فضل سورة الفاتحة

عناصر الخطبة

  1. فضائل سورة الفاتحة
  2. تأملات في تفسير آياتها
  3. الحث على التدبر في معانيها والتأمين بعدها.
اقتباس

إن مما خُصَّت به هذه الأمة سورة عظيمة لم تنزل على أحد من الأنبياء من قبل، ومن أهمية هذه السورة أن فرض الله علينا قراءتها يوميًّا، إنها سورة الفاتحة، سورة الحمد، ولها أسماء عدة، لعلنا نمر سريعًا على فضلها وبيان معانيها لنتعرف على مكانتها.

الخطبة الأولى:

الحمد لله..

أما بعد فيا أيها الناس: اتقوا الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، واحمدوه أن أرسل لنا أفضل رسله، وأنزل علينا أفضل كتبه، وجعلنا من أمته.

وإن مما خُصَّت به هذه الأمة سورة عظيمة لم تنزل على أحد من الأنبياء من قبل، ومن أهمية هذه السورة أن فرض الله علينا قراءتها يوميًّا، إنها سورة الفاتحة، سورة الحمد، ولها أسماء عدة، لعلنا نمر سريعًا على فضلها وبيان معانيها لنتعرف على مكانتها.

عباد الله: إنها أفضل سورة في القرآن؛ فروى الترمذي (2875) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟" قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟" قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا".

ومن عظم فضلها جعلت ركنًا من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بها؛ فروى البخاري (756) ومسلم (394) عَنْ عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ".

قال النووي: "فِيهِ وُجُوب قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَأَنَّهَا مُتَعَيِّنَة لَا يُجْزِي غَيْرهَا إِلَّا لِعَاجِزٍ عَنْهَا، وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ" انتهى.

وهي السبع المثاني التي قال الله فيها: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87]، وروى البخاري (4474)، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى -رضي الله عنه- أن رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- قَالَ له: "لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ"، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ".

قال الحافظ: "اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتهَا "مَثَانِي" فَقِيلَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى كُلّ رَكْعَة أَيْ تُعَاد، وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى، وَقِيلَ لِأَنَّهَا اُسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّة لَمْ تَنْزِل عَلَى مَنْ قَبْلهَا" انتهى.

– ومن فضلها أنها جمعت بين التوسل إلى الله تعالى بالحمد والثناء على الله تعالى وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب، وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة. 

– ومن فضلها أنها -مع قصرها- تشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

– ومن فضلها أنها تشتمل على شفاء القلوب وشفاء الأبدان.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد، وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة؛ لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه.

والتحقيق بـ"إياك نعبد وإياك نستعين" علماً ومعرفة وعملاً وحالاً يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد.

وأما تضمنها لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة، وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة.

 فأما ما دلت عليه السنة: ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن ناسًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مروا بحي من العرب… " فذكر حديث الرقية بالفاتحة، ثم قال: "فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغنته عن الدواء، وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء.

هذا مع كون المحل غيرُ قابل، إما لكون هؤلاء الحي غيرُ مسلمين، أو أهل بخل ولؤم، فكيف إذا كان المحل قابلاً؟

 ثم قال: "كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني، وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط، جربت ذلك مراراً عديدة، وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء" انتهى من كلام ابن القيم.

– ومن فضلها أنها متضمنة لأنفع الدعاء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾" انتهى.

 وبالجملة: فسورة الفاتحة مفتاح كل خير وسعادة في الدارين.

اللهم ارزقنا الفهم في القرآن والعمل به يا كريم.. أقول قولي هذا….

الخطبة الثانية:

الحمد لله علم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده.

أما بعد فيا أيها الناس: لا يزال الحديث موصولاً عن فضل أعظم سورة في القرآن، وهي فاتحة الكتاب، هي مناجاة بين العبد وربه في صلاته، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث  أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرة: فوض إليَّ عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

هل نستشعر هذه المحادثة أيها المؤمنون في صلاتنا، فالحمد لله رب العالمين؛ حمد لله ووصف له بالربوبية المطلقة، الرحمن الرحيم ثناء على الله باسمين من أسمائه؛ أحدهما أرق من الآخر فهو رحمن للعالمين، وبالمؤمنين رحيم، مالك يوم الدين تمجيد لله بأنه الملك المالك لكل شيء في الدنيا والآخرة، فمن كان مالكًا ليوم الدين يوم لا ملك لأحد من الخلق، فهو المالك الملك المطلق جل في علاه.

ثم يقول الرب سبحانه: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ أي: لا نعبد إلا أنت، ولا نستعين إلا بك، وهذه الجملة جمعت معاني القرآن كله لمن تدبرها.

ثم يسأل العبد ربه الهداية للصراط المستقيم، وهو منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي سار عليه أصحابه -رضوان الله عليهم- من بعده، مستعيذًا العبد بربه من صراط المغضوب عليهم وهم اليهود والضالين وهم النصارى، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى؛ لأن من علم وترك استحق الغضب، بخلاف من لم يعلم. 

والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتباع الرسول الحق، ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضالّ مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب كما قال فيهم: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 60]، وأخص أوصاف النصارى الضلال، كما قال: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77].

ثم يختم العبد السورة بقوله آمين، بمعنى اللهم استجب، وهي ليست من الفاتحة، ولكن من السنة قولها وأجرها عظيم، فمن فضائلها ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".

 وفي لفظ: "إذا قال أحدكم آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه مسلم).

ومما يدل على مزيته أيضاً: ما رواه ابن ماجه من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين".

اللهم ارزقنا تلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا…