خطبة عيد الأضحى المبارك 1437هـ

عناصر الخطبة

  1. مواسِم الخير والأعيادِ والأفراح
  2. تضحيات رجال الأمن في الذود عن البلاد
  3. وجوب اتحاد الكلمة وجمع الصف
  4. خطورة المؤامرة على هذا البلد وشبابه وعقيدتهم
  5. تطرف مولّد لتطرف مضاد
  6. وصايا للمغردين والكُتاب والصحفيين
  7. عظم مسئولية العقلاء والعلماء والأدباء والآباء
  8. خطورة منهج الغلو والتكفير.
اقتباس

تطرف مولّد لتطرف مضاد، والوقائع تشهد، والعقل يؤكد، والأيام حُبلى والليالي عبر أي عبر، آلة إعلامية شرسة وحرب نفسية رهيبة تلك التي تريد أن تُفقدنا ثقتنا بكل شيء، حتى بتماسكنا الأسري ولحمتنا الوطنية وأخوتنا الإسلامية، وربما أعانهم وساعدهم وللأسف أشخاص وأقلام وعدسات وتغريدات دون قصد الكثير منهم بهدف النشر والسبق الإعلامي أو للمباهاة والتكاثر غفلوا أنه على حساب أمن مجتمعهم ومستقبل شبابهم فأشاعوا ونشروا وعلقوا وشوشوا…

الخطبة الأولى:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كلما تنفس صبح وأسفر، الله أكبر عدد ما أمسك صائم وأفطر، الله أكبر عدد ما سجد قائم وكبر، الله أكبر عَددَ خلقِه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومِداد كلماته، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الحمد لله على مواسِمِ الخير والأعيادِ والأفراح، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً نرجو بها الفوز والفلاح، وأشهد أن نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله إمام المرسلين والإصلاح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم اللقاء بالجنة دار الأفراح.

أمّا بعد: فاتقوا الله أيّها المسلمون، ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27].

أمة التوحيد: يعود العيد من جديد، فهذا يومُ فطرِنا من صيامنا، يوم عيدِنا، يومُ فرح المسلمين بإتمام ركن الصيام، "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون"، فاللهم لك الحمد ولك الشكر على أن ختمت لنا رمضان، ولك الحمد على أجواء الإيمان والأمان، ولك الحمد بالفرح والسعادة هذه الأيام، ووالله ما كان هذا ليكون لولا فضل الله علينا ثم نعمة التوحيد والإسلام، التوحيد لله هو سر الأمن والبركات؛ اقرءوا إن شئتم: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ –أي: بشرك- أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]، وهذا السر هو الذي جعل هذه البلاد المباركة هدفًا للإرهاب ولسهام أعداء الإسلام من كل مكان، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].

 فوالله لن تُثنينا تفجيرات الضالين العابثين بل هي تزيدنا لحمة وترابطًا وتمسكًا بقيادتنا وولاة أمرنا وثقةً بعلمائنا وعقيدتنا، فمن تجرأ على التفجير بأعظم مواسم الطاعات، وبأشرف الأماكن والمقدسات، واستهدف بالحرم الصائمين والراكعين الساجدين، فقد قدّم لنا دليلاً ساطعًا وبرهانًا دامغًا على ضلاله وقبح وفساد منهجه، وحسبنا ما جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة حرمٌ مابين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، من أحدث فيها حدثًا، أو أوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفًا ولا عدلاً".

فتمسكوا أمة التوحيد بالعروة الوثقى، واعتصموا بحبل الله، وكونوا من الشاكرين، كونوا عونًا لرجال أمننا في الداخل، ولجنودنا في الثغور وعلى الحدود الذين بذلوا أرواحهم دفاعًا عن الدين والوطن، فما كان للحرمين الشريفين ولا باقي المساجد والجوامع أن تنعم بهذا الأمن، لولا فضل الله ثم فضل الأبطال الأوفياء.

فنحن في صيام وقيام وركوع وسجود، وهم ساهرون وصابرون على الحدود، نحن ننعم في الظلال، وهم في الطرقات وعلى رؤوس الجبال، نحن ننام تحت التكييف بلا حس ولا همس، وهم على التراب والغبار تحت أشعة الشمس، نحن نسهر ليلنا ونلهو مطمئنين، وهم في مقارعة العدو ثابتين، لله درهم صبروا وصابروا، فمنهم من فارق الآباء والأوطان، وهجروا الأولاد والخلان، ومضوا بكل شجاعة وتضحية وإقدام، نحسبهم ممن قدم نفسه رخيصة في سبيل الله، ومنهم من استشهد، ومنهم من جُرح، وربما سبقه عضو من أعضائه للجنة إن شاء الله، ومنهم من لا يزال صابرًا محتسبًا فداءًا لدينه ووطنه وأهله، فثبتهم الله وأعانهم، فـ"رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. . ".

وهنيئًا لآبائهم وأهلهم وأولادهم، نسأل الله أن ينصرهم على عدوهم، وأن يجمع كلمتهم ويثبت أقدامهم، ويسدد رميهم، ويردهم سالمين غانمين عاجلاً غير آجل، وأن يحفظ بلادنا ويديم أمننا وإيماننا وسائر بلاد المسلمين، وأن يدحر عدونا.

إنه لما اختلطت الأوراق واشتدت الأهواء وكثر النفاق التبست حقيقة الجهاد، فلا يُفقدنكم معاشر المسلمين فئة مردوا على معاني الإسلام الصحيح وتفرقوا شيعًا وأحزابًا يقتل بعضها بعضًا، لا يُفقدنكم هؤلاء الثقة بشعيرة الجهاد في سبيل الله فإن هناك أبطال ما زالوا يذودون عن دينهم وأوطانهم ويبذلون أنفسهم بكل صدق وإخلاص، ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القلم7]، فاللهم انصر دينك وكتابك وسنة رسولك وعبادك الصالحين في كل مكان.

 الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المؤمنون: إن من الوفاء لمن بذلوا أنفسهم لديننا وأمننا أن نكون أيضًا معهم جنودًا من الداخل بالحفاظ على جبهتنا الداخلية وتماسك صفنا واجتماع لحمتنا ووحدتنا، فقد غاظ الأعداء ما يرونه من تماسك ورخاء في هذا البلد المبارك بين الشعب وقيادته وعلمائه ونخبه، رغم محاولاتهم لاستغلال كل الوسائل حقدًا ومكرًا وتشويهًا، يتربصون بأمن وإيمان هذا البلد فهم يعرفون ويُدركون أنه مهبط الإسلام ومنه شعّت رسالة التوحيد، يمكرون ويُشوشون ويُوهنون، و﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: 9].

فثقوا بالله، وكونوا على ثقة بمكتسبات عظيمة لمجتمعكم الطيب فوالله لم نرَ مجتمعًا كمجتمعنا بفضل الله فيه من البذل والتعاون وحب الخير وحب النفع للآخرين والمحتاجين ليس فقط فيما بيننا مما لا يعلمه الآخر عنا، بل حتى في الخارج فآلاف المساجد والآبار والأيتام والمعونات للجمعيات الإنسانية وللمنكوبين والمستضعفين، وجسور من الطائرات والناقلات والحاويات تحمل الخيرات لأطراف الأرض بكل الجهات لكل محتاج ومنكوب ومفجوع.

 فاشكروا الله واطمئنوا وثقوا أن هذه الخيرات للعالمين والتي منبعها التوحيد لله سر الأمن والبركات؛ هي السبب الذي أثار أعداء الإسلام الحاقدين، فاتجهوا بمكر لتحريك آلتهم الإعلامية لتقود حربًا نفسية رهيبة على المجتمعات المسلمة قاطبة والمجتمع السعودي خاصة، إنهم يراهنون على محاولة هز ثقتنا بأنفسنا وبمجتمعنا وبشبابنا وبعقيدتنا، فمن يُشاهد ويقرأ حجم البرامج الإعلامية المشككة والمثيرة للشبهات وللمسائل الشرعية المختلف فيها.

ويقف على نوعية ما يُطرح في وسائل التواصل الاجتماعي من هاشتقات متتاليات يُدرك حجم وخطورة المؤامرة على هذا البلد وشبابه وعقيدتهم بل على عموم المسلمين لزعزعة ثوابتهم الشرعية خاصة في نفوس النشء والجيل الجديد، وإلا بماذا يُفسر أمثال هذه الهشتاقات: "شيء لا يعجبك بالقرآن"، وآخر "شيء لا يعجبك بمحمد رسول الله"، وثالث "رمضان شهر الإجرام"، ورابع "القرآن مصورًا" وغيرها كثير مما نزلت كالمطر تباعاً طوال شهر رمضان.

 وكان بالإمكان تمريرها وعدم الالتفات إليها لولا تواليها وبشكل ممنهج ومنظم لنوعية مواضيعها والتغريدات وكميتها، وإعداد حِرفيٍّ للصور المسيئة معها، مع طرح ماكر للشبهات وكلمات التطاول والاستهزاء والسخرية بالآيات وبرسولنا -صلى الله عليه وسلم- مما يُؤكد أن خلفها جهات وربما مؤسسات ودول تستهدف المسلمين عامة ومجتمعنا خاصة، لكن هيهات خابوا وخسروا، ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [مران: 139]، الأعلون بدينكم وعقيدتكم، فاللهم اكفناهم بما شئت واجعل تدبيرهم تدميرهم وكيدهم في نحورهم.

الله أكبـر.. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها العقلاء: الحذرَ الحذر لا تلينوا ولا تُداهنوا فسيواصلون خطواتهم المتلاحقة، وسيستمرون بمسلسل حقدهم وحربهم وبكل دهاء ومكر لاستغلال كل شيء، حتى وإن كانت أحداثًا ووقائع فردية وربما شاذة يقع مثلها في كل مكان في العالم كل ساعة، فجرائم الغرب ‏حالات فردية.

أما الجرائم في بلادنا فترتج لها وسائل الإعلام وشواذ الأقلام لإلصاق التهم بالمجتمع كله وبالدين والمناهج وحلق القرآن وبالشباب الصالحين وبالدعاة وتشويه كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وبكل شيء له صلة بالإسلام، يُصاحبها حملات ساخرة تهزأ بمسائل الشرع وأحكامه من جهاد وحجاب وحور عين وغير ذلك.

 زعموا أن هذا علاج لمشكلة (الغلو) وهو والله تطرف مولّد لتطرف مضاد، والوقائع تشهد، والعقل يؤكد، والأيام حُبلى والليالي عبر أي عبر، آلة إعلامية شرسة وحرب نفسية رهيبة تلك التي تريد أن تُفقدنا ثقتنا بكل شيء، حتى بتماسكنا الأسري ولحمتنا الوطنية وأخوتنا الإسلامية، وربما أعانهم وساعدهم وللأسف أشخاص وأقلام وعدسات وتغريدات دون قصد الكثير منهم بهدف النشر والسبق الإعلامي أو للمباهاة والتكاثر غفلوا أنه على حساب أمن مجتمعهم ومستقبل شبابهم فأشاعوا ونشروا وعلقوا وشوشوا ويا ليتهم أخذوا بتوجيه القرآن: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 3].

 فيا أيها المغردون يا آل توتير يا كل التقنيين عبر وسائل التواصل احذروا التحريش الإلكتروني بينكم، فقد قالها -صلى الله عليه وسلم- :".. ولكن بالتحريش بينكم.. "، فاحذروا إيغار الصدور وتقسيم المجتمع واستعداء بعضكم على بعض، احذروا الطعن في المسلمين وعيبهم أو اتهامهم بكفر أو فسوق أو نفاق، فهي أمراض قلوب.

 ومهما كانت الأخطاء فنشرها فضيحة وليس نصيحة، فضيحة للفرد وفضيحة لمجتمعك، فتناصحوا وتغافروا وأطفئوا نار تغريداتكم، وأحسنوا الظن ببعضكم، وكونوا عباد الله إخوانا، خذوا على يد السفيه لكن بالطرق الشرعية والنظامية، والأجمل والأروع"من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة"، فاللهم استر عيوبنا وعيوب المسلمين.

معاشر المؤمنين! أيها المجتمع الطيب المبارك، يا إعلامنا ويا مثقفونا يا دعاتنا يا كل محب وناصح، ويا كل مسلم: لا نريد أن نخسر شبابنا فهم ضحايا لنزاعات فكرية، وتراشقات إعلامية، فتعالوا نتواصى بنبذ الصراعات والتجاذبات الفكرية التي تُفرق ولا تجمع، بل تُثير الأحقاد والتصنيف وتُضعف قوتنا، تعالوا لنقف صفًّا واحدًا أمام أفكار ومناهج عصفت بشبابنا ليست من الإسلام بشي؛ من غلو وتكفير، وإرجاءٍ وإلحاد، هيا قبل أن نندم.

لنحذر المجاهيل والمندسين فهذا زمن "الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الأفاق"، فلا تنشروا إلا النافع المفيد مما ترجونه عند الله ويسركم أن تروه في صحائف أعمالكم يوم القيامة، ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك: 22].

 الله أكبـر.. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

لنكن على وعي أيها الكبار بحجم وكيفية اختلافاتنا وبقدر المكر الموجه لنا ولبلادنا، وآثاره الوخيمة على عقول وحيرة شبابنا فإما دفعٌ بهم إلى أتون القتل والإرهاب، وإما دفعٌ بهم إلى مهاوي الفسوق والإلحاد، ونترك أعظم نعمة مهداة؛ نعمة الإسلام بوسطيته وسَعته الرائعة، إنها مسئولية العقلاء والعلماء والأدباء والآباء؛ لا نُسْلم عقول الشباب ليُتخطفوا عبر وسائل التقنية أمام أعيننا، رفقًا بالشباب.. التفتوا للشباب، ثقوا بأبنائكم وبناتكم، فوالله إن عزائمهم تفل الحديد، وطموحاتهم وراء كل جديد، وقلوبهم مليئة بالتوحيد، فقط افتحوا لهم الأبواب، سهلوا لهم الصعاب.

انظروا من يؤم المصلين في المساجد في رمضان!، وانظروا للصفوف المتراصة في صلاتي التراويح والقيام!، وانظروا لفرق ومجموعات التطوع والإحسان!، أليسوا الشباب من الجنسين، أليس جنودنا من رجال الأمن ومَن على الحدود في الثغور يدافعون عن الأرض والدين، والعرض والشرف، أيضًا هم من الشباب.

فأرجوكم لا تعينوا الأعداء على شبابنا بقيّح نزاعاتكم، وبالتثبيط والتخذيل وجلد عزائمهم وجعلهم نَهبة أمام سيل جارف عرمرم من الشبهات والشهوات التي يُزخرفها المنافقون، فأنصفوهم وشجعوهم وضعوا الثقة فيهم، كونوا قدوةً لهم عند الاختلاف، لا تهملوهم أقيموا لهم مشاريع علمية وإيمانية وفكرية جادة وواقعية معاصرة تُحصّن الجيل الصاعد من موجة إلحادية تشكيكية عصرية عاتية.

إنهم الشباب عزنا وقوتنا وعقولنا ومستقبلنا، فيا شباب أنتم الأمل وأنتم المستقبل، وعليكم المعتمد فكونوا واعين لما يُراد بكم، مدركين لمخططات ومكر أعدائكم، فهم يَعون تمامًا ما معنى أن أكثر من75% من شباب المملكة يستخدمون توتير والفيس بوك وبنحو ثماني ساعات يوميًّا، محاولات لا تهدأ لتشويه وتشويش فكر الشباب ليبقى ضعيفًا في دينه مهتزًا في انتمائه وهويته.

فالله الله يا شباب بدينكم وحسن العلاقة بربكم، والله الله بمجتمعكم ووطنكم، ثقوا بولاة أمركم وعلمائكم، تعاونوا وتماسكوا وتناصحوا، حفظكم الله من مضلات الفتن، ومن شرور الشبهات والشهوات.

 الله أكبر.. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

روى أبو موسى الأشعري قال: حدثنا رسول -صلى الله عليه وسلم- : "إن بين يدَيِ الساعةِ لهرَجًا", قال: قلت: يا رسولَ اللهِ ما الهرَجُ؟ قال: "القتلُ", فقال بعضُ المسلمينَ: يا رسولَ اللهِ! إنا نقتُلُ الآن في العامِ الواحدِ من المشركينَ كذا وكذا, فقال -صلى الله عليه وسلم- : "ليس بقتلِ المشركين، ولكن يقتُلُ بعضُكم بعضًا حتى يقتُلَ الرجلُ جارَهُ وابنَ عمهِ وذا قرابتِهِ"، فقال بعضُ القومِ: يا رسولَ اللهِ! ومعَنا عُقولُنا ذلك اليومِ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- :"لا, تُنزَعُ عُقولُ أكثرِ ذلك الزمانِ ويَخلُفُ له هباءٌ من الناسِ لا عُقولَ لهم" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

لا إله إلا الله! عشنا حتى رأينا هذا رأي العين، إنها من دلائل النبوة فآمنت بالله ربًّا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً نبياً؛ فقد "قتلوا أمهم وطعنوا أبيهم وأخيهم، قتلوا ابن عمهم وقربيهم، قتلوا مسلمًا مسالمًا يشهد أن لا إله إلا الله، قتلوا وقتلوا"..

إنه منهج الغلو والتكفير ليس من دين الإسلام في شيء، يبدأ بالتشكيك ثم التصنيف مرورًا بالتشدد والغلو والتكفير، وينتهي بسوء خاتمة وبئس المصير، انحراف وضلال وفساد معتقد وكبيرة، يا الله! أي قلب؟ أي عقل؟ أي فكر؟ يغدر بقلبين رحيمين وبأبوين حنونين،

فمضى وأغمد خنجرًا في صدرها *** والقلبَ أخرجه وعاد على الأثر

لكنه من فَرْطِ سرعته هوى *** فتدحرج القلبُ المقطّع إذ عثر

ناداه قلبُ الأم، وهو معفّر *** ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر

إنه قلب الأم! ليس كمثله قلب! ‏حملت وهن على وهن سهرت وتعبت وعانت وربت وعلمت، إنهما الوالدان أرق وأرفق وأحن قلبان، ‏

(فَلَا تَقُلْهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23- 24]، تقف الحروف عاجزات، وتغص بالحلق الكلمات، ‏تَبكي العيون وتَدْمى القلوب، من هول ما حدث ويحدث، ‏ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل، وعزاؤنا أن الحادثة أو الحادثتين أو حتى العشر للعقوق أو لفكر منحرف، هناك ما يُقابله من آلاف الصور للبر والوفاء لا يُعبر عنها لسان ولا بيان، فالحاضر والمستقبل والجنة ببر الوالدين، فيا شباب! رضا الله من رضا الوالدين.

يا شباب! أعظم الكنوز وأكبر النعم وجود أبويك بين يديك، "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك"، ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، ربي تجاوز عن تقصيرنا بحقهما، ربي اغفر لنا غفلتنا عن برهما، ربي اجمعنا بجنة الفردوس بهما.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.  

أمة الإسلام، العيد فرصة لنرحم أعزاء قوم ذلوا، وغرباء شردوا، ليبقى الشعور بالإخاء والتراحم قوياً ليس في الداخل فقط، بل والخارج فلا ننسى الأشقاء باليمن وسوريا، وبالعراق وفلسطين، وبورما ومسلمي الصين، وفي كل بقاع المسلمين نريد أن نُشعرهم بالإخاء، وأن نفرح بالعيد فرح العقلاء الأتقياء، ففرحة العيد تُسكن الألم وتبعث الأمل.

فاللهم عجل بالفرج للمستضعفين وللمنكوبين، واشف صدور المؤمنين بنصر مبين، وقنا شر تقلبات الأيام والشهور، وطهرنا من البطر والتباهي والغرور.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

بطاقة المادة

المؤلف إبراهيم الدويش
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية