عيد الفطر 1422هـ

عناصر الخطبة

  1. الفرح المشروع بالعيد
  2. تداعي الأعداء على الأمة المسلمة
  3. ثوابت ومسلمات لا ينبغي التفريط فيها: (حاكمية الشريعة – الموالاة للمؤمنين– استمرارية الجهاد – الأمر بالمعروف – تحريم الربا – لزوم الجماعة – حرمة الزنا والفواحش)
  4. وجوب لزوم الجماعة
  5. توجيهات للنساء
اقتباس

واعلموا أن مما شرعه الله لأمة الإسلام أن جعل لهم فسحةً في دينهم يجتمعون فيه على طاعة الله، يحمدون الله على ما منّ عليهم من إتمام الشهر، وليكبروا الله على ما هداهم، وبفضل الله فليفرحوا هو خير مما يجمعون, وهذه الفسحة هي هذا اليوم، وهو عيد الفطر المبارك، ويوم الأضحى، ويوم الجمعة من…

الخطبة الأولى:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن من أعظم ما أمركم الله به ما وصى به الذين أوتوا الكتاب من قبلنا وإيانا قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]. فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن مما شرعه الله لأمة الإسلام أن جعل لهم فسحةً في دينهم يجتمعون فيه على طاعة الله، يحمدون الله على ما منّ عليهم من إتمام الشهر، وليكبروا الله على ما هداهم، وبفضل الله فليفرحوا هو خير مما يجمعون, وهذه الفسحة هي هذا اليوم، وهو عيد الفطر المبارك، ويوم الأضحى، ويوم الجمعة من كل أسبوع.

واعلموا -عباد الله- أن الفرح ومشروعيته لا تعني جواز ارتكاب المحظورات، بل إن الفرح في هذا اليوم أساسه أن الله أتم على العبد النعمة، ووفقه للقيام بالطاعة والانكفاف عن المعصية, فلا تدنسوا صحائفكم بسماع الحرام من الموسيقى والغناء، أو النظر الحرام، أو الكلام المحرم، أو اللباس المحرم فاحفظوا جوارحكم واشكروا ربكم لتسعدوا برضاه.

واعلموا عباد الله: إنكم مستهدفون من أعداء الإسلام، من المشرق والمغرب، ومن جميع طوائف الأرض ومللها من يهود، ونصارى، ووثنيين، وملاحدة، وإنهم ليتكالبون على المسلمين, كما وصفهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما يتداعى الأكلة إلى قصعتها، وهل رأيتم -عباد الله- قصعة تكالب عليها الأعداء أكبر من قصعة الإسلام، وما تلكم الهجمة الشرسة للإعلام الأمريكي، ومن ورائه الأوروبي على بلادنا بلاد الإسلام إلا امتدادٌ للحملة الصليبية على المسلمين.

ولكن, ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21], إن هذا الدين عزيز، وإن الله ناصره، ومظهره، والعاقبة لأهله. فينبغي على أمة الإسلام أن تتنبه للخطر العظيم القادم، وأن لا تساوم على شيء من دينها ومبادئها، وثمة ثوابت في ديننا لا يجوز عرضها للمساومة أو النقاش.

والمقصود بالثوابت هو القطعيات ومواضع الإجماع التي أقام الله بها الحجة بينة في الكتاب، أو على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولامجال فيها لتطوير أو اجتهاد، ولا يحل الخلاف فيها لمن علمها.

ينبغي على الأمة أن تعيش واقعها وأن تجند الطاقات للعمل الجاد المثمر النافع, وسوف نتعرض لبعض هذه الثوابت والمسلمات بشيءٍ من الإيجاز:

فمن ذلك أن شريعة الإسلام موضوعة لإخراج المكلفين عن داعية أهويتهم حتى يكونوا عباداً لمولاهم, ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56], ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ [الأنعام: 162، 163]. وإن الحجة القاطعة والحكم الأعلى إنما هو للشرع، لا غير, فلا تحل معارضته بذوق، أو وجد، أو رأي أو قياس، وإن قواطع الشريعة تتمثل في نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والأصل في فهم الكتاب والسنة أن يكون على منهج السلف الصالح، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان الفرقة الناجية: "ما أنا عليه وأصحابي" ولم يقل ما أنا عليه فقط. وقال الأوزاعي -رحمه الله-: "اصبر نفسك على السنة، وقِف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم".

ومن الثوابت أن يكون الشرع حاكماً غير محكوم، وقائداً غير مقود، وموجِهاً غير موجَه. فمن مسلمات الدين أن يكون الشرع محكّما في كل القضايا، العقدية والأخلاقية، والسياسية  والاقتصادية، والمعاملات الشخصية، وغيرها من القضايا, ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65], ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)﴾ [النساء: 60، 61].

ومن مسلمات الدين الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين، وأن ذلك شرط في ثبوت عقد الإيمان. قال تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ [آل عمران: 28] ، يقول الطبري -رحمه الله-: ﴿فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ [آل عمران: 28] يعني بذلك: فقد بريء من الله، وبريء الله منه، بارتداده ودخوله في الكفر.

ولابد -عباد الله- من إظهار الولاء للمؤمنين أينما كانوا في مشارق الأرض أو مغاربها، وإظهار البغض للكافرين بل والعداوة لهم أيضا أينما كانوا في مشارق الأرض أو مغاربها. وإن ذلكم -عباد الله- هو سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي أمرتم بالاقتداء بها قال سبحانه: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله، أوجب بغض أعداء الله، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [المائدة: 81], وقال: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]، فيجب علينا مناصرة إخواننا المسلمين في كل مكان وفي كل المحافل، على المستوى العام، والمستوى الفردي، والشخصي، بجميع أنواع المناصرة والتأييد، باللسان، والأبدان، والأموال، لأن هذا هو لازم أخوة الإيمان، ولا أقل -عباد الله- من الدعاء لهم.

ومن مسلمات الدين -عباد الله- أن الله ناصر دينه، ومعلٍ كلمته، وأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وأن أحداً من أهل الأرض لا يستطيع إيقافه؛ لأنه جاءنا به الخبر عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- قال  كما عند أبي داود وغيره عن أنس ابن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ".. والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.." قال صاحب العون في شرح هذا الحديث: "والجهاد ماض منذ بعثني الله": أي من ابتداء زمان بعثني الله. "إلى أن يقاتل آخر أمتي": يعني عيسى أو المهدي "الدجال" وبعد قتل الدجال لا يكون الجهاد باقياً.

إن العالم اليوم -إلا من رحم- الله يقف بكل قواه العقدية و السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والشعبية، يقف وقفة واحدة بكل ما أوتي من قوة، أمام شعيرة من شعائر ديننا الحنيف ألا وهي شعيرة الجهاد في سبيل الله تعالى، تلك الشعيرة التي فرضها الله علينا بقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وبقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة: 73], وقوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29]، وقال في آخر ما نزل في حكم الجـهاد مـؤكداً علـيه ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5].

هذه الشعيرة التي حاول الكفار طمسها ويسمونها بأسماء ينفرون منها، ويشوهون أهداف الجهاد النبيلة وغاياته العظيمة، وساعدهم المنافقون أيضاً على تشويهها والتحجير عليها بسبل شيطانية شتى، فتارة يقولون بأن الجهاد جهاد دفع لا طلب، أو قالوا بأن الجهاد يشرع لتحرير الأرض المحتلة فقط. فاعلموا -عباد الله- حقيقة ما شرعه الله لكم.

واعلموا -عباد الله- علم اليقين أن المسلمين إذا تخلوا عن فريضة الجهاد وراموا إدراك حقوقهم بوسائل السلم التي يزعمون فإن ذلك محال ودونه خرط القتاد. بل لو ترك المسلمون قتال الكافرين فإن الكافرين لن يتركوا قتالهم قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217], قال ابن سعدي -رحمه الله-: "وهذا الوصف عام لكل الكفار، لا يزالون يقاتلون غيرهم، حتى يردوهم عن دينهم، وخصوصا أهل الكتاب، من اليهود والنصارى" .انتهى.

 واعلموا -عباد الله- أن الله قد وعد نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن لا يأتي على هذه الأمة زمن لا يكون لهم فيه ظهور، حتى يأتي أمر الله، جاء في الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم عن جابر -رضي الله عنه-: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" وفي لفظ للبخاري: "لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم" وفي لفظ لأحمد: "لا يبالون من خالفهم أو خذلهم". قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عن هذا الحديث: " قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون, ومنهم فقهاء, ومنهم محدثون, ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر, ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير, ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض". وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة ; فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الآن , ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث " أهـ كلامه.

لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجا *** فلله أوسٌ قادمون وخزرجُ

وإن كنوز الغيب لتخفي طلائعـا *** صابرة رغم المكائد تخرج

وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54], وفي الحديث، عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يغزُ، أو يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة" رواه أبو داود بإسناد صحيح.

واعلموا أن من مسلمات الدين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, على جميع فئات المجتمع كل بحسب طاقته وقدرته. قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104], وقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" مسلم.

 فيجب -عباد الله- إنكار المنكرات في أي مكان حصلت، وأي زمان كانت، فإنها من العهد الذي أخذه الله على هذه الأمة، بل إن الأمة إذا تركت هذا الواجب فإنها تصير مستحقة للعذاب العام من الله، عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وإن من مسلمات هذا الدين أن الله قد أذن بالحرب منه ومن رسوله على الذين يأكلون الربا، والربا له صور عديدة ، وهو محرم بكل صوره، ولا يجوز تعاطيه ولا العمل فيه، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ(279)﴾ [البقرة: 278، 279], وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾ [البقرة: 275، 276].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ذي المن والعطاء ، والعز والكبرياء. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه، بلغ البلاغ المبين، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، فصلوات ربي وسلامه عليه، صلاة وسلاماً دائمين.

 أما بعد:

فيا عباد الله: فإن أصدق الحديث كلام الله -جل وعلا-، وخير الهدي هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

عباد الله: وإن من مسلمات هذا الدين، وجوب لزوم الجماعة، والسمع لولاة الأمر والطاعة في غير معصية لله تعالى. ففي حديث حذيفة -رضي الله عنه-: في حديث الفتن، حتى قال: "فما تأمرني إن أدركني ذلك؟" قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

وإن الجماعة -عباد الله- هم من وافق الحق ولو كان واحداً. قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن جمهور الناس قد فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك". وروى عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في العسر واليسر، في المنشط والمكره وأثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان". وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية" روه مسلم.

فالواجب -عباد الله- هو إقامة شرع الله على كل أحد من الناس، صغيراً كان أو كبيراً، والواجب هو تلاحم المجتمعات الإسلامية حكومات وعلماء، وأفراد على دين الله وتحكيم شرع الله.

وإن من المسلمات -عباد الله-: أن الله قد حرم الزنا، وإن قاعدة الشرع المطهر أن الله سبحانه إذا حرم شيئاً حرم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه، تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه، أو القرب من حماه، ووقاية من اكتساب الإثم، والوقوع في آثاره المضرة بالفرد والجماعة.

وإن فاحشة الزنا من أعظم الفواحش، وأقبحها وأشدها خطراً وضرراً وعاقبة على ضروريات الدين، ولهذا صار تحريم الزنا معلوماً من الدين بالضرورة. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]. ولهذا حرمت الأسباب الموصلة إليه من: السفور، ووسائله، والبرج ووسائله، والاختلاط ووسائله، وتشبه المرأة بالرجل، وتشبهها بالكافرات، وأيضاً تحريم أسباب الريبة، والفتنة، والفساد. فالحذر الحذر من وسيلة تؤدي إلى الزنا والفواحش، واحرصوا على التزوج لإحصان الفروج، وتزويج الأبناء والبنات، وكسر العقبات التي تعترض ذلك.

عليكم -عباد الله- بتقوى الله، واعملوا من أجل دينكم، ادعوا إلى الله، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، إن الإسلام لا يريد من المسلم ولا يرضى له أن يكون هيكلاً جامداً، ولا أن يكون تمثالاً هامداً، فإن الإسلام عدو الهياكل والجمود، خصيم التماثيل والهمود، إنما يريد الإسلام أن يكون المسلم روحاً يبعث الروح، وحياةً يملأ الدنيا حياة، ورسولاً من رسل السلام والرحمة والنجاة! أجل.

اعتصموا بالله، واطمئنوا بقربكم منه، فمن كان الله معه فكيف يخاف! ومن كان الله خصيمه فكيف يأمن!

فليتك تحلو والحيـاة مريـرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر  ***  وبيني وبين العالمين خـراب

إذا صح منك الود فالكل هين ***  وكل الذي فوق التراب تراب

وفي آخر هذه الخطبة -عباد الله- أوصي أخواتي النساء بأن يتقين الله، وأن يحافظن على الصلوات، وطاعة الأزواج في غير معصية الله، والحذر من التبرج والسفور، ومن مزاحة الرجال في الأسواق، ومن الإسراف والتبذير في الملابس والزينة، وأحذرهن من تتبع الموضات.

بطاقة المادة

المؤلف عبد الرحمن بن محمد عثمان الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية