حضرموت

حضرموت


حَضْرَمَوْت


بالفتح ثم السكون، وفتح الراء والميم:
اسمان مركبان، طولها إحدى وسبعون درجة، وعرضها اثنتا عشرة درجة، فأما إعرابها فإن شئت بنيت الاسم الأول على الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف فقلت: هذا حضرموت، وإن شئت رفعت الأول في حال الرفع وجررته ونصبته على حسب العوامل وأضفته على الثاني فقلت: هذا حضرموت، أعربت حضرا وخفضت موتا، ولك أن تعرب الأول وتخير في الثاني بين الصرف وتركه، ومنهم من يضم ميمه فيخرجه مخرج عنكبوت،


(1) في رواية اخرى: صابت بدل صبت، ومن فوقه بدل شديدة.وكذلك القول في سرّ من رأى ورامهرمز، والنسبة إليه حضرميّ، والتصغير حضيرموت تصغير الصدر منهما، وكذلك الجمع، يقال: فلان من الحضارمة مثل المهالبة، وقيل: سميت بحاضر ميّت وهو أول من نزلها، ثم خفف بإسقاط الألف، قال ابن الكلبي: اسم حضرموت في التوراة حاضر ميت، وقيل: سميت بحضرموت بن يقطن بن عامر بن شالخ، وقيل: اسم حضرموت عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائلة بن الغوث بن قطن بن عريب ابن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ، وقيل:
حضرموت اسمه عامر بن قحطان وإنما سمي حضرموت لأنه كان إذا حضر حربا أكثر فيها من القتل فلقب بذلك، ثم سكّنت الضاد للتخفيف، وقال أبو عبيدة: حضرموت بن قحطان نزل هذا المكان فسمي به، فهو اسم موضع واسم قبيلة. وحضرموت:
ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر، وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف، وبها قبر هود، عليه السلام، ويقربها بئر برهوت المذكورة فيما تقدم، ولها مدينتان يقال لإحداهما تريم وللأخرى شبام، وعندها قلاع وقرى، وقال ابن الفقيه: حضرموت مخلاف من اليمن بينه وبين البحر رمال، وبينه وبين مخلاف صداء ثلاثون فرسخا، وبين حضرموت وصنعاء اثنان وسبعون فرسخا، وقيل: مسيرة أحد عشر يوما، وقال الإصطخري: بين حضرموت وعدن مسيرة شهر، وقال عمرو بن معدي كرب:

والأشعث الكنديّ، حين إذ سما لنامن حضرموت، مجنّب الذكران
قاد الجياد، علىّ وجاها أشريا،قبّ البطون نواحل الأبدان

وقال عليّ بن محمد الصليحي الخارج باليمن:

وألذّ من قرع المثاني عنده،في الحرب، ألجم يا غلام وأسرج
خيل بأقصى حضرموت أسدها،وزئيرها بين العراق ومنبج

وأما فتحها: فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان قد راس أهلها فيمن راسل فدخلوا في طاعته وقدم عليه الأشعث بن قيس في بضعة عشر راكبا مسلما، فأكرمه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما أراد الانصراف سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يولي عليهم رجلا منهم، فولى عليهم زياد ابن لبيد البياضي الأنصاري وضم إليه كندة، فبقي على ذلك إلى أن مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فارتدّت بنو وليعة بن شرحبيل بن معاوية، وكان من حديثه أن أبا بكر، رضي الله عنه، كتب إلى زياد بن لبيد يخبره بوفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، ويأمره بأخذ البيعة على من قبله من أهل حضرموت، فقام فيهم زياد خطيبا وعرّفهم موت النبي، صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى بيعة أبي بكر، فامتنع الأشعث بن قيس من البيعة واعتزل في كثير من كندة وبايع زيادا خلق آخرون وانصرف إلى منزله وبكر لأخذ الصدقة كما كان يفعل، فأخذ فيما أخذ قلوصا من فتى من كندة، فصيّح الفتى وضجّ واستغاث بحارثة بن سراقة بن معدي كرب بن وليعة ابن شرحبيل بن معاوية بن حجر القرد بن الحارث:
الولّادة يا أبا معدي كرب! عقلت ابنة المهرة، فأتى حارثة إلى زياد فقال: أطلق للغلام بكرته، فأبى وقال: قد عقلتها ووسمتها بميسم السلطان، فقال حارثة: أطلقها أيها الرجل طائعا قبل أن تطلقها وأنت كاره! فقال زياد: لا والله لا أطلقها ولا نعمة عين! فقام حارثة فحلّ عقالها وضرب على جنبهافخرجت القلوص تعدو إلى ألّافها، فجعل حارثة يقول:

يمنعها شيخ بخدّيه الشيبملمّع كما يلمّع الثوب

ماض على الرّيب إذا كان الريب
فنهض زياد وصاح بأصحابه المسلمين ودعاهم إلى نصرة الله وكتابه، فانحازت طائفة من المسلمين إلى زياد وجعل من ارتدّ ينحاز إلى حارثة، فجعل حارثة يقول:

أطعنا رسول الله ما دام بيننا،فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر؟
أيورثها بكرا، إذا مات، بعده،فتلك، لعمر الله، قاصمة الظهر!

فكان زياد يقاتلهم نهارا إلى الليل، وجاءه عبد له فأخبره أن ملوكهم الأربعة، وهم: مخوس ومشرح وجمد وأبضعة وأختهم العمرّدة بنو معدي كرب ابن وليعة في محجرهم قد ثملوا من الشراب، فكبسهم وأخذهم وذبحهم ذبحا، وقال زياد:
نحن قتلنا الأملاك الأربعة:
جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعه

وسمّوا ملوكا لأنه كان لكلّ واحد منهم واد يملكه، قال: وأقبل زياد بالسبي والأموال فمرّ على الأشعث بن قيس وقومه فصرخ النساء والصبيان، فحمي الأشعث أنفا وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومن معه وأصيب ناس من المسلمين وانهزموا، فاجتمعت عظماء كندة على الأشعث فلما رأى ذلك زياد كتب إلى أبي بكر يستمدّه، فكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية، وكان واليا على صنعاء قبل قتل الأسود العنسي، فأمره بإنجاده، فلقيا الأشعث ففضّا جموعه وقتلا منهم مقتلة كبيرة، فلجؤوا إلى النّجير حصن لهم، فحصرهم المسلمون حتى أجهدوا، فطلب الأشعث الأمان لعدّة منهم معلومة هو أحدهم، فلقيه الجفشيش الكندي واسمه معدان بن الأسود بن معدي كرب، فأخذ بحقوه وقال: اجعلني من العدّة، فأدخله وأخرج نفسه ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فقبضا عليه وبعثا به إلى أبي بكر، رضي الله عنه، أسيرا في سنة 12، فجعل يكلم أبا بكر وأبو بكر يقول له: فعلت وفعلت، فقال الأشعث: استبقني لحربك فو الله ما كفرت بعد إسلامي ولكني شححت على مالي فأطلقني وزوّجني أختك أمّ فروة فإني قد تبت مما صنعت ورجعت منه من منعي الصدقة، فمنّ عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وزوّجه أخته أمّ فروة، ولما تزوّجها دخل السوق فلم يمرّ به جزور إلا كشف عن عرقوبها وأعطى ثمنها وأطعم الناس، وولدت له أمّ فروة محمدا وإسحاق وأمّ قريبة وحبّانة، ولم يزل بالمدينة إلى أن سار إلى العراق غازيا، ومات بالكوفة، وصلّى عليه الحسن بعد صلح معاوية.

حضرموت


ناحية باليمن مشتملة على مدينتين، يقال لاحداهما شبام وللأخرى تريم، وهي بقرب البحر في شرقي عدن، وانها بلاد قديمة.
حكى رجل من حضرموت قال: وجدنا بها فخاراً فيه سنبلة حنطة وامتلأالظرف منها، وزناها كانت مناً، وكل حبة منها كبيضة دجاجة.
وكان في ذلك الوقت شيخ له خمسمائة سنة، وله ولد له أربعمائة سنة، وولد ولد له ثلاثمائة سنة؛ فذهبنا إلى ابن الابن قلنا: إنه أقرب إلى الفهم والعقل، فوجدناه مقيداً لا يعرف الخير والشر. فقلنا: إذا كان هذا حال ولد الولد فكيف حال الأب والجد؟ فذهبنا إلى صاحب الأربعمائة سنة فوجدناه أقرب إلى الفهم من ولده، فذهبنا إلى صاحب الخمسمائة سنة فوجدناه سليم العقل والفهم، فسألناه عن حال ولد ولده فقال: انه كانت له زوجة سيئة الخلق لا توافقه في شيء أصلاً، فأثر فيه ضيق خلقها ودوام الغم بمقاساتها، وأما ولدي فكانت له زوجة توافقه مرة وتخالفه أخرى، فلهذا هو أقرب فهماً منه. وأما أنا فلي زوجة موافقة في جميع الأمور مساعدة، فلذلك سلم فهمي وعقلي! فسألناه عن السنبلة فقال: هذا زرع قوم من الأمم الماضية كانت ملوكهم عادلة، وعلماؤهم أمناء، وأغنياؤهم أسخياء، وعوامتهم منصفة.
منها القاضي الحضرمي، رحمه الله، لما ولي القضاء أتى عليه سنتان لم يتقدم إليه خصمان، فاستعفى الملك وقال: إني آخذ معيشة القضاء ولا خصومة لأحد فالأجرة لا تحل لي! فاستبقاه الملك وقال: لعل الحاجة تحدث، إلى أن تقدمه خصيمان فقال أحدهما: اشتريت منه أرضاً فظهر فيها كنز قل له حتى يقبضها! وقال الآخر: إني بعت الأرض بما فيها والكنز له! فقال القاضي: هل لكما من الأولاد؟ قالا: نعم. فزوج بنت البائع من ابن المشتري، وجعل الكنز لولديهما وصالحا على ذلك.
وبها القصر المشيد الذي ذكره الله في القرآن، بناه رجل يقال له صد ابن عاد وذلك أنه لما رأى ما نزل بقوم عاد من الريح العقيم، بنى قصراً لا يكون للريح عليه سلطان من شدة إحكامه، وانتقل إليه هو وأهله، وكان له من القوة ما كان، يأخذ الشجرة بيده فيقلعها بعروقها من الأرض، ويأكل من الطعام مأكول عشرين رجلاً من قومه، وكان مولعاً من النساء، تزوج بأكثر من سبعمائةعذراء وولد له من كل واحدة ذكر وأنثى، فلما كثر أولاده طغى وبغى، وكان يقعد في أعالي قصره مع نسائه، لا يمر به أحد إلا قتله كائناً من كان، حتى كثر قتلاه فأهلكه الله تعالى مع قومه بصيحة من السماء، وبقي القصر خراباً لا يجسر أحد على دخوله لأنه ظهر فيه شجاع عظيم، وكان يسمع من داخله أنين كأنين المرضى، وقد أخبر الله تعالى عنهم وأمثالهم بقوله: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد، والبئر المعطلة كانت بعدن، سنذكرها إن شاء الله تعالى.
وبها قبر هود النبي، عليه السلام؛ قال كعب الأحبار: كنت في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في خلافة عثمان، رضي الله عنه، فإذا برجل قد رمقه الناس لطوله، فقال: أيكم ابن عم محمد؟ قالوا: أي ابن عمه؟ قال: ذاك الذي آمن به صغيراً، فأومأوا إلى علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال علي: ممن الرجل؟ فقال: من اليمن من بلاد حضرموت. فقال علي: أتعرف موضع الأراك والسدرة الحمراء التي يقطر من أوراقها ماء في حمرة الدم؟ فقال الرجل: كأنك سألتني عن قبر هود، عليه السلام؟ فقال علي: عنه سألتك فحدثني، فقال: مضيت في أيام شبابي في عدة من شبان الحي نريد قبره، فسرنا إلى جبل شامخ فيه كهوف ومعنا رجل عارف بقبره حتى دخلنا كهفاً، فإذا نحن بحجرين عظيمين قد أطبق أحدهما على الآخر، وبينهما فرجة يدخلها رجل نحيف، وكنت أنا أنحفهم، فدخلت بين الحجرين فسرت حتى وصلت إلى فضاء، فإذا أنا بسرير عليه ميت وعليه أكفان كأنها الهواء، فمسست بدنه فكان علباً، وإذا هو كبير العينين مقرون الحاجبين واسع الجبهة أسيل الخد طويل اللحية، وإذا عند رأسه حجر على شكر لوح عليه مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، أنا هود بن الحلود بن عاد رسول الله إلى بني عاد بن عوض ابن سام بن نوح، جئتهم بالرسالة وبقيت فيهم مدة عمري فكذبوني، فأخذهمالله بالريح العقيم فلم يبق منهم أحد، وسيجيء بعدي صالح بن كالوة فيكذبه قومه فتأخذهم الصيحة؛ قال له علي، رضي الله عنه: صدقت، هكذا قبر هود، عليه السلام.
وبها بئر برهوت وهي التي قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ان فيها أرواح الكفار والمنافقين، وهي بئر عادية قديمة عميقة في فلاة عميقة في فلاة وواد مظلم.
وعن علي، رضي الله عنه، قال: ابغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت بحضرموت فيه بئر ماؤها أسود منتن يأوي إليه أرواح الكفار.
وذكر الأصمعي عن رجل حضرمي انه قال: إنا نجد من ناحية برهوت رائحة منتنة فظيعة جداً فيأتينا الخبر أن عظيماً من عظماء الكفار مات.
وحكى رجل أنه بات ليلة بوادي برهوت قال: فكنت أسمع طول الليل يا دومه يا دومه، فذكرت ذلك لبعض أهل العلم فقال: إن الملك الموكل بأرواح الكفار اسمه دومه.
وبها ماء الخنوثة؛ قال ابن الفقيه: بحضرموت ماء بينها وبين النوب، من شربه يصير مخنثاً.

حضرموت


الإقليم المشهور في اليمن الجنوبي، وكان الرسول عليه السلام بعث إليه زياد بن لبيد.