فتنة المسيح الدجال

عناصر الخطبة

  1. الدجال من علامات الساعة الكبرى
  2. من أعظم الفتن التي يفتن الدجال بها الناس
  3. بقاء الدجال في الأرض ومن هم أتباعه
  4. أعظم الناس شهادة عند الله
  5. ما يعصم من فتنة الدجال.
اقتباس

يخرج له شاب من أهل المدينة من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه، فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيأمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم. فيستوي قائماً ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول الشاب: أنت المسيح الكذاب ما ازددت فيك إلا بصيرةً. فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به إلى النار، فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار وإنما أُلْقِي به إلى الجنة. قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “وهذا أعظم الناس شهادةً عند رب العالمين”…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

عباد الله:

إن من المعلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، وأن لليوم الآخر علامات صغرى وكبرى بين يديه.

ومن العلامات الكبرى خروج المسيح الدجال، فإن فتنته من أعظم الفتن التي بين يدي الساعة كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال" (رواه البخاري ومسلم).

 وروى مسلم عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بين آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال".

وقد ثبتت صفاته في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو رجل شاب أحمر قصير أفحج، جعد الرأس أجلى الجبهة، عريض النحر أعور العين اليمنى مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يخرج فتنةً للناس؛ إذ يدَّعي الربوبية، ويعطيه الله من الإمكانات ما يُرَوِّج بها باطله، فمنها:

أنه يجوب الأرض سريعاً, كالغيث استدبرته الريح، ومعه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار.

ومن ذلك: أن الشياطين تعينه على باطله؛ حيث يأتي إلى الأعرابي فيقول له: "أرأيت لو أحييت أمك وأباك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطان في صورة أمه وأبيه فيقولان: يا بني اتبعه فانه ربك فيؤمن به".

ومن الإمكانات أيضاً:

أنه يأمر السماء أن تمطر والأرض فتنبت، ويدعو البهائم فتتبعه، ويأمر الأرض الخربة أن تُخرج كنوزها المدفونة، ابتلاءً من الله للعباد .

ومن ذلك: أنه يخرج له شاب من أهل المدينة من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه، فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيأمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم. فيستوي قائماً ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول الشاب: أنت المسيح الكذاب ما ازددت فيك إلا بصيرةً. فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به إلى النار، فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار وإنما أُلْقِي به إلى الجنة. قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "وهذا أعظم الناس شهادةً عند رب العالمين".

ويخرج الدجال من المشرق من بلاد فارسية يقال لها خراسان، ويظهر أمره للمسلمين عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم وأكثر أتباعه اليهود والنساء. يمكث في الأرض أربعين يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وبقية أيامه كسائر الأيام. مُحَرَّمٌ عليه دخول مكة والمدينة.

والسلامة من فتنته تكون بما يلي:

أولا: الإيمان بالله ورسوله، والمحافظة على الأعمال الصالحة، قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)﴾ [يونس: 62- 63].

ثانياً: الاستعاذة بالله -تعالى- من شر فتنة الدجال, والإكثار منها لاسيما في التشهد الأخير في صلاة الفريضة والنافلة, فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع, يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال".

ثالثاً: حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من فتنة الدجال" (رواه مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه).

رابعاً: الابتعاد عنه وعدم التعرض له؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث من الشبهات" (رواه أحمد عن عمران بن حصين رضي الله عنه).

خامساً: أن يسكن مكة والمدينة فإنهما حرمان آمنان منه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء الدجال الأرض إلا مكة والمدينة فيجد بكل نَقْب من ثقابها صفوفاً من الملائكة" (رواه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه).

إلا أن هذه البلاد المقدسة إنما جعلها الله عصمة من الدجال لمن سكنها وهو ملتزم بما يجب عليه من الحقوق والواجبات وإلا فمجرد استيطانها مع البعد عن التمسك بشرع الله مما لا يجعل ساكنها في عصمة منه وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: "إن الدجال حين يأتي المدينة وتمنعه الملائكة من دخولها ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه".

فهؤلاء المنافقون والمنافقات لم يعصمهم من الدجال سكنهم المدينة النبوية، بل خرجوا إليه وصاروا من أتباعه كاليهود.

وعلى العكس من ذلك فمن كان فيها من المؤمنين الصادقين في إيمانهم فهم مع كونهم في عصمة من فتنته، فقد يخرج إليه بعضهم متحدياً وينادي في وجهه. هذا هو الدجال الذي كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحدثنا حديثه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عُدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ وسلم تسليماً كثيراً؛ أما بعد:

عباد الله:

إن نهاية الدجال تكون على يد عيسى -عليه السلام-، ومبدأ ذلك خروج جيش من المدينة كما ثبت في صحيح مسلم.

وهذا الجيش يخرج من أجل غزو الروم الصليبيين ويكون نزول الروم في مكان حدده الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "في الأعماق أو بِدابِق" وهما بالشام، فيقتتلون فيهزم ثلث من مع المسلمين, أي: يفرون, وهؤلاء لا يتوب الله عليهم، ويقتل الثلث هم أفضل الشهداء، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدًا. فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ سمعوا صياح الشيطان: إن الدجال خلفكم في ذراريكم، فيرسل الخليفة عشرة من الفرسان، قال عليه الصلاة والسلام: "والله إني لأعلم أسمائهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم, هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ".

 فيجدون ذلك باطلاً، ثم بعد ذلك يتوجهون إلى بيت المقدس فيحاصرهم الدجال, عند ذلك ينزل عيسى -عليه السلام- عند باب لُدّ فيقتله، فيهزم الله اليهود وينطق الشجر والحجر: "يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله".

ولا بد أن نعلم بأن هذه الكرامة لا تحصل إلا للمسلم الذي حقَّق العبودية لله وحده وطبَّق أحكام الإسلام. لأن الشجر والحجر يقولان: "يا مسلم يا عبد الله".

وينبغي أن نعلم أيضاً بأن تكلم الشجر والحجر لا يكون إلا بعد نزول عيسى -عليه السلام- كما هو ثابت في الأحاديث الصحيحة.

ونزول عيسى -عليه السلام- يكون وقت صلاة الصبح ويؤم المسلمين بما فيهم عيسى -عليه السلام- رجل صالح يقول له عيسى عليه السلام: "تقدم فإنها لك أقيمت".

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنِّا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال.