أسباب رفع البلايا والمصائب

عناصر الخطبة

  1. العبادة في الرخاء
  2. الدعاء والتضرع
  3. التوكل
  4. عدم العجب
  5. صنائع المعروف
  6. التقوى
  7. الاستغفار
  8. التوبة
اقتباس

وحقيقة التوكل تفويض الأمر إليه، مع فعل الأسباب المشروعة والمباحة، والجزم بأن الله على كل شيء قدير، الذي له الخلق والأمر، والذي يقول للشيء: كن؛ فيكون، والذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فعلى المسلم دائما و أبدا أن يعلق قلبه بالله -عز وجل- رغبة و رهبة، وخوفاً ورجاء، ومحبة، فمن توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله.

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].

عباد الله: إن البلايا التي تنزل بالمسلمين، والمصائب المتنوعة التي تحل بهم في أبدانهم وأموالهم؛ سببها معصية الله تعالى، ومعصية رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فاللهمَّ مغفرتك أوسع من ذنوبنا، فاغفر لنا، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، فارحمنا؛ ربنا ظلمنا أنفسنا، واعترفنا بذنوبنا، فاغفر لنا ذنوبنا جميعها يا أرحم الرحمين .

إن البلاء لا يمكن دفعه والمصيبة لا يمكن رفعها إلا بالأخذ بالأسباب المنجية من ذلك؛ فمن أسباب دفعِ البلاء ورفعِه الرجوعُ إلى الله تعالى، قال الله -عز و جل-: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ(43)﴾ [الروم:41-43]، وقال سبحانه: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف:168]، وقال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف:48]، وقال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [السجدة:21].

فارجعوا أيها المسلمون إلى طاعة الله واجتنبوا معصيته يدافع الله -عز وجل- عنكم وترفع عنكم البلايا و المصائب .

عباد الله: ومن أسباب رفعِ المصائبِ التعرُّفُ إلى الله -عز وجل- في الرخاء، فقد أخرج الترمذي وغيره من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك"، وفي رواية: "احفظ الله تجده أمامك، تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة"؛ ولهذا قال بعض السلف رحمهم الله: من عرف الله في الرخاء عُرف في الشدة.

ومن أسباب دفع البلاء والمصائب التضرُّعُ إلى الله تعالى عند وقوع المصيبة، قال الله -عز وجل-: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43]، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون:76]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف:94]، وقال سبحانه: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف:56].

عباد الله: ومن أسباب رفع المصائب من الأمراضِ وغيرِها دعاءُ الله -عز وجل- في تفريج الكرب؛ فإن الله لا يرد من دعاه، ولا يخيب من رجاه , فادعوا الله -عز وجل-، وتضرعوا إليه.

ومن أسباب ذلك التوكلُ على الله -عز وجل-، وحقيقة التوكل تفويض الأمر إليه، مع فعل الأسباب المشروعة والمباحة، والجزم بأن الله على كل شيء قدير، الذي له الخلق والأمر، والذي يقول للشيء: كن؛ فيكون، والذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فعلى المسلم دائما و أبدا أن يعلق قلبه بالله -عز وجل- رغبة و رهبة، وخوفاً ورجاء، ومحبة، فمن توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ [الطلاق:3]، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:49].

وَلْيَحْذَر المسلم العجب من عمل الصالحات، فإن هذا محبط للعمل، ولقد لقن الله المؤمنين درساً يوم حنين حينما أعجبوا بكثرتهم، وظنوا أنها كافية في نصرهم، قال الله -عز وجل-: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ [التوبة:25].

قال بعض العلماء: عجبت لأربعة كيف يغفلون عن أربعة: عجبت لمن أصابه ضر كيف يغفل عن قوله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء:83]، والله تعالى يقول: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء:84]؛ وعجبت لمن أصابه حزن وغم كيف يغفل عن قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:87]، والله تعالى يقول: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء:88]؛ وعجبت لمن يمكر به الناس كيف يغفل عن قوله تعالى: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر:44]، والله تعالى يقول : ﴿فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا﴾ [غافر:45]؛ وعجبت لمن كان خائفاً كيف يغفل عن قوله تعالى : ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173]، والله تعالى يقول: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ [آل عمران:174].

إن التوكل على الله سبب للهداية للحق، وسبب للوقاية من الشر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه الترمذي وغيره: "من قال حين يخرج من بيته: باسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. يُقال: وُقِيتَ وكفيت، و تنحَّى عنه الشيطان".

ومن أسباب دفع البلاء والمصائب -عباد الله- تقوى الله -عز وجل-، قال الله -عز وجل-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:2]. وقال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: من أراد دوام العافية فليتق الله. وقال أبو سليمان الدراني -رحمه الله-: من أحسن في ليله كفي في نهاره. فاتقوا الله أيها المسلمون، و تواصوا بها. قيل لرجل من التابعين عند موته: أوْصِنَا. فقال: أوصيكم بخاتمة سورة النحل: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل:128].

عباد الله: ومن أسباب دفع المصائب والآفات في الأموال والأبدان صنائعُ المعروفِ مع الآخرين، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وفي الترمذي: "إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء". وفي الترمذي أيضا من حديث معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".

وصنائع المعروف هي الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف، من قرض حسن، أو بر، أو هدية، أو صدقة، أو إعانة على قضاء حاجة، من شفاعة، أو تحمل دَين، أو بعضه، أو غير ذلك من وجوه الإحسان المتنوعة؛ ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن:60]، ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف:56]، ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة:91].

فأحْسِنوا -أيها المسلمون-، ولا تحقروا من المعروف شيئا فإن الله لا يضيع أجر المحسنين , وإن الله لمع المحسنين.

أسأل الله -عز وجل- أن يدفع عنا وعن إخواننا المسلمين في كل مكان المصائب والبلايا والآفات، اللهم اكفنا شرور ذنوبنا، ومعاصينا، وشؤمها، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، فاغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين؛ والعاقبة للمتقين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنبياء والمرسلين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد:28].

عباد الله: ومن أسباب رفع الآفات والمصائبِ الاستغفارُ؛ فإن الاستغفار مرضاة للرب، ومنجاة من سخطه، قال الله -عز وجل-: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33].

ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب؛ وقال سبحانه: ﴿الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل:46].

ومن أسباب دفع المصائب -عباد الله- التوبةُ إلى الله -عز وجل- قال الله -عز وجل-: ﴿فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً ﴾ [التوبة:74]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:222]، وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.

فتوبوا إلى ربكم واستغفروه (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [هود:3].