خوارزم

خوارزم


خُوارِزْم


أوله بين الضمة والفتحة، والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة، هكذا يتلفظون به، هكذا ينشد قول اللحّام فيه:

ما أهل خوارزم سلالة آدم،ما هم، وحقّ الله، غير بهائم
أبصرت مثل خفافهم ورؤوسهموثيابهم وكلامهم في العالم
إن كان يرضاهم أبونا آدم،فالكلب خير من أبينا آدم

قال ابن الكلبي: ولد إسحاق بن إبراهيم الخليل الخزر والبزر والبرسل وخوارزم وفيل، قال بطليموس في كتاب الملحمة: خوارزم طولها مائة وسبع عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وأربعون درجة، وهي في الإقليم السادس، طالعها السماك ويجمعها الذراع، بيت حياتها العقرب، مشرقة في قبة الفلك تحت ثلاث وعشرين درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، وقال أبو عون في زيجه: هي في آخر الإقليم الخامس، وطولها إحدى وتسعون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها أربع وأربعون درجة وعشر دقائق، وخوارزم ليس اسما للمدينة إنما هو اسم للناحية بجملتها، فأما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم الجرجانية، وقد ذكرت في موضعها، وأهلها يسمونها كركانج، وقد ذكروا في سبب تسميتها بهذا الاسم أن أحد الملوك القدماء غضب على أربعمائة من أهل مملكته وخاصة حاشيته فأمر بنفيهم إلى موضع منقطع عن العمارات بحيث يكون بينهم وبين العمائر مائة فرسخ، فلم يجدوا على هذه الصفة إلا موضع مدينة كاث، وهي إحدى مدن خوارزم، فجاؤوا بهم إلى هذا الموضع وتركوهم وذهبوا، فلما كان بعد مدة جرى ذكرهم على بال الملك فأمر قوما بكشف خبرهم، فجاؤوا فوجدوهم قد بنوا أكواخا ووجدوهم يصيدون السمك وبه يتقوّتون وإذا حولهم حطب كثير، فقالوا لهم: كيف حالكم؟ فقالوا: عندنا هذا اللحم، وأشاروا إلى السمك، وعندنا هذا الحطب فنحن نشوي هذا بهذا ونتقوّت به، فرجعوا إلى الملك وأخبروه بذلك فسمى ذلك الموضع خوارزم لأن اللحم بلغة الخوارزمية خوار والحطب رزم، فصار خوارزم فخفف وقيل خوارزم استثقالا لتكرير الراء، وقد جاء به بعض العرب على الأصل، فقال الأسدي:

ولم أعص الأمير، ولم أربه، ... ولم أسبق أبا أنس بوغمولكنّ البعوث جرت علينا، ... فصرنا بين تطويح وغرم
أتاني، عن أبي أنس، وعيد،فسلّ تغيّظ الضحّاك جسمي
وخافت من رمال السّغد نفسي،وخافت من رمال خوارزم
فقارعت البعوث وقارعتني،ففاز بضجعة في الحيّ سهمي
وأعطيت الجعالة، مستميتا،خفيف الحاذ من فتيان جرم

وأقرّ أولئك الذين نفاهم بذلك المكان وأقطعهم إياه وأرسل إليهم أربعمائة جارية تركية وأمدهم بطعام من الحنطة والشعير وأمرهم بالزرع والمقام هناك، فلذلك في وجوههم أثر الترك وفي طباعهم أخلاق الترك وفيهم جلد وقوة، وأحوجهم مقتضى القضية للصبر على الشقاء، فعمّروا هناك دورا وقصورا وكثروا وتنافسوا في البقاع فبنوا قرى ومدنا وتسامع بهم من يقاربهم من مدن خراسان فجاؤوا وساكنوهم فكثروا وعزّوا فصارت ولاية حسنة عامرة، وكنت قد جئتها في سنة 616، فما رأيت ولاية قط أعمر منها، فإنها على ما هي عليه من رداءة أرضها وكونها سبخة كثيرة النزوز متصلة العمارة متقاربة القرى كثيرة البيوت المفردة والقصور في صحاريها، قلّ ما يقع نظرك في رساتيقها على موضع لا عمارة فيه، هذا مع كثرة الشجر بها، والغالب عليه شجر التوت والخلاف لاحتياجهم إليه لعمائرهم وطعم دود الإبريسم، ولا فرق بين المارّ في رساتيقها كلها والمارّ في الأسواق، وما ظننت أن في الدنيا بقعة سعتها سعة خوارزم وأكثر من أهلها مع أنهم قد مرنوا على ضيق العيش والقناعة بالشيء اليسير، وأكثر ضياع خوارزم مدن ذات أسواق وخيرات ودكاكين، وفي النادر أن يكون قرية لا سوق فيها مع أمن شامل وطمأنينة تامة.
والشتاء عندهم شديد جدّا بحيث أني رأيت جيحون نهرهم وعرضه ميل وهو جامد، والقوافل والعجل الموقرة ذاهبة وآتية عليه، وذلك أن أحدهم يعمد إلى رطل واحد من أرز أو ما شاء ويكثر من الجزر والسلجم فيه ويضعه في قدر كبيرة تسع قربة ماء ويوقد تحتها إلى أن ينضج ويترك عليه أوقية دهنا ثم يأخذ المغرفة ويغرف من تلك القدر في زبدية أو زبديتين فيقنع به بقية يومه، فإن ثرد فيه رغيفا لطيفا خبزا فهو الغاية، هذا في الغالب عليهم، على أن فيهم أغنياء مترفهين إلّا أن عيش أغنيائهم قريب من هذا ليس فيه ما في عيش غيرهم من سعة النفقة وإن كان النزر من بلادهم تكون قيمته قيمة الكثير من بلاد غيرهم، وأقبح شيء عندهم وأوحشه أنهم يدوسون حشوشهم بأقدامهم ويدخلون إلى مساجدهم على تلك الحالة لا يمكنهم التحاشي من ذلك لأن حشوشهم ظاهرة على وجه الأرض، وذلك لأنهم إذا حفروا في الأرض مقدار ذراع واحد نبع الماء عليهم، فدروبهم وسطوحهم ملأى من القذر، وبلدهم كنيف جائف منتن، وليس لأبنيتهم أساسات إنما يقيمون أخشابا مقفصة ثم يسدونها باللبن، هذا غالب أبنيتهم، والغالب على خلق أهلها الطول والضخامة، وكلامهم كأنه أصوات الزرازير، وفي رؤوسهم عرض، ولهم جبهات واسعة، وقيل لأحدهم: لم رؤوسكم تخالف رؤوس الناس؟ فقال: إن قدماءنا كانوا يغزون الترك فيأسرونهم وفيهم شية من الترك فما كانوا يعرفون، فربما وقعوا إلى الإسلام فبيعوا في الرقيق، فأمروا النساء إذا ولدن أن يربطن أكياس الرمل على رؤوس الصبيان من الجانبين حتى ينبسط الرأس، فبعد ذلكلم يسترقّوا وردّ من وقع منهم إليهم إلى الكوفة، قال عبد الله الفقير إليه: وهذا من أحاديث العامة لا أصل له، هب أنهم فعلوا ذلك فيما مضى فالآن ما بالهم؟ فإن كانت الطبيعة ورثته وولدته على الأصل الذي صنعه بهم أمهاتهم كان يجب أن الأعور الذي قلعت عينه أن يلد أعور وكذلك الأحدب وغير ذلك، وإنما ذكرت ما ذكر الناس.
قال البشاري: ومثل خوارزم في إقليم الشرق كسجلماسة في الغرب، وطباع أهل خوارزم مثل طبع البربر، وهي ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا، آخر كلامه، قلت: ويحيط بها رمال سيّالة يسكنها قوم من الأتراك والتركمان بمواشيهم، وهذه الرمال تنبت الغضا شبه الرمال التي دون ديار مصر، وكانت قصبتها قديما تسمى المنصورة، وكانت على الجانب الشرقي فأخذ الماء أكثر أرضها فانتقل أهلها إلى مقابلها من الغربي، وهي الجرجانية، وأهلها يسمونها كركانج، وحوّطوا على جيحون بالحطب الجزل والطرفاء يمنعونه من خراب منازلهم يستجدّونه في كل عام ويرمّون ما تشعث منه، وقرأت في كتاب ألفه أبو الريحان البيروني في أخبار خوارزم ذكر فيه أنّ خوارزم كانت تدعى قديما فيل، وذكر لذلك قصة نسيتها فإن وجدها واحد وسهل عليه أن يلحقها بهذا الموضع فعل مأذونا له في ذلك عنّي، قال محمد بن نصر بن عنين الدمشقي:

خوارزم عندي خير البلاد،فلا أقلعت سحبها المغدقه
فطوبى لوجه امرئ صبّحتهـ، أوجه فتيانها المشرقة
وما ان نقمت بها حالة،سوى أن أقامت بها مقلقه

وكان المؤذّن يقوم في سحرة من الليل يقارب نصفه فلا يزال يزعق إلى الفجر قامت، وقال الخطيب أبو المؤيد الموفّق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي يتشوّقها:

أأبكاك لمّا أن بكى في ربى نجدسحاب ضحوك البرق منتحب الرعد
له قطرات كاللآلئ في الثرى،ولي عبرات كالعقيق على خدّي
تلفّتّ منها نحو خوارزم والهاحزينا، ولكن أين خوارزم من نجد؟

وقرأت في الرسالة التي كتبها أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة ذكر فيها ما شاهده منذ خرج من بغداد إلى أن عاد إليها فقال بعد وصوله إلى بخارى، قال: وانفصلنا من بخارى إلى خوارزم وانحدرنا من خوارزم إلى الجرجانية، وبينها وبين خوارزم في الماء خمسون فرسخا، قلت: هكذا قال ولا أدري أي شيء عنى بخوارزم لأن خوارزم هو اسم الإقليم بلا شك، ورأيت دراهم بخوارزم مزيفة ورصاصا وزيوفا وصفرا، ويسمون الدرهم طازجه، ووزنه أربعة دوانق ونصف، والصيرفي منهم يبيع الكعاب والدوامات والدراهم، وهم أوحش الناس كلاما وطبعا، وكلامهم أشبه بنقيق الضفادع، وهم يتبرؤون من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في دبر كل صلاة، فأقمنا بالجرجانية أياما وجمد جيحون من أوله إلى آخره، وكان سمك الجمد تسعة عشر شبرا، قال عبد الله الفقير: وهذا كذب منه، فإنّ أكثر ما يجمد خمسة أشبار وهذا يكون نادرا، فأما العادة فهو شبران أو ثلاثة، شاهدته وسألت عنه أهل تلك البلاد، ولعلهظنّ أنّ النهر يجمد كلّه وليس الأمر كذلك، إنما يجمد أعلاه وأسفله جار، ويحفر أهل خوارزم في الجليد ويستخرجون منه الماء لشربهم، لا يتعدّى الثلاثة أشبار إلّا نادرا، قال: وكانت الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطريق، وهو ثابت لا يتحلحل، فأقام على ذلك ثلاثة أشهر فرأينا بلدا ما ظننا إلّا أنّ بابا من الزمهرير فتح علينا منه، ولا يسقط فيه الثلج إلّا ومعه ريح عاصف شديدة، قلت: وهذا أيضا كذب فإنه لولا ركود الهواء في الشتاء في بلادهم لما عاش فيها أحد، قال: وإذا أتحف الرجل من أهله صاحبه وأراد بره قال: تعال إليّ حتى نتحدّث فإن عندي نارا طيبة، هذا إذا بلغ في برّه وصلته، إلّا أنّ الله عز وجلّ قد لطف بهم في الحطب وأرخصه عليهم، حمل عجلة من حطب الطاغ وهو الغضا بدرهمين يكون وزنها ثلاثة آلاف رطل، قلت: وهذا أيضا كذب لأن العجلة أكثر ما تجرّ على ما اختبرته، وحملت قماشا لي عليها، ألف رطل لأن عجلتهم جميعها لا يجرها إلّا رأس واحد إما بقر أو حمار أو فرس، وأما رخص الحطب فيحتمل ان كان في زمانه بذلك الرخص، فأما وقت كوني بها فإن مائة من كان بثلث دينار ركنيّ، قال: ورسم سؤالهم أن لا يقف السائل على الباب بل يدخل إلى دار الواحد منهم فيقعد ساعة عند ناره يصطلي ثم يقول:
پكند، وهو الخبز، فإن أعطوه شيئا وإلّا خرج، قلت أنا: وهذا من رسمهم صحيح إلّا أنه في الرستاق دون المدينة شاهدت ذلك، ثم وصف شدة بردهم الذي أنا شاهدته من بردها أنّ طرقها تجمد في الوحول ثم يمشى عليها فيطير الغبار منها، فإن تغيّمت الدنيا ودفئت قليلا عادت وحولا تغوص فيها الدواب إلى ركبها، وقد كنت اجتهدت أن أكتب شيئا بها فما كان يمكنني لجمود الدواة حتى أقرّبها من النار وأذيبها، وكنت إذا وضعت الشربة على شفتي التصقت بها لجمودها على شفتي ولم تقاوم حرارة النفس الجماد، ومع هذا فهي لعمري بلاد طيبة وأهلها علماء فقهاء أذكياء أغنياء، والمعيشة بينهم موجودة وأسباب الرزق عندهم غير مفقودة، وأما الآن فقد بلغني أن التتر صنف من الترك وردوها سنة 618 وخرّبوها وقتلوا أهلها وتركوها تلولا، وما أظنّ أنه كان في الدنيا لمدينة خوارزم نظير في كثرة الخير وكبر المدينة وسعة الأهل والقرب من الخير وملازمة أسباب الشرائع والدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والذين ينسبون إليها من الأعلام والعلماء لا يحصون، منهم: داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي، رحل فسمع بدمشق الوليد بن مسلم وأبا الزرقاء عبد الله بن محمد الصغاني، وسمع بغيرها خلقا، منهم بقية بن الوليد وصالح بن عمرو وحسان بن إبراهيم الكرماني وأبو حفص عمر بن عبد الرحمن الأمار وغيرهم، روى عنه مسلم بن الحجاج وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وصالح بن محمد جزرة، روى البخاري عن محمد بن عبد الرحيم في كفّارات الأيمان، وقال البخاري:
مات في سنة 239، وآخر من روى عنه أبو القاسم البغوي.

خوارزم


ناحية مشهورة ذات مدن وقرى كثيرة، وسيعة الرقعة فسيحة البقعة، جامعة لأشتات الخيرات وأنواع المسرات؛ قال جار الله الزمخشري: بخوارزم فضائل لا توجد في غيرها من سائر الأقطار، وخصال محمودة لا تتفق في غيرها من الأمصار، قد اكتنفها أهل الشرك، وأطافت بها قبائل الترك، فغزو أهلها معهم دائم، والقتال فيما بينهم قائم، وقد أخلصوا في ذلك نياتهم، وأمحضوا فيه طوياتهم، وقد تكفل الله بنصرهم في عامة الأوقات، ومنحهم الغلبة في جميع الوقعات، وقد خصها بجيحون واد عسر المعبر بعيد المسالك، غزير الماء كثير المهالك. وأهلها أصحاب قلوب جرية، ونفوس أبية، ولهم السداد والديانة، والوفاء والأمانة، ودينهم محبة الأخيار، ومقت الأشرار، والإحسان إلى الغرباء، والتعطف على الضعفاء. ومما اختصت به خوارزم أنواع الرقيق الروقة والخيل الهماليج الفرهة، وضروب الضواري من البزاة والصقور، وأجناس الوبر وألوان الثياب، وثمارها أطيب الثمار وأشهاها وألذها وأحلاها وأنماها وأمراها، وهواؤها أصح هواء، وماؤها أعذب ماء، وناهيك ببطيخها الذي لا يوجد مثله. انتهى كلام الزمخشري.
بها نهر جيحون؛ قال الأعمود: نهر جيحون يعرف بجريان يخرج من حدود بذخشان، وينضم إليها أنهار في حدود الختل ووحش فتصير نهراً عظيماً، وترتفع إليها أنهار البتم وأنهار صغانيان، وماء وحشاب الذي يخرج من بلاد الترك، ويصير في أرض وحش في جبل هناك يعبر قنطرة، ولا يعلم في الدنيا ماء في كثرته يضيق مثل ضيقه في هذا الموضع، وهذه القنطرة هي الحد بين الختل وواشجرد، ثم يمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم، ولا ينتفع شيء من البلاد إلا خوارزم، فإنها تستقل عنه ثم ينحدر عن خوارزم وينصب في بحيرة تسمى بحيرة خوارزم، بينها وبين خوارزم ستة أيام.وحكي أن جيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء، وكيفية جموده أنه إذا اشتد البرد وقوي كلبه جمد أولاً قطعاً، ثم تسري تلك القطع على وجه الماء، وكلما ماست قطعة من تلك القطاع أخرى التصقت بها، ولا تزال تنضم حتى صار جيحون كله سطحاً واحداً، ثم يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار؛ قال ابن فضلان في رسالته: رأيت جيحون وقد جمد سبعة عشر شبراً. والله أعلم بصحته. ثم يبقى باقي الماء تحته جارياً فيحفر أهل خوارزم فيه آباراً بالمعاول حتى يخرقوه إلى الماء، ثم يسقون منها كما يسقى من البئر لشربهم، ويحملونه في الجرار، وإذا استحكم جمود هذا النهر عبرت عليه القوافل والعجل الموقرة بالبقر، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق، ويتظاهر عليه الغبار كما يكون في البوادي، ويبقى على ذلك نحو شهرين. فإذا انكسرت سورة البرد عاد ينقطع قطعاً كما بدا في أول أمره إلى أن يعود إلى حاله الأولى. وهو نهر قتال قلما ينجو غريقه.
وبها جبل على ثمانية فراسخ من المدينة؛ قال أبو حامد الأندلسي: هذا الجبل فيه شعب كبير، وفي الشعب تل عال، وعلى التل شبه مسجد عليه قبة له أربعة أبواب آزاج كبار، ويتراءى للناظر كأن بنيان ذلك المسجد من الذهب ظاهره وباطنه، وحوله ماء محيط بالتل راكه لا مادة له إلا من ماء المطر والثلج زمان الشتاء. وإن ذلك الماء ينقص ويزيد ذراعاً في الصيف والشتاء في رؤية العين. والماء ماء عفن نتن عليه طحلب لا يستطيع أحد أن يخوضه، ومن دخل في ذلك استلبه الماء ولا يظهر أثره البتة، ولا يدرى أين ذهب. وعرض الماء مقدار مائة ذراع.
وحكي أن السلطان محمود بن سبكتكين وصل إلى هذا الموضع وأقام به زماناً وألقى يه الزوارق فغاصت فيه، فأمر السلطان جميع عساكره بحمل التراب والخشب ونفضها في ذلك الماء، فكل شيء ألقي فيه غاص ولم يظهر له أثر. وقالوا: إن ذلك الماء إذا وقع فيه حيوان لم يقدر أحد على إخراجه البتة، وانكان مشدوداً بالجبال وجره الرجال. وكل من سافر من خوارزم في طريق سخسين يرى ذلك الماء في طريقه، ولا حيلة في ذلك إلا ما شاء الله وانه من عجائب الدنيا.
وبقرب خوارزم على ست مراحل منها بحيرة تستمد من جيحون. يخرج منها حجر على صورة البطيخ يعرف بالحجر اليهودي. لهذا الحجر فوائد كثيرة ذكرت في كتاب الخواص، وأشهرها ما يستعمله الأطباء لوجع الحصاة في المثانة، نعوذ بالله منه، وهو نوعان: ذكر وأنثى، فالذكر للرجال والأنثى للنساء.

خوارزم



منطقة إسلامية في جنوبي بحر (آرال) أو (بحر خوارزم) هي نهاية حوض نهر (جيحون) وكانت عاصمتها مدينة الجرجانية وقد لعبت خوارزم دورا هاما في التاريخ الإسلامي وكان منها عدد كبير من فحول العلماء منهم القاسم بن الحسين الخوارزمي وسراج الدين أبو بكر السكاكي وأبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي وغيرهم.