حقيقة الصوفية

عناصر الخطبة

  1. الاسم الذي اختاره الله لنا
  2. ما هي الصوفية؟
  3. الصوفية تناقض توحيد الله
  4. أركان التوحيد الخالص
اقتباس

لماذا اخترت هذا الموضوع؟ لأنني رأيت مشهد فيديو، مجموعة من المسلمين يجتمعون، لا على ذكر الله، ولكن يجتمعون ويرقصون، رجال ترقص، ثم ينسبون هذا العمل إلى الإسلام، فبالله عليك! هل سمعت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك؟ هل سمعت بالصحابة الكرام يفعلون ذلك؟ هل سمعتم بالتابعين أو بأتباع التابعين يفعلون ذلك؟ ثم -وللأسف الشديد!- ينسبون ذلك العمل للذكر! ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله تعالى به الغمة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فيا عزيز يا غفار، يا عزيز يا غفار، اجعل هذا اللقاء لقاءً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا ولا مِنَّا ولا معنا ولا بيننا شقيا ولا محروما.

إخوة الإيمان: يقول الحق -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج:78]، هو سماكم المسلمين، اسم اختاره الحق -جل وعلا-، اسمٌ أعزَّنا الله تعالى به، وفضلنا به على سائر المخلوقات، وعلى سائر الملل.

ولكننا -إخوة الإيمان- غيَّرنا ما أختاره الله تعالى لنا، وتحولنا -وللأسف الشديد!- إلى أسماء ومسميات ما أنزل الله -تعالى- بها من سلطان: شيعة، صوفية، أهل الطريق، شافعية، حنابلة، مالكية، وكل شيخ له طريقته، وكل طريقة لها أتباعها.

وقد نتج عن هذه التسميات وهذه المسميات تفرق للأمة، وتشتت وانقسام، مما سمح للعدو أن ينقض على هذه الأمة بكل سهولة، حيث لم يجد صعوبة من النيل منها واستباحة حرماتها؛ وذلك لأن أصحاب هذه التسميات وأصحاب هذه المسميات جعلوا كتاب الله تعالى وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

لقد غفلوا عن العديد من الآيات القرآنية المباركة التي تزكي هذا الاسم العظيم الذي اختاره لنا الرب -سبحانه وتعالى-: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج:78]، ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)﴾ [الأنعام:162-163]، ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس:72]، ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [النمل:91].

هذا هو الاسم العظيم الذي سماك الله تعالى به، وأمرك أن تعتز وتفتخر به، فلا تخترع لنفسك اسما آخر، ولا تزد على ذلك حرفا آخر؛ فالإسلام -إخوة الإيمان- في أصوله وأحكامه وخصائصه ثابت لا يتغير، والمنتسبون إليه يتغيرون ويختلفون.

وإذا أردنا -إخوة الإيمان- أن نتعرف على كل اسم من هذه المسميات فما علينا إلا أن نعتمد على المصابيح التي نبعت، منها والتي ظهرت منها، وبذلك نفهم حقيقة الاسم كما هو.

ومن الأسماء أو التسميات الشائعة، وكثيرا ما نسمع بها، لفظ التصوف، أو فرقة الصوفية، وفرقة تسمي نفسها هكذا، فما هي حقيقة الصوفية؟ وما أصول معتقداتهم؟.

بداية: ليست بمعركة، لن نشتم، نريد أن نعرف الحق من الباطل، فالإسلام أمَرَ بالتناصح، فالدين النصيحة، "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين"، ورفع الحرج عن هذه الأمة حيث قال المصطفي -صلى الله علية وسلم-: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

ولماذا اخترت هذا الموضوع؟ لأنني رأيت مشهد فيديو، مجموعة من المسلمين يجتمعون، لا على ذكر الله، ولكن يجتمعون ويرقصون، رجال ترقص، ثم ينسبون هذا العمل إلى الإسلام، فبالله عليك! هل سمعت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك؟ هل سمعت بالصحابة الكرام يفعلون ذلك؟ هل سمعتم بالتابعين أو بأتباع التابعين يفعلون ذلك؟ ثم -وللأسف الشديد!- ينسبون ذلك العمل للذكر!.

وكأنهم يذكرونني بالشيعة حين يحتفلون في احتفالاتهم الباطلة، ومن فضل الله تعالى علينا أن الأرض لا تخلو من قائم لله تعالى بحجة ودليل وبرهان، وأن الله تعالى عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة؛ بل جعل طائفة منها لا تزال على الحق، ظاهرة عالية، لا يضرها من خالَفَها ولا من عاداها حتى تقوم الساعة، ولعل هذه النصيحة التي نقدمها لإخواننا عسى أن يتوب الله عليهم، لعل هذه النصيحة تصادف آذانا صاغية، وقلوبا واعية، ونفوسا زاكية.

هذه العقيدة -إخوة الإيمان- تتناقض مع أصول هامة من أصول التوحيد، أصول لا غنىً عنها، أولُ هذه الأصولِ إخلاصُ العبادة لله تعالى وحده، وذلك بإعطاء الإلوهية حقها الكامل من التعظيم والمحبة والخضوع المطلق لله -سبحانه وتعالى- وحده.

ولا يتحقق ذلك -إخوة الإيمان- إلا بإثبات أمور هامة: أولها أنه لا ينبغي لإنسان أن يعظم ويقدس غير الله تعالى، فكل ما أتخذه الناس من أرباب عبدوها أو عظموها من دون الله تعالى أو مع الله يجب أن تسقط وأن تزول، سواء كانت أربابا من حجر أو من بشر.

ولهذا كانت دعوة الأنبياء والرسل ودعوة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- دعوة إلى التوحيد، أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، أن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.

وثانيها أن لا يتخذ العبدُ غيرَ الله -سبحانه وتعالى- وليا يحبه كحب الله، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة:165]، نعم إخوة الإيمان، ومعني ذلك أنهم يحبون ما سوى الله -عز وجل- وجعلوهم أندادا له -سبحانه وتعالى- يحبونهم حبا ممتزجا بالخضوع والخوف والتعظيم الذي لا يجوز أن يكون إلا لله -سبحانه وتعالى-.

وثالثها الكفر بالطاغوت، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36]، والطاغوت -إخوة الإيمان- هو التقرب والخضوع والتذلل إلى كل ما سوي الله -عز وجل-؛ ومن اجل ذلك كان نداء الأنبياء والرسل جميعا إلى قومهم بوجوب الكفر بالطاغوت، والتبرؤ من كل ما يُعبَد من دون الله -سبحانه وتعالى-.

الكفر بالطاغوت -إخوة الإيمان- قدمه الله -جل وعلا- في القرآن الكريم على الإيمان بالله -جل وعلا-، والدليل من قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة:256].

رابعها: اتقاء الشرك، والحذر منه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء:48]، هذا الذنب، أو هذه الكبيرة، لا تقبل المغفرة بأي حال من الأحوال، قال الكبير المتعال: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ [المائدة:72]، الجنة -إخوة الإيمان- التي نتوق إليها جميعا هي حرام على المشرك، حتى وإن كان من المصلين، تقول لي: هل هناك مصلٍّ مشركٌ؟ نعم، وهو لا يشعر بذلك!.

ومن الشرك الأكبر -إخوة الإيمان- الدعاء والاستعانة بالموتى، فدعاء الموتى والمقبورين من أصحاب الأضرحة والمقامات والاستعانة بهم في طلب الحاجات من شفاءٍ للمرضى أو تفريج للكربات مما لا يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى-، واعتقادهم أن هؤلاء الأولياء يضرون أو ينفعون فذلك هو أصل الشرك.

وسبب خفاء هذا الشرك أن الناس لا يسمون هذا الدعاء وهذه الاستعانة وهذه الاستغاثة وهذا الذبح لأصحاب القبور أو قبور الأولياء لا يسمون ذلك عبادة، هم لا يسمون ذلك عبادة؛ لذلك حين تسألهم يقول لك: لست أعبده؛ لأنه يعتقد أن الدعاء ليس عبادة، في حين أن ذلك يتناقض مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-.

يظنون أن العبادة إنما تنحصر في السجود والركوع والصلاة والصيام والحج، والحقيقة أن روح العبادة هي الدعاء، كما جاء في الحديث الصحيح الذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم- : "الدعاء هو العبادة ".

يا سيدي فلان: لقد جئتك بولدي، منذ عشر سنوات لم أنجب الأطفال، ويتقرب إلى هذا الولي، ويتمسح على ذلك الضريح، بل يقدم له القربات، ويذبح له، ويعده، وينذر إذا جاءني ولد والله لأذبحن لك، ويحلف بالله وابنه الصغير بجانبه يتعلم العقيدة الفاسدة، ثم يحاسبونهم على عقيدة لا ذنب لهم فيها!.

وإذا توجهت إليهم -وللأسف الشديد- بالنصيحة فأول شيء يقوم بتصنيفك، فيقول لك: أنت من الآخرين. لا يا أخي! إنما أنا أنصحك، أقول لك القرآن والسنة، لست من جماعة أخرى، قال تعالى وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

فإذا نصحته يقول لك: لا يا أخي، نحن لا نعتقد أن هؤلاء الأموات الذين ندعوهم ونستغيث بهم ونتقرب إليهم هم آلهة وأربابا، لا نعتقد ذلك أبدا، أستغفر الله العظيم، لا أعتقد بأنه إله؛ بل أعتقد أنهم مخلوقون مثلنا، ولكنهم وسائط بيننا وبين الله.

جعلتَ بينك وبين رب العزة وسيطاً؟ ويزين الكلام فيقول: ذنوبي جعَلَتْنِي لا أتوجه إلى ربي بالدعاء، فاتخذت هذا الولي الصالح الذي لم يذنب قط وسيطا!.

الإسلام -بفضل الله تعالى- ليس فيه وسائط، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة:186]، وكما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً﴾ [الزمر:53]، وهذا -وللأسف الشديد!- من جهلهم بالله -سبحانه وتعالى-، ظنوا أن الله -سبحانه وتعالى- لا يُستطاع الوصول إليه إلا بوسطاء وإلا بشفعاء، لا؛ باب الله سبحانه وتعالى لا يغلق أبدا.

وهذا -وللأسف الشديد!- هو نفس الوهم الذي وقع فيه المشركون قديما حين قالوا عن آلهتهم وأصنامهم: لا نعبدها بل نتقرب بها إلى الله! والدليل من قوله -جل وعلا-: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر:3]، وقال -جل وعلا-:﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس:18].

حاشاه الله -سبحانه وتعالى- أنه يرفض مذنباً! حاشاه! فالمشركون لم يعتقدوا يوما، مشركو قريش، لم يعتقدوا يوماً أن آلهتهم وأصنامهم التي يعبدونها من دون الله -جل وعلا- هي آلهة تخلق أو ترزق أو تحيي وتميت، لا، هم لا يعتقدون ذلك، والله جل وعلا يقول: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت:61]، الله هو الذي يخلق، ولكن نحن نتقرب إلى هذه الآلهة لله -جل وعلا-.

فحسب اعتقادهم أن الله -جل وعلا- خالق السماوات والأرض، وأنه الرازق، وأنه المحيي، وانه المميت، مع هذا كله وصفهم القرآن بالشرك، هم يقولون أن الله هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يرزق، لماذا يسميهم القرآن بالمشركين؟ ولماذا وصفهم القرآن بالشرك؟ وذلك لسبب بسيط، وليس ببسيط، لاعتقادهم أن هذه الأصنام وسائط وشفعاء لهم عند الله -سبحانه وتعالى-، وعلى ذلك فقس.

قال الله، قال رسول الله، لم نتفلسف، والرأي الشخصي لا مكان له فوق منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالله -سبحانه وتعالى- نفي الوسائط والشفعاء، وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد، وبابه مفتوح لكلِّ مَن أراد الدخول إليه، قال -جل وعلا-: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60]، ولم يقل: اذهبوا فتحدثوا معهم فسيأتون ليكلموني فأستجيب، لا؛ وقال ربكم: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، آيةٌ صريحة، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي) [البقرة:186].

إخوة الإيمان: لقد جاء الإسلام بالتوحيد الخالص، وحارب الشرك، وحذر منه أشد التحذير، واتخذ لذلك وسائل شتي لسد كُلِّ المنافذ التي تهب منها رياح الشرك، ومن هذه المنافذ الغلو في تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم-، اسمع اسمع: الغلو في تعظيم النبي، ولم أقل الغلو في حب النبي، فنحن -بإذن الله- تعالى من المتعصبين لحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولسنا من المتعصبين لتعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولست أنا الذي قلتُ، بل قال هو -صلى الله عليه وسلم- حين نهي عن الغلو في تعظيمه ومدحه، قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أورده الإمام البخاري في صحيحه: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسي بن مريم"، لا تمدحوني كما مدح النصارى عيسى بن مريم، "إنما أنا عبد لله ورسوله"، فقولوا: النبي أو محمد هو عبد الله ورسوله.

ولماذا عُبِدَ -عيسي عليه السلام- من دون الله -جل وعلا-؟ أليس لأن النصارى عظموه بدون قيود؟ بل نحن -بفضل الله تعالى- جعل الله سبحانه وتعالى لنا قيوداً في محبتنا للحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان صلوات الله تعالى وسلامه عليه إذا رأى أو سمع ما يؤدى إلى الغلو في شخصه زجر وغضب غضبا شديدا.

قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي أورده النسائي بسند صحيح عن أنس أن أناسا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا -وهو خيرنا- وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستهويكم الشيطان، قولوا بقولكم ولا يستهويكم الشيطان، إنما أنا محمد بن عبد الله، إنما أنا رسول الله، ولا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله -سبحانه وتعالى-".

ومما نهي عنه الإسلام وحذر منه الغلو في شأن الصالحين، فقد غلا قومٌ في شأن المسيح حتى جعلوه ابناً لله -جل وعلا-، وغلا قوم في أحبارهم ورهبانهم فاتخذوهم أربابا من دون الله -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) [النساء:171].

أول شرك -إخوة الإيمان- وقع في هذه الأرض هو شرك قوم نوح، وكان سببه الغلو في الصالحين، كما جاء في صحيح البخاري من حديث بن عباس -رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، فلما هلكوا أوحي الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا فيها أنصابا وسموها بأسمائهم"، صاروا يذهبون لهذا المكان ويدعون فيه، جعلوها أضرحة، لم تعبد في بداية الأمر، حتى هلك أولئك الناس، ونُسي العلم، فعبدت هذه الأصنام!.

ومن هنا -إخوة الإيمان- يتبين لنا غلو بعض المسلمين الذين يعتقدون في أصحاب الأضرحة والمزارات، وذلك يؤدي إلى أنواع من الشرك كثيرة، كالنذر والذبح لهم، والاستعانة بهم، والقسَم بهم، وقد يعتقد البعض أن لهؤلاء الصالحين سلطة وتأثيرا في الوجود، وهذا -واللهِ!- الإثم العظيم، والضلال المبين.

أسال الله تعالى أن يوفقنا لكل خير، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه. أقول ما تسمعون فإن كان صوابا فمن الله وحده وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصلَّى اللهُ على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، واجعلنا اللهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم …