صراع الإسلام والنصرانية

عناصر الخطبة

  1. غزوة مؤتة بداية المواجهة العسكرية بين المسلمين والنصارى
  2. استمرار الصراع بين الحق والباطل
  3. مداولة الصراع بين الحق والباطل
  4. أحاديث نبوية تتحدث عن مستقبل الصراع بين الإسلام والنصرانية
  5. بعض حقائق مستقبل الصراع بين الإسلام والنصرانية
اقتباس

في سلسلة الصراع بين الإسلام والنصرانية الذي سيكون بين مد وجزر ينتهي بالمعركة الفاصلة التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص، تنتهي بالهزيمة النهائية، حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح “روما” العاصمة الروحية للنصرانية، وعند هذا الفتح سوف تنتهي معركة الروم، فـ…

الخطبة الأولى:

الحمد لله ناصر المظلومين ومدمر الكفرة والفاجرين والظالمين، من اليهود والنصارى والملحدين، الحمد لله الذي وصف كيده بأنه متين، فقال سبحانه: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾[القلم: 45].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نلقى الله بها مخلصين، وفي سبيل نصرة دينه عاملين، غير مبدلين ولا محرفين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قاهر الكفرة المشركين، ومن لف لفيفهم من بني يهود الفاسقين، والنصارى المعتدين. 

أما بعد:

قال الله -تعالى- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 1-7].

أيها المسلمون: إن صراع الإسلام مع النصرانية صراع قديم بدأ مع غزوة مؤتة.

إن أول لقاء للمسلمين مع النصارى كان في مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة.

كان سببها هو مقتل مبعوث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحابي الجليل الحارث بن عمرو الأزدي -رضي الله عنه- عندما ذهب بكتاب إلى ملك الروم بالشام، والذي تم قتله من قبل حليف الروم شرحبيل بن عمرو الغساني -الملك على أطراف الشام-.

لقد كان لقتل رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أكبر الأثر في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما كان منه صلوات ربي وسلامه عليه إلا أن بَعَث بَعث مؤتة بقيادة ثلاثة من كبار الصحابة، وهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة.

كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف رجل، فجمع النصارى جيشاً عدده مائة ألف رجل، وانضم إليهم من قبائل العرب لخم وجذام وغيرهم.

التقى الفريقان في قرية من قرى البلقاء في الشام، وانتهت المعركة بانسحاب الجيش المسلم بدون هزيمة، وقذف الله الرعب في قلوب النصارى والخوف من هذه القوة الجديدة التي ظهرت في جزيرة العرب، حتى أن بعض حلفاء النصارى من العرب أفزعهم نبأ هذه الغزوة، فسارعوا إلى عقد الصلح مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودفع الجزية.

وقبل هذه الغزوة بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسائل إلى ملوك عصره يدعوهم للإسلام، فكان من جملة ما كتب، رسالته إلى قيصر ملك الروم، قال فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى.

أما بعد:

فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 64].

إن هذا الكتاب الذي بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يمثلُ الإعلانَ الدائم والمستمر على أن الصراع بين الإسلام والنصرانية سيبقى؛ لأن الشرط الذي في هذا الكتاب هو قبول الإسلام والخروج من النصرانية، بل والتخلي عن الزعامة، وهل سيقبل النصارى بهذا وزعامة العالم اليوم بأيديهم؟

أما نحن المسلمون، فواجب علينا تحقيق هذا الكتاب، والسعي لتنفيذه، وبذل كل غالٍ ورخيص في سبيل الوصول إليه.

أيها المسلمون: ينبغي أن نعلم بأن من سنن الله الثابتة في هذا الكون، هو ديمومة صراعنا نحن المسلمون مع النصارى، وأنه سيستمر إلى نهاية العالم، وقد ورد ما يشير إلى بقاء هذا الصراع في الكتاب الذي بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل بطريق غير مباشر حيث قال: فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، والأصرح منه قول الله -تعالى-: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾[المائدة: 14].

إذاً صراع الإسلام والنصرانية سيستمر إلى قيام الساعة وهو فتنة، ابتلى الله بها المسلمون، وهذا قَدَرُهم وما عليهم إلا الصبر والمواجهة

وإليكم -أيها الأحبة- بعضاً من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنها الإشارة إلى استمرار هذا الصراع، وأنه يأخذ منحنى المداولة فتارة تكون الغلبة لهم وتارة تكون الغلبة عليهم، وأن هذا الصراع ينتهي بانتهاء الروم وانعدام النصرانية وانتصار الحق في نهاية مسيرة الحياة الإنسانية والتي تعقبها نهاية العالم.

وقبل استعراض بعض هذه الأحاديث ينبغي أن نعلم بأن كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما هو إلا إرشاد للأمة من جانبين:

الجانب الأول: تنمية وتقوية الإحساس بالخطر النصراني حتى لا يستكين المسلمون لهم.

الجانب الثاني: تثبيت الإيمان لدى المسلم، وألا يفقد الثقة بنفسه حتى في فترات زهو النصرانية وتصدرها الزعامة، وليَعلم بأنها مرحلة وتكون النهاية للإسلام وأهله، وللدين وأتباعه: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227].

إن هذه الأحاديث -عباد الله-، تمثل المصل الواقي، وتمثل الترياق الذي يحافظ على الأمة كيانها في فترات الضعف والذل والهوان، كما هو في عصرنا الحاضر.

الحديث الأول: روى الحاكم في مستدركه بسنده عن كثير عن عبد الله عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "لا تذهب الدنيا يا علي بن أبي طالب" قال عليّ: لبيك يا رسول الله، قال: "أعلم أنكم ستقاتلون بني الأصفر أو يقاتلهم من بعدكم من المؤمنين وتخرج إليهم روقة المؤمنين أهل الحجاز الذين يجاهدون في سبيل الله لا تأخذهم في الله لومة لائم حتى يفتحِ اللهُ -عز وجل- عليهم قسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير فينهدم حصنها فيصيبون نيلاً عظيماً لم يصيبوا مثله قط، حتى أنهم يقتسمون بالترس ثم يصرخ صارخ يا أهل الإسلام قد خرج المسيح الدجال في بلادكم وذراريكم…" الخ.

هذا الحديث يؤكد أن الصراع مع النصارى لن ينقطع، بل إنه صراع دائم أساسه البعد الديني، ولهذا فإن ديمومة الصراع سوف تستمر حتى ينتهي الأمر بغزو معقل النصارى وفتح مدينة روما وما يسبقها من مدن باستعادة السيطرة عليها من قبل المسلمين.

كما يؤكد هذا الحديث أن الدولة الإسلامية سوف تنبعث من الجزيرة العربية كما انبعثت في الماضي، وستعود لها السيطرة على الأرض، كما حدث في الماضي، لهذا فإن صراع النصارى مع المسلمين في هذا العصر يرتكز على تحطيم القيم والمبادئ، والعمل على غزو جزيرة العرب فكرياً بعد أن سقط ما حولها من قلاع المسلمين.

الحديث الثاني: وهو يؤيد الحديث السابق، روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ -ودابق قرية قرب حلب- فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ…".

في هذا الحديث إشارة إلى أنه يسبق المعركة معارك يغنم فيها المسلمون غنائم من بينها أسرى، وهؤلاء الأسرى يُسلمون، ويكونون في صفوف المسلمين، لهذا يرغب النصارى في قتال أبناء جنسهم، لكن المسلمين يمتنعون عن ذلك ثم تنتهي المعركة بفتح القسطنطينية، وهذا الفتح ليس هو الفتح الأول الذي كان على يد محمد الفاتح.

الحديث الثالث: روى الحاكم بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسُئل أي المدينتين تفتح أولاً، يعني القسطنطينية والرومية؟" فقال: "مدينة هرقل أولاً، يعني القسطنطينية".

يشير هذا الحديث إلى أنه سيكون هناك فتح لكلتا المدينتين: فالأولى: فتحت على يد محمد الفاتح العثماني، وبقيت تحت سيطرة المسلمون فترة من الزمن، ثم سُلبت، وهناك ما يشير إلى أنه سيعاد فتحها ثانية، وترجع في حوزة الدولة الإسلامية، وستُفتح روما أيضاً -بإذن الله تعالى- وإن كانت هي اليوم تعتبر معقل الفاتيكان، وقبلة النصارى.

الحديث الرابع: في مسند الإمام أحمد عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي غَزَاةٍ فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكَمَةٍ وَهُمْ قِيَامٌ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَأَتَيْتُهُ فَقُمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَعُدُّهُنَّ فِي يَدِي، قَالَ: "تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ، قَالَ: نَافِعٌ يَا جَابِرُ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ؟".

وقد روى هذا الحديث الإمام مسلم بلفظ قريب من هذا.

في هذا الحديث إشارة إلى تدرج الفتح، وقد تحقق فتح جزيرة العرب وفارس، فلم يبق من بلاد فارس جزء لم يكن تحت الولاية الإسلامية.

أما الروم، فلا زال الصراع معهم، ولا زال جزء من بلاد الروم لم يفتح، وخاصة معقل النصرانية الديني وهو روما، فالصراع معهم مستمر، فتارة يُدال للمسلمين عليهم، وأخرى يدال للنصارى على المسلمين، ولا زال مركز القيادة الروحية للنصارى لم يفتح وستفتح -بإذن الله تعالى- وبخبر الصادق المصدوق.

كما أن الحديث يشير إلى أن الصراع مع النصارى وخضوعهم للدولة الإسلامية سوف لن يتحقق إلا قرب خروج الدجال.

وقد يكون السر في ذلك -والله أعلم- هو أن البعد الروحي للنصارى مقترن بالدجال؛ لأن العقيدة النصرانية قائمة على الاعتقاد بعيسى، وبعودته إلى الأرض.

وعودته عليه السلام مقترن بخروج الدجال، ولهذا فإن الصراع معهم مستمر، وإن هزيمتهم ستكون الحلقة الأخيرة التي تسبق الدجال.

فنسأل الله -جل وتعالى- أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله جل وتعال ىأن يعز دينه، ويعلي كلمته، وينصر أولياءه، وأن يعجل بفرج هذه الأمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله العزيز الوهاب، القاهر القابض الغلاب، يمهل للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، أحمده تعالى وأشكره على سوابغ نعمه، وأسأله أن يدفع عنا أسباب سخطه ونقمه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه

أما بعد:

الحديث الخامس: في سلسلة الصراع بين الإسلام والنصرانية الذي سيكون بين مد وجزر ينتهي بالمعركة الفاصلة التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص، تنتهي بالهزيمة النهائية، حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح روما العاصمة الروحية للنصرانية، وعند هذا الفتح سوف تنتهي معركة الروم، فيتحقق ما أخبر عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يتم فتح الروم، ويتبع ذلك مباشرة المعارك مع الدجال الذي ينتهي الأمر بقتله، وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها، ويقرب العالم من نهايته، ويتحقق وعد الله بتبديل الأرض غير الأرض، ويعود الخلق جميعهم إلى موجدهم لتبدأ بعد ذلك الحياة السرمدية الأخروية.

روى الحاكم في المستدرك والإمام أحمد في مسنده واللفظ للحاكم عن خالد بن معدان: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تصالحون الروم صلحاً آمناً حتى تغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم فتُنصرون وتغنمون وتنصرفون، حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيقول قائل من الروم: غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب، فيتداولانِها بينهم فيثور المسلم إلى صليبيهم وهم منهم غير بعيد، فيدقه ويثور الروم إلى كاسر صليبهم فيقتلونه، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيكرم الله -عز وجل- تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فيقول الروم لصاحب الروم: كفيناك جد العرب، فيغدُرون فيجتمعون للملحمة، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً".

وفي رواية أخرى للحاكم: "ستصالحكم الروم صلحاً آمناً، ثم تغزون أنتم وهم عدواً، فتُنصرون وتَسلَمون وتَفتَحون، ثم تنصرفون بمرج، فيرفع لهم رجل من النصرانية الصليب،فيغضب رجل من المسلمين، فيقوم إليهم فيدق الصليب، فعند ذلك تغضب الروم، فيجتمعون للملحمة".

في هذا الحديث العظيم يتضح بعض الحقائق التي تبين مستقبل الصراع مع النصارى، نلخصها في النقاط التالية.

أولاً: أن هذه الهيمنة من قبل النصارى اليوم على العالم سيزول، وأن هذه القوة المادية وهذه التقنية لن تستمر حتى نهاية العالم، قال الله -تعالى-: ﴿حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[يونس: 24].

إذاً فهذه العقلية التي يعيشها الغرب اليوم أنهم قادرون على فعل كل شيء، وهذا التباهي بالقوة المادية والعسكرية والتقنية، ستزول بقوة الواحد الأحد.

ثانياً: يشير الحديث إلى خفض الهيمنة العالمية المعاصرة للنصارى، وفك ارتباط بعض الحكومات المعاصرة مع العدو الصليبي اليهودي، وابتعاد النفوذ الصليبي عن المنطقة مما يتيح للمسلمين تسلم زمام الأمور، وتكوين دولة إسلامية تمثل قوة جديدة في العالم، يلتجئ إليها النصارى ويطلبون الصلح للحصول على مساندة لمحاربة عدوها الذي سيُنزِل بها الدمار.

ثالثاً: إن هذا الصلح الذي سيتم مع النصارى آخر الزمان يتم بناء على رغبة من النصارى فهم الذين يطلبون الصلح بقصد الاستعانة بالمسلمين، وهذا يؤكد أنه سيكون للمسلمين دولة قوية، وهو مؤشر إلى أنه قبل الملحمة ستقوم للمسلمين دولة قوية، يخشاها النصارى ولمعرفتهم بقوة المسلمين يحشدون لهم ما يقارب مليون شخص ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً.

رابعاً: يفهم من هذا الحديث أن الفكر العلماني المعاصر التي تتبناه الدول النصرانية، سوف يحل محله الفكر الديني الصليببي، وأن الدول النصرانية ستعود إلى دينها، بعد أن قضت ردحاً من الزمن وهي غارقة في شهواتها وعلمنتها، وأن الدين سيكون هو المحرك لهذه الدول.

وهذا يؤخذ من الحديث من قيام رجل منهم برفع الصليب بقصد إظهار القوة النصرانية، فيغضبُ المسلمون لذلك، فيعمدون إلى الصليب فيكسرونه، مما يثير غضب النصارى، فيقومون بقتل الجيش الذي كان معهم، وبهذا ينقضون الصلح مع الدولة الإسلامية وتكون نهايتهم.

خامساً: أن هذا الحديث وما سبق وأمثاله من علم الغيب الذي أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ونحن أمة تؤمن بالغيب، قال الله -تعالى-: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)[البقرة: 1-3].

فانطلاقاً من إيماننا بالغيب، وثقة بما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فنحن على موعد مع النصارى، وسيتحقق كل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسترفرف رايات المجاهدين فوق دول النصارى، وسيطأ المسلمون بأقدامهم عاصمة الفاتيكان الحالية روما، وستلتحم هذه الأمة مع أعدائها، ويكون الغلبة لها، وستقع المعركة الفاصلة مع النصارى، وسيُكسر الصليب فوق رؤوس أصحابه، وستكون معركة شديدة قوية، وسيكون قتلاها عدد كبير من الطرفين: ﴿قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾[الإسراء: 51].

إلى كم يُهان الدين والعلج يطربُ *** وحتى متى يا قوم ننعى ونشجب

وحتى متى يستأسد الفأر في الربى *** ويزرع فينا الخوفَ والحقَّ يَسلب

أفي كل يوم يشتكي الظلم إخوتي *** وفي كل صقعٍ من بلادي معذّب

وفي كل يوم تستباح حقوقنا *** وما عاد فينا من يذود ويغضب

أللخائن العربيد ألفُ تحية *** وللعالِم المغوار سيفٌ مذرّب

أننعم والإسلام يشكو مصابهُ *** ونضحك والرحمن للحق يغضب

فمن يا ترى للحق يأسو جراحه *** ومن في سبيل الله للنفس يُتعب

أهذا أوان النوم يا ابن عشيرتي *** ودمع ذوي القربى على الخد يُسكب

أهذا أوان النوم يا شبل خالدٍ *** وأنفاسنا في اللوح تحصى وتكتب

فقم يا حفيد الصحب واثأر لأمةٍ *** يسوم لها الباغي وفي المجد يلعب

وقل لبني الإسلام واصرخ بجمعهم *** سأنصر دين الله والحقَّ أطلب

سأثأر للحق الذي بات يشتكي *** فلا القيد يثنيني ولا السوط يُرهب

سأنصر هذا الدين مهما تكالبت *** عليه الأعادي أو العود أُصلب

سأثأر على أن أموت مجاهداً *** شهيداً إلى الجنات أسعى وأذهب

فمن يا ترى للذل يحني جبينه *** ومن ذا عن الهيجاء يرضى ويرغب

لئن كان للشر المبجّل صولةٌ *** فإن هدى الرحمن أعلى وأغلب

اللهم رحمة اهد بها قلوبنا، واجمع بها شملنا، ولم بها شعثنا، ورد بها الفتن عنا.

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء، اللهم فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه.

اللهم احقن دماء المسلمين، واحمِ اللهم نساءهم وأطفالهم وشيوخهم وبلادهم وأموالهم.

اللهم من أعان كافراً على مسلم، فإنا نسألك اللهم أن تشل أركانه، وتزلزل بنيانه.

اللهم عليك بالكفار من اليهود والنصارى، فإنهم لا يعجزونك.

اللهم احصهم عددا، واهلكهم بددا، ولا تغادر يا ربي منهم أحدا.

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب.

اللهم يا ولي الصاحين، ويا ناصر عبادك المستضعفين، نسألك اللهم أن تعين وتنصر إخواننا في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان.

اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحفظهم اللهم عن أيمانهم…