جريمة الإرهاب وتحصين الشباب

عناصر الخطبة

  1. اتفاق الشرائع على حماية الضرورات الخمس
  2. خطورة الغلو والتكفير والإفساد والتدمير في المجتمع
  3. نصائح ووصايا إلى الشباب
  4. الحث على إعمال العقل والفهم الصحيح للدين والتدين.
اقتباس

هناك أيدٍ عابثة وعقول حاقدة لن يقر لها قرار ولن يهدأ لها بال حتى تعبث بأمن هذه الأرض الطيبة وعقيدتها ودينها، لكن الله بالمرصاد، وتنبهوا لما يراد بكم، احذروا يا شباب فإن دين الله أبلج أبيض لا مرية فيه، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، لكنها جماعات التكفير، وجماعات الغلو والتشدد، أعمتها فتنة القلب، فالقلوب تمرض، والأفكار تفسد، والعقول تتأثر، والعاقل من وعظ بغيره. إن في الأحداث وتطوراتها درس بليغ يا شباب! درس كيف نحافظ على عقولنا من الشبهات الفاسدة, …

الخطبة الأولى:

الحمد لله يكشف كربًا، ويغفر ذنبًا، ويغيث ملهوفًا، ويجبر كسيرًا، ويجير خائفًا، ويرسل بالآيات تخويفًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله،عَلَتْ به أمته ذكرًا، وشرفت به قدرًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد معاشرَ المؤمنين: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن نعمة الأمن والاستقرار نعمة عظيمة بعد نعمة الإسلام، ولا تقدر بثمن أبدًا، والضرورات الخمس "الدين والنفس، والعقل والمال، والعرض"، والتي اتفقت عليها الشرائع لا يمكن الحفاظ عليها إلا في رحاب الأمن وظله الوارف، وتحقيق الأمن لا يمكن أن يكون إلا في رحاب الإيمان وظله، هذه قاعدة شرعية معرفية ثمينة لا بد من غرسها في النفوس خاصة في نفوس الأجيال من أولادنا وشبابنا.

فها نحن نرى على هذه الأرض الطيبة ثمرات هذه القاعدة من أمن وإيمان، مما انعكس بفضل الله على المجتمع تماسكاً وتلاحماً قيادة وشعباً، وأمراء وعلماء وعامة، ولا شك أن هذه النعمة العظيمة تُوجب علينا جميعاً شكرها والحفاظ عليها، وأن لا نسمح لكائن من كان أن يخرق سفينتنا وأن يسلب نعمتنا.

فكل عاقل يرى حال الأمم وكيف تُتخطف من حولنا، كلنا يرى ويسمع آثار الفتن والتناحر من قتل ورعب ودماء، وتعدٍ على الأعراض والأموال والممتلكات، وقد أنعم الله علينا بنعمة الإسلام أعظم نعمة على وجه الأرض، ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: 17]،

وقد اختص الله هذه البلاد المباركة بأن جعلها منبع الرسالة المحمدية، وجعل فيها حرمين شريفين آمنين، وجعلها منارة إشعاع لشمس الإسلام لتنير الأرض بنور الإسلام فهي مركز ومنبع هذا الدين، وقد أفاض الله عليها خيرات حسان، ولا شك أن كل ذي نعمة محسود، فلا بد أن نكون أكثر إدراكاً ووعياً لما يُراد بنا وببلادنا وعقيدتنا.

فعقيدة الإسلام الصحيحة سبقت كل القوانين بمحاربة جريمة الإرهاب، وبيان خطورة الغلو والتكفير والإفساد والتدمير، ليس في حق المسلمين فقط، بل حتى في حق غير المسلم، ولا بد أن ندرك أن منبع الفتن هو: التنطع والتشدد الذي يقود إلى الغلو والتكفير،والذي حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" (رواه النسائي وابن ماجه).

والغلو والتكفير يقود إلى إقصاء الآخرين ومعاداتهم، وربما قتلهم وإزهاق أرواحهم، والمصيبة أن يكون هذا باسم الدين والجهاد وطلب الجنة، سبحان الله! أيعقل أن تصل خفة العقول إلى هذا المستوى من تهميشها وتفخيخها وتسميم أفكارها؟! يا الله! إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب؟ ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].

ويكفي العاقل نذارة المصطفى-صلى الله عليه وسلم-: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْـلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"، لكن صدق من قال: "إن الانتقام يقيم بالعقول الصغيرة، وطريق الجاهل مستقيم في نظره"، ﴿إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾  [الحج: 46]، وإلا فحرمة القتل والتدمير والتفجير وشناعتها دلت عليها الفطرة السليمة، لكنه الحسد والكيد لهذه البلاد، ولا نشك أن المقصود بهذا الفعل: اغتيال أمن هذا الوطن واستقراره، وجره وشبابه إلى الفتنة والتناحر والدم.

فهناك أيد عابثة وعقول حاقدة لن يقر لها قرار ولن يهدأ لها بال حتى تعبث بأمن هذه الأرض الطيبة وعقيدتها ودينها،لكن الله بالمرصاد، فاحفظوا الله يحفظكم، وتنبهوا لما يراد بكم، احذروا يا شباب فإن دين الله أبلج أبيض لا مرية فيه، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، لكنها جماعات التكفير، وجماعات الغلو والتشدد، أعمتها فتنة القلب، فالقلوب تمرض، والأفكار تفسد، والعقول تتأثر، والعاقل من وعظ بغيره.

إن في الأحداث وتطوراتها درس بليغ يا شباب! درس كيف نحافظ على عقولنا من الشبهات والأفكار الفاسدة بدل تأجيرها للآخرين يعبثون بها باسم الغيرة على الدين، إنه درس في الحفاظ على الدين الذي ستلقى فيه ربك، وعلى الوطن الآمن الذي يشرق بأمنه الكثير، إنها الرجولة والوفاء لأرض أعطتك، ومجتمع مسلم متعاون، إنه امتثال منهج القرآن مهما كانت الظروف والأحوال.

إن في الأحداث ومستجداتها، وانكشاف الأقنعة ومكرها، درسًا لكل الشباب في الوعي والحذر من التنطع والغلو، وتحرر العقل والفكر من الضلال والاندفاع والحماس المفرط للدين إلى الحكمة والعلم والمجادلة والحوار والمناظرة، وإدراك ثقافة الاختلاف وقبول تعدد الآراء.

إن انكشاف أقنعة الدواعش ومن شابههم درس بليغ في إعمال العقل والوعي والفهم الصحيح للدين والتدين، فالفهم للدين الصحيح هو الذي يرفع من قيمة الإنسان ويكرمه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].

أما القتل والاغتيال والتدمير وتصفية الآخرين فلم يكن يوماً من دين الله في شيء، ولن يوقف هذا الفكر الدخيل والعقيدة الفاسدة لدى فئة قليلة ضالة نماء وإبداع الملايين من شباب هذا الوطن، فهذه المحاولات الآثمة بين الفينة والفينة، والتي بفضل الله ثم بفضل رجال الأمن وشجاعتهم تموت وتخمد قبل أن تُطل برأسها، فلن تزيد العقلاء من شباب ورجالات وجنود وقيادات هذه البلاد إلا صلابة ومتانة وتماسكاً في وجه كل شر وفتنة تستهدف أمننا وصفاء ديننا وعقيدتنا، مهما اختلفت آراؤنا وتعددت مشاربنا فإن علينا أن نقف بكل جد وحزم صفاً واحداً أمام مثل هذا العبث الذي يستهدف سفينتنا، ويتربص بالأنفس والدماء.

نسأل الله أن يحفظ الجميع، وأن يجعل كيد الأشرار في نحورهم، وتدبيرهم تدميراً عليهم، فاللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل هؤلاء، اللهم اكفنا وأهلنا وقادتنا وعلماءنا وسائر بلادنا شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، اللهم افضح مخططاتهم، واكشف تدابيرهم، واجعل الدائرة عليهم.

اللهم ثبت قلوبنا على الحق والمنهج القويم، ولا تفتنا يا رب العالمين، اللهم نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعلنا من عبادك الصالحين المصلحين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.