محارق الباطنية لأهل السنة

عناصر الخطبة

  1. الأمة الإسلامية أمة مستباحة الدماء
  2. ابتلاء الأمة الإسلامية بأعداء ورثوا ثقافة الدم والقتل
  3. الباطنية عون لأعداء الأمة الإسلامية عبر التاريخ
  4. نماذج من عداء الباطنيين للمسلمين
  5. تعليق على مذبحة الحويجة بالعراق وجديدة عرطوز بسوريا
اقتباس

إِنَّ أُمَّةَ الإِسْلاَمِ أُمَّةٌ مُسْتَبَاحَةٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَقَضَايَا المُسْلِمِينَ هِيَ القَضَايَا الَّتِي يَعْجِزُ العَالَمُ الدَّوْلِيُّ المُعَاصِرُ عَنْ حَلِّهَا، أَوْ لاَ يُرِيدُ حَلَّهَا، وَلاَ تُسْتَبَاحُ أَرْضٌ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَدُوٍّ صَهْيَوْنِيٍّ أَوْ صَلِيبِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ أَوْ بَاطِنِيٍّ، إِلاَّ وَقَفَ المُجْتَمَعُ الدَّوْلِيُّ مَوْقِفَ المُتَآمِرِ أَوِ المُتَفَرِّجِ، فَإِنْ كَانَتِ الغَلَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ تَآمَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَطَفَ ثِمَارَ نَصْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ تَفَرَّجَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَسَحْلِهِمْ وَاسْتَلَذَّ بِعَذَابِهِمْ…

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ بِرَحْمَتِهِ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَهُمْ إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ، فِي الخَيْرِ يَتَعَاضَدُونَ، وَعَلَى أَعْدَائِهِمْ يَتَنَاصَرُونَ: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10].

نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلاَئِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ ابْتَلَى عِبَادَهُ بِدِينِهِ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ شَرِيعَتَهُ، وَفَتَنَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَكَانَ الاخْتِلافُ وَالصِّرَاعُ وَالقِتَالُ: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان:20].

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ شَرَحَ اللهُ تَعَالَى صَدْرَهُ، وَوَضَعَ وِزْرَهُ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ؛ فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَمَشْهُورٌ عِنْدَ العَالَمِينَ، وَسُنَّتُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مَرِّ السِّنِينَ، لاَ تُبِيدُهَا أَلْوِيَةُ الصَّلِيبِ، وَلاَ تُحْرِقُهَا نَارُ المَجُوسِ، فَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ تَعَالَى وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمَلُوا صَالِحًا فِي يَوْمِكُمْ، تَجِدُوهُ مُدَّخَرًا لَكُمْ، وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ، وَاعْمَلُوا بِدِينِكُمْ، وَاجْمَعُوا عَلَيْهِ قُلُوبَكُمْ؛ تَنْتَصِرْ أُمَّتُكُمْ، وَيُخْذَلْ عَدُوُّكُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)﴾ [الأنفال:45-46].

أَيُّهَا النَّاسُ: الحَدِيثُ عَنْ أَحْوَالِ المُسْلِمِينَ المُضْطَهَدِينَ حَدِيثٌ مَكْرُورٌ بِتَكْرَارِ مَصَائِبِهِمْ، وَفَدَاحَةِ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَرُورِيٌّ لأَنَّ نُصْرَتَهُمْ وَاجِبَةٌ: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال:72]، وَهُوَ حَدِيثٌ يُمَزِّقُ القُلُوبَ، وَيَسْتَدِرُّ الدُّمُوعَ، وَيَتْرُكُ فِي النُّفُوسِ لَوْعَاتٍ كَالجَمْرِ يَبْقَى أَثَرُهَا، وَيَزْدَادُ لَهَبُهَا.

إِنَّ أُمَّةَ الإِسْلاَمِ أُمَّةٌ مُسْتَبَاحَةٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَقَضَايَا المُسْلِمِينَ هِيَ القَضَايَا الَّتِي يَعْجِزُ العَالَمُ الدَّوْلِيُّ المُعَاصِرُ عَنْ حَلِّهَا، أَوْ لاَ يُرِيدُ حَلَّهَا، وَلاَ تُسْتَبَاحُ أَرْضٌ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَدُوٍّ صَهْيَوْنِيٍّ أَوْ صَلِيبِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ أَوْ بَاطِنِيٍّ، إِلاَّ وَقَفَ المُجْتَمَعُ الدَّوْلِيُّ مَوْقِفَ المُتَآمِرِ أَوِ المُتَفَرِّجِ، فَإِنْ كَانَتِ الغَلَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ تَآمَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَطَفَ ثِمَارَ نَصْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ تَفَرَّجَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَسَحْلِهِمْ وَاسْتَلَذَّ بِعَذَابِهِمْ، وَهُوَ المُجْتَمَعُ الَّذِي أَصَمَّ الآذَانَ، وَأَزْعَجَ الأَسْمَاعَ بِمَنْعِ الحُرُوبِ، وَتَحْرِيمِ الاعْتِدَاءِ، وَفَرْضِ الحُرِّيَّاتِ، وَحِفْظِ حُقُوقِ الإِنْسَانِ؛ لِنَعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ الحُقُوقَ وَالحُرِّيَّاتِ هِيَ لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ؛ وَلِنَعْلَمَ أَنَّ تَحْرِيمَ الحُرُوبِ فِي القَانُونِ الدَّوْلِيِّ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ إِطْفَاءُ جَذْوَةِ الجِهَادِ، وَالقَضَاءُ عَلَى عِزَّةِ الإِسْلاَمِ، حَتَّى غَدَا جِهَادُ الطَّلَبِ مُحَرَّمًا، وَغَدَا جِهَادُ الدَّفْعِ إِرْهَابًا.

لَقَدْ بُلِيَتْ أُمَّةُ الإِسْلاَمِ بِصَهَايِنَةٍ وَرِثُوا ثَقَافَةَ الدَّمِ وَالقَتْلِ مِنْ نُصُوصِ كُتُبِهِمُ المُحَرَّفَةِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ فُرُوضِ دِينِهِمْ قَتْلَ الأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالحَيَوَانَاتِ، وَاغْتِصَابَ العَذَارَى، وَتَخْرِيبَ بِلادِ المُسْلِمِينَ.

وَبُلِيَتْ أُمَّةُ الإِسْلاَمِ بِصَلِيبِيِّينَ حَاقِدِينَ، وَرِثُوا تَارِيخًا دَمَوِيًّا كَانُوا يَحْمِلُونَ فِيهِ صُلْبَانَهُمْ إِلَى بِلاَدِ المُسْلِمِينَ، فَيَسْتَبِيحُونَ فِعْلَ كُلِّ شَيْءٍ لإِرْضَاءِ رَبِّهِمْ، وَتَحْقِيقِ نُبُوءَاتِ كُتُبِهِمْ، وَمَعَ تَقَدُّمِهِمْ فِي العُلُومِ وَالصِّنَاعَةِ تَغَيَّرَتْ ثِيَابُهُمْ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ قُلُوبُهُمْ، وَتَنَوَّعَتْ أَفْكَارُهُمْ لَكِنَّهَا مُجْتَمِعَةٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ، وَالنَّيْلِ مِنْهَا بِكُلِّ وَسِيلَةٍ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي دَمَوِيَّتِهِمْ وَبَيْنَ رُهْبَانِ القُرُونِ الوُسْطَى، وَمُؤَسِّسِي مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ. وَالحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ القَدِيمَةُ وَالحَدِيثَةُ شَاهِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَبُلِيَتْ أُمَّةُ الإِسْلاَمِ بِمَدٍّ نِفَاقِيٍّ بَاطِنِيٍّ تَآزَرَ مَعَ الصِّهْيَوْنِيَّةِ وَالصَّلِيبِيَّةِ لإِبَادَةِ الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ، وَاقْتِسَامِ الأَدْوَارِ فِي احْتِلاَلِ البُلْدَانِ؛ فَالبَاطِنِيُّونَ يُعِينُونَ الصَّلِيبِيِّينَ فِي احْتِلاَلِ أَفْغَانِسْتَانَ وَالعِرَاقِ، وَيَرْتَكِبُونَ أَفْظَعَ الجَرَائِمِ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ، وَحِينَ كَانَ كَبِيرُ البَاطِنِيَّةِ يَنْعَتُ دَوْلَةَ النَّصَارَى الأُولَى بِالشَّيْطَانِ الأَكْبَرِ، وَالغَرْبُ يُظْهِرُ مَعُونَتَهُ لِلْعَرَبِ فِي حَرْبِ الفُرْسِ الطَّامِحِينَ، كَانَتِ الصَّفَقَاتُ السِّرِّيَّةُ لِلتَّسْلِيحِ تُبْرَمُ بَيْنَ البَاطِنِيِّ وَصَدِيقِهِ الشَّيْطَانِ الأَكْبَرِ بِرِعَايَةِ الصَّهَايِنَةِ فِيمَا عُرِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَضِيحَةِ إِيرَانَ كُونْتَرَا، أَوْ إِيرَانَ جِيتْ؛ فَاسْتُنْزِفَتِ الأَمْوَالُ، وَكَذَبَ الأَصْدِقَاءُ عَلَى الأَصْدِقَاءِ، وَلَعِبَ الصَّهَايِنَةُ والبَاطِنِيَّةُ بِالعَرَبِ.

لَقَدْ كَانَ البَاطِنِيَّةُ فِي القَدِيمِ عَوْنًا لأَعْدَاءِ الأُمَّةِ أَيًّا كَانُوا؛ وَلِذَا أَعَانُوا التَّتَرَ عَلَى المُسْلِمِينَ حَتَّى اسْتُبِيحَتْ بَغْدَادُ، وَأَعَانُوا الصَّلِيبِيِّينَ عَلَى المُسْلِمِينَ فَاسْتُبِيحَتْ بِلاَدُ الشَّامِ، وَطَعَنُوا العُثْمَانِيِّينَ فِي ظُهُورِهِمْ حِينَ قَابُوا قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى مِنْ تَحْرِيرِ أُورُوبَّا بِأَكْمَلِهَا، وَإِدْخَالِهَا فِي الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا فِي عَصْرِنَا هَذَا فَإِنَّ البَاطِنِيَّةَ شُرَكَاءُ فِي المَشَارِيعِ الصَّلِيبِيَّةِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ، وَلاَعِبُونَ أَسَاسِيُّونَ فِيهَا.

إِنَّ لِلْبَاطِنِيَّةِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَارِيخًا مُغْرَقًا بِالدَّمِ، وَمُغَطًّى بِالجُثَثِ، وَمَمْلُوءًا بِالحِقْدِ وَالضَّغِينَةِ، تَارِيخًا لُقِّنَ فِيهِ أَطْفَالُهُمْ ثَقَافَةَ القَتْلِ وَالتَّعْذِيبِ وَالاغْتِصَابِ، وَاسْتِبَاحَةِ كُلِّ شَيْءٍ لأَهْلِ السُّنَّةِ، حَتَّى غَدَوْا كِبَارَ قَوْمٍ، فَهَا نَحْنُ نَرَى أَفْعَالَهُمْ بِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الأَقْطَارِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا؛ يَقُولُ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ الإِمَامِيَّةِ البَاطِنِيَّةِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: "لَمْ نَجْتَمِعْ مَعَهُمْ عَلَى إِلَهٍ وَلاَ نَبِيٍّ وَلاَ عَلَى إِمَامٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ رَبَّهُمْ هُوَ الَّذِي كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيَّهُ، وَخَلِيفَتُهُ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَنَحْنُ لاَ نَقُولُ بِهَذَا الرَّبِّ وَلاَ بِذَلِكَ النَّبِيِّ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الرَّبَّ الَّذِي خَلِيفَةُ نَبِيِّهِ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ رَبَّنَا وَلاَ ذَلِكَ النَّبِيُّ نَبِيَّنَا".

وَهَذِهِ المُفَارَقَةُ المَذْهَبِيَّةُ، وَالمُبَايَنَةُ العَقَدِيَّةُ، جَعَلَتِ البَاطِنِيَّةَ أَقْرَبَ إِلَى شَتَّى المِلَلِ وَالنِّحَلِ، وَأَبْعَدَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَيَسْتَحِلُّونَ فِيهِمْ مَا لاَ يَسْتَحِلُّونَهُ فِي غَيْرِهِمْ.

وَفِي أَوَائِلِ القَرْنِ الثَّالِثِ الهِجْرِيِّ تَسَلَّطَ البَاطِنِيُّ بَابَك الخُرَّمِّيُّ عَلَى المُسْلِمِينَ فِي جِهَةِ المَشْرِقِ، فَاسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ عِشْرِينَ سَنَةً قَتَلَ خِلاَلَهَا رُبْعَ مِلْيُونَ مُسْلِمٍ، وَاسْتَبَاحَ مِنْ حَرِيمِ المُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ آلاَفِ حُرَّةٍ عَفِيفَةٍ، حَتَّى أَفْتَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِقُنُوتِ النَّوازِلِ عَلَيْهِ، مِمَّا أَصَابَ المُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِ وَبَلائِهِ.

وَفِي القَرْنِ الثَّالِثِ أَيْضًا سَارَ ابْنُ زَكْرَوَيْهِ القَرْمَطِيُّ، إِلَى حَمَاةَ وَمَعَرَّةِ النُّعْمَانِ وَغَيْرِهِمَا فَقَتَلَ أَهْلَهَا بِمَنْ فِيهِمُ النَّسَاءَ وَالأَطْفَالَ، وَسَارَ إِلَى بَعْلَبَكَّ فَقَتَلَ عَامَّةَ أَهْلِهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ اليَسِيرَ، وَأَعْطَى أَهْلَ سِلْمِيَّةَ الأَمَانَ ثُمَّ غَدَرَ بِهِمْ فَقَتَلَهُمْ وَقَتَلَ البَهَائِمَ وَصِبْيَانَ الكَتَاتِيبِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَلَيْسَ بِهَا عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَفِي تَارِيخِ حَلَبٍ: أَنَّ القَرْمَطِيَّ أَقَامَ فِي مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْتُلُ المَشَايِخَ وَالنِّسَاءَ وَالرِّجَالَ وَالأَطْفَالَ وَيَحْرِقُ وَيَنْهَبُ، وَكَانَ القَتْلَى بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا.

وَفِي القَرْنِ الرَّابِعِ الهِجْرِيِّ دَخَلَ القَرَامِطَةُ البَاطِنِيَّةُ مَكَّةَ وَقْتَ الحَجِّ، فَقَتَلُوا الطَّائِفِينَ بِالكَعْبَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَاسْتَبَاحُوا دِمَاءَ المَكِّيِّينَ فَنَثَرُوا جُثَثَهُمْ فِي أَزِقَّتِهَا وَبِطَاحِهَا، حَتَّى بَلَغَ عَدَدُ القَتْلَى ثَلاَثِينَ أَلْفَ مُسْلِمٍ، مِنْهُمْ أَلْفٌ وَسَبْعُمَائةٌ مِنَ الطَّائِفِينَ فِي حَرَمِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ نَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا أَعْرَاضَهُمْ، وَسَخِرَ قَائِدُهُمْ أَبُو طَاهِرٍ القَرْمَطِيُّ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَمِنْ كِتَابِهِ الكَرِيمِ، وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ عَلَى ظَهْرِ الكَعْبَةِ، وَقَلَعَ بَابَهَا، وَمَزَّقَ كِسْوَتَهَا، وَانْتَزَعَ الحَجَرَ الأَسْوَدَ، وَنَقَلَهُ إِلَى هَجَرَ فَبَقِيَ عِنْدَهُمْ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَعُطِّلَتْ فَرِيضَةُ الحَجِّ فِي ذَلِكَ العَامِ بِسَبَبِ القَرَامِطَةِ البَاطِنِيِّينَ فَلَمْ يَقِفِ النَّاسُ فِي عَرَفَةَ، وَهِيَ سَابِقَةٌ لَمْ تَحْدُثْ فِي تَارِيخِ الإِسْلاَمِ إِلاَّ عَلَى أَيْدِي البَاطِنِيِّينَ.

وَفِي القَرْنِ الرَّابِعِ أَيْضًا أَسَّسَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مَيْمُونَ البَاطِنِيُّ دَوْلَةَ العُبَيْدِيِّينَ فِي شَمَالِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَسَارَ أَتْبَاعُهُ إِلَى مِصْرَ، فَانْتَزَعُوهَا مِنَ العَبَّاسِيِّينَ، وَأَقَامُوا الدَّوْلَةَ العُبَيْدِيَّةَ فِي مِصْرَ وَالشَّامِ، وَاسْتَبَاحُوهَا لِجُنْدِهِمْ، فَقَتَلُوا المُسْلِمِينَ، وَنَكَّلُوا بِهِمْ، وَأَهَانُوا عُلَمَاءَهُمْ، ثُمَّ لَمَّا تَحَرَّكَ الصَّلِيبِيُّونَ إِلَى المَشْرِقِ كَانَ العُبَيْدِيُّونَ البَاطِنِيُّونَ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْ سُيُوفِ الصَّلِيبِيِّينَ إِلاَّ العُبَيْدِيُّونَ لِخِيَانَتِهِمْ.

وَفِي القَرْنِ التَّاسِعِ الهِجْرِيِّ أَعَانَ النُّصَيْرِيُّونَ التَّتَرَ عَلَى احْتِلاَلِ الشَّامِ، وَأَمْعَنُوا مَعَهُمْ فِي قَتْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ، حَتَّى ذَكَرَ أَحَدُ مُؤَرِّخِي النُّصَيْرِيَّةِ أَنَّهُمْ شَكَّلُوا مِنْ رُؤُوسِ أَهْلِ حَلَبٍ تِلاَلاً، وَأَنَّ القَتْلَ وَهَتْكَ الأَعْرَاضِ وَتَعْذِيبَ النَّاسِ كَانَ مُنْحَصِرًا فِي أَهْلِ السُّنَّةِ فَقَطْ، وَفَعَلُوا بِالسُّنَّةِ فِي دِمَشْقَ أَشَدَّ مِمَّا فَعَلُوا بِأَهْلِ حَلَب، وَاسْتُبِيحَتْ أَعْرَاضُهُمْ حَتَّى اغْتَصَبُوا النِّسَاءَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِمَا فِيهَا المَسَاجِدُ، وَلَمْ يَبْقَ فِي دِمَشْقَ فَتَاةٌ سُنِّيَّةٌ عَذْرَاءَ آنَذَاكَ.

وَفِي القَرْنِ العَاشِرِ الهِجْرِيِّ أَسَّسَ الصَّفَوِيُّونَ دَوْلَتَهُمْ، وَقَتَلَ سَفَّاحُهَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَوِيُّ مَا يَقْرُبُ مِنْ مِلْيُونَ مُسْلِمٍ، وَاسْتَوْلَى عَلَى بَغْدَادَ فَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا، حَتَّى قَالَ مُؤَرِّخٌ بَاطِنِيٌّ يُفَاخِرُ بِفِعْلِهِ: فَتَحَ بَغْدَادَ وَفَعَلَ بِأَهْلِهَا النَّوَاصِبَ ذَوِي العِنَادِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ قَطُّ فِي سَائِرِ الدُّهُورِ بِأَشَدَّ أَنْوَاعِ العَذَابِ حَتَّى نَبْشَ مَوْتَاهُمْ مِنَ القُبُورِ.

هَذَا جُزْءٌ مِنَ التَّارِيخِ الدَّمَوِيِّ لِلْبَاطِنِيِّينَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَفْعَالُهُمُ الْيَوْمَ تَتَّصِلُ بِذَلِكَ التَّارِيخِ الدَّمَوِيِّ؛ لِتَتَبَخَّرَ مَعَهُ أَحْلاَمُ دُعَاةِ التَّقَارُبِ المَذْهَبِيِّ؛ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ يَعِيشُونَ أَوْهَامًا سَاذَجَةً، لاَ يَرَوْنَ مَعَهَا الوَاقِعَ، وَلَمْ يَقْرَؤُوا تَارِيخَ القَوْمِ، فَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَفَرَّجَ اللهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ كَرْبَهَا، وَرَفَعَ بَلاءَهَا، وَنَصَرَهَا عَلَى أَعْدَائِهَا، وَمَكَّنَ لَهَا، وَأَعَادَ لَهَا عِزَّهَا وَمَجْدَهَا، اللَّهُمَّ آمِينَ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(132)﴾ [آل عمران:131-132].

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: يِتَّصِلُ الوَاقِعُ المُعَاصِرُ بِالتَّارِيخِ المَاضِي، فَنَرَى أَفْعَالَ أَعْدَاءِ الإِسْلاَمِ بالمُسْلِمِينَ هِيَ هِيَ لَمْ تَتَغَيَّرْ؛ لِتَرْسَخَ الحَقَائِقُ الرَّبَّانِيَّةُ فِي أَهْلِ الكِتَابِ وَمُفَادُهَا: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة:120]، وَفِي المُنَافِقِينَ مِنَ البَاطِنِيَّةِ وَأَشْبَاهِهِمْ: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران:118]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء:89]، تِلْكَ هِيَ حَقَائِقُ التَّنْزِيلِ الَّتِي نَرَاهَا هَذِهِ الأَيَّامَ فِي شَامِ مُعَاوِيَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَعِرَاقِ المَنْصُورِ وَالرَّشِيدِ.

فَفِي العِرَاقِ مَذْبَحَةُ (الحُوَيْجَةَ) عَلَى أَيْدِي الصَّفَوِيِّينَ البَاطِنِيِّينَ، وَفِي الشَّامِ مَذْبَحَةُ (جَدِيدَةْ عَرْطُوزْ) عَلَى أَيْدِي النُّصَيْرِيِّينَ البَاطِنِيِّينَ، وَصَارَ الصَّفَوِيُّونَ وَأَذْنَابُهُمْ فِي العِرَاقِ وَلُبْنَانَ يُقَاتِلُونَ مُبَاشَرَةً مَعَ النُّصَيْرِيِّينَ رُغْمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُكَفِّرُ بَعْضًا، وَلَكِنَّهُمْ يَتَّحِدُونَ وَتَقِفُ أُمَمُ الكُفْرِ وَالنِّفَاقِ مَعَهُمْ إِنْ كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ هُمُ المُسْتَهْدَفِينَ، فَيَا للهِ العَظِيمِ مَا أَعْظَمَ مُصَابَ المُسْلِمِينَ فِي إِخْوَانِهِمُ المُضْطَهَدِينَ!!

إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ المُبَارَكَةَ قَدْ غُلَّتْ بِالمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَغُلَّتْ بِحُبِّ الدُّنْيَا، وَغُلَّتْ بِطَاعَةِ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، وَغُلَّتْ بِالرُّكُونِ إِلَى الظَّالِمِينَ، وَهِيَ أُمَّةٌ يَشْتَعِلُ الغَضَبُ فِي قُلُوبِ أَفْرَادِهَا مَعَ كُلِّ مَذْبَحَةٍ لإِخْوَانِهِمْ، وَهِيَ أُمَّةٌ تَتَمَلْمَلُ فِي قُيُودِهَا، وَتَكَادُ تَنْفَجِرُ غَضَبًا عَلَى أَعْدَائِهَا، إِنَّهَا أُمَّةٌ يَطُولُ نَوْمُهَا وَلَكِنَّهَا لاَ تَمُوتُ، وَأُمَّةٌ يَطُولُ بِنَاؤُهَا وَلِكَنَّهُ لاَ يَفُوتُ، فَلْنَعْمَلْ لأُمَّتِنَا مَا يَرْفَعُ ذُلَّهَا وَهَوَانَهَا، وَيُحَطِّمُ أَغْلالَهَا وَقُيُودَهَا، وَيُعِيدُ لَهَا مَجْدَهَا وَعِزَّتَهَا، وَيَدْحَرُ أَعْدَاءَهَا، وَيَشْفِي صُدُورَ أَبْنَائِهَا، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلاَّ بِالعَوْدَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، عَوْدَةٍ صَادِقَةٍ يَحُسُّ مَعَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنَّهُ المَسْؤُولُ أَمَامَ اللهِ تَعَالَى عَمَّا يَجْرِي لإِخْوَانِهِ، وَأَنَّ ذُنُوبَهُ وَتَقْصِيرَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى كَانَ سَبَبًا فِي تَأَخُّرِ النَّصْرِ، وَنُزُولِ البَلاَءِ، وَمَعَ عَمَلِنَا لأُمَّتِنَا فَلْنَعْمَلْ عَلَى نُصْرَةِ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ تَطْحَنُهُمْ رُحَى البَاطِنِيَّةِ بِإِشْرَافِ الأُمَمِ الصَّلِيبِيَّةِ وَمُنَظَّمَاتِهَا الدَّوْلِيَّةِ، بِكُلِّ مَا نَسْتَطِيعُ مِنْ أَنْوَاعِ النُّصْرَةِ؛ فَإِنَّ المُؤْمِنِينَ تَتَكَافَأَ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…

بطاقة المادة

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية