الحياء

عناصر الخطبة

  1. من أسماء الله تعالى الحيي ومن صفاته الحياء
  2. اتصاف خيار الخلق بالحياء
  3. المرأة جُبِلَت على الحياء، وبه زينتها
  4. الحياء الممدوح ما حمل على فعل الجميل وترك القبيح
اقتباس

الحياء الممدوح من النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الخُلُق الذي يحمل على فعل الجميل وترك القبيح، أما الضَّعْف والعجز الذي يُوجب التقصيرَ في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس من الحياء في شيء، وإذا مَنَعَ صاحبَه من خير لم يكن ممدوحًا.

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله حقَّ التقوى، واستمسِكُوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أيها المسلمون: مِفْتَاح العبودية لله وسرها في العلم بأسماء الله وصفاته، فأسماؤه -تعالى- حسنى وصفاته عليا، وله -سبحانه- في كل اسم وصفة عبودية خاصة هي من موجِبات العلم بها ومقضياتها، والله يحب أسماءَه وصفاته، ويحب ظهور آثاره في خلقه، فأمر عبادَه أن يدعوه بها فقال: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الْأَعْرَافِ: 180]، وأحبُّ الخلقِ إلى اللهِ مَنِ اتَّصَفَ بالصفاتِ التي يحبها ولا تختص به -سبحانه-، ومن تعبَّد اللهَ بصفاته قَرُبَ من رحمته.

ومن أحصى أسماءه أنزله في جنته، ومن أسماء الله الحيي، ومن صفاته الحياء، وقد وصَف اللهُ نفسَه بذلك فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [الْبَقَرَةِ: 26]، وسمَّاه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: “إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ” (رواه أبو داود).

ويستحيي سبحانه أن يَرُدَّ مَنْ طلبه شيئا، قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ رَبَّكُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا” (رواه أبو داود).

قال ابن القَيِّم -رحمه الله-: “حياء الرب -تعالى- من عبده لا تُدركه الأفهامُ ولا تكيِّفه العقولُ؛ فإنه حياء كَرَم وبِرّ وجُود وجلال، ورأس مكارم الأخلاق في الخَلْق وأجلها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا الحياء، وهو خُلُق يَبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، مبعثُه ومادتُه من الحياة، وعلى حسب حياة القلب يكون الحياء فيه، وكلما كان القلب أَحْيَا كان الحياء فيه أَتَمَّ وأقوى، ولم يزل أمرُ الحياء ثابتًا واستعماله واجبًا منذ زمان النبوة الأولى، وما من نبي إلا ندَب أمته إليه وبعث عليه، لم ينسخ فيما نُسِخَ من شرائعهم ولم يُبَدَّل فيما بُدِّلَ منها؛ وذلك أنه أمرٌ قد عُلِمَ صوابُه وبان فضلُه واتفقت العقول على حسنه، وما كان هذا صفته لم يجز عليه النسخ والتبديل“.

قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ” (رواه البخاري)، بالحياء اتصف خيار الخلق، وأثنى الله على أهله؛ فالملائكة موصوفون به، قال عليه الصلاة والسلام في عثمان -رضي الله عنه-: “أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟” (رواه مسلم)، والأنبياء عُرِفَتْ في أقوامها بذلك، “يستشفع الخلقُ يومَ القيامة بآدم ونوح وموسى عليهم السلام، فيذكر كلٌّ ذنبَه فيستحي” (رواه البخاري).

وموسى -عليه السلام- حيي؛ قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ” (رواه البخاري).

ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- له من ذلك النصيب الأوفر، فحياؤه يُعرف في وجهه، قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا؛ -أي: من البكر في سترها- وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ” (متفق عليه).

وتردد النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج بين موسى -عليه السلام- وربه يسأله التخفيف في الصلاة حتى قال: “قَدْ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي” (متفق عليه)، ولَمَّا بنى -عليه الصلاة والسلام- بزينب بنت جحش دُعِيَ الناسُ لذلك فطعموا وخرجوا وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يستحي منهم أن يقول لهم شيئا، فخرج وتركهم في البيت فأنزل الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الْأَحْزَابِ: 53]، (متفق عليه).

وعثمان -رضي الله عنه- المثل في الحياء بين الصحابة، دخل يوما على النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- وسوَّى ثيابَه، فسئل عن ذلك فقال: “إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ، وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، أَنْ لاَ يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ” (رواه مسلم).

والمرأة جُبِلَتْ على الحياء، وبه زينتُها وجمالها، وهو لها حصن وأمان، قالت عائشة -رضي الله عنها-: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِيِي؟ قَالَ: رِضَاهَا –أي: في النكاح- صَمْتُهَا” (رواه البخاري).

وابنة صاحب مدين جاءت تمشي وقد غمرها جلباب الحياء وسترت وجهها بيدها وثوبها، قال سبحانه: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ﴾ [الْقَصَصِ: 25]، وعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- بلغ بها الحياء أن تحتشم في حجرتها حياءً من عمر -رضي الله عنه- بعد دفنه، قالت -رضي الله عنها-: “كنتُ أدخل بيتي الذي دُفِنَ فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي، فأضع ثوبي فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفِنَ عمرُ معهما فوالله ما دخلتُ إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر” (رواه أحمد).

وامرأة صبرت على البلاء ولم ترضَ بنزع الحياء، فكان لها الجنة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- لعطاء بن أبي رباح -رحمه الله-: “أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكَ، فَقَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا” (متفق عليه).

وهو من الأخلاق الكريمة التي بقي عليها أهل الجاهلية، قال أبو سفيان -رضي الله عنه- لَمَّا سأله هرقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يومئذ على الكفر: “وَاللهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ كَذَبْتُ عَنْهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ” (متفق عليه).

بالحياء نَيْلُ السعادةِ وإدراكُ أسبابها وهو خير كله، قال عليه الصلاة والسلام: “الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ، أو قال: الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ” (رواه مسلم)، وعاقبة صاحبه إلى خير، ولا يلحقه ندم فيه البتةَ، قال عليه الصلاة والسلام: “الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ” (رواه مسلم)، قال ابن القيم -رحمه الله-: “الحياء مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه“.

ومن أعظم الخير فيه تعويد النفس على الخصال الحميدة ومجانبة الخلال الذميمة، وإذا اشتد حياء المرء صان عرضَه ودفع مساويه ونشَر محاسنَه، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، والحياء شعبة منه، قال عليه الصلاة والسلام: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ” (متفق عليه)، قال ابن حبان -رحمه الله-: “الحياء من الإيمان والمؤمن في الجنة، وما نُزِعَ الحياءُ من أحد إلا بنزع إيمانه“.

ومر النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنك لتستحي حتى كأنه يقول: قد أَضَرَّ به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ” (متفق عليه).

وما عاقب اللهُ قلبًا بأشدَّ من أن يسلب منه الحياء، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: “إن الحياء والإيمان قُرِنَا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر“.

الحياء طاعة يبعث على طاعات وينتهي بصاحبه في الورع، ومن أَخَلَّ به فعَل نقيضَ ذلك، ومن أكبر ما يحول بين المرء وركوب المعاصي الحياء، والمستحيي ينقطع بالحياء عن المعاصي كما ينقطع بالإيمان عنها، فإذا سُلِبَ من العبد الحياءُ لم يبق له ما يمنعه منه ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، قال عليه الصلاة والسلام: “إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ” (رواه البخاري)، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: “من لم يكن له حياء يحجزه عن محارم الله فسواء عليه فعل الصغائر والكبائر، وفيه معنى التحذير والوعيد على قلة الحياء“.

والذنوب تُضعف الحياءَ من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية؛ فلا يتأثر بعلم الناس بحاله ولا باطلاعهم عليه، بل قد يُخبر عن حاله وقبيح فعاله.

في الحياء زينة وجمال لصاحبه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ، وَلاَ كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ“؛ أي: زَيَّنَهُ. (رواه الترمذي)، وهو داع لعزة النفس وصيانتها فلا يسأل الناس شيئا وإن احتاج لذلك، قال عليه الصلاة والسلام: “لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةَ وَالْأُكْلَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي، أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا” (متفق عليه).

والحياء حادٍ على حُسْن الأدب، سأل -عليه الصلاة والسلام- عن شجرة تشبه المسلمَ، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: “فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيتُ أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهتُ أن أتكلم، وفي لفظ: فاستحييتُ” (متفق عليه).

والجزاء من جنس العمل، ومن ثمار الحياء وحسن جزائه حياء الله من أهله قال عليه الصلاة والسلام: “وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ” (متفق عليه)، ورأس الحياء ما كان حياء من الله؛ لئلا يراك حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك؛ فالله أحق أن يُستحيا منه، قال عليه الصلاة والسلام: “اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ” (رواه الترمذي)، والحياء من الله نور يقع في القلب يريه ذلك النورُ أنه واقف بين يدي ربه -عز وجل- فيستحيي منه في خلواته وجلواته، ويتحقق الحياء من الله بمطالعة مِنَنِهِ وعظيم نعمه مع استحضار عيب النفس وتقصيرها، وأنه مطلع على السر وأخفى.

وإذا علم العبد بنظر الله -سبحانه- إليه وأنه بِمَرْأًى منه ومسمع وكان حييا استحيا أن يتعرض لمساخطه، ومع الإنسان ملائكة لا تفارقه، ومن إكرامهم الحياء منهم، قال سبحانه: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)﴾ [الِانْفِطَارِ: 10-12]، قال ابن القيم -رحمه الله-: “أي: استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام وأكرموهم وأَجِلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم“.

والحياء من الناس باعث على الفضائل، ولو أن المسلم لم يُصِبْ من الجليس الصالح إلا أن حياءه منه يمنعه المعاصي لكفى، وهو خير عون لصاحبه على الحياء من الله، وَمَنْ لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله، ومن جالس أهل الحياء تجدَّد حياؤه، وأولى مَنْ يكرم المرءُ نفسُه، ومن عمل في السر عملا يستحيي منه في العلانية فلا قدرَ لنفسه عنده، ومن استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسه أهون عنده من غيره، ومن استحيا منهما ولم يستحي من الله فما عرف ربَّه، ومن كساه الحياء ثوبَه لم ير الناسُ عيبَه.

وبعد أيها المسلمون: فالإسلام دين المحامد والمكارم، جمع من الأخلاق أحسنها، ومن الأوصاف أعلاها، ما من خير إلا أمر به، وما من شر إلا حذَّر منه، وواجب التمسك به والاعتزاز به ودعوة الناس إليه، وحتم علينا ملازمة الحياء من الله بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النِّسَاءِ: 125].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات الذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطية الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا.

أيها المسلمون: الحياء الممدوح من النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الخلق الذي يحمل على فعل الجميل وترك القبيح، أما الضَّعْف والعجز الذي يُوجب التقصيرَ في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس من الحياء في شيء، وإذا مَنَعَ صاحبَه من خير لم يكن ممدوحًا، قالت عائشة -رضي الله عنها-: “نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنِ الدِّينِ وَيَتَفَقَّهْنَ فِيهِ” (رواه مسلم).

ولا حياء في تعلُّم الدين، ومن ترَك العلمَ حياءً بقي أبدَ الدهرِ في جهله محرومًا، قال مجاهد -رحمه الله-: “لا يتعلم العلمَ مستحٍ ولا مستكبرٌ“.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا﴾[الْأَحْزَابِ: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلدَ آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر جندنا واحفظ حدودنا وثبت أقدامهم واجعل أعمالهم خالصة لوجهك الكريم، واحفظ بلادنا من سوء ومكروه يا قوي يا عزيز.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 23].

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].

اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 90].

اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدْكُم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.