البعث

مصطلحات ذات علاقة:


الْبَعْث


عودة الأرواح إلى أجسادها . قال تعالى : ﱫﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﱪالتغابن :7
انظر : شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، 2/89 لوامع الأنوار للسفاريني، 2/157
تعريفات أخرى :

  • إحياء الله الموتى، وخروجهم من قبورهم أحياء؛ ليحاسبهم، ويجازيهم على أعمالهم .
  • إحياء الخلق للجزاء يوم القيامة .

أهداف المحتوى:


  • التعرُّف على معنى البعث .
  • الاستدلال على البعث من الكتاب والسُّنة .
  • الرد على منكري البعث .

الأحاديث:


أحاديث نبوية عن البعث
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «قال الله: كذَّبني ابنُ آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأمَّا تكذيبُه إيَّايَ فقوله: لن يعيدَني، كما بدأني، وليس أولُ الخلق بأهونَ عليَّ من إعادتِه، وأما شتمُه إيَّايَ فقوله: اتَّخذَ اللهُ ولدًا، وأنا الأحدُ الصمد، لم ألِدْ ولم أولَد، ولم يكن لي كُفْؤًا أحدٌ». شرح وترجمة الحديث
  • عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : قِيلَ يا رسولَ اللَّهِ ﷺ : ﴿يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج : 4]، ما أَطولَ هذا؟ ! فقال رسول الله ﷺ : «وَالَّذِي نَفْسُ مُحمَّدٍ بِيدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ على المؤمِنِ حَتَّى يَكونَ أَخَفَّ عليه مِن صلاةٍ مكتوبة يُصَلِّيهَا في الدُّنيا ».

نقولات عن المفردة


اقتباسات عن البعث
قال لقمان لابنه : يا بنيَّ، إن كنتَ تشكُّ في البعث فإذا نمتَ فلا تنتبه، فكما أنك تنتبه بعد نومك فكذلك تُبعث بعد موتك . معجم الأعلام : لقمان

أشعار عن المفردة


أشعار عن عن البعث
معجم الأعلام : أبو العتاهية
غدًا تُوفَّى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
معجم الأعلام : علي بن أبي طالب
ولو أنَّا إذا مِتْنا تُركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنَّا إذا مِتنا بُعثنا ونُسأل بعد ذا عن كل شي

قصص حول المفردة:


قصص عن البعث
  • عن سلمة بن سلامة بن وَقْشٍ، وكان من أصحاب بدر، قال : كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال : فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي ﷺ بيسير، فوقف على مجلس بني عبد الأشهل، قال سلمة : وأنا يومئذ أحدثُ مَن فيه سنًّا، علي بُرْدة، مضطجعًا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب، والميزان، والجنَّة، والنار فقال : ذلك لقوم أهل شِرك، أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثًا كائنٌ بعد الموت، فقالوا له : وَيْحك يا فلان ترى هذا كائنًا؟ إن الناس يُبعَثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة، ونار يُجزَون فيها بأعمالهم؟ قال : نعم، والذي يحلِفُ به لوَدَّ أنَّ له بحظِّه من تلك النار أعظمَ تنُّور في الدنيا، يحمونه ثم يُدخلونه إيَّاه فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غدًا، قالوا له : وَيْحك ! وما آية ذلك؟ قال : نبيٌّ يُبعَث من نحوِ هذه البلاد، وأشارَ بيده نحو مكةَ، واليمن، قالوا : ومتى تراه؟ قال : فنظر إليَّ وأنا من أحدثِهم سِنًّا، فقال : إن يستَنْفِدْ هذا الغلامُ عُمرَه يدركْه . قال سلمة : فواللهِ ما ذهب الليلُ والنهارُ حتى «بعث الله تعالى رسوله ﷺ، وهو حيٌّ بين أظهرنا » فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا، فقلنا : ويلَك يا فلان ! ألستَ بالذي قلتَ لنا فيه ما قلتَ؟ قال : بلى . وليس به .

عناصر محتوى المفردة:


المقدمة
  • المقدمة
المادة الأساسية
  • ﴿البعث ﴾: إحياء الله الموتى، وإخراجهم من قبورهم أحياء للحساب والجزاء، قال الإمام ابن كثير رحمه الله : "البعث : هو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة ".
    معاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين، واليهود، والنصارى، قال الجلال الدواني : هو أي -البعث - ثابت بإجماع أهل الملل، وبشهادة نصوص القرآن، بحيث لا يقبل التأويل، قال تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس : 77-79].
    (أدلة البعث من القرآن الكريم ):قال الله تعالى آمرًا نبيه أن يُقسم بربه سبحانه وتعالى على أن البعث حق لا ريب فيه، وأنه لا بد من وقوعه، ومحاسبة أولئك المكذبين الجاحدين له، وأن ذلك لا يُعجز الله تعالى؛ بل هو عليه يسير، فقال عز وجل : ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن : 7].
    وقال الله تعالى : ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة : 36-40].
    (أدلة البعث من السُّنة ):عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : «قال الله : كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأمَّا تكذيبه إيَّاي فقوله : لن يُعيدني كما بدأني، وليس أوَّل الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأمّا شتمُه إيَّاي فقوله : اتَّخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد، ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد » [البخاري : 4974].
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنَّ العاص بن وائل أخذ عظمًا من البطحاءِ ففتَّه بيده، ثم قال لرسول الله ﷺ : أيُحيي الله هذا بعد ما أرَم؟ فقال رسولُ الله ﷺ : «نعم، يميتُك الله، ثم يحييك، ثم يدخلك جهنَّم ».
    (أصناف منكري البعث ):1/ أنكروا المبدأ والمعاد : وزعموا أنَّ الأكوان تتصرف بطبيعتها، فتوجِد وتعدم من تلقاء نفسها، ليس لها رب يتصرَّف فيها، إنما هي أرحام تدفع، وأرض تبلع، وهؤلاء هم جمهور الفلاسفة الدَّهرية والطبائعية .
    2/ من الدهرية طائفة يُقال لهم : الدورية، منكرون للخالق أيضًا، ويعتقدون أنَّ في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أنَّ هذا قد تكرَّر مراتٍ لا تتناهى، فكابروا في المعقول وكذَّبوا المنقول، قبَّحهم الله تعالى، وهاتان الطائفتان يعمهم قوله عز وجل : ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ﴾ [الجاثية :24].
    3/ الدهرية من مشركي العرب : مُقِرُّون بالبداءة، وأنَّ الله تعالى ربُّهم وخالقهم : ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [الزخرف :87]، ومع هذا قالوا : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ  [الدخان :35]، فأقرُّوا بالبُداءة والمبدئ، وأنكروا البعثَ والمعاد، وهم المذكورون في حديث أبي هريرة الصحيح : «وأما تكذيبه إيَّاي فقوله : لَنْ يُعيدني كما بدأني، وليس أوَّل الخلقِ بأهون عليَّ مِنْ إعادته »4/ أقرُّوا بمعاد ليس على ما في القرآن : ولا فيما أخبَرَتْ به الرسل عن الله عز وجل، بل زعموا أنَّ هذا العالم يعدم عدمًا محضًا، وليس هو المعاد، بل عالم آخر غيره، فحينَئذٍ تكون الأرض التي تُحدِّث أخبارها، وتُخبر بما عُمل عليها من خير وشر، ليست هي هذه، وتكون الأجساد التي تُعذَّب وتُجازى وتَشهد على مَن عمِل بها المعاصي ليست هي التي أُعيدت بل هي غيرها، والأبدان التي تُنَعَّم في الجنة، وتُثاب ليست هي التي عمِلت الطاعة، ولا أنَّها تحوَّلت من حال إلى حال، بل هي غيرها، تُبتدأ ابتداءً محضًا، فأنكروا معاد الأبدان، وزعموا أنَّ المعادَ بُداءة أخرى .
    (الرد على منكري البعث ):الإيمان بالمعاد مما دلَّ عليه الكتاب والسُّنة، والعقل والفطرة السليمة، فأخبر الله سبحانه عنه في كتابه العزيز، وأقام الدليل عليه، وردَّ على منكريه في غالب سور القرآن، وذلك : أن الأنبياء عليهم السلام كلهم متفقون على الإيمان بالله، فإن الإقرار بالرب عامٌّ في بني آدم، وهو فِطري، كلهم يُقرُّ بالرب، إلا مَن عانَد كفرعون، هذا بخلاف الإيمان باليوم الآخر، فإن منكريه كثيرون، ومحمد ﷺ لما كان خاتم الأنبياء، وكان قد بُعث هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر المُقَفِّي، بيَّن تفضيل الآخرة بيانًا لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء .
    ولهذا ظنت طائفة من المتفلسفة ونحوهم، أنه لم يفصح بمعاد الأبدان إلا محمد ﷺ، وجعلوا هذه حجة لهم في أنه من باب التخييل والخطاب الجمهوري، والقرآن بيَّن معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع، وهؤلاء ينكرون القيامة الكبرى، وينكرون معاد الأبدان، ويقول مَن يقول منهم : إنه لم يخبر به إلا محمد ﷺ على طريق التخييل ! وهذا كذب، فإن القيامة الكبرى معروفة عند الأنبياء، من آدم إلى نوح، إلى إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم عليهم السلام، وقد أخبر الله بها من حين أُهبط آدم، فقال تعالى : ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ(25)﴾ [الأعراف : 24 - 25]، ولما قال إبليس اللعين : ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(38)﴾ [الحجر : 36- 38]، وأما نوح عليه السلام فقال : ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ [نوح : 17-18]، وقال إبراهيم عليه السلام : ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾  [الشعراء :82]، إلى آخر القصة .
    وقال : ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾  [إبراهيم :41]، وقال : ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى﴾  [البقرة :260]، وأما موسى عليه السلام، فقال الله تعالى : لما ناجاه : ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾  [طه :15-16]، بل مؤمن آل فرعون كان يعلم المعاد، وإنما آمن بموسى، قال تعالى حكايةً عنه : ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر :32-33]، إلى قوله تعالى : ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ [غافر :39]، إلى قوله : ﴿ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر : 46]، وقال موسى : ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف :156]، وقد أخبر الله في قصة البقرة : ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة :73]، وقد أخبر الله أنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، في آيات من القرآن، وأخبر عن أهل النار أنهم إذا قال لهم خزنتها : ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر :71]، وهذا اعتراف من أصناف الكفار الداخلين جهنم أن الرسل أنذروهم لقاء يومهم هذا، فجميع الرسل أنذروا بما أنذر به خاتمهم محمد ﷺ، من عقوبات المذنبين في الدنيا والآخرة، فعامة سور القرآن التي فيها ذكر الوعد والوعيد، يُذكر ذلك فيها : في الدنيا والآخرة، وأمر الله نبيه أن يُقسم به سبحانه على المعاد، فقال : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ [سبأ : 3].
    قال تعالى : ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس : 36]، فلو أراد أعلم البشر وأفصحهم وأقدرهم على البيان أن يأتي بأحسن من هذه الحجة، أو بمثلها بألفاظ تشابه هذه الألفاظ في الإيجاز، ووضوح الأدلة، وصحة البرهان لما قدر وما استطاع، فإنه سبحانه افتتح هذه الحجة بسؤال أورده ملحد، اقتضى جوابًا، فكان في قوله : ﴿وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ ما وفَّى بالجواب، وأقام الحجة، وأزال الشبهة، لما أراد سبحانه من تأكيد الحجة وزيادة تقريرها فقال : ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾  [يس : 79]، فاحتجَّ بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى؛ إذ كل عاقل يعلم ضروريًّا أن مَن قدر على هذه قدر على هذه، وأنه لو كان عاجزًا عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز، ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق، وعلمه بتفاصيل خلقه أتبع ذلك بقوله : ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ فهو عليم بتفاصيل الخلق الأول وجزئياته، ومواده وصورته، فكذلك الثاني، فإذا كان تامَّ العلم، كامل القدرة، كيف يتعذر عليه أن يحيي العظام وهي رميم؟ ثم أكد الأمر بحجة قاهرة، وبرهان ظاهر، يتضمن جوابًا عن سؤال ملحد آخر يقول : العظام إذا صارت رميمًا عادت طبيعتها باردة يابسة، والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها طبيعة حارة رطبة بما يدل على أمر البعث، ففيه الدليل والجواب معًا، فقال : ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس :80]، فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر، الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة، من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة، فالذي يخرج الشيء من ضده، وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها، ولا تستعصي عليه، هو الذي يفعل ما أنكره الملحد، من إحياء العظام وهي رميم، ثم أكد هذا بأخذ الدلالة من الشيء الأجل الأعظم، على الأيسر الأصغر، فإن كل عاقل يعلم أن مَن قدر على العظيم الجليل، فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر، فمَن قدر على حمل قنطار، فهو على حمل أوقية أشد اقتدارًا، فقال : ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾  [يس :81]، فأخبر أن الذي أبدع السموات والأرض على جلالتهما، وعظم شأنهما، وكبر أجسامها، وسعتهما، وعجيب خلقهما، أقدر على أن يحيي عظامًا قد صارت رميمًا، فيردها إلى حالتها الأولى، كما قال في موضع آخر : ﴿لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  ([غافر :57]، وقال : ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس :81]، ثم أكد سبحانه ذلك وبيَّنه ببيان آخر، وهو أنه ليس فعله بمنزلة فعل غيره، الذي يفعل بالآلات والكلفة، والنصَب والمشقة، ولا يمكنه الاستقلال بالفعل، بل لا بد معه من آلة ومعين، بل يكفي إن أراد أن يخلق قوله : كن، فإذا هو كائن كما شاءه وأراده، ثم ختم هذه الحجة بإخباره أن ملكوت كل شيء بيده، فيتصرف فيه بفعله وقوله : وإليه ترجعون، ومن هذا قوله سبحانه : ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى(40)﴾ [القيامة : 36-40]، فاحتجَّ سبحانه على أنه لا يتركه مُهملًا عن الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وأن حكمته وقدرته تأبى ذلك أشد الإباء، كما قال تعالى : ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ  ([المؤمنون : 115]، إلى آخر السورة، فإن مَن نقله من النطفة إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم شق سمعه وبصره، وركَّب فيه الحواس والقوى، والعظام والمنافع، والأعصاب والرباطات، وأحكم خلقَه غاية الإحكام، وأخرجه على هذا الشكل والصورة، التي هي أتم الصور وأحسن الأشكال، كيف يعجز عن إعادته وإنشائه مرة ثانية؟ أم كيف تقتضي حكمته وعنايته أن يتركه سُدًى؟ فلا يليق ذلك بحكمته، ولا تعجز عنه قدرته، فانظر إلى هذا الاحتجاج العجيب، بالقول الوجيز، الذي لا يكون أوجز منه، والبيان الجليل، الذي لا يتوهم أوضح منه، ومأخذه القريب الذي لا تقع الظنون على أقرب منه، وكم في القرآن من مثل هذا الاحتجاج، كما في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ إلى أن قال : ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج : 5- 7].
ماذا نفعل بعد ذلك
  • التفكُّر في عظمة الله، وقدرته .
  • المسارعة إلى الإيمان وعمل الصالحات، وترك السيئات .
  • قصر الأمل في هذه الدنيا، والاستعداد للرحيل .

عناصر إضافية لشرائح محددة


لغير المسلمين
  • إن الله تعالى على كل شيء قدير، فلا يعجزه بعث الأجساد بعد فنائها، ومن تمام النعيم في الجنة أن يكون بالجسد والروح .

المحتوى الدعوي: