غزوة أحد (1) الآيات والمعجزات والكرامات

عناصر الخطبة

  1. بعض أخبار غزوة أحد
  2. كراماتٌ وآيات للمؤمنين في تلك الغزوة
  3. بعض الدروس والعبر المستفادة من الغزوة
اقتباس

فإذا كان النصر قد تخلف في غزوة أحد بسبب معصية واحدة؛ فهل يستحق المسلمون النصر على أعدائهم، وتأييد الله تعالى لهم، وفيهم من العصاة ألوف، بل ملايين؟ وفيهم من أنواع المعاصي والموبقات ما لا يعلمه إلا الله تعالى؟! مَعَاصٍ في البيوت والأسواق، معاص في الرجال والنساء، معاص في الشِّيب والشباب، معاص في الإعلام والتعليم والسياسة والاقتصاد، وفي كثير من شؤونهم ..

الحمد لله؛ مالكِ الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذل من يشاء. لا يذل من والاه، ولا يعزُّ من عاداه، وهو على كل شيء قدير. أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يخرج شيء عن أمره، ولا يعجزه أحد من خلقه، وله الحكمة البالغة في أمره وشرعه، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:88].

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدالله ورسوله؛ في غزوة أحد جرح وجهه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله" أخرجه الشيخان.

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ قوم بذلوا لله نفوسهم وأموالهم، ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران:146]. والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عزَّ وجلَّ-؛ فنعم العدة للشدة تقوى الله تعالى! وهي المخرج من الفتن، وهي المنجاة من عذابه -تبارك وتقدس-، ﴿وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الزُّمر:61]، ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا(72)﴾ [مريم:71-72].

أيها المسلمون: كانت غزوة أحد غزوة عظيمة في أحداثها ومجرياتها، عجيبة في آياتها ومعجزاتها، شديدة في ضرائها وابتلاءاتها، غزيرة في عبرها ودروسها.

وقعت في مثل هذه الأيام في شوال من السنة الثالثة من الهجرة، بعد عام واحد من غزوة بدر التي غشِي المشركين فيها ما غشيهم من هزيمة جيشهم، وقتل سادتهم، وذهاب هيبتهم؛ فأجمعوا أمرهم، وجمعوا حلفاءهم، وأعدوا عدتهم، وعزموا على غزو المسلمين في المدينة، والثأر لما أصابهم في غزوة بدر الكبرى.

فجَرَتْ أحداث عظام في هذه الغزوة المباركة، وظهر صدق الإيمان والتضحية والفداء، وابتلي المسلمون ابتلاءً عظيماً؛ حتى رأوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد وصل إليه المشركون، ونالوا منه، وكانت الصاعقة الكبرى ما أشيع من قتله -عليه الصلاة والسلام-؛ ولكن الله تعالى حفظ نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وثبت قلوب المؤمنين، وتلك من أعظم النعم، وأكبر الآيات والمعجزات التي زخرت بها هذه الغزوة!.

لقد أكرم الله تعالى الطائفة المؤمنة في غزوة أحد بآيات عظيمة، وخص نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمعجزات باهرة، كانت معيناً للمؤمنين على ثباتهم رغم هزيمتهم، ومقوية لهم في محنتهم، رغم قلتهم وكثرة عدوهم.

ولما اشتد الكرب على المؤمنين، وقوي كَلَبُ الكافرين، وتمكنوا من رقاب المؤمنين، وعظم خوف الصحابة -رضي الله عنهم- من نتائج هذه الغزوة، ودبت الفوضى في أوساطهم، ونالهم من التعَب ما نـالهـم، وعـلاهم من الغم ما علاهم، وغشيهم من الكرب ما غِشَيهم؛ ألقى الله تعالى عليهم النعاس وهو النوم الخفيف؛ لينسيهم غمهم، ويزيل تعبهم، ويجدد نشاطهم، فكان ذلك كرامة من الله تعالى لهم، وسكينة عليهم: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ [آل عمران:154].

قال الزبير بن العوام -رضي الله عنه-: لقد رأيتني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحُد حين اشتدَّ علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره… وقال أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه-: كنتُ فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مراراً، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه. رواه البخاري. وفي رواية، قال أبو طلحـة: رفعتُ رأسـي يوم أحُد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ من أحد إلا يميد تحت جحفته من النعاس؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران:154].

كان من آيات الله تعالى في هذه الغزوة، وإكرامه لعباده المؤمنين استجابتُه -تبارك تعالى- لدعاء بعضهم، وإعطاؤهم ما سألوا؛ كما روى سعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه-: أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تدعو الله؟ فخلوا في ناحية، فدعا سعد فقال: يا رب، إذا لقِيتُ العدو، فلقِّني رجلاً شديداً بأسه، شديداً حَرَدُه -أي غضبه- أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفَر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمَّن عبد الله بن جحش.

ثم قال: اللهم ارزقني رجلاً شديداً حَرَدُه، شديداً بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غداً، قلـت: يا عبدي، فيم جُدِع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت.

قال سعد: يا بني، كانت دعوة عبدالله بن جحش خيراً من دعوتي، لقد رأيته آخر النَّهَار وإن أنفه وأذنه لَمُعَلَّقَانِ في خَيْطٍ. رواه الحاكم، وقال الذهبي: صحيح مرسل.

ولما دعا أحَدُ المشركين على نفسه بالسوء استجاب الله دعاءه، فأصابه العذاب، كما روى بريدة -رضي الله عنه-: أن رجلاً قال يوم أحد: اللهم إن كان محمداً على الحق فاخسف بي، قال: فخسف به. رواه البزار.

ومن الآيات العظيمة في غزوة أحدٍ أن الملائكة حضروها، ودافعوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما روى الشيخان من حديث سعد -رضي الله عنه- قال: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض كأشدِّ القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد.

وقد ذكر العلماء أن الملائكة كانوا لحراسة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن الله تعالى قد وعد المؤمنين بأنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتركوا مصافهم، وترك الرماة عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألَّا يبرحوا منازلهم، رفع الله عنهم مدد الملائكة، فصدقهم الله وعده، وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء. رواه البيهقي. وبقي مَن بقي من الملائكة للدفع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحفِظه من العدو.

ومن أعمال الملائكة في أحد أنهم غسلوا مَن كان جُنُباً من الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن حنظلة ابن أبي عامر: "إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته"، فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنُب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لذلك غسلته الملائكة" رواه الحاكم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أصيب حمزة بن عبدالمطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت الملائكة تغسلهما" رواه الطبراني بإسناد حسن.

وأظَلَّت الملائكةُ عبد الله بن حرام -رضي الله عنه-؛ كما روى ابنه جابرٌ -رضي الله عنه- قال: لما قُتِل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وينهوني عنه وهو لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تبكين أو لا تبكين، فما زالت الملائكة تُظِلُّهُ بأجنحتها حتى رفعتموه" رواه الشيخان.

وكان -رضي الله عنه- حريصاً على الشهادة، طالباً لها، صادقاً في طلبه إيَّاها، قال جابر: لَمَّا حضر أحدٌ دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول مَن يقتل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليَّ منك، غير نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن عليَّ ديناً فاقض، واستوص بأخواتك خيراً، فأصبحنا، فكان أول قتيل، ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هُنَيَّةً غير أذنه. رواه البخاري.

وقد أكرمه الله تعالى بكرامة عظيمة، قال جابر -رضي الله عنه-: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا جابر، مالي أراك منكسراً؟" قال: قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالاً وديناً، قال: "أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟"، فقال: بلى يا رسول الله! قال: "ما كلم اللهُ أحداً قط إلا من وراء حجاب، وكلَّم أباك كفاحاً، فقال: يا عبدي، تَمَنَّ عليَّ أُعْطِك، قال: يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانية، فقال الرب -سبحانه-: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب، فأبلغ مَن ورائي، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:169]" رواه الترمذي وابن ماجه.

ومن أعظم الآيات في هذه الغزوة مصيرُ قتلى الصحابة -رضي الله عنهم-، فقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لما أصيب إخوانكم بأحُد جعل الله -عزَّ وجلَّ- أرواحهم في جوف طير خضْر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلَّقة من ذهب، معلَّقة في ظل العرش.

فلما وجدوا طِيْبَ مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يُبلِّغ إخواننا عنَّا أنا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله -عزّ وجلَّ-: أنا أبلغهم عنكم؛ فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- : ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾" أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.

أيها الإخوة: كانت تلك بعض الآيات والكرامـات التي مَنَّ الله تعالى بها على المؤمنين في هذه الغزوة العظيمة، وآياتها عظيمة، وكراماتـها كثيـرة، وما لا نعلمه منها أكثر وأكثر.

ورغم مصاب المسلمين فيها فإن فيها خيراً عظيماً لهم بما ناله الشهداء منهم من الدرجات والمنازل العالية عند ربهم، وبِما استفاده الأحياءُ منهم من الدروس والعبر، وفي مقدمة ذلك التزام الطاعة، والبعد عن المعصية التي كانت من أهم أسباب الهزيمة.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة في سبيله، وأن يعزَّ دينه، ويعلي كلمته، وينصر عباده المؤمنين، إنه سميع مجيب، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم…

الخطبة الثانية:

الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا على أمره، ولا تغرنكم الدنيا وزخرفها، ولا يغرنكم بالله الغرور.

أيها المؤمنون: من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن يجعل المحن والابتلاءات فرصة لمراجعة أنفسهم، وتصحيح أخطائهم، وتجديد العهد مع ربهم؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.

ولقد كانت معصية الرماة سبباً للهزيمة في أحد؛ إذ أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدم مبارحة أماكنهم مهما كان الأمر، فتركوا مواقعهم، ورأوا أن النصر تحقق، واشتغلوا بجمع الغنائم؛ فجاءهم عدوهم من حيث لم يحتسبوا، وانقلب ميزان المعركة، وتحول النصر إلى هزيمة؛ ليعلم المسلمون خطورة المعصية، وخطورة الأثرة بالرأي والفعل.

وعزا الله تعالى هذه المصيبة التي أصابتهم إلى أنفسهم؛ لأنها كانت بسبب ما كسبوا من العصيان الذي هو أكبر سبب للهزيمة في المعارك، فقال -سبحانه-: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:165].

فهو -سبحانه وتعالى- كان قادراً على نصرهم، بدليل إنزاله الملائكة معهم للقتال، وبدليل نصرهم على المشركين في بدر: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران:123].

ولكن طائفة منهم -هي طائفة الرماة- رضي الله عنهم، غيَّروا وبدَّلوا، وعصَوا أميرهم الذي ثبت في نفر قليل، وكان ينهاهم عن ترك مواقعهم، فزال بمعصية الرماة سبب من أسباب تنزل نصر الله تعالى، وهو الطاعة، وحلَّت محله المعصية، فتخلف النصر، وأحجم الملائكة عن القتال مع المؤمنين بسبب هذه المعصية، فكانت الهزيمة.

فإذا كان النصر قد تخلف في غزوة أحد بسبب معصية واحدة؛ فهل يستحق المسلمون النصر على أعدائهم، وتأييد الله تعالى لهم، وفيهم من العصاة ألوف، بل ملايين، وفيهم من أنواع المعاصي والموبقات ما لا يعلمه إلا الله تعالى؟! معاص في البيوت والأسواق، معاص في الرجال والنساء، معاص في الشِّيب والشباب، معاص في الإعلام والتعليم والسياسة والاقتصاد، وفي كثير من شؤونهم.

إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولن يحابي أحداً من خلقه مهما عظمت منزلته، فعدله -وهو العدل تبارك وتعالى- يأبى ذلك، وقد جعل في الكون سنناً لا تحابي أحداً من الناس، وقوانين لا تجامل كائناً من كان، ومن هذه السننِ أنَّ المستحق لنصر الله تعالى هو من يقيم دينه، وينصر شريعته، ويلتزم طاعته؛ ويباعد عن معصيته، فمَن حقَّق ذلك نصره الله تعالى سواء كان شريفاً أم وضيعاً، قريباً كان أم بعيداً، وسواء كان جيشه كثيراً أم قليلاً.

وكم تحتاج الأمة المسلمة في هذا العصر الذي تكالبت فيه عليها اللأواء والمحن، واجتمع الشر كله من كفار ومنافقين؛ لإنهاء حياتها بإقصاء دينها، وفرْض الكفر والنفاق عليها، تحتاج إلى صدق التوجه إلى الله تعالى، وترك المعاصي والمحرمات، والاجتهاد في الطاعات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى؛ حتى لا نكون نحن سبباً في تخلف نصر الله تعالى عن الأمة المسلمة، فمن نصر دين الله تعالى، استحق النصر العظيم، والفتح المبين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].

وإن اختار المسلمون طريقاً غير ذلك، فبقوا على عصيانهم، وتخلفوا عن طاعة ربهم؛ فإن العاقبة ستكون أليمة، والمصيبة عظيمة، ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد:38].

فانصروا الله -عباد الله- بإقامة دينه، والتزام طاعته، والبعد عن معصيته؛ ينصركم على أعدائكم.

أصلِحوا بيوتكم وأولادكم، وانشروا الصلاح فيما بينكم فإنكم إن حققتم ذلك نصرتم على عدوكم، وإن حققه بعضكم، وتخلف الآخرون؛ فقد برئت ذمة الذين أصلحوا أنفسهم، ولن يعذبهم الله في الآخرة بذنوب غيرهم.

ألا وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم محمد،كما أمركم بذلك ربكم…