غزوة تبوك

أهداف المحتوى:


  • التعرف على أحداث غزوة تبوك .
  • معرفة أهمية هذه الغزوة .
  • معرفة عظيم تضحية النبي ﷺ وصحابته رضوان الله عليهم لأجل هذا الدين .
  • معرفة حال من تخلف عن هذه الغزوة المباركة، ومعرفة فضل الصدق، وأنه منجاة .

الأحاديث:


أحاديث نبوية عن غزوة تبوك
  • عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَلَّمَا يُريد غَزْوَةً يَغْزُوها إلا وَرَّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك، فَغَزَاهَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حَرٍّ شَديدٍ، واستقبل سَفَراً بعيداَ ومَفَازَا، واستقبل غَزْوَ عَدُوٍّ كثير، َفَجَلَّى للمسلمين أَمْرَهم، لِيِتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهم، وأخبرهم بِوَجْهِهِ الذي يُريدُ». شرح وترجمة الحديث
  • عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما-، قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غَزَاةٍ، فقال: «إن بالمدينة لَرِجَالًا ما سِرْتُم مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُم وَادِيًا، إلا كانوا مَعَكُم حَبَسَهم المرضُ». وفي رواية: «إلا شَرَكُوكُم في الأَجْرِ». وعن أنس - رضي الله عنه - قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شِعْبَا، ولا واديا، إلا وهم معنا؛ حبسهم العذر». شرح وترجمة الحديث

عناصر محتوى المفردة:


المقدمة
  • المقدمة
المادة الأساسية
  • (غزوة تبوك ): هي الغزوة التي خرج الرسول محمد لها في رجب من عام  9ھـ بعد العودة من حصار الطائف بنحو ستة أشهر .
    (سبب الغزوة ): كانت هناك قوة تعرضت للمسلمين من غير مبرر، وهي قوة الرومان فقتلت سفير رسول الله ﷺ - الحارث بن عمير الأزدي - على يدي شرحبيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي ﷺ إلى عظيم بصرى، وأن النبي ﷺ أرسل بعد ذلك سرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان اصطدامًا عنيفًا في مؤتة، ولم تنجح في أخذ الثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم .
    ولم يكن قيصر ليصرف نظره عما كان لمعركة مؤتة من الأثر الكبير لصالح المسلمين، وعما كان يطمح إليه بعد ذلك كثير من قبائل العرب من استقلالهم عن قيصر، ومواطأتهم للمسلمين، إن هذا كان خطرا يتقدم ويخطو إلى حدوده خطوة بعد خطوة، ويهدد الثغور الشامية التي تجاوز العرب، فكان يرى أنه يجب القضاء على قوة المسلمين قبل أن تتجسد في صورة خطر عظيم لا يمكن القضاء عليها، وقبل أن تثير القلاقل والثورات في المناطق العربية المجاورة للرومان ونظرا إلى هذه المصالح لم يقض قيصر بعد معركة مؤتة سنة كاملة، حتى أخذ يهيئ الجيش من الرومان والعرب التابعة لهم من آل غسان وغيرهم، وبدأ يجهز لمعركة دامية فاصلة .
    وصل الخبر إلى قيادة الجيش الإسلامي بقيادة الرسول ﷺ وكان المسلمون في تلك الفترة في قحط شديد وبلاء عظيم وعسر وجدب وقلة ظهر وكان الجو شديد الحرارة في قوة حرارة الصيف الملتهب .
    وفي نفس الوقت كانت الثمار قد بدأت على النضج واقترب موعد حصاد الزروع وفوق هذا وذاك كان العدو بعيدًا جدًا جدًا من المسلمين والطريق وعرة والمسافة طويلة وليس مع المسلمين ما يكفيهم من المؤنة والمعونة .
    أصدر الرسول ﷺ قراره الحاسم رغم كل هذه الظروف الصعبة والأحوال الشديدة بأن يخوض المسلمون المعركة ضد الروم ولا يمهلونهم حتى يزحفوا إلى ديار الإسلام، وأعلن في الناس أن يتجهزوا للقتال وأعلن بكل صراحة ووضوح أنه يريد لقاء الروم ولم يوري لهم كما كان ﷺ يفعل في معاركه وغزواته السابقة .وحث الناس على الصدقات لتجهيز الجيش ونزلت آيات في سورة التوبة تحث المسلمين على الصدقات وتشجعهم على بذل الأموال وإنفاقها في سبيل الله .
    قام المسلمون الصادقون وأهل الإيمان الحقيقي بالتسابق في تجهيز الجيش وأنفق كل مؤمن صادق ما عنده لذلك فجاء سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه بمائتي بعير بأقتابها وأحلاسها وأنفقها في سبيل الله مع مائتي أوقية من الفضة وألف دينار من الذهب فنشرها في حجر رسول الله ﷺ فقال النبي ﷺ «ما ضرَّ عثمانَ ما عمِلَ بعدَ اليوم » فزاد عثمان رضي الله عنه في صدقته حتى بلغت تسعمائة بعير ومائة فرس .
    وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية من الفضة وجاء أبو بكر رضي الله عنه بماله كله فأنفقه في سبيل الله وجاء عمر بنصف ماله وجاء العباس بمال كثير وتتابع الناس قي صدقاتهم قليلها وكثيرها وبعثت النساء المؤمنات صدقاتهن وأخرجن أعضادهن وأقراطهن وخواتيمهن صدقة لله وفي سبيل الله .
    أما أهل النفاق ومن كان في قلوبهم مرض فلم يأتوا بشيء وأخذوا يسخرون من هؤلاء ويستهزئون ممن شارك وتصدق فمن جاء بمال كثير قالوا ما جاء به إلا رياء وسمعة ومن جاء بمال قليل همزوه ولمزوه وقالوا له إن الله ورسوله غني عن ما جئت به فأنزل الله سبحانه وتعالى : ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة : 79].
    تجهز الجيش الإسلامي واستعمل النبي ﷺ على المدينة محمد بن مسلمة وخلف على أهله علي بن أبي طالب فأراد علي اللحاق مع رسول الله ﷺ فرده النبي ﷺ إلى المدينة وقال له : «ألا ترضى أن تكونَ مني بمنزلةِ هارونَ من موسى » [متفق عليه ].فغمص المنافقون وأخذوا يتكلمون على رسول الله ﷺ ويبثون الدعايات والأراجيف ويقولون أنه ردّ علي ولم يسمح له بالذهاب إلى الغزوة نظرًا لقرابته من رسول الله ﷺ .
    وبدأت البلابل والأراجيف وقام المنافقون بالتململ والاعتذار عن المشاركة في الغزوة وخافوا على أنفسهم من القتل والأسر بسبب قوة الروم وكثرتهم وأخذوا يثبطون المسلمين ويوهنون عزائمهم ويبثون بينهم الخوف والفزع ويقولون لهم غدًا سنراكم مقيدين في السلاسل ونسمع أخباركم بأنكم أسرى عند الروم وقال بعضهم لبعضٍ : أتحسبون جلاد بني الأصفر، كقتال العرب بَعضِهم لبعض؟ واللهِ لكأنَّا بكم غدًا مقرَّنين في الحِبال، إرجافًا وترهيبًا للمؤمنين ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ  (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾ [التوبة : 51].
    وأنزل الله فيهم ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ  (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)﴾ [التوبة : 48].وجاء الجد بن قيس وكان منافقًا فاعتذر عن اللحاق بالجيش الإسلامي خشية أن تفتنه نساء الروم (نساء بني الأصفر ) وقال : يا رسول الله، ائذن لي ولا تفتنِّي .
    فأنزل الله : ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة : 49].
    ولم يكتفي المنافقون بذلك بل أخذوا يستهزئون بأهل الإيمان ويسخرون منهم وقالوا " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، وأكذب ألسنة، وأجبن عند اللقاء فلما سمع رسول الله ﷺ مقالتهم ووصل إليه خبرهم اعتذروا عن هذا الكلام القبيح وقالوا إنما قلناه على سبيل الهزل واللعب وليس على سبيل الجد والحقيقة فأنزل الله فيهم ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ  (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (66)﴾ .
     ومن المنافقين من تعذر بالحر ورضي لرسول الله ﷺ أن يذهب في الحر ولم يرضى لنفسه الحر وكأنه خير من رسول الله ﷺ فأنزل الله فيهم : ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)﴾ إلى أن قال الله : ﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة : 81-85].
    وقال عنهم : ﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا ﴾– أي لو كانت المسافة إلى الروم قريبة والسفر مناسبًا - ﴿ لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ﴾ – أي المسافة - ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ﴾ – يحلفون كذبًا ونفاقًا - ﴿ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾ – بهذه الأيمان الكاذبة والحلف الزائف - ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [التوبة : 42] وقال : ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة : 46].
    فلامهم الله على قعودهم مع القاعدين والعجزة والنساء وعدم مشاركتهم في الغزوة وهجر النبي ﷺ ثلاثة من الصحابة لأنهم لم يخرجوا معه في الغزوة وآثروا الراحة والدعة ثم تاب الله عليهم بعد الغزوة عندما تابوا واعتذروا لرسول الله ﷺ فأنزل الله فيهم ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة : 118].
    تحرك المسلمون إلى تبوك في جيش عرمرم بلغ قوامه ثلاثون ألف مقاتل لم يخرج المسلمون في جمع مثله قط إلا أن إمكانيات المسلمين لم تكفي لهذا العدد الهائل فكان كل ثمانية عشر رجلًا يتعقبون بعيرًا واحدًا ولم يكفيهم الأكل والمؤنة فأكلوا أوراق الشجر ونفد عليهم الماء فاضطروا إلى ذبح بعير مع حاجتهم إليه ليشربوا ما في كرشته من الماء حتى سمي ذلك الجيش جيش العسرة ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة : 117].
    وجاء فقراء الصحابة ومن لم يجد شيئًا يجهز نفسه به فطلبوا من رسول الله ﷺ أن يجهزهم ليشاركوا في قتال الروم فقال لهم رسول الله ﷺ لا أجد ما أحملكم عليه فأخذوا ينوحون ويبكون شوقًا للذهاب والمشاركة فأنزل الله فيهم : ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة : 92].
    واصل الجيش الإسلامي المسير في جَهد جهيد وبلاء شديد وظمأ عظيم حتى وصلوا إلى واد يسمى وادي القرى – كانت فيه ديار ثمود الذين أنزل الله عليهم العذاب – فاستقى الصحابة من آبار الوادي وقاموا بتعبئة الماء فلما رآهم رسول الله ﷺ قال لهم لا تشربوا من مائها ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئًا ولا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم وقنع رسول الله ﷺ رأسه وأسرع في المشي حتى اجتاز الوادي .
    فنفّذ الناس الأمر وسكبوا الماء مع أنهم في ظمأ شديد وحر قاتل حتى اشتد بهم الظمأ واحتاجوا حاجة ماسة للماء فاشتكوا إلى رسول الله ﷺ فدعا الله سبحانه وتعالى فأرسل الله جل وعلا سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس وحملوا معهم حاجتهم من الماء وكان المسلمون يجمعون بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم وتأخير .
    وصل الجيش الإسلامي إلى تبوك – أرض المعركة – فقام رسول الله ﷺ في الناس فخطبهم خطبة بليغة حظهم فيها على خير الدنيا والآخرة وحذر وأنذر وبشر وأبشر ورفع معنوياتهم عاليًا وجبر ما كان فيهم من النقص والخلل وقلة الزاد والمئونة .
    فلما سمع الرومان بوصول الجيش الإسلامي إلى تبوك وزحفه نحوهم أخذهم الخوف وسيطر عليهم الرعب ولم يجرؤ على اللقاء والتقدم فخافوا وتفرقوا في البلاد حتى أن بعض القبائل المتنصِّرة التابعة للروم جاءت تصالح المسلمين خوفًا منهم وأيقنوا أن اعتمادهم على أسيادهم الروم لن يغني عنهم شيئًا وأن من مصلحتهم أن يجنحوا في الولاء لصالح المسلمين .
    وهنا رجع الجيش الإسلامي إلى المدينة معززًا منصورًا لم ينل كيدًا ولم يحدث بينهم وبين عدوهم قتالًا وفي أثناء الرجوع وقعت جريمة عظيمة وخطة خطيرة دبرها المنافقون لاغتيال النبي ﷺ والفتك به حيث كانوا يتربصون به ويتحينون الفرصة ويترقبون اللحظات التي يكون فيها النبي ﷺ لوحده ليس عنده أحد .
    فبينما كان النبي ﷺ على العقبة وليس معه غير عمار بن ياسر يقود بزمام ناقته وحذيفة بن اليمان يسوقها انتهز المنافقون الفرصة وجاءوا وهم متلثمون يريدون اغتيال رسول الله ﷺ فأرعبهم الله وكشف خطتهم وعرفهم الرسول ﷺ وسمى لحذيفة أسمائهم وأنزل الله فيهم ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة : 74].
    رجع النبي ﷺ إلى المدينة بعد أن غاب عنها خمسين يومًا منها عشرون يومًا قضاها في تبوك نفسها فلما وصلوا استقبلهم المسلمون في المدينة استقبالًا حافلًا وفرحوا بقدومهم ورجوعهم وخرج الأطفال والنساء يرحبون بهم بحفاوة بالغة فلما رأى النبي ﷺ معالم المدينة من بعيد قال : «هذه طابة، وهذا أحد، جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه ».
    وفي الطريق تذكر الرسول ﷺ أصحابه الذين لم يستطيعوا اللحاق معهم فقال للصحابة : «إن بالمدينة رجالًا ما سِرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر »، قالوا : يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال : وهم بالمدينة .
    هكذا كانت غزوة تبوك لم يحدث فيها حرب ولا قتال وإنما كانت حربًا نفسية كشفت المنافقين وأظهرت زيفهم ونفاقهم وظهرت بلبلتهم وانكشف إرجافهم وخبثهم وعلم المسلمون خورهم وجبنهم وأنهم يعملون فقط لهدم الدين ومحاربة المؤمنين وشق عصى المسلمين حتى أنهم استغلوا فرصة غياب النبي ﷺ عن المدينة فبنوا لهم مسجدًا داخل المدينة متعللين أنهم بنوه لتسهيل الصلاة على ضعفاء المسلمين وتقريب المسافة لهم وفي الحقيقة كانوا يريدون شق الصف وجعله وكرًا ومقرًا للدسائس والمؤامرات .
    فلما جاء الرسول ﷺ من الغزوة طلبوا منه الصلاة فيه فأنزل الله ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ  (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)﴾ [التوبة : 107-108] ﴿ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة : 110] فقام النبي ﷺ بهدم هذا المسجد وإحراقه بالنار .
ماذا نفعل بعد ذلك
  • نتعلم كيف يكون الانتصار على النفس وهضم حقها في سبيل خدمة هذا الدين .
  • تقديم محاب الله جلَّ في علاه، وما يرضاه على ما تحبه النفس وتهواه .
  • نعرف فضل المسارعين للإنفاق في سبيل الله من الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنهم -.
  • نعرف خطر المنافقين، وعظيم جرمهم وحقدهم على الإسلام وأهله .
  • نعرف فضيلة الصدق كما في قصة كعب بن مالك وصاحبيه – رضي الله عنهم -ونتمثل الصدق الذي هو منجاة .
  • نعلم صبياننا هذه الغزوة المباركة .