الفرح المشروع والمذموم

عناصر الخطبة

  1. فطرية الفرح
  2. أفراح المؤمنين المشروعة ونماذج لها
  3. أفراح مذمومة ونماذج لها
  4. مقام الفرح بالله تعالى
  5. التجاوز في الفرح
  6. موقفنا من الفرح للدعوة وللمسلمين
  7. فرحة الآخرة
اقتباس

والمتأملُ في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يجد فيهما الفرح المشروع والممنوع، وما يؤمر به من الفرح وما ينهى عنه، ويجد ألواناً من الفرح مختلفة في أسبابها، ومختلفة كذلك في عواقبها، أجل! إنّ فرح المؤمنين غير فرح الكافرين، وغير فرح المنافقين، وكل هذه الأفراح جاء القرآن الكريم مبيناً لها، وجاءت سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مفصلة فيها..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارْض اللهم عن أصحابه أجمعين، والتابعين وَمَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة:35].

عباد الله: وهذه الأيام، أيامُ أفراحٍ ومناسبات وزواجات ولقاءات، وإجازات وسفريات ونحوها. وأفراحنا -معاشرَ المسلمين- لا تُحدُّ بزمان، ولا تُقيَّدُ بمكانٍ، فكلُّ فرحٍ مشروع لأي مسلم، هو فرحٌ لنا جميعاً، وأيُّ نازلةٍ تصيب أحداً من المسلمين نألم لها جميعاً، ولا غرابة في هذا، فالمؤمنون إخوة.

بل تتجاوز أفراحنا مسرح الحياة الدنيا لتتَّصل بالآخرة لمن وفَّقه اللهُ لعمل الصالحات، فهناك الحُبور والسرور، والأُنس والنعيم المقيم، قال تعالى: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً(13)﴾ [الإنسان:11-13].

أيها المسلمون: وتجري عوائد الناس في هذه الحياة بالفرح لشفاء مريض، أو عودة غائب، أو انفراج كربة عن مكروب، أو ولادة مولود أو مناسبة زواج أو نجاحٍ أو ترقيةٍ أو نحو ذلك من أسباب الفرح، وهذا أمرٌ جِبِليٌّ في بني الإنسان، وقد يُؤجر الإنسان على ذلك الفرح، وقد يأثم إذا جاوز الحدَّ المشروع.

والمتأملُ في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يجد فيهما الفرح المشروع والممنوع، وما يؤمر به من الفرح وما ينهى عنه، ويجد ألواناً من الفرح مختلفة في أسبابها، ومختلفة كذلك في عواقبها، أجل! إنّ فرح المؤمنين غير فرح الكافرين، وغير فرح المنافقين، وكل هذه الأفراح جاء القرآن الكريم مبيناً لها، وجاءت سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مفصلة فيها.

عباد الله: أما أفراح المؤمنين فبنصر الله، وبفضله ورحمته، وبالهجرة والجهاد والدعوة في سبيله، وبالخير يقع لأحد من المسلمين، يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5)﴾ [الروم:4-5].

ويقول تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(170)﴾ [آل عمران:169-170]، ويقول تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:58].

أيها المسلمون: وأَشرف الخلق وأكرمهم على الله كان يُسَرُّ لفتوحات الإسلام، ويفرح بسلامة المسلمين وعودة غائبهم، وفي (سنن أبي داود) والسيرة قوله -صلى الله عليه وسلم- حين فتح الله عليه خيبر وقدم عليه جعفر ومن معه من المسلمين من أرض الحبشة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما أدري بأيِّهما أنا أَسرُّ، بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر؟" أبو داود وحسنه الألباني.

بل يصل الأمر بالمسلمين إلى أن يبكي أحدُهم من شدة الفرح لخبر بلغه وخير حظي به دون غيره، وهذا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- حين جاءه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مُخبراً عن إذن الله له بالهجرة، وأن أبا بكر سيكون صاحبه بالهجرة، ورفيقه في الطريق إلى المدينة، بكى من شدة الفرح، حتى قالت ابنته عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: وما كنت أحسب أن أحداً يبكي من الفرح. رواه أبو اسحق.

يا أخا الإسلام: وهاك نموذجاً آخر لفرح المسلم بإسلام أقرب الناس إليه؛ أبو هريرة -رضي الله عنه- كان برّاً بأُمِّه، ولكنها قبل إسلامها كانت تُسمع ابنها في الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يكره، وما فتئ الابن يدعوها إلى الإسلام، حتى طلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لها بذلك، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "اللهمَّ اهدِ أُمَّ أبي هريرة".

فاستبشر أبو هريرة بهذه الدعوة، وما وصل البيت حتى وجد أمه تغتسل -وقد أجافت الباب- وقالت: مكانَكَ يا أبا هريرة! فلبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، وقالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال أبو هريرة: فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته وأنا أبكي من الفرح. رواه مسلم.

تلك نماذج من فرح المؤمنين، وهي بكل حال متعلقة بمعالي الأمور، وخدمة الدين، ومصالح المسلمين، وفرحتهم في الدنيا موصولة بفرحهم في الآخرة: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) [الانشقاق:7-9].

أيها المؤمنون: أما أهل الكفر والكبر والخيلاء فهم يفرحون، لكن بم يفرحون؟ وما عاقبة فرحهم؟ إنه فرح بمتاع الدنيا والله يقول: ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ [الرعد:26].

وهو فرح يعقبه الحسرة والندامة والإبلاس: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(45)﴾ [الأنعام:44-45].

وقارون من نماذج الفرحِين البطرين، وقد قال له الناصحون: ﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص:76].

وحين استمر في كبريائه وفرحه المذموم، خسف الله به وبداره الأرض: ﴿فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص:81]. وليس له وأمثاله في الآخرة من خلاق: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص:83].

عباد الله: ولأهل الريب والنفاق -قديماً وحديثاً- فرحهم؛ ولكن فرحهم بمصائب المسلمين ونوازلهم، والتخلف عن الجهاد والدعوة، وبالأذى يصيب الرسول أو أحداً من المسلمين، وقد فضحهم الله وكشف سريرتهم: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة:81].

أجل؛ لقد كانوا يفرحون بالمصيبة تقع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو على أحدٍ من المسلمين، وتسوؤهم الحسنة والخير الحاصل لهم: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾ [التوبة:50].

إنهم متربصون، وساخرون وساخطون، وكاذبون ومستكبرون، لا تكاد تجد لهم موقفاً واضحاً ومحدداً، بل يدورون مع الحدث كيف دار، ويتخلصون من المواقف الصعبة المحرجة بالكذب والأعذار، وصدق الله ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء:141].

ألا بئست البضاعة! وخاب المنافقون وخسروا! وفرحتهم الظاهرة القليلة سيعقبها البكاء طويلاً، كما في محكم التنزيل: ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة:82].

اللهم انفعنا بواعظ القرآن، وارزقنا العمل بسنة خير الأنام، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، أسبغ علينا من نعمه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأن عليه النشأة الأخرى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أعطاه ربه حتى رضي، وقال له: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى:4].

اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارضَ اللهم عن أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المؤمنون، فمِن أعظم مقامات الإيمان الفرحُ بالله، والسرورُ به، فيفرح العبدُ بخالقه، إذ هو عبدُه ومحبُّه، يفرح به -سبحانه- رباً، وإلهاً، ومنعماً ومربِّياً، أشدّ من فرح العبدِ بسيده المخلوق المشفق عليه، القادر على ما يريده العبدُ ويطلبه منه، والمتنوع في الإحسان إليه والذبِّ عنه.

والفرح بالله وبرسوله وبالإيمان والسنة، والعلم والقرآن من أعلى مقامات العارفين، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة:124]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الرعد:36].

قال صاحب (المدارج): فالفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه، ومحبته له، وإيثاره له على غيره، والفرح تابعٌ للمحبة والرغبة.

يا أخا الإسلام: سائل نفسك حين تفرح، مم تفرح ولماذا تفرح؟ وما صلة فرحتك بالإسلام وأفراح المسلمين، وبالخير والخيِّرين؟.

إن من علامات الخير في المجتمع الفرح بالخير يحصل للمسلمين، ومن علامات وعي المجتمع أن يشترك في فرحة الخير للإسلام وأهل الإسلام الكبار والصغار، والذكران والإناث، في زمن باتت مغريات الحياة الدنيا كثيرة، وبات الفرحُ بسفاسف الأمور ومغريات الحياة الدنيا يسيطر على عقول عددٍ من أبناء المسلمين.

ومن علائم الخير –كما قال العلماء- أن يفرح المرء بالحسنة إذا عملها، ويُسرُّ بها، فذاك فرحٌ بفضل الله، حيث وفَّقه الله لها، وأعانه عليها، ويسَّرها له.

أيها المسلمون: ومن الفرح المذموم: أن يطغى المسلم للنعمة يؤتاها: ﴿كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى(7)﴾ [العلق:6-7].

وقد ينسي الفرحُ بالنعمة -أحياناً- شُكرَ المُنعِم، وكفى بالقرآن واعظاً، والله يقول: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل:53].

وقد كان السلفُ يحذرون ويحذِّرون من الاغترار بالنعمة والتجاوز في الفرح، ويرون الفرح من أسباب المكر، ما لم يقارنه خوفٌ من الجليل -سبحانه-.

عباد الله: قيِّدوا أفراحكم بشرع الله، وإياكم والتجاوزَ فيه بالقول أو بالعمل! وإياكم أن تأسوا على ما فاتكم، أو تتجاوزوا المشروع في الفرح بما آتاكم! فالله يقول: ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد:23]. أي: مختال في نفسه، متكبِّر فخور على غيره، وتأملوا قول عكرمة واعملوا به، قال: ليس أحدٌ إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً، والحزن صبراً. فتلك قاعدةٌ حَرِيَّة بالتأمل.

وليس يخفى أن المكروه للنفس قد يكون فيه خيرٌ كثير، وقد يكون في المحبوب لها شرٌّ وفتنة: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:216].

يا أخا الإسلام: وحين يكون الحديث عن الفرح فثمة أسئلة حَرِيٌّ بك أن تسألها نفسك، فما مدى فرحتك بانتصار الدعوة إلى الله وظهور الحق؟ وما مدى سرورك بعزِّ الإسلام وغلبة المسلمين؟ وما مدى حُزنك حين يظهر الفساد، ويفشو الباطل، ويكثر المبطلون ويغلب الكفار، ويتنامى النفاق، ويكثر المنافقون؟.

إنها أسئلة تحدد نوع فرحتك وحزنك، وهل هو في ذات الله ولصالح الإسلام والمسلمين، أم لأهوائك وشهواتك؟ كما تُحدد هذه الأسئلة صدق انتمائك للإسلام، وشعورك بأخوَّة المسلمين، واهتمامك بقضاياهم، وهذه الأسئلة ميزان لعمق فرحك ونُبل مشاعرك، وعلوّ همتك.

وبكل حال؛ ومهما بلغت أفراحك في الدنيا فلا تنسَ فرحة الآخرة، وأنت واجدٌ في القرآن تذكيراً بها، وها هو المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يذكِّرك بها في فرحة الفطر من الصيام، ويقول: "للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطرِه، وفرحةٌ عند لقاء ربه".

اللهم لا تحرمنا فضلك، واجعل أفراحنا في ذاتك ولأوليائك ونصرة دينك، ولا تحرمنا فرحة الآخرة وسرورها.