مصر

مصر


مَصَرٌ


بفتح أوله وثانيه، وتشديد الراء، يجوز أن يكون مفعلا من أصرّ على الشيء إذا عزم أو من صرّ الجندب أو من صرير الباب: وهو واد بأعلى حمى ضريّة، وقد تكسر الصاد، عن الحازمي.

مِصْرُ


سمّيت مصر بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح، عليه السّلام، وهي من فتوح عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد استقصينا ذلك في الفسطاط، قال صاحب الزيج:
طول مصر أربع وخمسون درجة وثلثان، وعرضها تسع وعشرون درجة وربع، في الإقليم الثالث، وذكر ابن ما شاء الله المنجم أن مصر من إقليمين: من الإقليم الثالث مدينة الفسطاط، والإسكندرية، ومدن إخميم، وقوص، واهناس، والمقس، وكورة الفيوم، ومدينة القلزم، ومدن أتريب، وبنى، وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عرض مدينة الإسكندرية وأتريب وبنى وما والى ذلك ثلاثون درجة، وإن عرض مصر وكورة الفيوم وما والى ذلك تسع وعشرون درجة، وإن عرض مدينة اهناس والقلزم ثمان وعشرون درجة، وإن عرض إخميم ست وعشرون درجة، ومن الإقليم الرابع تنيس ودمياط وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عروضهنّ إحدى وثلاثون درجة، قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله تعالى: وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال: يعني مصر، وإن مصر خزائن الأرضين كلها وسلطانها سلطان الأرضين كلها، ألا ترى إلى قول يوسف، عليه السّلام، لملك اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، ففعل فأغاث الله الناس بمصر وخزائنها، ولم يذكر، عز وجل، في كتابه مدينة بعينها بمدح غير مكة ومصر فإنه قال: أليس لي ملك مصر، وهذا تعظيم ومدح، وقال: اهبطوا مصرا، فمن لم يصرف فهو علم لهذا الموضع، وقوله تعالى: فإن لكم ما سألتم، تعظيم لها فإن موضعا يوجد فيه ما يسألون لا يكون إلا عظيما، وقوله تعالى: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته، وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، وقال: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّا لقومكما بمصر بيوتا، وسمّى الله تعالى ملك مصر العزيز بقوله تعالى: وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وقالوا ليوسف حين ملك يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ، فكانت هذه تحيّة عظمائهم، وأرض مصر أربعون ليلة في مثلها، طولها من الشجرتين اللتين كانتا بين رفح والعريش إلى أسوان، وعرضها من برقة إلى أيلة، وكانت منازل الفراعنة، واسمها باليونانية مقدونية، والمسافة ما بين بغداد إلى مصر خمسمائة وسبعون فرسخا، وروى أبو ميل أن عبد الله بن عمر الأشعري قدم من دمشق إلى مصر وبها عبد الرحمن بن عمرو ابن العاص فقال: ما أقدمك إلى بلدنا؟ قال: أنت أقدمتني، كنت حدثتنا أن مصر أسرع الأرض خرابا ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع واطمأننت، فقال:
إن مصر قد وقع خرابها، دخلها بختنصر فلم يدع فيها حائطا قائما، فهذا هو الخراب الذي كان يتوقع لها، وهي اليوم أطيب الأرضين ترابا وأبعدها خرابا لن تزال فيها بركة ما دام في الأرض إنسان، قوله تعالى:
فإن لم يصبها وابل فطلّ، هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت وإن أصابها أضعف زكاها، وقالوا:
مثلت الأرض على صورة طائر، فالبصرة ومصر الجناحان فإذا خربتا خربت الدنيا، وقرأت بخط أبيعبد الله المرزباني حدثني أبو حازم القاضي قال: قال لي أحمد بن المدبّر أبو الحسن لو عمّرت مصر كلها لوفت بالدنيا، وقال لي: مساحة مصر ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان وإنما يعمل فيها في ألف ألف فدّان، وقال لي: كنت أتقلّد الدواوين لا أبيت ليلة من الليالي وعليّ شيء من العمل، وتقلّدت مصر فكنت ربما بتّ وعليّ شيء من العمل فأستتمه إذا أصبحت، قال: وقال لي أبو حازم القاضي: جبى عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اثني عشر ألف ألف دينار فصرفه عثمان وقلّدها عبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف، فقال عثمان لعمرو:
يا أبا عبد الله أعلمت أن اللّقحة بعدك درّت؟ فقال:
نعم ولكنها أجاعت أولادها، وقال لنا أبو حازم:
إن هذا الذي رفعه عمرو بن العاص وابن أبي سرح إنما كان عن الجماجم خاصّة دون الخراج وغيره، ومن مفاخر مصر مارية القبطية أمّ إبراهيم ابن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ولم يرزق من امرأة ولدا ذكرا غيرها وهاجر أم إسماعيل، عليه السّلام، وإذا كانت أمّ إسماعيل فهي أم محمد، صلّى الله عليه وسلّم، وقال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم صهرا، وقرأت بخط محمد بن عبد الملك النارنجي حدثني محمد بن إسماعيل السلمي قال: قال إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف وهو ابن عم أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي قال:
كتبت إلى أبي عبد الله عند قدومه مصر أسأله عن أهله في فصل من كتابي إليه فكتب إليّ: وسألت عن أهل البلد الذي أنا به وهم كما قال عباس بن مرداس السّلمي:
إذا جاء باغي الخير قلن بشاشة ... له بوجوه كالدنانير: مرحبا

وأهلا ولا ممنوع خير تريده،ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنّبا

وفي رسالة لمحمد بن زياد الحارثي إلى الرشيد يشير عليه في أمر مصر لما قتلوا موسى بن مصعب يصف مصر وجلالتها: ومصر خزانة أمير المؤمنين التي يحمل عليها حمل مؤنة ثغوره وأطرافه ويقوّت بها عامّة جنده ورعيته مع اتصالها بالمغرب ومجاورتها أجناد الشام وبقية من بقايا العرب ومجمع عدد الناس فيما يجمع من ضروب المنافع والصناعات فليس أمرها بالصغير ولا فسادها بالهين ولا ما يلتمس به صلاحها بالأمر الذي يصير له على المشقة ويأتي بالرفق، وقد هاجر إلى مصر جماعة من الأنبياء وولدوا ودفنوا بها، منهم: يوسف الصدّيق، عليه السّلام، والأسباط وموسى وهارون، وزعموا أن المسيح، عليه السّلام، ولد بأهناس وبها نخلة مريم، وقد وردها جماعة كثيرة من الصحابة الكرام، ومات بها طائفة أخرى، منهم: عمرو بن العاص وعبد الله بن الحارث الزبيدي وعبد الله بن حذافة السهمي وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم، قال أمية:
يكتنف مصر من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين متقاربان جدّا في وضعهما أحدهما في ضفّة النيل الشرقية وهو جبل المقطّم والآخر في الضّفّة الغربية منه والنيل منسرب فيما بينهما من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط فثمّ تتّسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلا ويأخذ المقطم منها شرقا فيشرف على فسطاط مصر ويغرب الآخر على وراب من مسلكيهما وتعريج مسليكهما فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنّيس ودمياط ورشيد والإسكندرية،ولذلك مهبّ الشمال يهب إلى القبلة شيئا مّا، فإذا بلغت آخر مصر عدت ذات الشمال واستقبلت الجنوب وتسير في الرمل وأنت متوجّه إلى القبلة فيكون الرمل من مصبّه عن يمينك إلى إفريقية وعن يسارك من أرض مصر الفيوم منها وأرض الواحات الأربع وذلك بغربي مصر وهو ما استقبلته منه، ثم تعرّج من آخر الواحات وتستقبل المشرق سائرا إلى النيل تسير ثماني مراحل إلى النيل ثم على النيل صاعدا وهي آخر أرض الإسلام هناك وتليها بلاد النوبة ثم تقطع النيل وتأخذ من أرض أسوان في الشرق منكّبا على بلاد السودان إلى عيذاب ساحل البحر الحجازي، فمن أسوان إلى عيذاب خمس عشرة مرحلة، وذلك كله قبليّ أرض مصر ومهبّ الجنوب منها، ثمّ تقطع البحر الملح من عيذاب إلى أرض الحجاز فتنزل الحوراء أول أرض مصر وهي متصلة بأعراض مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وهذا البحر المذكور هو بحر القلزم وهو داخل في أرض مصر بشرقيّه وغربيّه، فالشرقيّ منه أرض الحوراء وطبة فالنبك وأرض مدين وأرض أيلة فصاعدا إلى المقطم بمصر، والغربي منه ساحل عيذاب إلى بحر القلزم إلى المقطم، والبحري مدينة القلزم وجبل الطور، وبين القلزم والفرما مسيرة يوم وليلة وهو الحاجز بين البحرين بحر الحجاز وبحر الروم، وهذا كله شرقي مصر من الحوراء إلى العريش، وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الدواوين أنه وقف على جريدة عتيقة بخط أبي عيسى المعروف بالنّويس متولي خراج مصر يتضمن أن قرى مصر والصعيد وأسفل الأرض ألفان وثلاثمائة وخمس وتسعون قرية، منها: الصعيد تسعمائة وسبع وخمسون قرية، وأسفل أرض مصر ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية، والآن فقد تغيّر ذلك وخرب كثير منه فلا تبلغ هذه العدّة، وقال القضاعي: أرض مصر تنقسم قسمين فمن ذلك صعيدها وهو يلي مهبّ الجنوب منها وأسفل أرضها وهو يليّ مهبّ الشمال منها، فقسم الصعيد عشرون كورة وقسم أسفل الأرض ثلاث وثلاثون كورة، فأما كور الصعيد: فأولاها كورة الفيوم، وكورة منف، وكورة وسيم، وكورة الشرقية، وكورة دلاص، وكورة بوصير، وكورة أهناس، وكورة الفشن، وكورة البهنسا، وكورة طحا، وكورة جيّر، وكورة السّمنّودية، وكورة بويط، وكورة الأشمونين، وكورة أسفل أنصنا وأعلاها، وكورة قوص وقاو، وكورة شطب، وكورة أسيوط، وكورة قهقوه، وكورة إخميم، وكورة دير أبشيا، وكورة هو، وكورة إقنا، وكورة فاو، وكورة دندرا، وكورة قفط، وكورة الأقصر، وكورة إسنا، وكورة أرمنت، وكورة أسوان ... ثم ملك مصر بعد وفاة أبيه بيصر ابنه مصر ثم قفط بن مصر، وذكر ابن عبد الحكم بعد قفط اشمن أخاه ثم أخوه أتريب ثم أخوه صا ثم ابنه تدراس بن صا ثم ابنه ماليق بن تدراس ثم ابنه حربتا بن ماليق ثم ابنه ملكي بن حربتا فملكه نحو مائة سنة ثم مات ولا ولد له فملك أخوه ماليا إن حربتا ثم ابنه طوطيس بن ماليا وهو الذي وهب هاجر لسارة زوجة إبراهيم الخليل، عليه السّلام، عند قدومه عليه، ثم مات طوطيس وليس له إلّا ابنة اسمها حوريا فملكت مصر، فهي أول امرأة ملكت مصر من ولد نوح، عليه السّلام، ثم ابنة عمها زالفا وعمّرت دهرا طويلا فطمع فيهم العمالقة وهم الفراعنة وكانوا يومئذ أقوى أهل الأرض وأعظمهم ملكا وجسوما وهم ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام، فغزاهم الوليد بن دوموز وهو أكبرالفراعنة وظهر عليهم ورضوا بأن يملّكوه فملكهم خمسة من ملوك العمالقة: أولهم الوليد بن دوموز هذا ملكه نحوا من مائة سنة ثم افترسه سبع فأكل لحمه، ثم ملك ولده الريان صاحب يوسف، عليه السلام، ثم دارم بن الريان وفي زمانه توفي يوسف، عليه السّلام، ثم غرّق الله دارما في النيل فيما بين طرا وحلوان، ثم ملك بعده كاتم بن معدان فلما هلك صار بعده فرعون موسى، عليه السّلام، وقيل:
كان من العرب من بليّ وكان أبرش قصيرا يطأ في لحيته، ملكها خمسمائة عام ثم غرّقه الله وأهلكه وهو الوليد بن مصعب، وزعم قوم أنه كان من قبط مصر ولم يكن من العمالقة، وخلت مصر بعد غرق فرعون من أكابر الرجال ولم يكن إلا العبيد والإماء والنساء والذراري فولوا عليهم دلوكة، كما ذكرناه في حائط العجوز، فملكتهم عشرين سنة حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم من قوي على تدبير الملك فملّكوه وهو دركون بن بلوطس، وفي رواية بلطوس، وهو الذي خاف الروم فشق من بحر الظلمات شقّا ليكون حاظرا بينه وبين الروم، ولم يزل الملك في أشراف القبط من أهل مصر من ولد دركون هذا وغيره وهي ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة إلى أن قدم بختنصر إلى بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل وخرّب بلادهم فلحقت طائفة من بني إسرائيل بقومس بن نقناس ملك مصر يومئذ لما يعلمون من منعته فأرسل إليه بختنصر يأمره أن يردّهم إليه وإلا غزاه، فامتنع من ردّهم وشتمه فغزاه بختنصر فأقام يقاتله سنة فظهر عليه بختنصر فقتله وسبى أهل مصر ولم يترك بها أحدا وبقيت مصر خرابا أربعين سنة ليس بها أحد يجري نيلها في كل عام ولا ينتفع به حتى خرّبها وخرّب قناطرها والجسور والشروع وجميع مصالحها إلى أن دخلها ارميا النبي، عليه السّلام، فملكها وعمّرها وأعاد أهلها إليها، وقيل: بل الذي ردّهم إليها بختنصر بعد أربعين سنة فعمّروها وملّك عليها رجلا منهم فلم تزل مصر منذ ذلك الوقت مقهورة، ثم ظهرت الروم وفارس على جميع الممالك والملوك الذين في وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاثين سنة وحاصروهم برّا وبحرا إلى أن صالحوهم على شيء يدفعونه إليهم في كل عام على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّت الحال على خراج ضرب على مصر من فارس والروم في كل عام وأقاموا على ذلك تسع سنين ثم غلبت الروم فارس وأخرجتهم من الشام وصار صلح مصر. كله خالصا للروم وذلك في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في أيام الحديبية وظهور الإسلام، وكان الروم قد بنوا موضع الفسطاط الذي هو مدينة مصر اليوم حصنا سموه قصر اليون وقصر الشام وقصر الشمع، ولما غزا الروم عمرو بن العاص تحصّنوا بهذا الحصن وجرت لهم حروب إلى أن فتحوا البلاد، كما نذكره إن شاء الله تعالى في الفسطاط، وجميع ما ذكرته ههنا إلا بعض اشتقاق مصر من كتاب الخطط الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وقال أميّة: ومصر كلها بأسرها واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث معظمها في الثالث، وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفو الأصناف من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وأرمن وحبشان وغير ذلك من الأصناف والأجناس إلا أن جمهورهم قبط، والسبب في اختلاطهم تداول المالكين لها والمتغلّبين عليها من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم فلهذا اختلطت أنسابهم واقتصروا منالانتساب على ذكر مساقط رؤوسهم، وكانوا قديما عبّاد أصنام ومدبّري هياكل إلى أن ظهر دين النصرانية بمصر فتنصّروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأسلم بعضهم وبقي البعض على دين النصرانية، وغالب مذهبهم يعاقبة، قال: أما أخلاقهم فالغالب عليها اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالتنزهات والتصديق بالمحالات وضعف المرائر والعزمات، قالوا:
ومن عجائب مصر النّمس وليس يرى في غيرها وهو دويبة كأنها قديدة فإذا رأت الثعبان دنت منه فيتطوّى عليها ليأكلها فإذا صارت في فمه زفرت زفرة وانتفخت انتفاخا عظيما فينقدّ الثعبان من شدّته قطعتين، ولولا هذا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر وهي أنفع لأهل مصر من القنافذ لأهل سجستان، قال الجاحظ: من عيوب مصر أن المطر مكروه بها، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ 7: 57، يعني المطر وهم لرحمة الله كارهون وهو لهم غير موافق ولا تزكو عليه زروعهم، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
يقولون مصر أخصب الأرض كلها، ... فقلت لهم: بغداد أخصب من مصر

وما خصب قوم تجدب الأرض عندهمبما فيه خصب العالمين من القطر
إذا بشّروا بالغيث ريعت قلوبهمكما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر

قالوا: وكان المقوقس قد تضمّن مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار وكان يجبيها عشرين ألف ألف دينار وجعلها عمرو بن العاص عشرة آلاف ألف دينار أول عام وفي العام الثاني اثني عشر ألف ألف، ولما وليها في أيام معاوية جباها تسعة آلاف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار، وقال صاحب الخراج: إن نيل مصر إذا رقي ستة عشر ذراعا وافى خراجها كما جرت عادته، فإن زاد ذراعا آخر زاد في خراجها مائة ألف دينار لما يروي من الأعالي، فإن زاد ذراعا آخر نقص من الخراج الأول مائة ألف دينار لما يستبحر من البطون، قال كشاجم يصف مصر:

أما ترى مصر كيف قد جمعتبها صنوف الرياح في مجلس
السوسن الغضّ والبنفسج والورد وصنف البهار والنرجس
كأنها الجنّة التي جمعتما تشتهيه العيون والأنفس
كأنما الأرض ألبست حللامن فاخر العبقريّ والسّندس

وقال شاعر آخر يهجو مصر:

مصر دار الفاسقيناتستفزّ السامعينا
فإذا شاهدت شاهدت جنونا ومجونا
وصفاعا وضراطاوبغاء وقرونا
وشيوخا ونساءقد جعلن الفسق دينا
فهي موت الناسكيناوحياة النائكينا

وقال كاتب من أهل البندنيجين يذمّ مصر:
هل غاية من بعد مصر أجيئها ... للرزق من قذف المحل سحيقلم يأل من حطّت بمصر ركابه ... للرزق من سبب لديه وثيق

نادته من أقصى البلاد بذكرها،وتغشّه من بعد بالتعويق
كم قد جشمت على المكاره دونهامن كل مشتبه الفجاج عميق
وقطعت من عافي الصّوى متخرّقاما بين هيت إلى مخارم فيق
فعريش مصر هناك فالفرما إلىتنّيسها ودميرة ودبيق
برّا وبحرا قد سلكتهما إلىفسطاطها ومحلّ أيّ فريق
ورأيت أدنى خيرها من طالبأدنى لطالبها من العيّوق
قلّت منافعها فضجّ ولاتها،وشكا التّجار بها كساد السوق
ما إن يرى فيها الغريب إذا رأىشيئا سوى الخيلاء والتبريق
قد فضّلوا جهلا مقطّمهم علىبيت بمكة للإله عتيق
لمصارع لم يبق في أجداثهممنهم صدى برّ ولا صدّيق
إن همّ فاعلهم فغير موفّق،أو قال قائلهم فغير صدوق
شيع الضلال وحزب كل منافقومضارع للبغي والتّنفيق
أخلاق فرعون اللعينة فيهم،والقول بالتشبيه والمخلوق
لولا اعتزال فيهم وترفّضمن عصبة لدعوت بالتّغريق

وبعد هذا أبيات ذكرتها في رحا البطريق، وما زالت مصر منازل العرب من قضاعة وبليّ واليمن، ألا ترى إلى جميل حيث يقول:

إذا حلّت بمصر وحلّ أهليبيثرب بين آطام ولوب
مجاورة بمسكنها تجيبا،وما هي حين تسأل من مجيب
وأهوى الأرض عندي حيث حلّتبجدب في المنازل أو خصيب

وبمصر من المشاهد والمزارات: بالقاهرة مشهد به رأس الحسين بن علي، رضي الله عنه، نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان وهو خلف دار المملكة يزار، وبظاهر القاهرة مشهد صخرة موسى ابن عمران، عليه السّلام، به أثر أصابع يقال إنها أصابعه فيه اختفى من فرعون لما خافه، وبين مصر والقاهرة قبّة يقال إنها قبر السيدة نفيسة بنت الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومشهد يقال إن فيه قبر فاطمة بنت محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت محمد الباقر، ومشهد فيه قبر رقيّة بنت علي بن أبي طالب، ومشهد فيه قبر آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، والله أعلم، وبالقرافة الصغرى قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وعنده في القبة قبر علي بن الحسين بن علي زين العابدين وقبر الشيخ أبي عبد الله الكيراني وقبور أولاد عبد الحكم من أصحاب الشافعي، وبالقرب منها مشهد يقال إن فيه قبر علي بن عبد الله بن القاسم ابن محمد بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت موسى الكاظم في مشهد، ومشهد فيه قبر يحيى بن الحسين بنزيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقبر أمّ عبد الله بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق وقبر عيسى بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، ومشهد فيه قبر كلثم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل إلى مصر فدفن هناك، وعلى باب درب معالي قبة لحمزة بن سلعة القرشي، وعلى باب درب الشعارين المسجد الذي باعوا فيه يوسف الصديق، عليه السلام، وبها غير ذلك مما يطول شرحه، منهم بالقرافة يحيى ابن عثمان الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف، والصحيح أنه بالمدينة، وقبر صاحب انكلوته وقبر عبد الله بن حذيفة بن اليمان وقبر عبد الله مولى عائشة وقبر عروة وأولاده وقبر دحية الكلبي وقبر عبد الله بن سعيد الأنصاري وقبر سارية وأصحابه وقبر معاذ بن جبل، والمشهور أنه بالأردنّ، وقبر معن بن زائدة، والمشهور أنه بسجستان، وقبر ابنين لأبي هريرة ولا أعرف اسميهما وقبر روبيل بن يعقوب وقبر اليسع وقبر يهوذا بن يعقوب وقبر ذي النون المصري وقبر خال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو أخو حليمة السعدية، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق وقبر أبي مسلم الخولاني وهو بغباغب من أعمال دمشق، ويقال الخولاني عند داريا، وقبر عبد الله بن عبد الرحمن الزهري، وبالقرافة أيضا قبر أشهب وعبد الرحمن بن القاسم وورش المدني وقبر أبي الثريا وعبد الكريم بن الحسن ومقام ذي النون النبيّ وقبر شقران وقبر الكر وأحمد الروذباري وقبر الزيدي وقبر العبشاء وقبر علي السقطي وقبر الناطق والصامت وقبر زعارة وقبر الشيخ بكّار وقبر أبي الحسن الدينوري وقبر الحميري وقبر ابن طباطبا وقبور كثير من الأنبياء والأولياء والصدّيقين والشهداء، ولو أردنا حصرهم لطال الشرح.

مصر


ناحية مشهورة، عرضها أربعون ليلة في مثلها. طولها من العريش إلى اسوان وعرضها من برقة إلى ايلة. سميت بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح، عليه السلام، وهي أطيب الأرض تراباً وأبعدها خراباً، ولا يزال فيها بركة ما دام على وجه الأرض إنسان.
ومن عجائبها انه إن لم يصبها مطر زكت بخلاف سائر النواحي، وإن أصابهاضعف زكاؤها. ووصف بعض الحكماء مصر فقال: إنها ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمردة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء. قال كشاجم:

أما ترى مصر كيف قد جمعتبها صنوف الرّياحين في مجلس
السّوسن الغضّ والبنفسج والورد وصفّ البهار والنّرجس
كأنّها الأرض ألبست حللاًمن فاخر العبقريّ والسّندس
كأنّها الجنّة التي جمعتما تشتهيه العيون والأنفس

ومن عجائبها زيادة النيل عند انتقاص جميع المياه في آخر الصيف، حتى يمتليء منه جميع أرض مصر، فإذا زاد اثني عشر ذراعاً ينادي المنادي كل يوم: زاد الله في النيل المبارك كذا وكذا.
وفي وسط النيل مسجد بناه المأمون لما ذهب إلى مصر وخلف المسجد صهريج، وفي وسط الصهريج عمود من الرخام الأبيض طوله أربعة وعشرون ذراعاً، وكتب على كل ذراع علامة، وقسم كل ذراع أربعاً وعشرين إصبعاً، وكل إصبع ستة أقسام. وللصهريج منفذ إلى النيل يدخل إليه الماء، فأي مقدار زاد في النيل عرف من العمود، وعلى العمود قوم أمناء يشاهدون ذلك ويخبرون عن الزيادة، فإذا بلغ ستة عشر ذراعاً وجب الخراج على أهل مصر، فإذا زاد على ذلك يزيد في الخصب والخير إلى عشرين، فإن زاد على ذلك يكون سبباً للخراب. واليوم الذي بلغ الماء فيه ستة عشر ذراعاً يكون يوم الزينة، يخرج الناس بالزينة العظيمة لكسر الخلجان فتصير أرض مصر كلها بحراً واحداً. والماء يخرج الفئران والثعابين من جحرتها، فتدخل على الناس في القرى ويأكلها الكلاب والزيغان، ويبقى ماء النيل على وجه الأرض أربعين يوماً ثم يأخذ في الانتقاص. وكلما ظهر شيء من الأرض يزرعها الاكرة وتمشي عليها الأغنام لغيب البذر في الطين، ويرمون بذراً قليلاً فيأتي بريع كثير لأن الله تعالى جعل فيه البركة.وبها نهر النيل؛ قالوا: ليس على وجه الأرض نهر أطول من النيل لأن مسيره شهر في بلاد الإسلام، وشهران في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال، ويمد في شدة الحر عند انتقاص المياه والأنهار كلها، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب إلا النيل.
قال القضاعي: من عجائب مصر النيل، جعله الله تعالى سقياً يزرع عليه ويستغنى عن المطر به في زمان القيظ، إذا نضبت المياه. وسبب مده ان الله تعالى يبعث ريح الشمال فيقلب عليه البحر الملح، فيصير كالسكر فيزيد حتى يعم الربى والعوالي ويجري في الخليج والمساقي، فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضرت أيام الحراثة، بعث الله ريح الجنوب فأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بما أروى من الأرض. ولهم مقياس ذكرنا قبل يعرفون به مقدار الزيادة ومقدار الكفاية.
قال القضاعي: أول من قاس النيل بمصر يوسف، عليه السلام، وبنى مقياسه بمنف، وذكر أن المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمر بن العاص حين دخل بؤونه من شهر القبط وقالوا: أيها الأمير إن لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها، وذلك انه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل ليجري. فقال لهم عمرو: إن هذا في الإسلام لا يكون، وإن الإسلام يهدم ما قبله! فأقاموا بؤونه وابيب ومسرى وهو لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى هم الناس بالجلاء. فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بذلك، فكتب عمر إليه: قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله! وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل. وإذا في الكتاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك! فألقىعمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء لأن مصالحهم لا تقوم إلا بالنيل، فأصبحوا وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة.
وأما أصل مجراه فإنه يأتي من بلاد الزنج، فيمر بأرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة، ثم لا يزال جارياً بين جبلين بينهما قرى وبلدان، والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله حتى يصب في البحر. وقيل: سبب زيادته في الصيف أن المطر يكثر بأرض الزنجبار، وتلك البلاد ينزل الغيث بها كأفواه القرب ويصب السيول إلى النيل من الجهات، فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووقت الحاجة إليه.
من عجائب النيل التمساح لا يوجد إلا فيه، وقيل بنهر السند أيضاً يوجد، إلا أنه ليس في عظم النيلي، وهو يعض الحيوان، وإذا عض اشتبكت أسنانه واختلفت فلم يتخلص منها الذي يقع فيها حتى يقطعه. ويحترز الإنسان من شاطيء النيل لخوف التمساح؛ قال الشاعر:
أضمرت للنّيل هجراناً ومقليةً ... مذ قيل لي: إنّما التّمساح في النّيل

فمن رأى النّيل رأي العين عن كثبٍفما أرى النّيل إلاّ في البواقيل

والبواقيل: كيزان يشرب منها أهل مصر.
وبها شجرة تسمى باليونانية موقيقوس، تراها بالليل ذات شعاع متوهج يغتر برؤيتها كثير من الناس، يحسبها نار الرعاة، فإذا قصدها كلما زاد قرباً زادت خفاء حتى إذا وصل إليها انقطع ضوؤها.
وبها حشيشة يقال لها الدلس، يتخذ منها حبال السفن وتسمى تلك الحبال القوقس. تؤخذ طعة من هذا الحبل وتشعل فتبقى مشتعلة بين أيديهم كالشمع، ثم تطفأ وتمكث طول الليل، فإذا احتاجوا إلى الضوء أخذوا بطرفه وأداروه ساعة كالمخراق فيشتعل من نفسه.وبها نوع من البطيخ الهندي تحمل اثنتان منه على جمل قوي، وهي حلوة طيبة.
وبها حمير في حجم الكباش ملمعة بشبه البغال، ليس مثلها في شيء من البلاد، إذا أخرجت من موضعها لم تعش.
وبها طير كثير أسود البدن أبيض الرأس يقال له عقاب النيل، إذا طار يقول: الله فوق الفوق! بصوت فصيح يسمعه الناس، يعيش من سمك النيل لا يفارق ذلك الموضع.
والبرغوث لا ينقطع بمصر شتاءً ولا صيفاً، وتولد الفأر بها أكثر من تولدها في سائر البلاد، فترى عند زيادة النيل تسلط الماء على جحرتها، فلا يبقى في جميع ممر الماء فأرة ثم تتولد بعد ذلك بأدنى زمان.
ومن عجائب مصر الدويبة التي يقال لها النمس؛ قال المسعودي: هي دويبة أكبر من الجرذ وأصغر من ابن عرس، أحمر أبيض البطن، إذا رأت الثعبان دنت منه فينطوي عليها الثعبان ليأكلها، فإذا حصلت في فمه ترخي عليه ريحاً فينقطع الثعبان من ريحها، وهذه خاصية هذه الدويبة، قالوا ينقطع الثعبان من شدته قطعتين، فإنها لأهل مصر كالقنافذ لأهل سجستان.
ومن عجائب مصر الهرمان المحاذيان للفسطاط؛ قال أبو الصلت: كل واحد منهما جسم من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعاً، يحيط بها أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع، كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعاً، وهو مع هذا العظم من أحكم الصنعة واتقان الهندام وحسن التقدير، لم يتأثر من تضاعف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل.
وذكر قوم أن على الهرمين مكتوباً بخط المسند: إني بنيتهما فمن يدعي قوة في ملكه فليهدمهما، فإن الهدم أيسر من البناء، قود كسوناهما بالديباج فمن استطاع فليكسهما بالحصير.
وقال ابن زولاق: لا نعلم في الدنيا حجراً على حجر أعلى ولا أوسع منهما،طولهما في الأرض أربعمائة ذراع وارتفاعهما كذلك، وقال أبو عبد الله بن سلامة القضاعي في كتاب مصر: إنه وجد في قبر من قبور الأوائل صحيفة، فالتمسوا لها قارئاً فوجدوا شيخاً في دير قلمون يقرأها، فإذا فيها: إنا نظرنا فيها تدل عليه النجوم فرأينا أن آفة نازلة من السماء وخارجة من الأرض، ثم نظرنا فوجدناه مفسداً للأرض ونباتها وحيوانها، فلما تم الهرم الغربي بنى لابن أخيه الهرم المؤزر وكتبنا في حيطانها أن آفة نازلة من أقطار العالم، وذلك عند نزول قلب الأسد أول دقيقة من رأس السرطان، وتكون الكواكب عند نزولها إياها في هذه المواضع من الفلك، الشمس والقمر في أول دقيقة من الحمل، وزحل في درجة وثمان وعشرين دقيقة من الحمل، والمشتري في تسع وعشرين درجة وعشرين دقيقة من الحمل، والمريخ في تسع وعشرين درجة وثلاث دقائق من الحوت، والزهرة في ثمان وعشرين درجة من الحوت، وعطارد في تسع وعشرين درجة من الحوت، والجوزهر في الميزان، وأوج القمر في خمس درجات ودقائق من الأسد. فلما مات سوريل دفن في الهرم الشرين ودفن أخوه هرجيت في الهرم الغربي، ودفن ابن أخيه كرورس في الهرم الذي أسفله. ولهذه الأهرام أبواب في ازج تحت الأرض، طول كل ازج منها مائة وخمسون ذراعاً. فأما باب الهرم الشرقي فمن الناحية الشرقية، وأما باب الهرم الغربي فمن الناحية الغربية، وأما باب الهرم المؤزر فمن الناحية الشمالية. وفي الأهرام من الذهب ما لا يحتمله الوصف.
ثم ان المترجم لهذا الكلام من القبطي إلى العربي أجمل التاريخات إلى سنة خمس وعشرين ومائتين من سني الهجرة، فبلغت أربعة آلاف وثلاثمائة وإحدى وعشرين سنة شمسية، ثم نظر كم مضى من الطوفان إلى وقته هذا فوجده ثلاثة آلاف وتسعمائة وإحدى وأربعين سنة، فألقها من الجملة الأولى، فبقي ثلاثمائة وتسع وتسعون سنة، فعلم أن تلك الصحيفة كتبت قبل الطوفان بهذه المدة. وقال بعضهم:
حسرت عقول ذوي النّهى الأهرام ... واستصغرت لعظيمها الأحلامملسٌ منبّقة البناء شواهقٌ ... قصرت لغالٍ دونهنّ سهام

لم أدر حين كبا التّفكر دونهاواستوهمت لعجيبها الأوهام
أقبور أملاك الأعاجم هنّ أمطلّسم رملٍ كنّ أم أعلام

وزعم بعضهم أن الأهرام بمصر قبور ملوك عظام بها، آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميزوا عنهم في حياتهم، وأرادوا أن يبقى ذكرهم بسبب ذلك على تطاول الدهور.
وذكر محمد بن العربي الملقب بمحيي الدين: ان القوم كانوا على دين التناسخ، فاتخذوا الأهرام علامة لعلهم عرفوا مدة ذهابهم ومجيئهم إلى الدنيا بعلامة ذلك.
ومن الناس من يزعم أن هرمس الأول الذي يسميه اليونانيون أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم، عليه السلام، وهو ادريس، علم بطوفان نوح إما بالوحي أو بالاستدلال على ذلك من أحوال الكواكب، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم إشفاقاً عليها من الدروس، واحتياطاً عليها وحفظاً لها.
ومن عجائب مصر أبو الهول. وهو صورة آدمي عظيمة مصنعة، وقد غطى الرمل أكثره. يقال: انه طلسم للرمل لئلا يغلب على كورة الجيزة، فإن الرمال هناك كثيرة شمالية متكاثفة، فإذا انتهت إليها لا تتعداه، والمرتفع من الرمل رأسه وكتفاه. وهو عظيم جداً، وصورته مليحة كأن الصانع الآن فرغ منه. وقد ذكر من رأى أن نسراً عشش في أذنه وهو مصبوغ بالحمرة؛ قال ظافر الإسكندري:

وماء النّيل تحتهما دموعٌ ... وصوت الرّيح عندهما نحيبولما وصل المأمون إلى مصر، نقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل، فوجد في داخله مراقي ومهادي هائلة يعسر السلوك فيها، ووجد في أعلاه بيتاً مكعباً طول كل ضلع منه ثمانية أذرع، وفي وسطه حوضاً رخاماً مطبقاً، فلما كشف غطاؤه لم يوجد فيه غير رمة بالية، فأمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه. وقال بعضهم: ما سمعت بشيء عظيم فجئته إلا رأيته دون صفته إلا الهرمين، فإني لما رأيتهما كانت رؤيتهما أعظم من صفتهما.
تأمّل بنية الهرمين وانظروبينهما أبو الهول العجيب
كمثل عمارتين على رحيلٍلمحبوبين بينهما رقيب

ومن عجائب مصر حوض لعين ماء منقور في حجر عظيم، يسيل الماء إلى الحوض من تلك العين من جبل بجنب كنيسة، فإذا مس ذلك الماء جنب أو حائض انقطع الماء السائل من ساعته، وينتن الماء الذي في الحوض فيعرف الناس سببه، فينزفون الماء الذي في الحوض وينظفونه، فيعود إليه الماء على حالته الأولى. وقد ذكر أمر هذا الحوض أبو الريحان الخوارزمي في كتابه الآثار الباقية، وان هذا الحوض يسمى الطاهر.
وبها جبل المقطم، وهو جبل مشرف على القرافة ممتد إلى بلاد الحبشة على شاطيء النيل الشرقي، وعليه مساجد وصوامع، لا نبت فيه ولا ماء غير عين صغيرة تنز في دير للنصارى، يقولون انه معدن الزبرجد، وسأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر ابن الخطاب، فكتب إليه: ان استخبره لأي شيء بذل ما بذل؟ فقال المقوقس: إننا نجد في كتبنا انه غراس الجنة! فقال عمر: غراس الجنة لا نجد إلا للمؤمنين. فأمره أن يتخذه مقبرة؛ قالوا: ان الميت هناك لا يبلى! وبها موتى كثيرون بحالهم ما بلي منهم شيء، وبها قبر روبيل بن يعقوب وقبر إليع، عليه السلام. وبها قبر عمران بن الحصين صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ومن عجائبها عين الناطول، وناطول اسم موضع بمصر فيه غار، وفي الغار عين ينبع الماء منها ويتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين فأراً؛ قال صاحب تحفة الغرائب: حكى لي رجل أنه رأى من ذلك الطين قطعة انقلب بعضها فأراًوالبعض الآخر طين بعد.
ومن عجائبها نهر سنجة؛ قال الأديبي: هو نهر عظيم يجري بين حصن المنصور وكيسوم من ديار مصر، لا يتهيأ خوضه لأن قراره رمل سيال، إذا وطئه واطيء غاص به، وعلى هذا النهر قنطرة من عجائب الدنيا، وهي طاق واحد من الشط إلى الشط، وتشتمل على مائتي خطوة، وهي متخذة من حجر مهندم طول الحجر عشرة أذرع في ارتفاع خمسة أذرع، وحكي ان عندهم طلسماً على لوح إذا عاب من القنطرة موضع أدلى ذلك اللوح على موضع العيب، فينعزل عنه الماء حتى يصلح ثم يرفع اللوح فيعود الماء إلى حاله.
ومن عجائبها جبل الطير. وهو بصعيد مصر في شرقي النيل قرب انصنا، وإنما سمي بذلك لأن صنفاً من الطير الأبيض يقال له البوقير يأتي في كل عام في وقت معلوم، فتعكف على هذا الجبل، وفيه كوة يأتي كل واحد من هذه الطيور ويدخل رأسه في تلك الكوة، ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل فيعوم، ويذهب من حيث شاء إلى أن يدخل واحد رأسه فيقبض عليه شيء في تلك الكوة، فيضطرب ويبقى معلقاً منها إلى أن يتلف، فيسقط بعد مدة. فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى مثل ذلك الوقت من العام القابل. وذكر بعض أعيان مصر: ان السنة إذا كانت مخصبة قبضت الكوة على طائرين، وإن كانت متوسطة على واحد، وإن كانت مجدبة لم تقبض شيئاً.

مصر - Egypt



مِصْرَ أو رسمياً جُمهورِيةُ مِصرَ العَرَبيةِ هي دولة عربية تقع في الركن الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا، ولديها امتداد آسيوي، حيث تقع شبه جزيرة سيناء داخل قارة آسيا فهي دولة عابرة للقارات. ويحد جمهورية مصر العربية من الشمال البحر المتوسط بساحل يبلغ طوله 995 كم، ويحدها شرقا البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 1941 كم، ويحدها في الشمال الشرقي منطقة فلسطين (إسرائيل وقطاع غزة) بطول 265 كم، ويحدها من الغرب ليبيا على امتداد خط بطول 1115 كم، كما يحدها جنوبا السودان بطول 1280 كم. تبلغ مساحة جمهورية مصر العربية حوالي 1.002.000 كيلومتر مربع والمساحة المأهولة تبلغ 78990كم2 بنسبة 7.8 % من المساحة الكلية. وتُقسم مصر إدارياً إلى 27 محافظة، وتنقسم كل محافظة إلى تقسيمات إدارية أصغر وهي المراكز أو الأقسام.

ويتركز أغلب سكان مصر في وادي النيل وفي الحضر ويشكل وادي النيل والدلتا أقل من 4% من المساحة الكلية للبلاد أي حوالي 33000 كم2، وأكبر الكتل السكانية هي القاهرة الكبرى التي بها تقريباً ربع السكان، تليها الإسكندرية؛ كما يعيش أغلب السكان الباقين في الدلتا وعلى ساحلي البحر المتوسط والبحر الأحمر ومدن قناة السويس، وتشغل هذه الأماكن ما مساحته 40 ألف كيلومتر مربع. بينما تشكل الصحراء غير المعمورة غالبية مساحة البلاد.

تشتهر مصر بأن بها إحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض حيث بدأ البشر بالنزوح إلى ضفاف النيل والاستقرار وبدأ في زراعة الأرض وتربية الماشية منذ نحو 10,000 سنة. وتطور أهلها سريعًا وبدأت فيها صناعات بسيطة وتطور نسيجها الاجتماعي المترابط، وكوّنوا إمارات متجاورة مسالمة على ضفاف النيل تتبادل التجارة، سابقة في ذلك كل بلاد العالم. تشهد على ذلك حضارة البداري منذ نحو 7000 سنة وحضارة نقادة (4400 سنة قبل الميلاد - نحو 3000 سنة قبل الميلاد). وكان التطور الطبيعي لها أن تندمج مع بعضها البعض شمالًا وجنوبًا وتوحيد الوجهين القبلي والبحري وبدأ الحكم المركزي الممثل في بدء عصر الأسرات (نحو 3000 قبل الميلاد). وتبادلت التجارة مع جيرانها حيث تعد مصر من أوائل الدول التجارية. وكان لابتكار الكتابة في مصر أثرا كبيرا على مسيرة الحياة في البلاد وتطورها السريع، وكان المصري القديم مولعًا بالكتابة، كذلك شهدت مصر القديمة تطورا في مجالات الطب والهندسة والحساب.

تواكبت على مصر العديد من العصور والحقب التاريخية، مروراً بالفرس ثم قدوم الإسكندر الأكبر والذي تأسست بعده الدولة البطلمية، وبعدها غزاها الرومان وظلت تحت حكمهم 600 عام وفي هذه الفترة شهدت ظهور المسيحية في مصر، وبعدها جاء الفتح الإسلامي وتحولت مصر إلى دولة إسلامية، وتأسست في مصر العديد من الدول مثل: الدولة الطولونية ثم الإخشيدية ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المماليك ، وبعدها أصبحت تحت حكم العثمانيين حتى عام 1914 عندما أعلنت السلطنة، ثم تحولت إلى مملكة، ثم تحولت بعد ذلك إلى جمهورية.

تشتهر مصر بالعديد من الآثار حيث يتواجد بها ثلث آثار العالم، مثل أهرام الجيزة وأبي الهول، ومعبد الكرنك والدير البحري ووادي الملوك وآثارها القديمة الأخرى، مثل الموجودة في مدينة منف وطيبة والكرنك، ويتم عرض أجزاء من هذه الآثار في المتاحف الكبرى في جميع أنحاء العالم. وقد وجد علم خاص بدراسة آثار مصر سمي بعلم المصريات، وكذلك هناك الآثار الرومانية والإغريقية والقبطية والإسلامية بمختلف عصورها.

تعد اللغة العربية هي اللغة الرسمية لها، ووفقاً للدستور تعد الديانة الرسمية لها هي الإسلام، ونظام الحكم فيها جمهوري ديمقراطي. وتعد مصر من الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية ويوجد بها المقر الرئيسي لها، كذلك تعد من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة حيث انضمت لها عام 1945، بالإضافة إلى عضويتها بالاتحاد الأفريقي، وكذلك تعد مصر عضوا في العديد من الاتحادات والمنظمات الدولية، ولديها العديد من العلاقات الدبلوماسية مع أغلب دول العالم.