قزوين

قزوين


قَزْوِينُ


بالفتح ثم السكون، وكسر الواو، وياء مثناة من تحت ساكنة، ونون: مدينة مشهورة بينها وبين الرّيّ سبعة وعشرون فرسخا وإلى أبهر اثنا عشر فرسخا، وهي في الإقليم الرابع، طولها خمس وسبعون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة، قال ابن الفقيه: أول من استحدثها سابور ذو الأكتاف واستحدث أبهر أيضا، قال: وحصن قزوين يسمّى كشرين بالفارسية وبينه وبين الديلم جبل كانت ملوك الأرض تجعل فيه رابطة من الأساورة يدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة ويحفظون بلدهم من اللصوص، وكان عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ولّى البراء بن عازب الرّيّ في سنة 24 فسار منها إلى أبهر ففتحها، كما ذكرنا، ورحل عنها إلى قزوين فأناخ عليها وطلبأهلها الصلح فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر من الشرائط فقبلوا جميع ذلك إلا الجزية فإنهم نفروا منها، فقال: لا بدّ منها، فلما رأوا ذلك أسلموا وأقاموا مكانهم فصارت أرضهم عشريّة ثم رتب البراء فيهم خمسمائة رجل من المسلمين فيهم طليحة بن خويلد الأسدي وميسرة العائذي وجماعة من بني تغلب وأقطعهم أرضين وضياعا لا حقّ فيها لأحد فعمروا وأجروا أنهارها وحفروا آبارها فسمّوا تنّاءها، وكان نزولهم على ما نزل عليه أساورة البصرة على أن يكونوا مع من شاءوا فصار جماعة منهم إلى الكوفة وحالفوا زهرة بن حويّة فسموا حمراء الديلم وأقام أكثرهم مكانهم، وقال رجل ممن قدم مع البراء:

قد يعلم الدّيلم إذ تحاربلما أتى في جيشه ابن عازب
بأنّ ظنّ المشركين كاذبفكم قطعنا في دجى الغياهب

من جبل وعر ومن سباسب
قالوا: ولما ولي سعيد بن العاصي بن أميّة الكوفة بعد الوليد بن عقبة غزا الديلم فأوقع بهم وقدم قزوين فمصّرها وجعلها مغزى أهل الكوفة إلى الديلم، وكان موسى الهادي لما سار إلى الرّي قدم قزوين وأمر ببناء مدينة بإزائها فهي تعرف بمدينة موسى وابتاع أرضا يقال لها رستماباذ ووقفها على مصالح المدينة وكان عمرو الرومي تولّاها ثم تولّاها بعده ابنه محمد بن عمرو، وكان المبارك التركي بنى بها حصنا سماه المباركية وبه قوم من مواليه، وحدث محمد ابن هارون الأصبهاني قال: اجتاز الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان فاعترضه أهل قزوين وأخبروه بمكانهم من بلد العدوّ وعنائهم في مجاهدتهم وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القصبة فسار إلى قزوين ودخلها وبنى جامعها وكتب اسمه على بابه في لوح حجر وابتاع بها حوانيت ومستغلات ووقفها على مصالح المدينة وعمارة قبّتها وسورها، قال: وصعد في بعض الأيام القبّة التي على باب المدينة وكانت عالية جدّا فأشرف على الأسواق ووقع النفير في ذلك الوقت فنظر إلى أهلها وقد غلّقوا حوانيتهم وأخذوا سيوفهم وتراسهم وجميع أسلحتهم وخرجوا على راياتهم، فأشفق عليهم وقال:
هؤلاء قوم مجاهدون يجب أن ننظر لهم، واستشار خواصّه في ذلك فأشار كلّ برأي، فقال: أصلح ما يعمل بهؤلاء أن يحطّ عنهم الخراج ويجعل عليهم وظيفة القصبة فقط، فجعلها عشرة آلاف درهم في كل سنة مقاطعة، وقد روى المحدّثون في فضائل قزوين أخبارا لا تصحّ عند الحفّاظ النّقّاد تتضمّن الحثّ على المقام بها لكونها من الثغور وما أشبه ذلك، وقد تركتها كراهة للإطالة إلا أن منها ما روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: مثل قزوين في الأرض مثل جنّة عدن في الجنان، وروي عنه أنه قال: ليقاتلن بقزوين قوم لو أقسموا على الله لأبرّ أقسامهم، وكان الحجاج بن يوسف قد أغزى ابنه محمدا الديلم فنزل قزوين وبنى بها مسجدا وكتب اسمه عليه، وهو المسجد الذي على باب دار بني الجنيد ويسمّى مسجد الثور، فلم يزل قائما حتى بنى الرشيد المسجد الجامع، وكان الحوليّ بن الجون غزا قزوين فقال:

وتغلب حيّ بشطّ الفرات ... جزائرها حول ثرثارهاوأنت بقزوين في عصبة، ... فهيهات دارك من دارها
وبكر سوانا عراقيّةبمنحازها أو بذي قارها

وقال بعض أهل قزوين يذكرها ويفضلها على أبهر:
نداماي من قزوين طوعا لأمركم،

فإني فيكم قد عصيت نهاتيفأحيوا أخاكم من ثراكم بشربة
تندّي عظامي أو تبلّ لهاتيأساقيتي من صفو أبهر هاكه،

وإن يك رفق من هناك فهاتي
وقد التزم ما لا يلزمه من الهاء قبل ألف الردف،
وقال الطّرمّاح بن حكيم:
خليلي مدّ طرفك هل ترى لي
ظعائن باللوى من عوكلان؟ألم تر أنّ عرفان الثّريّا

يهيّج لي بقزوين احتزاني؟
وينسب إلى قزوين خلق لا يحصون، منهم الخليل ابن عبد الله بن الخليل أبو يعلى القزويني، روى عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن صالح المقري وغيره، روى عنه الإمام أبو بكر بن لال الفقيه الهمذاني حكاية في معجمه وسمع هو من ابن لال الكبير، قال شيرويه: قال حدّثنا عنه ابنه أبو زيد الواقد بن الخليل الخطيب وأبو الفتح بن لال وغيرهما من القزوينيّين وكان فهما حافظا ذكيّا فريد عصره في الفهم والذكاء، قال شيرويه في تاريخ همذان: ومن أعيان الأئمة من أهل قزوين محمد بن يزيد بن ماجة أبو عبد الله القزويني الحافظ صاحب كتاب السنن، سمع بدمشق هشام بن عمّار ودحيما والعباس بن الوليد الخلّال وعبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان ومحمود بن خالد والعباس بن عثمان وعثمان بن إسماعيل بن عمران الذّهلي وهشام بن خالد وأحمد بن أبي الحواري، وبمصر أبا طاهر بن سرح ومحمد بن رويح ويونس بن عبد الأعلى، وبحمص محمد بن مصفّى وهشام بن عبد الملك اليزني وعمرا ويحيى ابني عثمان، وبالعراق أبا بكر بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة وإسماعيل بن أبي موسى الفزاري وأبا خيثمة زهر بن حرب وسويد بن سعيد وعبد الله ابن معاوية الجمحي وخلقا سواهم، روى عنه أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن سلمة القطّان وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم وأبو الطيب أحمد ابن روح البغدادي، قال ابن ماجة، رحمه الله:
عرضت هذه النسخة، يعني كتابه في السنن، على أبي زرعة فنظر فيه وقال: أظنّ هذه إن وقعت في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع كلها، أو قال أكثرها، ثم قال: لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف، أو قال عشرين أو نحو هذا من الكلام، قال جعفر بن إدريس في تاريخه:
مات أبو عبد الله بن ماجة يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان سنة 273، وسمعته يقول ولدت في سنة 209.

قزوين


مدينة كبيرة مشهورة عامرة في فضاء من الأرض، طيبة التربة واسعة الرقعة كثيرة البساتين والأشجار نزهة النواحي والأقطار، بنيت على وضع حسن لم يبن شيء من المدن مثلها. وهي مدينتان: إحداهما في وسط الأخرى، والمدينة الصغرى تسمى شهرستان، لها سور وأبواب، والمدينة الكبيرة المحيطة بها. ولها أيضاً سور وأبواب، والكروم والبساتين محيطة بالمدينة العظمى من جميع الجوانب، والمزارع محيطة بالبساتين، ولها واديان: أحدهما وادي درج والآخر وادي اترك، وهذه صورتها:قال ابن الفقيه: أول من استحدث قزوين شابور ذو الأكتاف، وبناء شابور في زماننا هذا يسمى شهرستان. فلما اجتاز الرشيد بأرض الجبال قاصداً خراسان اعترضه أهل قزوين، وأخبروه بمكانهم من أرض الديلم، فسار إلى قزوين وبنى سور المدينة العظمى وجامعها سنة أربع وخمسين ومائتين. وأول من فتحها البراء ابن عازب الأنصاري، وقد وقع النفير وقت كان الرشيد بها، فرأى أهلها أغلقوا حوانيتهم وأخذوا أسلحتهم وخرجوا إلى وجه العدو مسرعين، فأشفق عليهم وبنى لهم السور، وحط عنهم خراجهم جاعلاً إياه عشرة آلاف دينار في كل سنة، وقد ورد في فضائل قزوين أحاديث كثيرة تتضمن الحث على المقام بها لكونها ثغراً. منها ما رواه علي بن أبي طالب، عليه السلام، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: عليكم بالإسكندرية أو بقزوين فإنهما ستفتحان على يد أمتي، وإنهما بابان من أبواب الجنة، من رابط فيهما أو في إحداهما ليلة خرج عن ذنوبه كيوم ولدته أمه! وعن سعيد بن المسيب مرفوعاً عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: سادات الشهداء شهداء قزوين! وأمثال هذه كثيرة.
وبين قزوين وبين الديلم جبل كان ملوك الفرس يجعلون عليه رابطة إذا لم يكن بينهم هدنة، وذلك الجبل هو الحاجز بين القزاونة والإسماعيلية، أحد جانبيه لهؤلاء والجانب الآخر لهؤلاء.
وبها مواضع يرجى فيها إجابة الدعاء، منها مسجد شالكان ومسجد شهرستانك ومسجد دهك ومسجد باب المشبك الملصق بالسور، فإنها مواضع يأتيها الابدال. ومن عجائبها مقصورة الجامع التي بناها الأمير الزاهد خمارتاش، مولى عماد الدولة صاحب قزوين، فإن قبتها في غاية الارتفاع على شكل بطيخ، ليس مثلها في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر أكبر منها، ولا أحسن عمارة. وحكي أن الصناع لما رفعوا قواعدها وأرادوا انضمام رأسها عجزوا عن ذلك لفرط سعتها وعمقها فلم يكن شيء من الاجذاع والسلاليم يفي بها، فوقفت العمارة حتى مر بها صبي وقال: لو ملؤوها تبناً يمكنهم إتمامها! فتعجب الصناع من حذقهوقالوا: لا طريق لها إلا ما ذكره الصبي! فملؤوها تبناً وتمموها.
ومن عجائبها أمر باغاتها، فإنها لا تشرب في السنة إلا مرة واحدة وتأتي بفواكه غضة طرية، وربما لا تشرب في السنة وتأتي بعنب ضعيف.
ومن عجائبها مقابر اليهود، فإنها فضاء واسع ليس بها آثار القبور، فإذا وجعت بطون دوابهم قادوها إليها وذهبوا بها في ذلك الفضاء يمنة ويسرة، فإنه يزول وجعها.
ومن عجائبها سوق الخيل بموضع يسمى رستق الشعير. ذكروا أن كل فرس يحمل إليه للبيع، فإن كان به حران يظهر في الحال.
ومن عجائبها مقبرة باب المشبك، فإنها مقبرة شريفة بها قبور العلماء والشهداء والصلحاء والزهاد. يأتيها الناس ليلة الجمعة فيرون بها أنواراً عجيبة تصعد من القبور وتنزل فيها، وهذا أمر ظاهر يراه كل من يمشي إليها صالحاً أو طالحاً. ولقد رأيت في بعض الليالي عجيباً، وهو انه قد طلع من بعض القبور كرة قدر إبريق، وصعدت نحو الهواء أكثر من غلوة سهم وأضاءت الجوانب من نورها، ورآها غيري خلق كثير شرعوا في التكبير والتهليل، وما كانت على لون النار بل كانت على لون القمر ضارباً على الخضرة ثم عادت إلى مكانها
ينسب
إليها الشيخ أبو بكر المعروف بشابان. كان شيخاً عظيم الشأن يأتيه الابدال. كان له كرم وقطعة أرض وبقرة: ويزرع قطعة الأرض حنطة، ويأخذ عنب الكرم ولبن البقرة وانها شيء يسير يضيف بها من زاره. استشهد على يد الفداية يوم الجمعة في جامع دمشق بعد الصلاة في ازدحام الناس سنة إحدى وستمائة عن اثنتين وتسعين سنة.
وينسب إليها أبو حاتم محمود بن الحسن القزويني. كان فقيهاً أصولياً، وكان من أصحاب القاضي أبي الطيب طاهر الطبري، له كتاب في حيل الفقه مشهور. وكان من أولاد أنس بن مالك وابن عمي.
وينسب إليها الشيخ أبو القاسم بن هبة الله الكموني. كان عالماً عابداً ورعاً منأولاد أنس بن مالك. حكي انه جاء في زماه وال إلى قزوين، وبقزوين واديا ماء وهما من السيل، وسقي كروم أهل قزوين من هذين الواديين وهما مباحان، فأراد هذا الوالي أن يجعل عليهما خراجاً، فشكا أهل قزوين إلى الشيخ، فذهب الشيخ إلى دار الوالي وقال لحاجبه: إن هذا الماء لم يزل مباحاً لا يحل بيعه، وأصحاب هذه الكروم أرامل وأيتام، والكروم ضعيفة لها في السنة سقية واحدة، حاصلها لا يفي بمال الخراج. فدخل الحاجب على الملك وقال: ههنا شيخ ما يخلي ان هذا الأمر يتمشى! فغضب الملك وسل سيفه وخرج بسيفه المسلول وقال: من الذي يمنع من بيع هذا الماء؟ فقام الشيخ وقال: أنا! فعاد الملك إلى داخل وقال: افعلوا ما يقول هذا الشيخ! فإنه لما قام رأيت على يمينه ويساره ثعبانين يقصدانني! فبطل ذلك العزم وذاك الماء مباح إلى الآن. وهذا الشيخ جدي الخامس.
وينسب إليها أبو محمد بن أحمد النجار. كان عالماً فاضلاً أديباً فقيهاً أصولياً ذا فهم مستقيم وذهن وقاد، وكان عديم المثل في زمانه مع كثرة فضلاء قزوين. كان أبوه نجاراً وهو أيضاً كان بالغاً في صنعة النجارة، وصاحب قزوين كان يرى له، وبنوا له بقزوين مدرسة وأصابه في آخر عمره الفالج. وله تصانيف كثيرة كلها حسن. وحكي أن صاحب قزوين أخذ قاصداً من الباطنية ومعه كتاب، فلما فتحوا كان الكتاب أبيض، فأخبر الشيخ أبو محمد عن ذلك، فأمر أن يعرض على النار، فلما عرضوه على النار ظهر عليه كتابة كتبوها إلى رجل من أهل قها، وطلبوا منه الإبل والحمام. وقها ناحية من أعمال الري. فقال الملك: الإشكال بعد بحاله لأنه ليس بقها الإبل ولا الحمام! فقال الشيخ أبو محمد: طلبوا القسي والنبال. فقيل له: من أين قلت؟ فقال: أما سمعتم تشبيه الإبل بالقسي في قوله:
حوصٌ كأشباح الحنايا ضمّروتشبيه النبل بالحمام في قوله:
وإذا رمت ترمي تموّت طائر
وينسب إليها الشيخ أبو القاسم محمد بن عبد الكريم الرافعي. كان عالماً فاضلاً ورعاً بالغاً في النقليات كالتفسير والحديث والفقه والأدب. وله تصانيف كثيرة كلها حسن. كان يعقد مجلس العلم في جامع قزوين كل يوم بعد العصر، ويحضر عنده أكثر من مائتي نفس يذكر لهم تفسير القرآن. ومن عجيب أحواله انه جاء ذات يوم على عادته، فلما فرغ من وظيفته بكى وقال: يا قوم قد وقعت لي واقعة ما وقعت لي مثلها، عاونوني بالهمة! فضاقت صدور القوم وسأل بعضهم بعضاً عن الواقعة فقالوا: ان تاجراً أودع عنده خمسمائة دينار وغاب مدة طويلة، والآن قد جاء وطلبها، فذهب الشيخ إلى مكان الوديعة ما وجدها، والذي أخذها أمين لطول المدة، فيخبر القوم حتى قال أحدهم: ان امرأة ضعيفة كانت خدامة لبيت الشيخ، والآن ترى حالها أحسن مما كانت. فطلبوا منها فوجدوا عندها، فجاء الشيخ في اليوم الثاني وأخبر القوم بأن همتهم أثرت والواقعة اندفعت.
وحكي أن وزير خوارزمشاه كان معتقداً فيه، فقبل يده فقال له الشيخ: قبلت يداً كتبت كذا وكذا مجلداً تصنيفاً! فوقع من الدابة وانكسرت يمناه، وكان يقول: مدحت يدي فأبلاني الله تعالى بها! توفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة.
وينسب إليها الشيخ أبو علي حسنويه بن أحمد بن حسنويه الزبيري، الملقب بمعين الدين. كان شيخاً معتبراً من أعيان قزوين. ومن أعجب ما روي عنه أن أحداً إذا أصابه مس من الجن هو يحضر الجن ويشفع إليهم ويخلونه.
وينسب إليها الشجاع باك باز. كان صاحب آيات وعجائب، وكان ذا هيبة. من رآه يمتليء من هيبته، وكان الملك والفقير عنده سواء، يخاطب هذا كما يخاطبذاك. وإذا رأى أحداً يقول: معك دنانير وزنها كذا، اخرجها للفقراء! فيخرجها فيكون كما قال.
وحكي انه طلب يوماً من رجل تاجر شيئاً، وكان الرجل حنفياً معتزلياً لا يقول بكرامات الأولياء، فتخاشن في الجواب فحرد وشتم، فقال له: المال الذي مع ابنك في السفر وقع عليه اللصوص الآن وأخذوه! فازداد الرجل غيظاً وشتماً. قال: وابنك قد قتل على يد الحرامية! فأرخوا ذلك فجاء الخبر بأخذ المال وقتل ابنه.
وحكي انه كان في رباط اربل، فجاء الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي إلى اربل، فاستقبله أهل اربل فجاء إلى الرباط ودخل بين الجماعة، ووقف على المصلى يصلي ركعتين والخف في رجليه. فلما رأى باك باز ذلك قال: أيها الشيخ، كيف تقف مع الخف على مصلى المشايخ؟ أليس هؤلاء القوم إذا رأوا منك ذلك اعتقدوا أنه جائز في الطريقة؟ فوثب عليه الصوفية وهم تلامذة الشيخ وأسبغوه ضرباً ومدوه برجله إلى خارج الرباط. فلما عرف الشيخ ذلك أنكر على الصوفية وقال: انه كان على الصواب، مروا إليه واعتذروا منه! فمروا إليه فإذا هو قاعد في السوق على دكة، فاعتذروا مستغفرين فقال: ما جرى شيء يحتاج إلى العذر، وإن جرى فأنتم في أوسع الحال. فقالوا: ارجع إلى الباط إن أنت راض. فقال: إني كنت على عزم السفر وتوقفي لإصلاح هذا المثقل لمداسي، وإذا فرغ منه لبست وسافرت!
فعاد القوم إلى الرباط فعرف الحال الملك، فأمر شيخ الرباط مع جميع الصوفية بالمشي إليه معتذرين، فذهبوا وما أجابهم، فقال الملك: أنا أمشي! فركب وجاء إلى السوق، وهو قاعد على دكة والمثقل يعمل في نعله، فقال: إني قد جئت شفيعاً، فاسلك مع القوم مسلك التصوف وعد إلى المكان راضياً منافساً! فقال: لا أرجع حتى تفعل ما أريده. فقال الملك: ما تريد؟ قال: أريد ثلاثمائة دينار! قال: لك ذلك! قال: احضره الآن! فأحضره وقال: أريد جوقتين من المغنين.فأحضروا وقال: أريد أن يحملني فلان على رقبته، والمغنون يغنون قدامي، والقوم خلفي وقدامي يؤدونني إلى الرباط على هذه الحال! ففعلوا ذلك كله، فلما دخل الرباط والذهب معه قال: من الذي ضربني؟ فيقول كل واحد: أنا ما ضربت شيئاً! فقال: من ضربني ضربة فله دينار، ومن ضربني ثنتين فله ديناران، ومن ضربني ثلاثاً فله ثلاثة دنانير! فجاء كل واحد يقول: أنا لكمت كذا وكذا. ففرق الذهب عليهم وسافر. توفي في نيف وعشرين وستمائة.

قزوين



مدينة مشهورة تقع على سفوح جبال البرز بإيران غربي مدينة طهران. ينسب إليها عدد كبير من العلماء منهم الإمام الرافعي أبو القاسم عبد الكريم القزويني، وأبو عبد الله محمد بن ماجة صاحب كتاب السنن المعدودة من الكتب الستة في الحديث.