الحياء خلق العظماء -1

عناصر الخطبة

  1. شمولية الإسلام وعظمته
  2. منزلة الحياء ومكانته وفضائله
  3. أقسام الحياء باعتبار محله
  4. وسائل اكتساب الحياء
  5. الحياء المحمود ومجالاته
  6. تربية الأبناء على الحياء
اقتباس

الحياء عفةٌ ووفاء، وحشمةٌ وهناء، وسراجٌ منيع، وحصنٌ رفيع، ومن ذهب حياؤه ذهبت مروءته، ومن ذهبت مروءته قَل إحساسه، ومن قَل إحساسه ضعف إيمانه، فهبط إلى الرذائل ومساوئ…

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي جعل الحياء عنوان الإيمان، وجعل المرء بحيائه يرتقي إلى الكمال والإحسان. وأشهد أن لا إله إلا الله وفَّق من شاء للحياء، فنال الخير والعرفان. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: “وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ“، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

أما بعد: فاتقوا الله فتقواه كرمٌ وإحسان، وعطاءٌ وامتنان، وعاقبةٌ والعاقبة فوزٌ في الجنان، ونجاةٌ من النيران.

عباد الله: من الأخلاق الإسلامية، والآداب الإيمانية؛ خُلقٌ عظيم به صلاح النفس، ونجاح الحياة، وصلاح الأمم والمجتمعات خُلقٌ هو معيار الفلاح، وعنوان الكفاح، وشعار وسر النجاح، وبدونه يقع الفساد والدمار، وعصيان الواحد القهار.

فمعنا في هذه من الأخلاق الحلقة الأولى وهو: “خُلق الحياء”.

خُلق الحياء هو خُلق العظماء الأوفياء، وعنوان مراقبة المولى، الحياء هو الحشمة ضد الوقاحة، وهو كما قال ابن حجر: “الحياء خلقٌ يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق”.

عباد الله: ديننا دينٌ عظيم شموليته وعظمته، وكماله وجلاله بتكامل بنيانه وشُعبِه، وآدابه وأخلاقه، فهو دين الأخلاق الفاضلة، والسجايا الحميدة الوافية: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم: 4].

أيها المسلمون: الحياءُ خُلق الكرام، وسمة أهل المروءة والإسلام علامةٌ على الشرف وعنوان الفضل، وكمال الأدب والنُّبل، ولقد صدق أهل اللغة حيث قالوا: “الاستحياء من الحياة”.

والحياء وباعثه إحساسٌ رقيق وشعورٌ دقيق يبدو في العين مظهره، وعلى الوجه أثره، وعلى الجوارح مخبره، مَن حُرِمه حُرِم الخير كله، ومن تحلى به ظفر بالخير كله كيف لا وقد شهد له المصطفى: “الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ“(رواه البخاري)، يقول ابن رجب: “فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار“.

الحياء خُلق الأمم السالفة، قال الله -تعالى- في قصة المرأة لما جاءت إلى موسى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾[القصص: 25].

وأعظم الناس حياءً: نبينا ورسولنا المصطفى، فقد أخبر عنه المولى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾[الأحزاب: 53]، ثم قال: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾[الأحزاب: 53]، قال الشوكاني: “يستحي أن يقول لكم: قوموا أو اخرجوا، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها“.

وأعظم ما يلبسه المرء ويتصف به هو قيامه وحياؤه من ربه وخلقِه، قال الحسن وغيره في قوله: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ﴾[الأعراف: 26]؛ لأنه الحياء.

الحياء جمالٌ وبهاء، وزينة الرجال الأوفياء، وكمال المرأة الحسناء، وهو يدرأ القبائح ويرقى للنمو والمصالح، وصاحبه من أهل الخير والمنائح.

وَرُبَّ قَبيحَةٍ ما حالَ بَيني *** وَبَينَ رُكوبِها إِلّا الحَياءُ

وَكانَ هُوَ الدواء وَلكِن *** إِذا ذَهَبَ الحَياءُ فَلا دَواءُ

الحياء أمارةٌ صادقةٌ على الإيمان، فهو يكشف إيمانه ومقداره، وهو من أعظم شُعب الإيمان، وخُلق أهل الإيمان، في الصحيحين: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ“، فهو يقطع صاحبه عن المعاصي، ويحجزه عنها، وعن كل خُلقٍ داني.

وفي السر تخصيص الحياء من الإيمان؛ لأن الحياء كالداعي إلى باقي الشُّعب، فإن صاحب الحياء يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر؛ ولذا سمَّته عائشة “رأس الأخلاق”.

الحياء يدل على كمال عقل صاحبه، وقوة إدراكه وتمكنه.

وَعَقْلُ المرءِ أَحْسَنُ حِليتِهِ *** وَزَيْنةُ المرءِ في الدنيا الحياءُ

ومن نقص عقله ضعف إيمانه، وقاده شيطانه، وقَل مقداره.

إِذَا قَلَّ مَاءُ الْوَجْهِ قَلَّ حَيَاؤُهُ *** فَلا خَيْرَ فِـي وَجْهٍ إِذَا قَلَّ مَاؤُهُ

حَياؤُكَ فاحفَظ عَليكَ فإنَّما *** يَدُلُّ على وَجهِ الكَريمِ حَياؤهُ

ومن قوي حياؤه صان عِرضه، وستر نفسه، ونشر محاسنه، بالحياء تُربى الأجيال، وتزكو الرجال، وتخرج الأبطال، ويصلح الأهل والعيال، بالحياء صلاح المجتمعات والأفراد، الحياء يكون بين العبد وبين ربه بفعل أوامره واجتناب نواهيه وألا يراك حيث نهاك أو أن يفقدك حيث أمرك.

وَإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ *** وَالنَفسُ داعيَةٌ إِلى الطُغيانِ

فاِستَح مِن نَظَرِ الإِلَهِ وَقُل لَها *** إِنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني

والحياء يكون من الناس فيكُف نفسه عن القبائح، وأن يروه على سوءٍ وخُلقٍ فادح، أتى حذيفة الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا، فتنكَّب الطريق عن الناس، وقال: “لا خير فيمن لا يستحي من الناس”، وقال ابن مسعود: “من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله”.

إذَا لَـمْ تَصُـنْ عِرْضًـا وَلَمْ تَخْشَ خَالِقًا *** وَتَسْـتَحِي مَخْلُوقًـا فَمَـا شِـئْت فَاصْنَعْ

وفي البخاري عن ابن مسعودٍ البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت“.

إِذا لم تَخْشَ عاقـبـةَ الـلَّيَـالِي *** ولَمْ تَسْـتَحْ فَاصْـنَعْ ما تشـاءُ

فلا والـلَّهِ ما في الـعَـيْشِ خيرٌ *** ولا الدُّنـيا إِذا ذَهَـبَ الحَـيَـاءُ

يَعِيشُ المَـرْءُ ما اسْتَحْيَـا بِخَـيْرٍ *** ويَبْقَى العُـودُ ما بَقِيَ اللِّحَـاءُ

الحياء يجر إلى الكمالات، والفضائل وأعلى الدرجات، قال ابن القيم: “خُلق الحياء من أفضل الأخلاق وأَجلِها، وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه فليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة كما أنه ليس معه من الخير شيء”.

ويكفي الحياء شرفًا وفضلًا أنه من الإيمان ذروةً وقدرًا، بوَّب البخاري في صحيحه باب الحياء من الإيمان، وساق بسنده إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مر رسول الله على رجلٍ من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال: “دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ“.

والحياء لا يأتي إلا بخير كما في الصحيحين: “الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ“ قال ابن بطالٍ: “معناه: أن من استحيا من الناس أن يروه يأتي الفجور، ويرتكب المحارم، فذلك داعيةٌ له أن يكون أشد حياءً من ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه، فإن حياؤه زاجرٌ له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه“.

فالحياء من صفات الفطرة، وحصول الخيرية، ومنبع الفضيلة، ومستقر الآخرة، والله حييٌّ يُحب الحياء كما ثبت ذلك عن المصطفى فيما رواه أبو داود والنسائي: “إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِر“، وعند الترمذي وأبي داود: “إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ يدعوه أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا“.

الحياء -يا مسلمون- ما كان على شيءٍ أو في شيءٍ إلا جمَّله وزانه، وزاد بهاؤه وعطاؤه، ففي الحديث: “مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شانَهُ، ومَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ“(رواه الطبراني والبيهقي).

الحياء من أعظم موارد التقوى، وتزكية النفوس عن الردى، قال عمر -رضي الله عنه-: “من استحيا اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وُقي”.

الحياء عفةٌ ووفاء، وحشمةٌ وهناء، وسراجٌ منيع، وحصنٌ رفيع، ومن ذهب حياؤه ذهبت مروءته، ومن ذهبت مروءته قَل إحساسه، ومن قَل إحساسه ضعف إيمانه، فهبط إلى الرذائل ومساوئ الأخلاق الجلائل.

إذا حُرِم المرءُ الحَيَاءَ فإنَّه *** بكلِّ قبيحٍ منه كان جديرُ

له قِحةٌ في كلِّ شيءٍ، وسرُّه *** مباحٌ، وخدناه خنًا وغرورُ

يرى الشَّتم مدحًا والدَّناءة رفعةً *** وللسَّمع منه في العظات نفورُ

فرجِّ الفتى مادام يحيا فإنَّه *** إلى خيرِ حالاتِ المنيبِ يصيرُ

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة: 2-4].

أيها المسلمون: جاء في خبرٍ مرسل عند ابن ماجه والبيهقي في الشُّعب: “إن لكل دينٍ خُلقًا، وخُلق الإسلام الحياء“، وهذا يؤيده صريح النصوص فهو خيرٌ كله، وشُعبةٌ من شُعب الإيمان وأجمل حُلة، صاحب الحياء محبوبٌ عند الناس له مكانته ومنزلته، قال أبو عبيدة الناجي عن الحسن، قال: “الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير لم يكونا في عبدٍ إلَّا رفعه الله -عزَّ وجلَّ- بهما“.

أيها المسلمون: الحياء ينقسم باعتبار محله إلى قسمين:

الأول: حياءٌ فطري وهو الذي يولد مع الإنسان متزودًا به، ومثاله حياء الطفل عندما تنكشف عورته أمام الناس، وهذا حياءٌ وعطاء ومنحةٌ من المولى.

الثاني: حياءٌ مُكتسب وهو الذي يكتسبه المسلم من دينه، فيمنعه من فعل ما يُذَم شرعًا مخافة أن يراه الله، والمكتسب بإمكان المرء أن يتدرب عليه، ويتصف به، ويكون من أهله، فعليه كل إنسانٍ أعرف بنفسه من غيره، فغيِّر حالك وحسِّن من طبعك، وتحلى بحيائك؛ ولهذا قد ينطبع الشخص بالمكتسب، حتى يصير كالغريزي.

وقد اجتمع لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- النوعان، فكان في الغريزي أشد حياءً من العذراء في خدرها، وفي المكتسب في الذروة العليا والمقام الأعلى.

ومن الوسائل على اكتسابه: التحلي بمكارم الأخلاق، والقيام بأوامر الله، والخوف منه، ومراقبته، والتأسي بنبي الأمة في أخلاقه، وتربية النفس ومجاهدتها، ومجالسة من اتصف بالحياء وتذكر نتائج وآثار الحياء، وأنه سعادة الدنيا والأخرى.

الحياء خُلق الأنبياء كما في صفة نبينا وموسى، وفي الترمذي: “أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحَيَاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ“.

والحياء بصفةٍ خاصة سمةٌ وصفةٌ للنساء، بل الحياء في النساء سمةٌ عليا، في الصحيحين: لما قالت عائشة: يا رسول الله إن البكر تستحي، قال مؤيدًا ومؤصِّلًا: “رِضَاهَا صَمْتُهَا“، وقالت عائشة لما وهبت خولة بنت حكيمٍ نفسها لرسول الله: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾[الأحزاب: 51] قالت: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يُسارع في هواك”(متفقٌ عليه).

ولهذا كانت المرأةُ البكر لا تخرج ولا تُرى، حتى أذِن لها المصطفى في أن تخرج لصلاة العيد والمُصلى.

وإذا نُزِع الحياء من النساء فحدِّث ولا حرج ما يقع من البلاء.

وفي الصحيح تقول أم عطية: “أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن نُخرِج في العيدين العواتق، وذوات الخدور“، والعواتق جمع عاتق وهي: الجارية البالغة. وقيل: من أشرفت على البلوغ. والخدور، أي: صاحبات الخدور، وهو ناحية البيت يُترَك عليها سترٌ، فتكون فيه الجارية البكر.

تقول عائشة -رضي الله عنها-: “نِعم نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء“.  الله أكبر! ما أجمل الحياء في النساء! فهن أحق به وأولى، وكان في الزمان الأول ولا يزال بإذن الله هو شعار المؤمنات الصادقات.

ومن نظر إلى حال نسائنا في هذا الزمان تبرجٌ وسفور، وقِلة حياءٍ واختلاط، تجوب الأسواق بزينتها، وتتحدث بين الرجال بهاتفها، وتظهر زينتها ومحاجمها، بل تضحك وتُمازح، وتُرقق الكلام وتُفاضح.

بيد أن هناك بحمد الله ثُلةٌ من نسائنا وأمهاتنا وبناتنا حشمةٌ وحياء، حجابًا وسترًا وغطاء، عفافًا وكرمًا ووقاء.

أيها المسلمون: ثمة مسألة وهي كما أن الحياء مطلوبٍ؛ لأنه في الدين، وسؤال أهل العلم أعظم مرغوب، فلا حياء في سؤالك عن دينك، وكيف تتعبد لربك وتُقبِل على طاعة ربك، تقول عائشة -رضي الله عنها-: “نِعم نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين“، وقد ترجم إمام المحدثين البخاري في صحيحه: “باب الحياء في العلم“، وقال مجاهدٌ: “لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر“؛ ولهذا لم يمنع الحياء أم سُليمٍ أن تقول: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غُسلٍ إذا هي احتلمت؟ قال: “نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ“ فغطت أم سلمة وجهها، وقالت: يا رسول الله أو تحتلم المرأة؟ قال: “نَعَمْ تَرِبَتْ يمينك، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا“(متفقٌ عليه).

فالحياء في الدين يمنع عنك خير الدنيا والدين.

العلم حربٌ للفتى المتعالي ** كالسيل حربٌ للمكان العالي

وعليٌّ -رضي الله عنه- يقول: “كنت رجلًا مذاءً، وكنت أستحي أن أسأل رسول الله -صلى الله علسه وسلم- لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد أن يسأل“(الحديث متفقٌ عليه).

أيها المسلمون: هذا الحياء العظيم الذي ينبغي أن نتصف به، ونُربي أولادنا وأزواجنا عليه، هذا الحياء الذي هو سببٌ لثباتنا وثبات قيمنا وأخلاقنا، فالحياءٌ خيرٌ كله، والدين كله.

ولما قيل لعمر بن عبد العزيز: “الحياء من الدين، قال: بل هو الدين كله“.

فهو خلقٌ نبيل، وسمتٌ جميل، وعملٌ جليل، وهو رأس الأخلاق كما قالت عائشة: رأس مكارم الأخلاق الحياء.

وَإِنَّنِـي لأَرَى مَـنْ لا حَيَـاءَ لَـهُ *** وَلا أَمَانَـةَ وَسْـطَ الْقَوْمِ عُرْيَانَا

هذا وللحديث بقيةٌ -بإذن الله- مظاهر قِلة الحياء، وأسباب ضياع الحياء، وصوره وآثاره.