائلِ: "عليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشِدينَ المهديِّينَ من بعدي، تَمَسَّكُوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمور، فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ".

عبادَ الله: الدِّفاعُ عن شَرِيعَتِنَا الغرَّاءِ، وتَعْرِيَةُ طُرُقِ الْمُفسدِينَ والغُلاةِ والخَارِجينَ، والأخذُ على أيدِيهم، فَرْضٌ على العلماءِ والفُقهاءِ، وأهلِ القضاءِ والإفتاءِ، والدُّعاةِ والخُطَبَاءِ، القادةِ الأَعلامِ، حُمَاةِ الإسلامِ، العارفينَ بالحلالِ والحرامِ، الذين بِنورِهم نَهتدي، وعلى مِنهاجِهم نَسِيرُ! فإنَّ عليهم أمانةً ثقيلةً، لا بدَّ من القيام بها، ليُحْفظَ الدِّينُ، ويُحمى من التَّدليسِ والتَّزوير والتَّجهيلِ، وفي هذا يَقولُ رَسُولُ الهُدى: "يَحمِلُ هذا الدِّينِ من كلِّ خَلَفٍ عُدُولَهُ، يَنفُونَ عنهُ تَحريفَ الغَالينَ، وانْتِحَالَ المُبطِلِينَ، وتأويلَ الجاهلينَ"؛ لأنَّ اللهَ –تعالى- أخذَ عليهمُ العهدَ والميثاقَ فَقَالَ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـابَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران: 187].

ومِمَّا قالَهُ أعضاءُ هيئةُ كبارِ عُلماءِ المملكةِ: "أنَّنا نَحمَدُ اللهَ سبحانه على ما مَنَّ به علينا المملكةِ من اجتماع كَلِمَتِها وَتَوَحُّدِ صَفِّها على كتابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ في ظلِّ قيادةٍ حكيمةٍ لها بيعَتُها الشَّرعيَّةُ، أدام الله توفيقَها وتسديدَها، وحفظَ اللهُ لنا النِّعمةَ وأتَمَّها، وإنَّ المحافظةَ على الجماعةِ من أعظمِ أصولِ الإسلام، ومِمَّا عَظُمت وصيةُ الله -تعالى- به، إذْ يقول جلَّ وعلا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران: 103].

وهي وصيةُ النَّبيِّ –صلى الله عليه وسلم- حين قال:"يدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ"، لا تُفرِّقُنا تَيَّاراتٌ وافدةٌ، وإنَّ هيئةَ كبارِ العُلماءِ تدعوا الجميعَ إلى بذلِ كُلِّ الأسباب التي تزيدُ من الُّلحمَةِ، وتُوثِّقُ الأُلفَةِ، وتؤكِّد على وجوب التَّنَاصُحِ والتَّفَاهُمِ والتَّعاونِ على البِرِّ والتَّقوى؛ إذ الأمَّةُ في بلادِنا جماعةٌ واحدةٌ تَلتَزِمُ الجماعةَ وتناصحُ بِصِدقٍ، مع الاعترافِ بعدم الكمالِ، ووجودِ الخطأِ وأهميةِ الإصلاحِ على كلِّ حالٍ وفي كلِّ وقتٍ، بالأسلوبِ الشَّرعي الذي يجلبُ المصلحةَ، وَيَدْرَأُ المَفسَدةَ، والأسلوبُ الشَّرعيُّ الذي لا يكونُ معه مَفْسَدَةٌ، هو المُنَاصَحَةُ".

أيُّها المسلمونَ: تَمرُّ أمَّتُنا بِأحداثٍ عاصِفةٍ، ومُستَجَدَّاتٍ قَاصِفةٍ، فتنٌ أطبقَت غُيومُها وانتشرَت سُمُومُها؛ صِراعَاتٌ عَقَدِيَةٌ، وأفكَارٌ مَسمُومَةٌ، وتَغريبٌ مُتَسارِعٌ، وَتَطَرُّفٌ وغُلُوٌ، أَثَارُوا نَقْعَها، واستفتَحوا بابَها، ولَو علِموا ما يُعقِبُ البَغيُ قَصَرُوا، ولكنَّهم لم يفكِّروا في العواقبِ.

لذا كانَ على العلماءِ الرَّبَّانِينَ مَسؤوليةٌ كبرى، وأمانةٌ عظمى بِنُصحِ الرُّعاةِ والرَّعيَّةِ، وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ ! ألم يَقُلِ المولى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160)﴾[البقرة: 159- 160].

فيا علماءَ الأمَّةِ: بَلِّغُوا رسالةَ الله، لِتُحَقِّقُوا الْمَصَالِحَ والْمَرابِحَ، وتَدفَعُوا الْمَفَاسِدَ والمظالمَ والقبائِحَ؛ فإنَّ السَّلامةَ مِن الفَتَنِ، والأمانَ في الأوطانِ، إنَّما هو في تبليغِ الدِّينِ وعدمِ الكِتمَانِ، فيا علماءَ الإسلامِ نحنُ باللهِ ثُمَّ بكمِ، بِنُورِ عِلمِكُم نَسِيرُ، وعلى خُطَاكُم نَهتدي، فَسَدَّدَ اللهُ أعمالَكُم وأقوالَكُم، وباركَ في جُهُودِكُم.

باركَ اللهُ لنا في القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنا بما فيه من الآيات والذِّكر الحَكِيم، أقولُ ما تَسمَعُونَ، وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروه، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، لا مانعَ لِما أعطاهُ، ولا رادَّ لِما قَضَاهُ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا مَعبودَ بِحقٍّ سِواهُ، ونَشهدُ أنَّ محمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ ومُصطَفَاهُ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه وَمَنْ والاهُ.

أمَّا بعدُ: فأوصِيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ، فَمَنْ اتَّقَى اللهَ خَافهُ وَرَجَاهُ، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 100].

أيُّها المسلمون: ما خرَجَ أحَدٌ عن جادَّةِ الحقِّ والوسَطِ، إلاَّ سلَكَ أَحَدَ طَرِيقَينِ، إمَّا الْجَفَاءَ والإعرَاضَ، وإمَّا الغُلوَّ والإفرَاطَ، وهذه إحدى مَصَائِدِ الشَّيطَانِ ومَكَائِدِهِ، فيا مؤمنونَ: ﴿لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[المائدة: 77]، وإنَّ مَا حَصَلَ قَبلَ أيَّامٍ المَاضِيَةِ في حُدُودِنِا الشَّماليَّةِ في عَرْعَر، لهو غدرٌ وخيانةٌ! كيفَ وقد قالَ -تعالى-: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾[يوسف: 52].

  ولو عَلِمَ هؤلاءِ الأغرارُ الذينَ تَسلَّلوا من جِهَةِ العراقِ والشَّامِ عقوبةَ الغَدْرِ والخيانَةِ لَما أقدموا على مِثلِ هذهِ الأعمالِ الدَّنيئَةِ، ولَمَا أقَدَموا على قَتْلِ رِجالِ حُدُودِنا الأشاوس، غَفَرَ اللهُ لهم وتَقبَّلهم في الشُّهداء والصَّالِحينَ، ولَمَا أقَدَموا كذالِكَ على قَتْلِ أنفُسهم وَتفجيرها ! كيفَ يَفعَلونَ مَعَ قولِ اللهِ -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾[النساء: 107].

 قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رَحمَهُ اللهُ-: "فإنَّ كلَّ خَائِنٍ لا بُدَّ أنْ تَعودَ خِيانَتُهُ وَمَكرُه على نَفسِهِ، ولا بُدَّ أنْ يَتَبَيَّنَ أَمرُهُ"، وفي صحيحِ مُسلمٍ أنَّ النَّبِيَّ قَالَ:"لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ". والغَدْرُ خَلَّةٌ من صِفاتِ المُنافِقِينَ حَتَّى يَدَعَهَا.

عبادَ الله: نَعيشُ بِحمدِ اللهِ في مَملَكَتِنا في أمنٍ وأمانٍ وَمحبَّةٍ وسَلامٍ، فَلنُحافِظِ على ذالِك بِشُكرِ اللهِ أوَّلاً وآخِراً، فالأمنُ كَنْزٌ ثَمينٌ، فِي ظِلِّه تُحْفَظُ النُّفُوسُ وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ، وتَأْمَنُ السُّبُلُ وتُقَامُ الحُدُودُ، في ظِلِّ الأمْنِ تَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله وتُعمَرُ المسَاجِدُ، ويَسُودُ الشَّرْعُ ويَفْشُو المَعْروفُ ويَقِلُّ المُنْكَرُ ويحْصُلُ الاستِقْرارُ.

ولا يَسْتَقيمُ أمرُ الدِّينِ إلاَّ مَعَ وُجُودِ الأمنِ، والأمْنُ يَحْتَاجُ إلى رِجَالٍ مُخلِصينَ، يَحرُسُونَ البِلادَ، ويحمُونَ الثُّغورَ، فَكانَ مِن حقِّهم أنْ يَكونَ لهم الإجلالُ والاحترامُ، والأمنُ والأمانُ والدُّعاءُ، وألاَّ نرضى لأيِّ أحَدٍ أنْ يَمَسَّهم بسوءٍ. فكيفَ إذا كانَتِ الخيانَةُ والغدرُ بحُرَّاسِ الحدُودِ باسمِ الدِّينِ والجهادِ في سبيلِهِ؟ إنَّ هذا لشيءٌ عُجابٌ! فدينُ اللهِ -تعالى- جاءَ رَحْمَةً وَعَدْلاً بالخلقِ!    

وجاءت شَريعَتُنا لِتَحفَظ الأنفُسَ الْمَعصُومَةَ مِن التَّعدِّيَ عَليها بغَيرِ حقٍّ، بل جعلت الوعيدَ الشَّديدَ لِمن قَتَلَ نَفسَهُ؛ ففي صحيح مُسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا». فما بالُكم بعقوبَةِ مَن قتلَ غيرَهُ قالَ اللهُ -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].

أفرَأيتُمُ يا مُسلِمونَ الدُّنْيَا ومَا فيهَا، فإنَّ زَوَالَها واللهِ أهْوَنُ عِندَ اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، يَقُولُ –صلى الله عليه وسلم-: "لَزَوالُ الدُّنْيَا أهونُ عِندَ الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ". وقالَ–صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ مُؤمنًا فاغْتَبَطَ بِقَتْلهِ يعني فَرِحَ بِقَتْلهِ لم يَقْبلِ الله مِنهُ صَرْفًا ولا عَدْلاً"، وقالَ ابنُ عُمرَ -رضي اللهُ عنهما-: "إنَّ مِنْ وَرَطاتِ الأمُورِ التي لا مَخْرجَ لمَنْ أوقَعَ نَفْسَهُ فيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بغَيرِ حِلِّهِ".

عبادَ اللهِ: إنَّ جريمَةَ محاوَلَةَ التَّسَلُّلِ عبرَ حُدُودِنا الشَّمالِيَّةِ لهيَ مُحاولَةٌ لِزعزَعَةِ الأمنِ في بلادِنا، وَصَدَقَ اللهُ: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾[الحج: 46].

إنَّ عَمَلَهُمُ الإجرامِيُّ هذا يَخدِمُ أعداءَ الإسلامِ، في تَشويِهِ صُورةِ الإسلامِ وأهلِهِ في أنظَارِ الْمُسلِمينَ وغيرِهِم، وإنَّ المَدخَلَ الخطِيرَ الذي قادَهم إلى استِبَاحَةِ الدِّماءِ والاستخفَافِ بها، هو التَّكفيرُ وقد قالَ رَسُولُنا وقُدوتُنا-صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ" (متفق عليه).

وهذا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رضي اللهُ عنهما- حينَ تَمكَّنَ مِن رَجُلٍ مُشرِكٍ في أرضِ الجِهادِ ورَفَعَ عليه سيفهُ قالَ الرجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقَتَلَهُ، فَلمَّا عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "أَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: "وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟" قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: "كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟".

 فلا يزَالُ هذا السؤالُ النَّبويُّ العظيمُ يَرِنُّ في الآذَانِ بِلا جَوابٍ! فقط حينَ قالَ: "وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟"، فكيفَ بِإخوانِنا حُرَّاسِ الحُدُودِ المُرابِطونَ في سبيلِ اللهِ وهم من أهل الصِّيامِ والصَّلاةِ وأعمالٍ ستَكُونُ خَصمُكَ أمامَ اللهِ -تعالى-؟! وصدَقَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" (رواه  البخاري).

فيا شبابَ الإسلامِ: الزموا غرزَ عُلمَائِكم، واصدروا عنهم فهم من أولي الأمرِ الذينَ أُمرنا بِطاعَتِهم واتِّباعِهم، ولا تَغُرَّنَّكُم الشِّعاراتُ البَرَّاقَةُ، ولا الخُطَبُ الرَّنَّانَةُ، فواللهِ إنَّا لكم مُحبُّونَ وعليكم خائِفونَ اتَّبعوا سبيلَ المؤمنينَ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[الأنعام: 153].

 فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدِّين والعقل، والدنيا والآخرة، اللهم أرزقنا إيماناً صادقا، ولسانا ذاكرا، وعلما نافعا، وعملا صالحا متقبلا اللهم إنا نعوذ بك من مُضلاتِ الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأمننا وبلادنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره وشتت شمله واجعله عبرة للمعتبرين يا رب العالمين.

 اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى وأعنهم على البر والتقوى وارزقهم بطانةً صالحةً ناصحةً يا رب العالمين.

اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين وخذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم جنبهم الفواحش والفتن، اللهم أدم على بِلادِنا أَمنَها واستقرَارَها، وزِدْها هُدىً وعَدلاً وتَوفيقاً.  

اللهمَّ إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظَهَر منها وَمَا بَطَنَ يا ربَّ العالمين. اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ربَّ العالمين.

اللهم تقبل شهدائنا في الصالِحين اكفنا شرَّ الأشرارِ ورُدَّ كيدهم في نحورهم،  ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. عبادَ الله: اذكروا الله العظيمَ يذكُركم واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.