الأندلس

الأندلس


الأَنْدُلُس


يقال بضم الدال وفتحها، وضم الدال ليس إلّا: وهي كلمة عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام، وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام، وقد استعمل حذفهما في شعر ينسب الى بعض العرب، فقال عند ذلك:
سألت القوم عن أنس؟ فقالوا:
بأندلس، وأندلس بعيد

وأندلس بناء مستنكر فتحت الدال أو ضمّت، وإذا حملت على قياس التصريف وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها فعلُلُل أو فعلَلُل، وهما بناءان مستنكران ليس في كلامهم مثل سفرجل ولا مثل سفرجل، فإن ادّعى مدّع انها فنعلل فليس في أبنيتهم أيضا ويخرج عن حكم التصريف لأن الهمزة إذا كانت بعدها ثلاثة أحرف من الأصل لم تكن إلا زائدة، وعند سيبويه أنها إذا كان بعدها أربعة أحرف فهي من الأصل كهمزة إصطبل وإصطخر، ولو كانت عربية لجاز أن يدّعى لها أنها أنفعل، وإن لم يكن له نظير في كلامهم فيكون من الدّلس والتدليس، وإن الهمزة والنون زائدتان، كما زيدتا في إنقحل وهو الشيخ المسنّ، ذكره سيبويه وزعم أن الهمزة والنون فيه زائدتان، وأنه لا يعرف ما في أوله زائدتان مما ليس جاريا على الفعل غيره، قال ابن حوقل التاجر الموصلي، وكان قد طوّف البلاد وكتب ما شاهده: أما الأندلس فجزيرة كبيرة فيها عامر وغامر، طولها نحو الشهر في نيف وعشرين مرحلة، تغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمر والرخص والسعة في الأحوال، وعرض فم الخليج الخارج من البحر المحيط قدر اثني عشر ميلا بحيث يرى أهل الجانبين بعضهم بعضا ويتبينون زروعهم وبيادرهم، قال: وأرض الأندلس من على البحر تواجه من أرض المغرب تونس، والى طبرقة الى جزائر بني مزغنّاي ثم إلى نكور ثم إلى سبتة ثم إلى أزيلي ثم إلى البحر المحيط، وتتصل الأندلس في البر الأصغر من جهة جلّيقية وهي جهة الشمال ويحيط بها الخليج المذكور من بعض مغربها وجنوبها، والبحر المحيط من بعض شمالها وشرقها من حدّ الجلالقة إلى كورة شنترين ثم إلى أشبونة ثم إلى جبل الغور ثم إلى ما لديه من المدن إلى جزيرة جبل طارق المحاذي لسبتة ثم الى مالقة ثم إلى المرية فرضة بجاية ثم إلى بلاد مرسية ثم إلى طرطوشة ثم تتصل ببلاد الكفر مما يلي البحر الشرقي في ناحية أفرنجة، ومما يلي المغرب ببلاد علجسكس، وهم جيل من الأنكبردة، ثم إلى بلاد بسكونس ورومية الكبرى في وسطها ثم ببلاد الجلالقة حتى تنتهي إلى البحر المحيط، ووصفها بعض الأندلسيّين بأتمّ من هذا وأحسن، وأنا أذكر كلامه على وجهه، قال: هي جزيرة ذات ثلاثة أركان مثل شكل المثلّث قد أحاط بها البحران، المحيط والمتوسط، وهو خليج خارج من البحرالمحيط قرب سلا من برّ البربر، فالركن الأول هو في هذا الموضع الذي فيه صنم قادس، وعنده مخرج البحر المتوسط الذي يمتدّ إلى الشام وذلك من قبلي الأندلس، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة أربونة ومدينة برديل، وهي اليوم بأيدي الأفرنج بإزاء جزيرتي ميورقة ومنورقة المجاورة من البحرين المحيط والمتوسط، ومدينة أربونة تقابل البحر المتوسط، ومدينة برديل تقابل البحر المحيط، والركن الثالث هو ما بين الجوف والغرب من حيّز جلّيقية حيث الجبل الموفي على البحر وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس، وهو البلد الطالع على برباط، فالضّلع الأول منها أوله حيث مخرج البحر المتوسط الشامي من البحر المحيط، وهو أول الزّقاق في موضع يعرف بجزيرة طريف من برّ الأندلس يقابل قصر مصمودة بإزاء سلا في الغرب الأقصى من البرّ المتصل بإفريقية وديار مصر، وعرض الزّقاق ههنا اثنا عشر ميلا ثم تمرّ في القبلة إلى الجزيرة الخضراء من برّ الأندلس المقابلة لمدينة سبتة، وعرض الزقاق ههنا ثمانية عشر ميلا وطوله في هذه المسافة التي ما بين جزيرة طريف وقصر مصمودة إلى المسافة التي ما بين الجزيرة الخضراء وسبتة نحو العشرين ميلا، ومن ههنا يتسع البحر الشامي إلى جهة المشرق ثم يمرّ من الجزيرة الخضراء إلى مدينة مالقة إلى حصن المنكب إلى مدينة المريّة إلى قرطاجنّة الخلفاء حتى تنتهي إلى جبل قاعون الموفي على مدينة دانية ثم ينعطف من دانية إلى شرقي الأندلس إلى حصن قليرة إلى بلنسية، ويمتدّ كذلك شرقا إلى طركونة إلى برشلونة إلى أربونة إلى البحر الرومي، وهو الشامي وهو المتوسط، والضلع الثاني مبدؤه كما تقدم من جزيرة طريف آخذا إلى الغرب في الحوز المتّسع الداخل في البحر المحيط فيمرّ من جزيرة طريف إلى طرف الأغرّ إلى جزيرة قادس، وههنا أحد أركانها، ثم يمرّ من قادس إلى برّ المائدة حيث يقع نهر إشبيلية في البحر ثم إلى جزيرة شلطيش إلى وادي يانه إلى طبيرة ثم إلى شنترة إلى شلب، وهنا عطف إلى أشبونة وشنترين، وترجع إلى طرف العرف مقابل شلب، وقد يقطع البحر من شلب إلى طرف العرف مسيرة خمسين ميلا، وتكون أشبونة وشنترة وشنترين على اليمين من حوز وطرف العرف، وهو جبل منيف داخل في البحر نحو أربعين ميلا وعليه كنيسة الغراب المشهورة، ثم يدور من طرف العرف مع البحر المحيط فيمرّ على حوز الريحانة وحوز المدرة وسائر تلك البلاد مائلا إلى الجوف، وفي هذا الحيز هو الركن الثاني، والضلع الثالث ينعطف في هذه الجهات من الجنوب إلى الشرق فيمرّ على بلاد جليقية وغيرها حتى ينتهي إلى مدينة برديل على البحر المحيط المقابلة لأربونة على البحر المتوسط، وهنا هو الركن الثالث، وبين أربونة وبرديل الجبل الذي فيه هيكل الزّهرة الحاجز بين الأندلس وبين بلاد أفرنجة العظمى، ومسافته من البحر نحو يومين للقاصد، ولولا هذا الجبل لالتقى البحران ولكانت الأندلس جزيرة منقطعة عن البرّ فاعرف ذلك، فإنّ بعض من لا علم له يعتقد أن الأندلس يحيط بها البحر في جميع أقطارها لكونها تسمّى جزيرة، وليس الأمر كذلك وإنما سميت جزيرة بالغلبة كما سميت جزيرة العرب وجزيرة أقور وغير ذلك، وتكون مسيرة دورها أكثر من ثلاثة أشهر ليس فيه ما يتصل بالبر إلا مقدار يومين كما ذكرنا، وفي هذا الجبل المدخل المعروف بالأبواب الذي يدخل منه من بلادالأفرنج إلى الأندلس وكان لا يرام، ولا يمكن أحدا أن يدخل منه لصعوبة مسلكه، فذكر بطليموس أن قلوبطرة، وهي امرأة كانت آخر ملوك اليونان، أول من فتح هذه الطريق وسهّلها بالحديد والخلّ، قلت: ولولا خوف الإضجار والإملال لبسطت القول في هذه الجزيرة، فوصفها كثير وفضائلها جمّة وفي أهلها أئمة وعلماء وزهّاد، ولهم خصائص كثيرة ومحاسن لا تحصى وإتقان لجميع ما يصنعونه مع غلبة سوء الخلق على أهلها وصعوبة الانقياد، وفيها مدن كثيرة وقرى كبار، يجيء ذكرها في أماكنها من هذا الكتاب، حسب ما يقتضيه الترتيب، إن شاء الله تعالى، وبه العون والعصمة.

الأندلس


جزيرة كبيرة بالمغرب فيها عامر وغامر. طولها دون الشهر في عرض نيف وعشرين مرحلة، ودورها أكثر من ثلاثة أشهر. ليس فيها ما يتصل بالبر إلا مسيرة يومين، والحاجز بين بلاد الأندلس وافرنجة جبل.
قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية: إن الأندلس وقعت متوسطة بين الأرض كما هي متوسطة بين الأقاليم، فبعضها في الإقليم الرابع، وبعضها في الإقليم الخامس. وبها مدن كثيرة وقرى وأنهار وأشجار، وبها الرخص والسعة.
وبها معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد في كل ناحية، ومعدن الزئبق والكبريت الأحمر والأصفر والزنجفر الجيد والتوتيا، والشبوب على أجناسها والكحل المشبه بالأصفهاني. وبها من الأحجار الياقوت والبلور والجزع واللازورد والمغناطيس والشادنج، والحجر الذي يقطع الدم والحجر اليهودي والمرقشيثا وحجر الطلق. وبها أصناف الرياحين حتى سنبل الطيب والقسط والاشقاقل، وبها الانبرباريس والعود.
حكى العذري أن بعض الولاة ولى ناحية بشرة فشم رائحة العود، فوجدوا من دار رجل ضعيف ووجدوا عنده عوداً كثيراً يتقد به، فرأوه فإذا هو ذكي من عود الهند، فسئل عن موضع احتطابه فحملهم إلى جبل من جبال وفر، فحفروا وأخرجوا بقيته واشتهر بين الناس.
وأهل الأندلس زهاد وعباد والغالب عليهم علم الحديث، ويقع في بلاد الأندلس من الخدم والجواري المثمنات على غير صناعة بل على حسنهم بألف دينار. ولأهلها إتقان في جميع ما يصنعونه إلا أن الغالب عليهم سوء الخلق.
ومن عجائب الدنيا أمران: أحدهما المملكة الإسلامية بالأندلس مع إحاطة الفرنج من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من المسلمين، والآخر المملكةالنصرانية بساحل الشام مع إحاطة المسلمين من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من الإفرنج.
قال العذري في وصف الأندلس: إنها شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في أفاويهها وذكائها، اهوازية في عظم اجتنائها، صنفية في جواهرها، عدنية في سواحلها.
بها آثار عجيبة وخواص غريبة تذكر في مواضعها.
وبها البحر الأسود الذي يقال له بحر الظلمات، محيط بغربي الأندلس وشماليه، وفي آخر الأندلس مجمع البحرين الذي ذكره الله في القرآن. وعرض مجمع البحرين ثلاثة فراسخ، وطوله خمسة وعشرون فرسخاً، وفيه يظهر المد والجزر، في كل يوم وليلة مدان وجزران، وذلك ان البحر الأسود عند طلوع الشمس يعلو ويفيض في مجمع البحرين، ويدخل في بحر الروم، وهو قبلى الأندلس وشرقيها، ولونها أخضر ولون البحر أسود كالحبر. وإذا أخذته في الإناء لا ترى فيه السواد، فلا يزال البحر الأسود يصب في البحر الأخضر إلى الزوال، فإذا زالت الشمس عاد الأمر معكوساً فيصب البحر الأخضر في البحر الأسود إلى مغيب الشمس، ثم يعلو البحر الأسود ويفيض في البحر الأخضر إلى نصف الليل، ثم ينعكس الأمر فيعلو البحر الأخضر ويصب في البحر الأسود إلى طلوع الشمس، وهكذا على التواتر، ذلك تقدير العزيز العليم؛ وسئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: ملك على قاموس البحر إذا وضع رجله فيه فاض وإذا رفعها غاض.
وبها جبل فيه غار لا يرى أحد فيه النار، وإذا أخذت فتيلة مدهونة وشدت على رأس خشبة طويلة وأدخلت الغار، اشتعلت الفتيلة وتخرج مشتعلة.
وبها جبل بقرب الجبل الذي سبق ذكره، ترى على قلته النار مشتعلة بالليل، وبالنهار يصعد منه دخان عظيم.
وبها جبل عليه عينان بينهما مقدار شبرين، ينبع من إحداهما ماء حار ومنالأخرى ماء بارد. ذكرهما صاحب تحفة الغرائب وقال: أما الحارث فلو رميت فيه اللحم ينطبخ، وأما البارد فيصعب شربه لغاية برودته.
وبها جبل شلير لا يفارقه الثلج صيفاً ولا شتاء، وهو يرى من اكثر بلاد الأندلس لارتفاعه وشموخه، وفيه أصناف الفواكه من التفاح والعنب والتوت والجوز والبندق وغير ذلك، والبرد به شديد جداً؛ قال بعض المغاربة وقد اجتاز بشلير فوجد ألم البرد:

أقول ولا ألحى على ما أقوله ... كما قال قبلي شاعرٌ متقدّم:
يحلّ لنا ترك الصّلاة بأرضكموشرب الحميّا وهي شيءٌ محرّم
فراراً إلى نار الجحيم، فإنّهاأخفّ علينا من شلير وأرحم!
إذا هبّت الرّيح الشّمال بأرضكمفطوبى لعبدٍ في اللّظى يتنعّم
فإن كنت يوماً في جهنّم مدخليففي مثل ذاك اليوم طاب جهنّم!

وبها جبل الكحل. إنه بقرب مدينة بسطة؛ قالوا: إذا كان أول الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل، وهو كحل أسود لا يزال كذلك إلى نصف الشهر، فإذا زاد على النصف نقص الكحل، ولا يزال الذي خرج يرجع إلى تمام الشهر.
وبها نهر ابره؛ قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية: مخرج هذا النهر من عين يقال لها فونت ايبرهي، ومصبه في البحر الشامي بناحية طرطوشة، وامتداده مائتا ميل وعشرة أميال، يوجد فيه صنف من السمك عجيب يقال له الترحته لا يوجد في غيره البنة، وهو سمك أبيض ليس له إلا شوكة واحدة؛ كل ذلك عن العذري صاحب الممالك والمسالك الأندلسية.
وبها نهر أنه. مخرجه من موضع يعرف بفج العروس، ثم يغيض بحيث لا يبقى له أثر على وجه الأرض، ويحرج بقرية من قرى قلعة رباح يقال لها أنه، ثم يغيض ويجري تحت الأرض، ثم يبدو هكذا مراراً في مواضع شتى إلى أنيغيض بين ماردة وبطليوس، ثم يبدو وينصب في البحر المحيط. وامتداده ثلاثمائة وعشرون ميلاً؛ كل ذلك عن العذري.

أندلس



المراد بلفظ الأندلس إسبانيا الإسلامية وقد أطلق هذا الاسم في بادئ الأمر على شبه جزيرة (إيبريا) كلها على اعتبار أنها كانت في أيدي المسلمين ثم أخذ لفظ الأندلس يقل مدلوله الجغرافي شيئا فشيئا تبعا للوضع السياسي الذي كانت عليه الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة حتى صار لفظ الأندلس آخر الأمر قاصرا على غرناطة الصغيرة وهي آخر مملكة في أسبانيا وتقع في الركن الجنوبي الشرقي من شبه جزيرة (إيبريا) . وكلمة أندلس اشتقها العرب من كلمة (واندالوس) وهو اسم قبائل (الواندال) الجرمانية التي اجتاحت أوربا في القرن الخامس الميلادي واستقرت في السهل الجنوبي الأسباني وأعطته اسمها ثم جاء العرب وعربوا هذا الاسم إلى (أندلس) ، ويطلق الآن على المنطقة الجنوبية في أسبانيا باسم (أندلوسيا andalucia.) .