في التعلق بالله والتحذير من أعمال السحر

عناصر الخطبة

  1. مظاهر لضلال بعض الناس عن نعمة الإيمان
  2. التعلق بالله أصل من أصول الإيمان
  3. التحذير من السحر مطايا الشيطان
  4. كيفية عمل السحر وآثاره
  5. انتشاره
  6. المؤامرة على النبي الكريم بالسحر
  7. التحذير من القنوات التي تبث سموم السحر
اقتباس

إن السحر مطية من مطايا الشيطان، ينفذ بها إلى أتباعه، ويوقعهم في أحضانه؛ ليصدوا الناس عن الحق، ويكدروا عليهم حياة الإيمان، فيقعوا ضحايا لهذا العدو اللدود: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ ..

الحمد لله الذي لا تحيط به العقول والأفهام، ولا تتخيله الظنون والأوهام، أحمده -سبحانه- على ما مَنَّ به من الخير والإنعام، وأشكره على التوفيق والإتمام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بدرُ التمام، وسيد الأنام، صلى الله عليه وآله وأصحابه الأئمة الأعلام، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان على الدوام، وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها الناس، ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58)﴾ [يونس:57-58].

عباد الله: إن نعم الله عليكم كثيرة؛ ومن أجلها وأعظمها نعمة الإيمان، الذي جعل الله فيه كل خير يُطلب، وذلل فيه كل أمر يصعب، فلا تبغوا بغيره بدلاً، ولا عنه تحويلاً، ولا تتوهموا أن له مثيلاً، فإن من الناس من ضلَّ وأضل، وانحرف عن الهدى، واستبدل طريق الإيمان بطريق الهوى والردى، وذهب في ذلك مذاهب شتى في الطرق والاتجاهات، وزل في مزالق ومتاهات، واصطادته الشياطين فدخل في المكر، والحيل، والخزعبلات، وصدّق السحرة والمشعوذين، والكهانات، وأخذ عنهم الأدوية والعلاجات؛ لتصبح النفوس والقلوب والأبدان من طرأ عليها من الأحوال والتقلبات، فوقع في الشرور والهلاكات، فلم يرفع بذلك رأساً، ولم يستفد من التعلق بهم إلا ركساً ونكساً.

إخوة الإيمان: إن من أصول الاعتقاد التي يجب على المؤمن أن يلتزم بها ويجعلها منهجاً يسير عليه هو التعلق بالله، والتوكل عليه في كل شيء، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق:3]، فهو -سبحانه- حَسْبُ كل مؤمن وكافيه، يقيه من الشرور والآفات، ويرفع النوازل والآهات، ويرفع عنه الكوارث والملمات، ويزيل عنه الهموم والغياهب، ويكشف عنه الكروب والمصائب، فعلى المؤمن أن يستلهم ذلك منه، وأن يجزم أنه القادر عليه، فلا يلتفت في كلِّ شاردة ولا واردة إلا إليه ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس:107].

ولقد انحرف البعض عن هذا المنهج، وسلكوا المسلك الأعوج في مسارات حياتهم، وطرق أرزاقهم، وحلول مصائبهم، وكشف كرباتهم وأدويتهم وعلاجهم، فسلكوا الضلال والإضلال، واتخذوا سبيل الشيطان، وصدَّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين، فتحالفوا معه على المعاصي، وتعاقدوا على الإضرار والضرار، وتعاهدوا معه على القياس بمهماته مهما كانت الأوزار، فحسَّن له الشعودة والكهانة، وجمَّل طريق السحر والعرافة والمهانة، فدخلوا في شباكه، ووقعوا في شرِّه وعراكه ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ(102)﴾ [البقرة:102].

أيها المؤمنون: إن السحر مطية من مطايا الشيطان، ينفذ بها إلى أتباعه، ويوقعهم في أحضانه؛ ليصدوا الناس عن الحق، ويكدروا عليهم حياة الإيمان، فيقعوا ضحايا لهذا العدو اللدود: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:6].

ألا وإن السحر من مكائده ومصائده، فاحذروه أيها المؤمنون، واعلموا: أنه طريق من طرق الشيطان، يتسامر به مع أتباعه وجنده للضلال والإضلال، وإذا علمت -أيها المبارك- أن السحر من عمل الشيطان وكيده فاعلم: أنه عمل محسوس، يقوم الساحر ينفذه إلى مَن أراده من الناس، فهو عزائم، ورقى، وأدوية، وعقد، وتدخينات تؤثر في القلوب والأبدان، ويعمل في خفاء تام، وسرِّية؛ ولذلك يعرِّفه العلماء؛ بأنه: ما خفي ولطف سببه، يتوصل بها الساحر بتوجيهات الشياطين إلى مآربه.

ولا يمكن للساحر أن يعمل هذا العمل إلا بالتقرب على الشيطان، والانصياع إلى أوامره، فيعمل الساحر هذا العمل لشخص ما، وينفث فيه من نفسه الخبيثة التي تعلقت بالشيطان، فتؤثر في القلوب، والنفوس، والأبدان، فيمرض، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، وبين القريب وقريبه، ويمرض السحر المرض العضوي، والمرض النفسي، والمرض العصبي، ويفرق بين الأحباب، والأصحاب، ويكدر الأمور، ويفرق الدور، هذا هو السحر -عباد الله- فاحذروه، واحذروا خطره.

واعلموا: أنه من كبائر الذنوب، وعظائم الموبقات، محرم في كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإجماع العلماء، يقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ…﴾، وقال -تعالى-: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه:69]، وقد نص الإمام أحمد -رحمه الله- على: أن من تعلم السحر وعلمه أنه يكفر؛ لقوله تعالى: ﴿يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ…﴾.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا السبع الموبقات…"، وذكر منها السحر، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تعلم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً كان آخر عهده من الله". وذهب طائفة من العلماء إلى: أن الساحر يكفر بسحره، ومن اعتقد إباحته فلا شك في كفره.

أيها المؤمنون: لِتعلم أن السحر له تأثير وتأثيرات حقيقية، لا مجرد خيال وتخيلات، يؤثر في النفوس والأبدان، فيمرض الأبدان الصحيحة، والأجسام السليمة، ويقتل، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [المسد:4].

ولقد تآمر اليهود -عليهم لعائن الله- على الكيد للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فعقدوا له السحر، لكنه لم يؤثر فيه، ولم يجاوز الجسم الشريف، قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُحِر، حتى إنه ليتخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال ذات يوم: أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: إنه مطبوب، قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي في مشط ومشاطة، في حفِّ طلعة ذكر في بئر ذروان. فأبطل الله كيد اليهود، وحفظ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: ولد كثر في الآونة الأخيرة أعمال السحر والشعوذة، والكهانة والتنجيم، وما ذلك إلا لضعف الإيمان في النفوس، وضعف اليقين والتوكل على الله، وقلة العلم، وكثرة الجهل، وغلبة الجهلة والرعاع على الساحة، والعوام، فسلكت مسالك الهوى والشيطان، وأسدلت على العامة طرق الضلالة والانحراف، وافتتن الناس مما لا حول لهم ولا قوة، يطلبون الشفاء والاستشفاء، وكشف الضر والبلاء بهؤلاء الدجالين، إخوان الشياطين؛ من السحرة والكذابين، فتعلقوا بهم، وظنوا بهم أنهم يفعلون من دون الله، ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ…﴾.

واليوم تطالعنا القنوات المشبوهة بهذه السموم السحرية، وتكشف عن خبثها بنفثها بين الجهلة والعوام، وتزعم أنها تحلل الأمراض، وتكشف الخبايا، وتمسح الخطايا، وتعطي الجرعات، وتمكر في الضعفاء، وتبتز الأموال؛ بزعم: أنها تفك السحر، وتوقع بالسحرة، فاحذر -أيها المؤمن بالله- اليوم من أن تفتك بك هذه السموم، واعلم: أنها كذب وخداع، ودجل وشعوذة، واتجه إلى الله بكل قوة وعزيمة، وتعلق به، وتوكَّل عليه، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)﴾ [الطلاق:2-3].

وفقني الله وإياكم إلى هدي كتابه، وسلك بنا طريق أحبابه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.