الكذب والتحذير من كذبة أول نيسان (إبريل)

عناصر الخطبة

  1. الصدق أعظم الصفات المأمور بها
  2. تعريف الكذب وضرره على المجتمع
  3. أنواع الكذب ودرجاته
  4. الكذب في المزاح وحكمه
  5. التحذير من كذبة نيسان (أبريل)
اقتباس

فَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ -إِخْوَةَ الإِيمانِ- مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ كَذْبَةَ أوّلِ نَيسَان، فَالكَذِبُ المُحرَّمُ حَرَامٌ في أَوَّلِ نِيسان وفِي غَيرِه، وَيَحْصُلُ فِيهِ وَفِي كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ لِلْمُسْلِمِ فَيَقُولُ لَهُ الكاذبُ مَثلاً: إنَّ ابنَكَ ماتَ، أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا، فيُخِيفُهُ وَيُرَوِّعُهُ -والعياذُ باللهِ تعالى-، وفي مُسْنَدِ أَحمدَ أَنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلم- قالَ: “لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا”، قالَهُ لَمَّا رَوَّعَ بَعْضُهُمْ رَجُلاً مِنَ أَصْحَابِهِ مزاحًا.

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ، ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ ولا شبيهَ لهُ، أَحَدٌ صمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

وأشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورَسُولُه، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا ومُبَشِّرًا وَنذيرًا، بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانةَ وَنَصحَ الأُمَّةَ، فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزى نبِيًّا مِنْ أنبيائِهِ، اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى آلِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى آلِ سيِّدِنا إبراهيمَ، وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى آلِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى آلِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

أمّا بعدُ:

عبادَ اللهِ: فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي وإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تعالى والعملِ بشريعتِهِ والاستِنَانِ بِسُنَّةِ نبيِّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، واعلَمُوا أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

إخوةَ الإيمانِ: إنَّ اللهَ -سبحانَهُ وتعالَى- قد أَمَرَنَا بِفِعْلِ الخيرِ ونَهَانَا عنِ الشَّرِّ، وكذا رسولُهُ الكريمُ، فَقَدْ أَرْسلَهُ رَبُّنا مُعَلِّمًا الناسَ الخيرَ دَاعِيًا لَهُمْ إِلى مكارِمِ الأَخلاقِ ومَحاسنِها كمَا قالَ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ".

وإِنَّهُ مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التِي أَمَرَ اللهُ بِهَا وَحثَّ عليهَا رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الصِّدْق، ومِنْ أَخْبَثِ الصِّفاتِ التي نَهَى عنهَا الكَذِب، فَقَدْ روَى الإمامُ مسلِمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- قال: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "عليكُم بالصِّدقِ؛ فإنَّ الصِّدقَ يَهدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلَى الجنّة، وما يَزَالُ العَبْدُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُم والكَذِبَ؛ فإنَّ الكذِبَ يَهدِي إلى الفُجُورِ -أي هو وَسِيلَةٌ إلَى ذلك، أي طريقٌ يُوصِلُ إلَى ذلِك-، وإنَّ الفُجورَ يهدِي إلى النَّارِ، وما يزالُ العبدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا".

والكَذِبُ -إخوةَ الإيمانِ وهو مَا نُريدُ بَسْطَ الكَلامِ فيه- هُوَ الكلامُ على خِلافِ الواقعِ إذا كانَ يَعْلَمُ أنّهُ بخلافِ الواقِعِ، فقدْ نَهَى النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وَرَهَّبَ مِنَ الكَذِبِ لأنَّه يُوصِلُ الإنسانَ إلى الفُجورِ، وهو الميلُ إلى الفَسادِ والشُّرور، وإذا تكرَّرَ الكذِبُ أصبحَ عادةً وطبيعةً يَصْعُبُ الخلاصُ منها، وعندَها يُكْتَبُ الإنْسانُ كذّابًا، نسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنَا معَ الصَّادِقِين.

والكذِبُ -إخوةَ الإيمانِ- منهُ ما هو منَ الكبائرِ، ومنهُ ما يكونُ منَ الصغائرِ، ومنهُ ما يكونُ كفرًا -والعياذُ باللهِ تعالى-، فإنْ كانَ الكذِبُ لا ضررَ فيه لمسلِمٍ فهو مِنَ الصغائر، والصغيرةُ لا يُتَهَاوَنُ بها؛ لأنَّ الجبالَ مِنَ الحصَى؛ فَقَدْ رَوَى أَحمدُ وَالطَّبرانِيُّ أنهُ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّراتِ الذُّنوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّراتِ الذُّنوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وجاءَ ذَا بِعودٍ حتَّى حَمَلُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ". والْمُرَادُ بِالمحقّراتِ الصَّغائِرُ، ودَلَّ الحديثُ الشّريفُ علَى أَنَّ الصَّغَائِرَ أَسْبَابٌ تُؤَدِّي إلى ارْتِكَابِ الكَبَائِرِ، فكَمْ مِنْ صَغيرَةٍ يَحْقِرُهَا فَاعِلُها فتَسوقُهُ إلى كَبيرَةٍ، وقد تَسوقُهُ إلَى الكُفرِ، ولذا قالَ بعضُ السَّلفِ: "المعاصِي بَريدُ الكُفْرِ كَمَا أَنَّ الحُمَّى بَريدُ الْمَوْتِ". عافَانَا اللهُ مِنْ كُلِّ الشَّر.

وأمَّا إِنْ كَانَ الكَذِبُ فِيهِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ مُسْلِمًا فَهُوَ مِنْ كبَائرِ الذُّنوبِ -والعياذُ بِاللهِ تَعالَى-.

وَمِنَ الكَذِبِ القَبيحِ: الكذِبُ على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وقدْ قالَ -عليهِ الصلاةُ والسَّلام-: "مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار". رواهُ الشيخان.

وإذَا كانَ في هذا الكذِبِ تَحْلِيلُ مُحَرَّمٍ بِالإجماعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُورَةِ مما لا يَخْفَى عليه كَالقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ والغَصْبِ أو تَحريمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كذلك كَالبيعِ والنِّكاحِ فهو كفرٌ -والعياذُ باللهِ تعالى-، كما يَفْتَرِي بَعْضُهُم لِيُضْحِكَ الناسَ فَيَقُولُ: قالَ اللهُ تعالى: "إذا رَأَيْتَ الأَعْمَى فَكُبَّهُ على وَجْهِهِ، إِنَّكَ لَسْتَ أَكْرَمَ مِنْ رَبِّهِ". فهذا كفرٌ -والعياذُ باللهِ مِنْ ذلك-.

واعلَمُوا -إِخوةَ الإيمانِ- أنَّ الكذِبَ -سواءٌ قالَهُ مازِحًا أو جادًّا- حرامٌ إنْ أرادَ أنْ يُضْحِكَ القَوْمَ أَمْ لا، فَهَذَا حَرَامٌ؛ قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عنِ الكَذِبِ: "لا يَصْلُحُ الكَذِبُ في جِدٍّ ولا هَزْلٍ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وقالَ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسلامُ-: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ ثم يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم، وَيْلٌ لَهُ وَوَيْلٌ لَهُ". رواهُ أحمدُ في مُسنَدِهِ.

فَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ -إِخْوَةَ الإِيمانِ- مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ كَذْبَةَ أوّلِ نَيسَان، فَالكَذِبُ المُحرَّمُ حَرَامٌ في أَوَّلِ نِيسان وفِي غَيرِه، وَيَحْصُلُ فِيهِ وَفِي كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ لِلْمُسْلِمِ فَيَقُولُ لَهُ الكاذبُ مَثلاً: إنَّ ابنَكَ ماتَ، أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا، فيُخِيفُهُ وَيُرَوِّعُهُ -والعياذُ باللهِ تعالى-، وفي مُسْنَدِ أَحمدَ أَنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلم- قالَ: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا"، قالَهُ لَمَّا رَوَّعَ بَعْضُهُمْ رَجُلاً مِنَ أَصْحَابِهِ مزاحًا.

فالكَذِبُ -أيها الأحبَّةُ- لا يَصْلُحُ في جِدٍّ ولا في هَزْلٍ، أيْ مَزْحٍ، ولو كانَ المقصِدُ إِضحاكَ الحاضرِينَ ولو لم يَكُنْ فيهِ إيذاءٌ للنَّاسِ، ولقدْ قالَ رسولُ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم-: "إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا". فَأَخْبَرَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في حَدِيْثِهِ هذا أنَّه يَمْزَحُ ولكِنْ لا يَقُولُ إِلا حَقًّا، أي أنَّ الرَّسولَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لا يَكْذِبُ، كما ونحذِّرُكُم مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ: "الكَذِبُ مِلْحُ الرِّجال"، وقولِ بعضٍ: "وَعَيْب على اللي بِيُصْدُق"، فإنهما من الكفرِ الصريحِ لأنَّ الأَوَّلَ فيهِ اسْتِحْسَانٌ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ بينَ المسلِمينَ قُبْحُهُ فِي الدِّينِ، وفِي الثانِي اسْتِقْبَاحٌ لِمَا هُوَ مَعلومٌ حُسْنُهُ في الدِّينِ، فَكِلاهُمَا يَلْزَمُ منهُ تكذيبُ الدِّينِ -والعِياذُ بِاللهِ تعالَى-.

فَاحذَرُوا مِنَ الكَذِبِ -إخوةَ الإيمانِ-، وحَذِّرُوا مِنْه فإنَّهُ عادَةٌ خبيثةٌ إنْ دَلَّتْ على شَيءٍ فإنها تَدُلُّ على خُبْثِ طَبْعِ صاحِبِها، فاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا معَ الصَّادِقين.

اللهمَّ احْفَظْنَا مِنَ الكذِبِ والحرَامِ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين.

هذَا؛ وأستَغفِرُ اللهَ لي ولكم.

الخُطبةُ الثانيةُ:

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ، وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين، وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وآلِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ، وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ، وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ، وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ.

أمَّا بعدُ:

عبادَ اللهِ: فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ؛ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ: (إِنَّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ علَى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الذينَ ءامنُوا صَلُّوا عليهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى آلِ سَيِّدِنا محمدٍ، كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى آلِ سيِّدِنا إبراهيمَ، وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى آلِ سيدِنا محمدٍ، كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى آلِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُـوا رَبَّكُـمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وتَرَى النَّاسَ سُكارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1-2].