الدجال ونزول عيسى بن مريم

عناصر الخطبة

  1. وجوب اعتقاد صحة ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشراط الساعة وأماراتها
  2. عظم فتنة المسيح الدجال
  3. سرعة تنقل المسيح الدجال في الأرض وافتتان الناس به وموقف المؤمنين منه
  4. بعض صفات وعلامات المسيح الدجال
اقتباس

إنه أعور ناقص في ذاته. وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن. إنه إذا قتل الرجل ثم أحياه لم يقدر عليه بعد ذلك، فهو ناقص في قدرته. إن جنته نار، وناره ماء طيب عذب، فما جاء به باطل.إنه…

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي يسر لنا الأسباب المانعة من الضلال والافتتان، ووضح لنا الفتن، وبين لنا الأسباب التي نتحصن بها أعظم بيان.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك المنان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من بني عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة مستمرة باستمرار الزمان، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشراط الساعة وأماراتها حق يجب اعتقاده، وقد ذكر للساعة أشراطا كثيرة؛ منها ما مضى، ومنها ما هو حاضر، ومنها ما هو مستقبل.

وأبلغ ما يكون من أشراطها وأعظمه فتنة، هي: فتنة المسيح الدجال؛ فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال، وأنه ما من نبي إلا وقد أنذر به أمته، وأنه يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها جنة نار تحرق، والتي يقول إنها نار ماء عذب طيب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع فيه"[مسلم (2946) أحمد (4/19)].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط أعور العين اليسرى مكتوب على عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب فمن أدركه منكم فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنته إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا -يا عباد الله-: فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فاليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة واحدة؟ قال: لا، اقدروا له قدره.

وأما إسراعه في الأرض، فكالغيث استدبرته الريح، يأتي على القوم يدعوهم فيؤمنون به، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، ويدعو قوما آخرين فيردون دعوته، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين يمر بالخربة فيأمرها فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ويؤتى برجل، فيقول: أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيأمر به الدجال فيوسع ظهره وبطنه ضربا، ثم يقول: أو ما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به فيوشر بالميشار من مفرقه، حتى رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له قم فيستوي قائما، ثم يقول: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيأخذه الدجال ليذبحه، فلا يسلط عليه"[مسلم (2937) الترمذي (2240) أبو داود (4321) ابن ماجة (4075) أحمد (4/182)].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليفرن الناس من الدجال، حتى يلحقوا بالجبال، قالت أم شريك: فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل، ويتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفا، فيخرج همته المدينة، فتصرف الملائكة وجهه عنها؛ لأن على كل باب منها ملكين يمنعانه من الدخول، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق بين مهرودتين -أي حلتين مصبوغتين بورس أو زعفران-، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه، مثل جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي إليه طرفه، فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لد فيقتله"[مسلم (2945) الترمذي (3930)  أحمد (6/462)].

فسبحان من مكن هذا الدجال من هذه المعجزات فتنة لعباده، وبين لهم العلامات التي تبين من بطلان ما ادعاه، وفساده.

فإنه أعور ناقص في ذاته.

وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن.

إنه إذا قتل الرجل ثم أحياه لم يقدر عليه بعد ذلك، فهو ناقص في قدرته.

إن جنته نار، وناره ماء طيب عذب، فما جاء به باطل.

إنه مخلوق وجد بعد أن لم يكن.

إنه يفنى، ويقتل، وإنه في الأرض لا في السماء.

وكل هذه صفات المخلوق الناقص التي تبرهن على أنه ليس بإله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ(4)﴾[يونس: 3- 4].

بارك الله لي ولكم…