المعتزلة

مصطلحات ذات علاقة:


الْمُعْتَزَلَة


فرقة أسسها واصل بن عطاء . بعد أن تكلم واصل في حكم مرتكب الكبيرة، فقال : "إنه في منزلة بين المنزلتين " وكان في حلقة الحسن البصري، ثم اعتزله، بسبب هذه المسألة . ثم تطورت عقيدة المعتزلة، فأصبح لهم خمسة أصول مشهورة؛ وهي : العدل، والتوحيد، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد، والوعيد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر . ثم تفرقوا بعد ذلك إلى عدة فرق . جاء عن عباد بن العوام قال : "قدم علينا شريك بن عبد الله منذ نحو خمسين سنة . قال : فقلت له : يا أبا عبد الله إن عندنا قوماً من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث . قال : فحدثني بنحو من عشرة أحاديث في هذا . وقال : أما نحن، فقد أخذنا ديننا عن التابعين، عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فهم عمن أخذوا ." السنة لعبدالله بن أحمد :509. وورد عن ابن علية قال : "كان ابن عون، يقول : أمران أدركت الناس، وليس فيهم منها شيء، كلام هذه المعتزلة، والقدرية ." وكان أول من تكلم في القدر سنسويه بن يونس الأسواري، وكان حقيراً صغير الشأن . ثم تكلم معبد . وتكلم رجل من أهل كذا في المسجد . وكان القائل يقول : إن معبداً ليتكلم بشيء ما ندري ما هو، ثم رفض
انظر : الفرق بين الفرق للبغدادي، ص :114، 202، مقالات الإسلاميين للأشعري، ص :155، 278

أهداف المحتوى:


  • أن يتعرف على أصول المعتزلة .
  • أن يعرف أفكارهم ومعتقداتهم .
  • أن يعرف خطورة هذه الدعوة وشدة انحرافها .

الأحاديث:


أحاديث نبوية عن المعتزلة
  • عن عبد الله بن عمرو قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «إن بني إسرائيل تفرَّقت على ثِنْتين وسبعينَ مِلَّة، وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين مِلَّة، كلُّهم في النار إلا ملَّة واحدة »، قالوا : ومَن هي يا رسول الله؟ قال : «ما أنا عليه وأصْحابي ».
  • عن العِرباض بن سارية قال : صلى بنا رسولُ الله ﷺ ذاتَ يوم، ثم أقبل علينا فوعظَنا موعِظةً بليغةً ذرَفتْ منها العيونُ ووَجِلَت منها القلوبُ، فقال قائل : يا رسولَ الله، كأنَّ هذه موعظةُ مودِّع، فماذا تعْهَد إلينا؟ فقال : «أُوصيكمْ بتَقْوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ، وإنْ عبدًا حبشيًّا، فإنَّه مَن يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكم ومُحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ».

عناصر محتوى المفردة:


المقدمة
  • المقدمة
المادة الأساسية
  • (المعتزلة ): فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة . وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها : المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية .
    (التأسيس وأبرز الشخصيات ):اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال، واتجهت هذه الرؤية وجهتين :الوجهة الأولى : أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب :1/ أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين  .
    2/أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن : "اعتزلنا واصل3/ أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته .
    والوجهة الثانية : أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين .
    والواقع أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية لما سنرى في فقرة .
    (الجذور الفكرية والعقائدية ): قبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء، كان هناك جدل ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي وهذه المقولات نوجزها مع أصحابها بما يلي : مقولة أن الإنسان حر مختار بشكل مطلق، وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه قالها : معبد الجهني، الذي خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث، وقد قتله الحجاج عام 80هـ بعد فشل الحركة .كذلك قالها غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك .
    ومقولة خلق القرآن ونفي الصفات، قالها الجهم بن صفوان، وقد قتله سلم بن أحوز في مرو عام 128هـوممن قال بنفي الصفات أيضًا : الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة .
    ثم برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال (80هـ ـ 131هـ ) الذي كان تلميذًا للحسن البصري، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين (أي ليس مؤمنًا ولا كافرًا ) وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت، وقد عاش في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، والفرقة المعتزلية التي تنسب إليه تسمى : الواصيلة .
    ولاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسة الخمسة ـ التي سنذكرها لاحقًا ـ وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى، وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه .
     وفي العهد العباسي برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد وهو أحد رؤوس بدعة الاعتزال في عصره ورأس فتنة خلق القرآن، وكان قاضيًا للقضاة في عهد المعتصم .
    في فتنة خلق القرآن امتحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة، فسجن وعذب وضرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون وبقي في السجن لمدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق .لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ انتصر لأهل السنة وأكرم الإمام أحمد وأنهى عهد سيطرة المعتزلة على الحكم ومحاولة فرض عقائدهم بالقوة خلال أربعة عشر عامًا .
    في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ في بلاد فارس ـ وكانت دولة شيعية ـ توطدت العلاقة بين الشيعة والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضيًا لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي، وهو من الروافض المعتزلة، يقول فيه الذهبي : " وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعًا " ويقول المقريزي : " إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر .وممن برز في هذا العهد : الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي : " وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد ".بعد ذلك كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم .عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة .
    ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي : أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135 ـ 226 هـ ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها .
    أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، فقد تأثر بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته، وقادر بقدرة وقدرته ذاته … " انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76 . وتسمى طائفة الهذيلية .إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام (توفي سنة 231هـ ) وكان في الأصل على دين البراهمة (*) وقد تأثر أيضًا بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة ..
    وقال :بأن المتولدات من أفعال الله تعالى، وتسمى طائفته النظاميةبشر بن المعتمر (توفي سنة 226 هـ ) وهو من علماء المعتزلة، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال : إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفته البشرية .معمر بن عباد السلمي (توفي سنة 220 هـ ) وهو من أعظم القدرية فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله وتسمى طائفته : المعمرية .
    عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (توفي سنة 226هـ ) وكان يقال له : راهب المعتزلة، وقد عرف عنه التوسع في التكفير حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتسمى طائفته المردارية .ثمامة بن أشرس النميري (توفي سنة 213هـ )، كان جامعًا بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة . وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين . وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتسمى طائفته الثمامية .
    عمرو بن بحر : أبو عثمان الجاحظ (توفي سنة 256هـ ) وهو من كبار كتاب المعتزلة، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة، ونظرًا لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل، البيان والتبيين، وتسمى فرقته الجاحظيةأبو الحسين بن أبي عمر الخياط (توفي سنة 300هـ ) من معتزلة بغداد وبدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية .
    القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (توفي سنة 414هـ ) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الري وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية .
    (المبادئ والأفكار ): جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين : الأولى : القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز . حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك .
    الثانية : القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا ولا كافرًا ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلمًا باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمنًا . (ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول ):1/ التوحيد .2/ العدل . 3/ الوعد والوعيد . 4/ المنزلة بين المنزلتين . 5/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .1/ التوحيد : وخلاصته برأيهم، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل ﴿ليس كمثله شيء ﴾ ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس .
    وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها : استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات، وأن الصفات ليست شيئًا غير الذات، وإلا تعدد القدماء في نظرهم، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام .
    2/ العدل : ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، ولا يحب الفساد، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره، وأنه ولي كل حسنة أمر بها، بريء من كل سيئة نهى عنها، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه . وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية وإرادته الشرعية .3/ الوعد والوعيد : ويعني أن يجازي الله المحسن إحسانًا ويجازي المسيء سوءًا، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا أن يتوب .4/ المنزلة بين المنزلتين : وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر، وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة .
    5/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشرًا لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشادًا للغاوين كل بما يستطيع : فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السيف بسيفه وهكذا . ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق .
    ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل كليًّا في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلًا فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني : " المعارف كلها معقولة بالفعل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل، والحسن والقبيح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح .
    ولاعتمادهم على العقل أيضًا أوَّلوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها .
    ولاعتمادهم على العقل أيضًا، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، فقد زعم واصل بن عطاء : أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا : لا تقبل شهادتهم .
    وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط ـ كما نوهنا ـ وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك :(كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين )، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة، وما هذه الفرق التي عددناها آنفًا إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم، فأبو الهذيل العلاف له فرقة، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة، والجبائي له فرقة، فخالفه ابنه أبو هاشم عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا .
    وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية عامة وبالمنطق الصوري الأوسطي خاصة .وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم، ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعًا أسلوبهم في الجدال والحوار . ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين .
    ومن الردود قوية الحجة، بارعة الأسلوب، رد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عليهم في كتابه القيم : (درء تعارض العقل والنقل ) فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردًّا مفحمًا .. وبين أن صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفًا لصحيح النقل .(حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها ): أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة .أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها . أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهو ما يعرف بالأمور التوقيفية .ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة . خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور .ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من :1/ الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات .
    2/ العقل وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات3/ الوحي من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس، وما أعده الله في الدار الآخرة، وما أرسل من الرسل إلخ .وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء .
    (الجذور الفكرية والعقائدية ):هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي . وقيل : إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية ـ وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات .إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد موردًا من موارد الفكر الاعتزالي، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية .
    ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني .
    تأثر المعتزلة بفلاسفة اليونان في موضوع الذات والصفات، فمن ذلك قول أنبادقليس الفيلسوف اليوناني : "إن الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة، والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلها .وكذلك قول أرسطوطاليس في بعض كتبه "إن الباري علم كله، قدره كله، حياة كله، بصر كله .فأخذ العلاف وهو من شيوخ المعتزله هذه الأفكار وقال : إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرة وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته .
    وأخذ النظام من ملاحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجرأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة، أي أن الجسم يمكن أن يكون في مكان (أ ) ثم يصبح في مكان (ج ) دون أن يمر في (ب ) وهذا من عجائبه حتى قيل : إن من عجائب الدنيا : " طفرة النظام وكسب الأشعري .
    وإن أحمد بن خابط والفضل الحدثي وهما من أصحاب النظام قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النصراني مع الفكر الهندي وقالا بما يلي :1/ إن المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة .2/ إن المسيح تدرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسدة .3/القول بالتناسخ .4/ حملا كل ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول هو أول مبتدع وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات .
    يؤكد العلماء تأثير الفلسفة اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ وهو من مصنفي المعتزلة ومفكريهم فقد طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم ـ حتى إنه خلط وروج كثيرًا من مقالاتهم بعبارته البليغة .
    ومنهم من يرجع فكر المعتزلة إلى الجذور الفكرية والعقدية في العراق ـ حيث نشأ المعتزلة ـ الذي يسكنه عدة فرق تنتهي إلى طوائف مختلفة، فبعضهم ينتهي إلى الكلدان وبعضهم إلى الفرس وبعضهم نصارى وبعضهم يهود وبعضهم مجوس . وقد دخل هؤلاء في الإسلام وبعضهم قد فهمه على ضوء معلوماته القديمة وخلفيته الثقافية والدينية .(الفكر الاعتزالي الحديث ): يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد ..
    فألبسوه ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل … العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي .وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني ..
    فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية .. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل .. إلا من هذا القبيل .
    وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر .وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي .. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة .. مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد، والحدود، وغير ذلك .. فضلًا عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث .. إلخ .. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله .. وتحكيم العقل في هذه المواضيع . ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر .
    ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة والمرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه : " أستاذ الجيل " وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي " وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا . هذا في البلاد العربية .أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان، الذي منح لقب سير من قبل الاستعمار البريطاني . وهو يرى أن القرآن الكريم لا السنة النبوية هو أساس التشريع وأحلّ الربا البسيط في المعاملات التجارية . ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز لأنهم عانوا كثيرًا من جهاد المسلمين الهنود لهم .وجاء تلميذه سيد أمير علي الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة .ومن هؤلاء أيضًا مفكرون علمانيون، لم يعرف عنهم الالتزام بالإسلام .. مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية ) وهي من الفلسفة الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي .. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحييه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة .
    ومن هؤلاء أحمد أمين صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام، فهو يتباكى على موت المعتزلة في التاريخ القديم وكأن من مصلحة الإسلام بقاؤهم، ويقول في كتابه : ضحى الإسلام : " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة " ومن المعاصرين الأحياء الذين يسيرون في ركب الدعوة الإسلامية من ينادي بالمنهج العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة مثل الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور ..
    والدكتور حسن الترابي في دعوته إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول : " إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد عقلي كبير، وللعقل سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهادًا في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضًا .
    وهناك كتاب كثيرون معاصرون، ومفكرون إسلاميون يسيرون على المنهج نفسه ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد وتطويره، وتقييم الأحكام الشرعية، وحتى الحوادث التاريخية .. ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة ـ صاحب النصيب الأكبر في إحياء تراث المعتزلة والدفاع عنه ـ وخالد محمد خالد ومحمد سليم العوا، وغيرهم .
    ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة وبدوافع ذاتية وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه ـ اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي بدلًا من ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من الشريعة إلا رسمها ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب إتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة .
ماذا نفعل بعد ذلك

المحتوى الدعوي: