أشراط الساعة الكبرى (1) خروج المهدي

عناصر الخطبة

  1. حكمة إخفاء الله ليوم القيامة عن البشر
  2. تذكير العباد بالموت وما بعده
  3. أبرز علامات الساعة الكبرى
  4. المهدي حقيقته ومنهجه
  5. اختلاف البشر في المهدي بين الإنكار والغلو
  6. منهج أهل السنة في الإيمان بظهور المهدي في آخر الزمان.
اقتباس

ومع ما ورد من نصوص بشأن المهدي إلا الناس انقسموا في شأنه: فهناك المنكر لظهور المهدي، فلا مهدي إلا عيسى ابن مريم، وهذا غير صحيح، وهناك المغالي فيه كالرافضة، وهناك من يقف مع النصوص الصحيحة الواردة بشأنه ولا يتجاوزها وهم أهل السنة والجماعة.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين، وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].

معاشر المسلمين والمسلمات: اقتضت رحمة الخالق بالناس أن أرسل إليهم رسولاً بشيراً ونذيراً، بشيراً للمؤمنين بالجنة والرضوان ونذيراً للكافرين من النار وسخط الرحمن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا(46)﴾[الأحزاب: 45- 46]؛ وبيّن -جل وعلا- حال الدنيا وفنائها، وأن المردّ إلى الله؛ فإما إلى جنة وإما إلى نار، خلود بلا موت وإقامة بلا ظعن.

وحذّر -سبحانه- من يومٍ عبوسٍ قمطريرٍ يعود فيه الناس إلى خالقهم، ذلك اليوم الذي تندكُّ فيه الجبال وتعظم فيه الأهوال وتنفطر السبع الثّقال وتلفظ الأرض ما في بطنها من الأثقال: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ)[الانشقاق: 1- 5].

أنذرهم الصاخة، ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾[الطارق: 9]، ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا  وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ﴾[الانفطار: 19]، ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ(36)﴾[المرسلات: 36]، ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾[الحج: 2].

اختصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أهوال ذلك اليوم فقال: “لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله“.

أخفى الله هذا اليوم في علم الغيب عنده ليبقى الناس على حذر مستمر منه، وعَلِم بحكمته أن الإنسان نظره قصير لا يعدو ما يراه في الواقع فينسى يوم الميعاد ولا يعمل له، فجعل بين يديه أمارات وأشراط تدل على تحقُّقه وحتمية وقوعه لئلا يخامر الناس أدنى شك فيه ولئلا يفتنهم عنه شيء، فعندما يرون هذه العلامات أو شيئاً منها، يعلمون يقيناً أن الساعة آتية لا ريب فيها، وهذا من رحمة الله بعباده؛ إذ بيَّن لهم ما يستقبلهم من عظائم تسير لها الجبال وتميد منها الأرض، فيستعدوا لها قبل فوات الأوان وانقضاء الأجل؛ ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(58)﴾[الزمر: 56- 58].

وهذه الأشراط قسمان؛ صغرى وكبرى، فالصغرى هي التي تسبق قيام الساعة بأزمان متطاولة وقد يظهر بعضها مصاحباً للكبرى أو بعدها وتكون من النوع غير الخارق للعادة كقبض العلم وفشوِّ الجهل والتطاول في البنيان وغيرها، وقد ظهر القسم الغالب من هذه الأشراط خلا نزرٍ يسير شارف على الظهور، أما الكبرى فهي الأمور العظام الخارقة للعادة التي تعتبر مقدمةً وإيذاناً بقيام الساعة، وهذه لم يظهر شيء منها حتى الآن، وهذه العلامات متتابعات إذا ظهرت واحدة جرَّت الأخرى وراءها كالخرز في النظام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الآيات خرزات منظومات في سلك فإن يُقطعْ السلكُ يتبعْ بعضها بعضا“(رواه أحمد).

وعن حذيفة بن أسيد الغفاري -رضي الله عنه-  قال: اطّلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر فقال: “ما تذاكرون؟” قالوا: نذكر الساعة, قال: “إنها لن تقوم الساعة حتى ترون قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى -عليه السلام- ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم“(رواه مسلم).

وردت هذه الأشراط في أحاديث أخرى وكلها غير مرتبة فلا يُعلم أيُّ العلامات تظهر أولاً، وسنجري في ترتيبها وذكرها على ما ذكره، ورتبه بعض أهل العلم -رحمهم الله- فأول العلامات ظهوراً:

المهدي -عليه السلام- وهو محمد بن عبدالله العلوي الفاطمي الحسني من ولد فاطمة من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-، وهذا الإمام من رحمة الله -عز وجل- بالأمة في آخر الزمان، يخرج فيقيم العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهداية وتوفيقًا وإرشادًا للناس؛ فعن ابن مسعود قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمهُ اسمي واسم أبيه اسم أبي“(رواه أحمد والترمذي), وقال -عليه الصلاة والسلام-: “المهدي من عترتي من ولد فاطمة“(رواه أبو داود) فيكون اسمه محمد أو أحمد بن عبد الله.

ومن صفات الخَلقية قوله -صلى الله عليه وسلم-: “المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً يملك سبع سنين“(رواه أبو داود وحسنه الألباني)، ومعنى: أجلى الجبهة: الذي انحسر الشعر عن جبهته، وأقنى الأنف أي: أنفه طويل دقيق الأرنبة مع حدب في وسطه.

وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة“(رواه أحمد).

قال ابن كثير: “أي: يتوب عليه ويوفقه ويلهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك”.

يخرج المهدي في آخر الزمان يؤيد الله به الدين يملك سبع سنين يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تُنعم الأمة في عهده نعمةً لم تنعمها قط تُخرج الأرض نباتها وتمطر السماء قطرها ويعطي المال بغير عدد.

عن أبي سعيد  -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:”أبشركم بالمهدي يُبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً“؛ فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: “بالسوية بين الناس, ويملأ الله قلوب أمة محمد غنًى ويسعهم عدله … فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده، أو قال: ثم لا خير في الحياة بعده“(رواه أحمد).

وفي هذا الحديث دليل على أن علامات الساعة الكبرى والشرور والفتن تظهر بعده -رضي الله عنه-.

يخرج من قبل المشرق؛ قال ابن كثير في “النهاية”: “ويكونُ ظهورُهُ من بلاد المشرق ويؤيّدُ بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه، ويشيدون أركانه وتكون راياتهم سود وهو زيٌ عليه الوقار؛ لأن راية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت سوداء يقال لها العقاب”.

يكرمه الله بكرامة لم يعطها لأحد قبله إلا لنبي؛ حيث يصلي خلفه نبي الله عيسى -عليه السلام-، عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- فيقول أميرهم: تعال صل لنا فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة“(رواه مسلم).

وهذا الأمير المذكور في الحديث هو المهدي جاء ذلك في رواية أبي نعيم والحارث بن أسامة بلفظ: “فيقول أميرهم المهدي …”، قال ابن القيم: إسناده جيد.

وعقيدة أهل السنة والجماعة موافقة للأحاديث الصحيحة، وأن المهدي حاكم صالح راشد يبعثه الله مجدِّدًا لهذا الدين، ويعلي الله هذا الدين على يديه، أما الشيعة الإمامية فيعتقدون أن المهدي هو آخر أئمتهم، وهو الإمام الثاني عشر المدعو محمد بن الحسن العسكري وهو عندهم من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن وهم يعتقدون أنه دخل سرداب سامراء منذ أكثر من ألف ومائة سنة وعمره خمس سنوات، ويعتقدون أنه حاضر في الأمصار غائب عن الأبصار، وهو المهدي الذي ينتظرون عودته.

وكلامهم هذا لم يقم عليه دليل ولا برهان من عقل أو نقل وهو مخالف لسنة الله في البشر. قال ابن كثير في “النهاية”: “ويكونُ ظهورُهُ من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان؛ فإن هذا نوع من الهذيان وقسط كبير من الخذلان، شديدٌ من الشيطان؛ إذ لا دليل على ذلك ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان”.

ومع ما ورد من نصوص بشأن المهدي إلا الناس انقسموا في شأنه: فهناك المنكر لظهور المهدي، فلا مهدي إلا عيسى ابن مريم، وهذا غير صحيح، وهناك المغالي فيه كالرافضة، وهناك من يقف مع النصوص الصحيحة الواردة بشأنه ولا يتجاوزها وهم أهل السنة والجماعة.

وأما إنكار المهدي المنتظر بالكلية كما زعم ذلك بعض المتأخرين فهو قول باطل؛ لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان, قد تواترت تواتراً معنوياً، وكثرت جدّاً واستفاضت كما صرح بذلك جماعة من العلماء السابقين والمعاصرين، ولكن لا يجوز الجزم بأن فلاناً هو المهدي بعينه إلا بعد توافر العلامات التي بينها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الثابتة.

والواجب –عباد الله – عدم الخوض في أمر المهدي بالتوقعات والمنامات، ونكتفي بما وردت به الأحاديث الصحيحة، ونوقن بأن علامته ستكون ظاهرة في وقتها؛ فهو من علامات الساعة وستكون له الولاية والنصر، وسيقيم العدل ويعمُّ الخير.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم …

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى..

وبعد عباد الله؛ فأمر المهدي معلوم والأحاديث فيه متواترة ومستفيضة بأن خروجه حق وأنه من أهل البيت ويبايع له عند البيت كما في بعض الأحاديث، وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى -عليه السلام- يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤمّ هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه وتكون في زمانه الثمار كثيرة والزروع غزيرة والمال وافرًا والسلطان قاهرًا، والدين قائمًا، والعدو راغمًا، والخير في أيامه دائمًا؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحاً وتكثر الماشية وتعظم الأمّة يعيش سبعاً أو ثمانياً“؛ يعني: حججًا؛ (رواه الحاكمُ وصححه، ووافقه الذهبيُّ، وقال الألباني: هذا سندٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ).

اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ووفق أئمتنا وولاة أمرنا…

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد …

بطاقة المادة

المؤلف محمد ابراهيم السبر
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية