داود عليه السلام

أهداف المحتوى:


  • التعرُّف على داود عليه السلام .
  • الإيمان به، وأنه رسول من عند الله، يدعو إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه .
  • معرفة فضله عليه السلام، وحسن صوته بآيات الله .
  • معرفة قصصه التي قصها الله في القرآن، واستلهام العبر والعظات منها .

الآيات:


آيات قرآنية عن داود عليه السلام

﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ

التفسير والترجمة

﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

التفسير والترجمة

﴿ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

التفسير والترجمة

الأحاديث:


أحاديث نبوية عن داود عليه السلام
  • عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أَحَبَّ الصيام إلى الله صِيَامُ داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وكان يصوم يومًا ويُفطِرُ يومًا». شرح وترجمة الحديث
  • عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: «لقد أُوتيتَ مِزْمَاراً من مزامير آل داود». وفي رواية لمسلم: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: «لو رَأيتَنِي وأنا أستمع لقراءتك البارحة». شرح وترجمة الحديث
  • عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله ﷺ : «خُفف على داود عليه السلام القرآنُ فكان يأمر بدوابِّه فتُسرَج فيقرأ القرآن قبل أن تُسرَج دوابه، ولا يأكلُ إلا من عملِ يده ».

عناصر محتوى المفردة:


المقدمة
  • المقدمة
المادة الأساسية
  • (داود عليه السلام ): هو داود بن إيشا بن عويد بن عابر، إلى أن ينتهي النسب إلى يهوذا بن بعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . وقد جمع الله تبارك وتعالى له بين النبوة والمُلك وأنزل عليه الزبور .
    (مقدمة في بدء أمر داود ومكانته بين بني إسرائيل وبيان قوة جهاده في سبيل الله ): بعد وفاة هارون وموسى عليهما السلام تولى أمر بني إسرائيل نبيٌّ من أنبيائهم يُدعى يوشع بن نون عليه السلام، فدخل بهم بلاد فلسطين التي كانوا قد وُعدوا بها على لسان موسى عليه السلام في التوراة، وقام بأمره عليه الصلاة والسلام إلى وفاته، ولما توفي تولى أمرهم قضاة منهم وبقوا على ذلك مدة طويلة من الزمن، وفي هذه الفترة دَبَّ إلى بني إسرائيل الوَهَن والضعف وفشت فيهم المعاصي والمنكرات، ودخلت الوثنية وعبادة الأوثان والاصنام في صفوفهم فسلَّط الله تعالى عليهم الأمم القريبة منهم، فغزاهم العمالقة والآراميون والفلسطينيون وغيرهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من حروبهم مع أعدائهم .
    وكان بنو إسرائيل قد قتلوا كثيرًا من الأنبياء فسلَّط الله عليهم ملوكًا جبارين يسفكون دماءهم وسلط عليهم الأعداء من غيرهم، وكانوا إذا قاتلوا أحدًا من الأعداء يكون معهم (تابوت الميثاق ) وفيه ألواح موسى وعصاه وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة : ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة : 248].
    وقد كان بنو إسرائيل يُنصرون ببركته ولوجود التوراة بينهم منذ قديم الزمان وكان ذلك موروثًا لخلفهم عن سلفهم، فلم يزل بهم تماديهم على الضلال والفساد حتى إذا كانوا في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبهم هؤلاء الأعداء على أخذ التابوت فانتزعوه من بين أيديهم وأُخِذت التوراة من أيديهم ولم يبقَ من يحفظها فيهم إلا القليل .
    وفي هذه الحروب ماتَ ملكهم الذي كان يقودهم كمدًا وبقي بنو إسرائيل كالغنم بلا راع، حتى هيَّأ الله تبارك وتعالى لهم غلامًا يقال له “شمويل” نشأ فيهم وتولاه الله بعنايته وأنبته نباتًا حسنًا، ثم جعله الله نبيًا وأوحى إليه وبعثه إلى بني إسرائيل، وأمره بالدعوة إلى دينه الإسلام وتوحيده تعالى وترك عبادة الأصنام، فلما دعا قومه بني إسرائيل إلى دين الله طلبوا منه أن يُقيم عليهم ملكًا يُقاتلون معه أعداءهم لأنّ ملكهم كان قد هلك وباد فيهم، فكان من أمرهم ما قصّ الله تعالى علينا في القرآن يقول الله تبارك وتعالى : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَعَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾ ، أي وقد أخذت منا البلاد وسُبيت الأولاد، قال الله تعالى : ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة : 246]، أي ما وفَوا بما وعدوا بل نكلوا عن الجهاد إلا القليل منهم والله عليم بهم .
    وأوحى الله تعالى إلى نبيه يقال إنه شمويل والله أعلم أن يجعل عليهم "طالوت " مَلِكًا وكان رجلًا من أجنادهم ولم يكن من بيت المُلك فيهم، فملَّكه الله تعالى عليهم لقوته الجسمية والعلمية، ولكن بني إسرائيل تمردوا على توليه المُلك وقالوا لنبيهم : ﴿قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَال﴾ [البقرة : 247]، أي مع هذا هو فقير لا مال له يقومُ بالملك، وقد ذكر بعضهم أنه كان سقّاءً، فأجابهم نبيهم قائلًا : ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة : 247]، أي اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم وهو مع هذا قد وهبه الله وزاده بالعلم والجسم، فهو أشد قوة وصبرًا في الحرب ومعرفة بها، أي هو أتم علمًا وقوة في الجسم وقامة منكم .
    وأصبح "طالوت " مَلكًا على بني إسرائيل وأيّده الله تعالى على المُلك بعودة التابوت الذي فيه ألواح موسى وعصاه إليهم وكان قد نزع منهم على يد أعدائهم وكان هذا علامة على بركة مُلك “طالوت” عليهم، يقول تعالى : ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ [البقرة : 248].
    واختار مَلكهم "طالوت " الجنود الأقوياء الاشداء وخرج بهم لقتال عدوهم، وفي الطريق اشتدَّ بهم الظمأ في رحلة برية طويلة وشاقة وكانوا ثمانين ألفًا، ومروا في طريقهم بنهر قيل بين الأردن وفلسطين، فأراد ملكهم أن يختبرهم فأمرهم ألا يشربوا منه إلا من أخذ جرعة من الماء ليبل بها ظمأه، وكان ذلك اختبارًا وامتحانًا من "طالوت " لجنوده في قوة بأسهم وإرادتهم، قال الله تعالى :﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ [البقرة : 249].
    ولم يبقَ مع طالوت عليه السلام إلا عدد قُدِّر بثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا على عدد أصحاب الرسول ﷺ الذين كانوا معه في غزوة "بدر الكبرى "، وتابع بهم ملكهم "طالوت " لقتال أعدائهم الكافرين المشركين، وأما بقية الجنود الثمانين ألفًا فقد رجعوا حيث إن إرادتهم كانت ضعيفة خَوّارة، فلذلك لم يصحبهم طالوت معه لقتال خصومه المشركين والذين كان على رأسهم الملك “جالوت” الذي كان جبارًا طاغيًا يهابه الناس من بني إسرائيل .
    ولما جاوز طالوت عليه السلام والمؤمنون الذين بقوا معه النهر استقل أصحابه هؤلاء أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم ولجبروت ملكهم إلا قليلًا منهم ممن ثبَّت الله تعالى قلوبهم وقوّى عزيمتهم، وكان فيهم العلماء العاملون، لذلك أخذوا يثبتون إخوانهم المؤمنين ويقوون عزائمهم ويذكرونهم بنصر الله وأن النصر من عند الله ينصر من يشاء من عباده، يقول الله تعالى إخبارًا عن هذين الفريقين الذينَ جاوز بهم طالوت النهر لقتال الكافرين : ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة : 149].
    ولمّا تقدم طالوت ومن معه من المؤمنين من بني إسرائيل إلى جالوت ومن معه من المشركين وتصافوا للقتال، طلب ملكهم جالوت قبل بدء المعركة المبارزة فتقدم إليه فتى شجاع يُسمى داود وهو من سبط يهوذا بن يعقوب وكان هو وأبوه "إيش " في جيش طالوت .
    فلما أقبل داود على جالوت احتقره جالوت وازدراه وقال له : "ارجع فإني أكره قتلك " فما كان من داود إلا أن قال له بكل شجاعة وجُرأة : ولكني أحبُّ قتلك، ثم حصلت مبارزة بين “جالوت” الطاغية وبين داود عليه السلام، فقتل داودُ جالوتَ شرّ قتلة ثم التحم القتال، وانهزم جيش جالوت من المشركين شر هزيمة، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن ذلك :﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ َلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَاعَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾ [البقرة : 251]. وكان طالوت عليه السلام قد وعد داود إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته ويشركه في أمره، فوفى له وعده .
    ثم ءال الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله تعالى من النبوة العظيمة والعلم الوافر، ومنذ ذلك الحين لمع اسم داود بين شعب بني إسرائيل وتتابعت الانتصارات على يديه، وأعز الله تعالى بني إسرائيل بعد أن كانوا في ذل وهوان، وكان بنو إسرائيل قد اجتمعوا بعد وفاة ملكهم طالوت على مبايعة داود عليه السلام على المُلك فأصبح ملكهم وكان عمره لا يزيد على ثلاثين سنة وقد حكم شعبه بالعدل، وطبّق عليهم أحكام شريعة التوراة .
    (دعوته عليه الصلاة والسلام ): بلغ داود عليه الصلاة والسلام من العمر أربعين سنة فآتاه الله تعالى النبوة مع الملك وجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، فدعا داود عليه الصلاة والسلام قومه بني إسرائيل إلى تطبيق الشريعة التي أنزلت عليه وهي شريعة التوراة المبنية على الإسلام، والإيمان بأنه رب هذا العالم كله وأنه الذي خلقه وأبدعه وأنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله تعالى وحده، وأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه داود عليه الصلاة والسلام الزبور وفيه مواعظ وعِبر ورقائق وأذكار، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ولقد فضَّلنا بعضَ النَّبيِّنَ على بعضٍ وآتينا داودَ زبورًا﴾ [الإسراء : 55]، وقال تعالى : ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾ [البقرة : 251].
    (ما جاء في فضائل داود عليه الصلاة والسلام وشمائله ودلائل نبوته وكثرة عبادته لله تعالى ): أعطى الله تبارك وتعالى عبده داود عليه الصلاة والسلام فضلًا كبيرًا وحَباه من لدنه خيرًا عظيمًا، فقد كان داود عليه الصلاة والسلام حسن الصوت وكان عندما يصدح بصوته الجميل فيسبّح الله تعالى ويحمُده تسبح معه الجبال والطير يقول الله تعالى : ﴿ولقد ءاتيْنا داودَ مِنَّا فضلًا يا جبالُ أَوِّبي معهُ والطَّيرُ وأَلَنَّا لهُ الحديدَ﴾ [سبأ : 10]، ويقول تعالى : ﴿وسَخَّرنا معَ داودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ والطيرَ وكُنَّا فاعلين﴾ [الأنبياء : 79]، وكان داود عليه الصلاة والسلام إذا قرأ الزبور وما فيه من رقائق وأّذكار تكف الطيرُ عن الطيران وتقف على الأغصان والاشجار لتسمع صوته النديّ العذب وتسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه، وكذلك الجبال تُردد معه في العشي والإبكار تجيبُه وتسبح الله معه كلما سبح بكرة وعشيا وتعكف الجن والإنس والطير والدواب على صوته، يقول الله عز وجل : ﴿إنَّا سخَّرنا الجبالَ معهُ يُسَبِّحنَ بالعِشيِّ والإشراق (18) والطيرَ مَحْشورةً كلٌّ لَّهُ أوَّابٌ(19)﴾ [ص : 19]، وكان مع ذلك الصوت الرخيم سريع القراءة مع التدبر والتخشع فكان صلوات الله وسلامه عليه يأمر أن تسرج دابته فيقرأ الزبور كلَّه قبل أن تسرج، يقول النبي ﷺ : «خُفف على داود عليه السلام القرآنُ فكان يأمر بدوابِّه فتُسرَج فيقرأ القرآن قبل أن تُسرَج دوابه، ولا يأكلُ إلا من عملِ يده » [البخاري : 3417].والمراد بالقرآن في هذا الحديث الزبور الذي أنزله الله تعالى عليه وأوحاه إليه .
    ولقد ورد أن سيدنا محمدًا ﷺ وقف يومًا يستمع إلى صوت الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري وكان يقرأ القرآن بصوته العذب الحنون، فقال عليه الصلاة والسلام : «لقد أُعطيتَ مِزمارًا من مزامير آل داود »، فقال : يا رسول الله، أكنتَ تستمع لقراءتي؟ قال : «نعم »، فقال : لو علمتُ أنك تستمع لحبَّرتُه لك تحبيرًا . [متفق عليه ] أي لجمَّلته تجميلًا .
    وكان نبي الله داود عليه الصلاة والسلام مع هذه العظمة والمُلك والجاه الذي تفضل الله به عليه كثير العبادة لله سبحانه وتعالى ليلًا ونهارًا، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه يقوم الليل ويصوم في النهار ويقضي جزءًا كبيرًا من يومه في عبادة الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى :﴿واذكُر عبدَنا داودَ ذا الأيدِ إنَّهُ أوَّابٌ﴾ [ص : 17] ومعنى "ذا الأيد " أي ذا القوة في العبادة والعمل الصالح، فكان داود عليه السلام ذا قوة عالية في عبادة الله وطاعته عمل الصالحات إنه أوّاب مطيع لله .
    وقد ثبت في الصحيحين أنَّ رسول الله ﷺ قال : «أحبُّ الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحبُّ الصيامِ إلى الله صيامُ داودَ، كان ينام نصفَ الليل ويقوم ثلثه وينام سُدسَه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفرُّ إذا لاقى » [متفق عليه ].
    ومما أنعم الله تبارك وتعالى على داود عليه الصلاة والسلام أن علَّمه منطق الطير وألان له الحديد فكان بين يديه بإذن الله كالعجين، حتى كان يفتله بيده ولا يحتاج إلى نار ولا مطرقة فكان يصنع منها الدروع ليحصّن بها جنوده من الأعداء ولدرء خطر الحرب والمعارك .
    قال الله تبارك وتعالى : ﴿وألَنَّا لهُ الحديدَ (10) أنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وقَدِّرْ في السِّردِ(11)﴾ [سبأ : 10-11]، ويقول الله تعالى : ﴿وعلَّمناهُ صَنْعةَ لبوسٍ لكم لِتُحْصِنَكُم من بأسِكُم فهلْ أنتُم شاكرون﴾ [الأنبياء : 80]، ومن فضل الله تبارك وتعالى على عبده داود أن قوّى مُلكه وجعله منصورًا على أعدائه مُهابًا في قومه قال الله تعالى : ﴿وشَدَدْنا مُلكهُ وآتيناهُ الحِكمةَ وفَصْلَ الخِطابِ﴾ [ص : 20]، وقيل : معنى الحكمة أي النبوة، وأما فصل الخطاب فقد قيل : هو إصابة القضاء وفهم ذلك، وقيل : هو الفصل في الكلام وفي الحكم، وقيل : هو قوله في الخطاب، أما بعد .
    (قصة الخصمين مع داود عليه السلام ورد الفرية العظيمة على داود في هذه القصة ): قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ  * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ  * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ  * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص : 21-24].
    ليعلم أن بعض المفسرين أورد في تفسير هذه الآيات في قصة الخصمين مع نبي الله داود عليه السلام قصصًا إسرائيليات لا تليق بني الله داود الذي خصه الله تعالى بنبوته وأكرمه برسالته، لأنّ الأنبياء جميعهم تجب لهم العصمة من الكفر والرذائل وكبائر الذنوب وصغائر الخسة كما تقدم، لذلك لا يجوز الاعتماد على مثل هذه القصص المنسوبة للأنبياء ولا يجوز اعتقادها لأنها تنافي العصمة الواجبة لهم، لذلك ينبغي الاقتصار في فهم قصة الخصمين مع داود عليه السلام على ظاهر ما أوردها الله تعالى في القرآن .
    فقد جاء في تفسيرها أن ذينك الخصمين كانا في الحقيقة من البشر من بني آدم بلا شك وأنهما كانا مشتركين في نعاج من الغنم على الحقيقة، وأنه بغى أحدهما على الآخر وظلمه على ما نصّت الآية، وقد تسور هذان الخصمان محراب داود عليه السلام وهو أشرف مكان في داره، وكان داود عليه السلام مستغرقًا في عبادة ربه في ذلك المحراب فلم يشعر داود عليه الصلاة والسلام بالشخصين إلا وهما أمامه فلما قال لهما : من أدخلكما عليّ، طمأناه وقالا له : لا تخف، ثم سألاه أن يحكم في شأنهما وقضيتهما إلى آخر القصة التي نص الله تعالى عليها في القرآن .
    وقد امتحن الله تعالى نبيه داود عليه السلام في هذه الحادثة التي جرت معه مع هذين الخصمين، وأما استغفاره عليه الصلاة والسلام فلأجل الذنب الصغير الذي وقع فيه وهو أنه تعجل بالحكم على الخصم الآخر قبل التثبيت في الدعوى، وكان يجب عليه لما سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ولا يقضي عليه بالحكم قبل سؤاله، وقد تاب داود عليه السلام من ذلك الذنب الذي ليس فيه خسة ولا دناءة وغفر الله تعالى له هذا الذنب بنص القرآن الكريم قال الله تعالى :﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص : 25].
    فائدة : في تفسير قول الله تبارك وتعالى : ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص : 26].
    هذا خطابٌ من الله تبارك وتعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام، وفيه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور وحكام الناس أن يحكموا بين الناس بالحق والعدل واتباع الحق المنزل من عنده تبارك وتعالى لا ما سواه من الآراء والاهواء، وتوعّد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية من سلك غير ذلك وحكم بغير ذلك وضل عن سبيل الله بأنَّ لهم العذاب الشديد يوم القيامة، وقد كان نبي الله داود عليه الصلاة والسلام هو المقتدى به في ذلك الزمان في العدل وكثرة العبادة وأنواع القربات، قال الله تعالى : ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ : 13].
ماذا نفعل بعد ذلك
  • أن نعرف أنه نبي كريم من أنبياء الله، صاحب عبادة وذكر لله جلَّ في علاه .
  • أن نعرف شرف العلم النافع وأثره الحسن في صلاح الحياة، سواء كان علم دين أم علم دنيا .
  • أن نشكر الله تعالى على نعمه؛ فالشكر يزيد هذه النعمةَ ويبارك فيها ويحفظها، قال تعالى : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم : 7]. ومن شكر العلم : استعمالُه فيما يرضي الله تعالى، كنفع الناس به، والاستعانة به على صلاح الدنيا والدين، وهكذا كان نبي الله داود مع ابنه سليمان عليهما السلام، قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل : 15].
  • أن قوة الدولة يورث استقرارَ البلاد، أما إذا وهنت وصارت ضعيفة فإنه سيعيث الفسادُ فيها، وتنتشر الاضطرابات المتنوعة في ربوعها، وتؤول إلى الزوال والاضمحلال . وحكم داود عليه السلام حينما كان مبنيًا على القوة العادلة استقرت دولته وشعب بني إسرائيل الذي حكمه . قال تعالى : ﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾ [ص : 20]
  • أن كثرة علم الحاكم بالدين، وكثرة علمه بأمور الدنيا خاصة المتعلقة بالحكم من أسباب النجاح في الحكم، وهكذا كان داود عليه السلام .

تنبيهات:


  • الحذر من الإسرائيليات التي لا تراعي مكانة الأنبياء، وجليل قدرهم .