لوط عليه السلام

أهداف المحتوى:


  • التعرف على لوط عليه السلام .
  • الإيمان به، وأنه رسول من عند الله، يدعو إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه .
  • معرفة فضله عليه السلام في مسارعته بالإيمان بإبراهيم عليه السلام .

الأحاديث:


أحاديث نبوية عن لوط عليه السلام
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ، قال : «يغفرُ اللهُ للوط، إن كان ليأوي إلى ركنٍ شديدٍ ».

عناصر محتوى المفردة:


المقدمة
  • المقدمة
المادة الأساسية
  • لوط عليه السلام هو ابن أخي ابراهيم الخليل عليه السلام، آمن به وآزره وهاجر معه - حين إذاه قومه - إلى أرض الشام، قال عز وجل عن إبراهيم عليه السلام : ﴿فآمن له لوط وقال إنّي مهاجر إلى ربي انه هو العزيز الحكيم﴾ فلمّا قدم لوط مع إبراهيم عليهما السلام إلى أرض الشام بعثه الله عز وجل إلى أهل قرية "سدوم " وما حولها من القرى يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر والمآثم والمحارم والفواحش التي لم يسبقهم بها أحد من بني ادم .
    دعوة لوط عليه السلام قومه :أرسل الله عز وجل لوطا عليه السلام إلى قوم قد تعدّوا حدود الله عز وجل أكبر تعدٍّ فعبدوا غيره وانغمسوا في ارتكاب الفواحش في مجالسهم جهارا من غير خجل ولا مروءة واقترفوا المنكرات التي لم يكن يألفها بني ادم ألا وهي إتيان الذكران من العالمين، وكانوا يقطعون السبيل على النّاس فينهبوا أموالهم ويعتدوا عليهم بغير حق .
    قال عزَّ وجل : ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء : 160-166] وقال عز وجل : ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف : 80].
    فلمّا دعاهم عليه السلام إلى الفطرة السليمة والأخلاق السويَّة من عبادة الله عز وجل وحده والتنزّه عن الخبائث والفعال القبيحة، ردّوا عليه بالمناقضة والتهديد والوعيد بأن يخرجوا نبيّهم الناصح ورسولهم الأمين من بينهم، قال الله عز وجل عنهم : ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل : 56].
    ولم يكتفوا بتهديد نبيّهم بالأذى، بل استعجلوا العذاب والبلاء تأكيدا لكفرهم وإشهارا لتكذيبهم نبيّهم لوط عليه السلام فقالوا : ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت : 29]، فدعا عليهم وغار الله لغيرته، وغضِب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث ملائكته الكرام لإهلاكهم .ابراهيم عليه السلام يجادل في قوم لوط .
    أرسل الله عز وجل ملائكته الكرام إلى لوط عليه السلام ليخبروه بأمر الله عز وجل وينجّوه ومن معه من المؤمنين، فمرّوا قبل ذلك على الخليل ابراهيم عليه السلام يبشّروه وامرأته سارة بإسحاق عليه السلام ثم سألهم الخليل عليه السلام عن خبرهم وما سبب إرسالهم فأخبروه بالخطب الجسيم والأمر الذي لا يردُّ، فما كان من الخليل عليه السلام إلا أن حاول استبطاء العذاب وذلك أنه كان يرجو أن يُنيبوا ويسلموا، ويقلعوا ويرجعوا ولات حين مناص، قال عز وجل : ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ(75)﴾ [هود : 75] فجعل إبراهيم عليه السلام يجادل في قوم لوط ولم يدر أنّه لا سبيل إلى هدايتهم فقد استحبّوا العمى على الهدى ورضوا بأسافل الأخلاق وأراذل الأفعال، وصار يُجادل الملائكة في ذلك قائلًا : إنَّ فيها لوطًا .
    فطمأنته الملائكة بقولها : ﴿نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين﴾ [العنكبوت : 32] عند ذلك سكنت نفس إبراهيم عليه السلام وسكن روعه ثمّ حسمت الملائكة المجادلة والمناقشة بقولها : ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ .
    دخول الملائكة قرى قوم لوط واستضافة لوط عليه السلام لهم وما لاقوه من أذى القوم :فلما فصلت الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام توجّهوا إلى قرى "سدوم "، ودخلوها في صور شبّان حِسان ابتلاء من الله واختبار ولتقام على أولئك القوم الحجّة، وليَبان عيبهم وفضيحتهم أمام نبيّهم عليه السلام .
    فلمّا دخلوا تلك الدّيار نزلوا بيت لوط عليه السلام يستضيفونه، فلمّا رآهم في هذه الصورة الحسنة والخلقة الجميلة النّضرة ظنّهم بشرا، وشقّ عليه مجيئهم وضاق بهم ذرعًا (أي لم يجد حيلة في عمل أي شيء فيرفض استضافتهم ) فلم يكن بدٌّ من استضافتهم وكان قومه قد نهوه عن استضافة الرّجال في قولهم : ﴿أولم ننهك عن العالمين﴾ فإنه لن يحول بينهم وبين مرادهم الخبيث مكانة نبي الله فيهم، قال عزَّ وجل في ذلك : ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود : 77].
    ما هي إلاّ لحظات حتى جاء قومه يُهرعون إليه مسرعين يريدون أضيافه بالفاحشة قال عز وجل : ﴿وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود : 77] وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها احد من العالمين .
    حاول لوط عليه السلام دفعهم وتذكيرهم بتقوى الله عز وجل فقال لهم : ﴿يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ " فعرض عليهم بنات قومه ونسائهم يتزوّجوهن ويعدلوا بهنّ عن الذكران، ثم قال لهم : ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود : 78-79].
    فلما رأى رسول الله لوط عليه الصلاة والسلام منهم الإعراض والعناد أجابهم جواب يائسٍ من ارعوائهم فقال : ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود : 80].
    عندئذ أخبرت الملائكة لوطًا عليه السّلام أنّهم رسل من عند الله عز وجل وأنَّ أولئك القوم لن يّصلوا إليك قالوا : ﴿يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ [هود : 81] ثم خرج إليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم فطمس أعينهم كما قال عز وجل في ذلك : ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر : 37] فانطلق القوم يتوعّدون لوطا عليه السلام وأضيافه بمجيء الصبح لينتقموا منهم، "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " فأمر الملائكة لوطا عليه السلام أن يسري هو وأهله من آخر الليل قبل الفجر بكثير حين تنام العيون ولا يدري أحد عن مسراهم وليتمّكنوا من البعد عن قريتهم فقالوا له : ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود : 81] وأمر الملائكة لوطًا عليه السلام والذين معه إذا خرجوا ألا يلتفتوا خلفهم إذا سمعوا صوت العذاب لا يصيبهم ما أصابهم وليكن همّهم النّجاة وقالوا لهم : ﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ [الحجر : 65].وأمّا امرأة لوط فإنّه مصيبها من العذاب ما أصاب قومها لأنّها كانت تشارك قومها في الإثم وتدلّهم على أضياف لوط إذا نزل به أضياف لتعينهم على المنكر .
    أخبِرَ لوط عليه السلام أن العذاب سوف يحلّ بهم بمُجرّد أن تشرق الشمس : ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ فكأن لوطًا عليه السلام استعجل ذلك فقيل له : ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ .
    وخرج لوط عليه السلام ومن معه من المؤمنين ولم يكن في القوم إلاّ بيتا واحدا من المسلمين وهو بيت لوط عليه السلام كما أخبر الله تعالى : ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(36)﴾ [الذاريات : 35-36].
    فما هو إلاّ أن أشرقت الشمس فنزل بهم العذاب الموعود قال عز وجل في ذلك : ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ [الحجر : 73] أي وقت شروق الشمس، وقال عزَّ وجل : ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(83)﴾ [هو : 83] وقال عز وجل : ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى(54)﴾ [النجم : 53-54] (والائتفاك : الانقلاب )، والمعنى أنه عز وجل قلب قراهم فأهوى بها منكّسة فجعل عاليها سافلها وغشّاها بمطر من حجارة صلبة محمّاة بنار شديدة الحرارة مُتتابعةُ .
ماذا نفعل بعد ذلك
  • أن نعرف أن مهمة الداعية الأولى هي الدعوة إلى تقوى الله، والأخذ بالأساليب الحكيمة لإخراج الناس مما هم فيه من فساد وضلال، وأن يكون عمل الداعية ليس تحصيلًا لأجر أو كسبًا لسمعة، بل الالتزام بأمر الله في الدعوة إلى دينه الحق، وإخراج الناس من حمأة الظلمات .
  • أن أصحاب الإيمان العميق، والخلق القويم، والغيورين على طهارة النفوس وأعراض الناس، يستميتون في الذب عن دينهم، وعن كل ما أمر الله تعالى بالدفاع عنه، وهذا ما رأيناه في قصة لوط عليه السلام، فلم يترك وسيلة من وسائل الترغيب أو الترهيب إلا طرقها .
  • اقتضت حكمة الله سبحانه أن تكون عقوبته العادلة للمجرمين متناسبة مع جرائمهم وقبائحهم، يؤكد ذلك، أن قوم لوط عليه السلام حين قلبوا الأوضاع، وتركوا ما أحله الله لهم، وانغمسوا فيما حرمه سبحانه، كانت العقوبة متسقة مع قبائحهم، حيث عاقبهم بأن جعل ما هو الأعلى من قريتهم هو الأسفل .

المحتوى الدعوي: