التوحيد وعلاقته بالحج

عناصر الخطبة

  1. أعظم واجب على العبيد
  2. حقيقة التوحيد الذي دعَت إليه الرُّسلُ
  3. آثار تحقيق التوحيد وثمراته
  4. أخبثُ الخبائِث وأظلمُ الظُّلم
  5. دور عقيدة التوحيد في إصلاح خلل المجتمعات
  6. من معالم التوحيد في الحج.
اقتباس

أكبرُ المقاصِد، وأهمُّ المطالِب، وقضيَّةُ القضايا، ولُبُّ دعوة الرُّسل: تحقيقُ التوحيد لله تعالى وإفرادُه بالربوبية والألوهية، إنها قضيَّةُ الكون والحياة، وسرُّ القرآن وأساسُه. ما قامَت السماوات والأرض، ولا نُصِبَت الموازين، ولا خُلِقَت الجنةُ والنار، ولا أُرسِلَت الرُّسُل، وبُعِثَت الأنبياءُ وأُنزِلَت الكتب، ولا أُقيمَ علَمُ الجهاد إلا من أجل التوحيد وتحقيقه، وتقريره في النفوس والقلوب. التوحيد أعظمُ الحقوق .. التوحيدُ حقُّ الله الأعظمُ على العبيد، وصراطُه الأقوم .. وأولُ دعوة الرُّسُل ..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأزواجه وذريَّاته وصحابتِه الكرام، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد: فأُوصيكم ونفسي – عباد الله – بتقوى الله في الغيب والشهادة؛ فإن المُتقين هم أولياءُ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون، وهم أكرمُ الخلق على الله،  ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].

أمة الإسلام:

إن أعظمَ ما يُستفتَحُ به المقال، وتُسطَّر فيه الأقلام، وتفنَى فيه الأعمارُ هو تحقيقُ التوحيد الخالِص لله، الذي بيدِه مقاليدُ السماوات والأرض. يرفعُ من يشاءُ بفضلِه، ويخفِضُ من يشاءُ بعدلِه، يُعزُّ من يشاء، ويُذلُّ من يشاء، ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الزخرف: 84].

أحاطَ بكل شيءٍ علمًا وقُدرة، فما من دابَّةٍ في الأرض، ولا طائرٍ يطيرُ بجناحَيه، وما تسقُط من ورقة، وما يلِجُ من شيءٍ في الأرض وما يخرُج منها، وما ينزلُ من شيءٍ من السماء وما يعرُجُ فيها، ولا حبَّةٍ في ظُلمات البرِّ والبحر، ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا وسِعَه علمُ الله، وأحاطَت به قُدرةُ الله وسُلطانُه، ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ [الأنعام: 102].

ذلكمُ الله أعظمُ من كل شيءٍ، وأكبرُ من كل شيءٍ، ما خلقَ خلقَه ليستكثِر بهم من قِلَّة، ولا ليتعزَّز بهم من ذِلَّة؛ بل خلقَهم وأوجدَهم ليعبُدوه وحدَه – سبحانه -، ويُوحِّدوه، ويُسلِموا إليه وجوهَهم ومقاصِدَهم وأعمالَهم، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].

أمة الإسلام:

أكبرُ المقاصِد، وأهمُّ المطالِب، وقضيَّةُ القضايا، ولُبُّ دعوة الرُّسل: تحقيقُ التوحيد لله تعالى وإفرادُه بالربوبية والألوهية، إنها قضيَّةُ الكون والحياة، وسرُّ القرآن وأساسُه. ما قامَت السماوات والأرض، ولا نُصِبَت الموازين، ولا خُلِقَت الجنةُ والنار، ولا أُرسِلَت الرُّسُل، وبُعِثَت الأنبياءُ وأُنزِلَت الكتب، ولا أُقيمَ علَمُ الجهاد إلا من أجل التوحيد وتحقيقه، وتقريره في النفوس والقلوب.

التوحيد أعظمُ الحقوق .. التوحيدُ حقُّ الله الأعظمُ على العبيد، وصراطُه الأقوم .. وأولُ دعوة الرُّسُل .. ومُفتَتحُ خطاب الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – لأقوامهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59].

وكل دعوات الرُّسُل والأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – مبنيَّةٌ بإحكامٍ، ومُشيَّدةٌ بإتقانٍ على هذا الأساس العظيم، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36].

وأعظمُ الرُّسُل، وسيِّدُ الأنبياء، وإمامُ الدعوة – صلى الله عليه وآله وسلم – مكثَ يدعُو إلى التوحيد ولوازمِه وتكاليفِه، ويُحذِّرُ من الشرك وأنواعه ووسائلِه ثلاثًا وعشرين سنةً في مكة والمدينة، ما فترَ – عليه الصلاة والسلام -، ولا توانَى، ولا استكانَ، وهو يُقرِّر التوحيدَ ومسائلَه بأساليب مُتنوِّعة في كل خُطبه ومواعِظه ومجالسِه – صلى الله عليه وآله وسلم -.

ولم يبدأ – عليه الصلاة والسلام – بشيءٍ في دعوته في مكة إلا بالتوحيد وكلمته الكُبرى: "لا إله إلا الله"، صدحَ بها في شِعاب مكة ووديانها، وأعلنَها في محافِل قومه ونوادِيهم، وعرضَها على وفود الحَجيج والقبائل، داعيًا إياهم إلى عبادة الله وحدَه لا شريكَ له، وتوحيده قصدًا وعملاً، ومُخاطِبًا بها الملأَ من قُريش، فكان جوابُهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5].

أيها المسلمون:

في "المسند" و"الصحيحين": أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعثَ مُعاذَ بن جبلٍ – رضي الله عنه – إلى اليمن، وأوصاه بوصيَّةٍ عظيمةٍ، يجبُ أن تكون نِبراسَ الدعاةِ والمُصلِحين، أوصاه بأن يجعلَ التوحيدَ أولَ الدعوة وأساسَها وروحَها وعمادَها، فقال له – عليه الصلاة والسلام -: "إنك ستأتي قومًا أهلَ كتاب، فليكُن أولَ ما تدعُوهم إليه: توحيد الله".

وفي روايةٍ: "فإذا جئتَهم فادعُهم إلى أن يشهَدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".

وثبتَ عند أحمد وأبي داود، عنه – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال: "من كان آخرَ كلامه: لا إله إلا الله، دخلَ الجنة".

إن التوحيدَ بدايةُ الإسلام وختامُه، وأولُ الدعوة وآخرُها، والقرآنُ كلُّه من أوله إلى آخره إنما هو دعوةٌ إلى التوحيد وتحقيقِه، وتربيةٌ للعقول والقلوب على حقائِق التوحيد ومعانِيه، وأمرٌ بلوازِمِه ومُقتضياتِه؛ من أحكامٍ، وتشريعٍ، وأخلاقٍ، وآدابٍ، ومروءاتٍ، وبيانٌ لجزاء أهل التوحيد وإكرام الله لهم.

كما أن في القرآن العظيم التحذيرَ الشديدَ من الشرك وصوره، ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: 72].

فالقرآنُ العظيمُ الذي هو عهدُ الله الأخير للبشرية كلُّه حديثٌ عن التوحيد وحقوقه وواجباته ونواقِضِه.

فلا عجبَ إذًا – يا مُسلمون – ولا غرْوَ أن يكون هو التوحيدُ هو سرَّ القرآن ولُبَّ الإيمان، كما قرَّر ذلك كلَّه شيخُ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم – رحمة الله عليهما -.

معاشر المسلمين:

إن حقيقةَ التوحيد الذي دعَت إليه الرُّسلُ – عليهم الصلاة والسلام – هو: إفرادُ الله تعالى بكل ألوان العبادة، والتوجُّه إليه – سبحانه – وحده بالقصد والعمل، ومعرفتُه – سبحانه – بأسمائِه وصفاته وأفعاله، فتنجذِبُ إليه – سبحانه – الأرواحُ والقلوب، وتقطعُ التعلُّق بمن سِواه كائنًا من كان، وتتحرَّرُ النفوسُ من عبودية الشهوات ورِقِّ الشبهات، وأسر المطامِع والأهواء، وتتخلَّصُ القلوبُ من الخُضوع للمخلوقين والعمل لأجلهم رجاءً وخوفًا وطمعًا، وتُوقِنُ الأفئدةُ إيقانًا لا شكَّ فيه أنه لا رازِق إلا الله، ولا مُدبِّر ولا مُصرِّف للكون غيرُ الله، ولا مُعينَ ولا ناصرَ ولا مانِعَ ولا مُعطِيَ ولا رافعَ ولا خافِضَ ولا مُحيِي ولا مُميتَ، إلا الله وحده لا شريك له.

إن القلبَ إذا امتلأَ بحقائِق الإيمان وتوحيده ومعرفة الله وإجلاله، صفا وأشرقَ واستنارَ، وعلمَ حقيقةَ الدنيا، وحقيقةَ وجوده في هذه الحياة. فيعيشُ في سعادةٍ وانشِراح صدرٍ، ولذَّةٍ ونعيمٍ، ويُصبِحُ ويُمسِي ولا همَّ له إلا ربُّه – سبحانه -.

فإذا سألَ فإنه لا يسألُ إلا الله وحده، وإذا استغاثَ فبالله وحده، وإذا توكَّل واستعانَ فعلى الله وبالله وحده، لا يرجُو إلا الله وحدَه، ولا يخافُ إلا من الله وحدَه، ولا يُعطي ولا يمنَع، ولا يغضبُ ولا يرضَى، ولا يُوالِي ولا يُعادِي إلا لله ومن أجلِ الله – سبحانه وتعالى -.

إن التوحيدَ – يا مُسلمون – تسليمٌ واستسلامٌ لله –تعالى-، وخلعٌ وقطعٌ لكل شهوةٍ تُخالِفُ الأمر، أو شُبهةٍ تُعارِضُ الخبر، أو اعتراضٍ على شرعٍ أو قدَر، ولا يزالُ التوحيدُ الصادقُ يُطهِّرُ القلوبَ ويُصفِّيها من أمراضِها وآفاتها، ويتدرَّجُ بها في مقامات الكمال، حتى تُصبِح بيضاءَ نقيَّةٍ كالسّراج المُزهِر، لا تضُرُّها فتنةٌ ما دامَت السماوات والأرض.

يا مسلمون .. يا عباد الله:

إن التوحيدَ والعقيدةَ الصحيحةَ سفينةُ النجاة، من ركِبَها نجا من ظُلمات الشرك، وأهوال الوثنيَّة، وسلِم من تخبُّطات الإلحاد، وآلام البُعد عن الله، وشقاء النفوس التي لم ترضَ بالله ربًّا وإلهًا ومُدبِّرًا حكيمًا.

وفي خطاب مُؤمن آل فرعون عبرةٌ وأيّ عبرة! حين نادَى قومَه فقال: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(44)﴾ [غافر: 41- 44].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ ما تسمعون فإن كان حقًّا فمن الله وحدَه وله الفضلُ والمنَة، وإن كان غيرَ ذلك فإني أستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله البادئ بالمِنَن والنِّعم، أحلَّ على أهل التوحيد رِضوانَه وألوانَ الكرم، وتوعَّد من عاندَ التوحيد وناقضَه بأصناف النِّقَم، وصلَّى الله وسلَّم على السِّراج الأنور، والميزان الأكبر، صاحب المجد الأشَمّ، وعلى صحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسانٍ الحامِلين مشاعلَ التوحيد في دياجِير الظُّلَم.

وبعد، أمة الإسلام:

إن التوحيد هو فِطرةُ الله التي فطرَ الناسَ عليها، ولا أزكَى ولا أعدلَ منها، كما أن الشرك هو أخبثُ الخبائِث، وأظلمُ الظُّلم، وهو طارِئٌ ودخيلٌ على البشرية، فقد خلقَ الله عبادَه حُنفاءَ على ملَّة التوحيد، وأخذَ من آدم – عليه السلام – وذريَّته الميثاق على أن يُوحِّده – سبحانه -، ولا يُشرِكوا به شيئًا.

فكانت البشريةُ من بعد آدم – عليه السلام – على التوحيد عشرة قرون، كما قال ذلك ابن عباسٍ – رضي الله عنهما -، حتى اجتالَتهم الشياطين وأغوَتهم، ففسدَت فِطرُهم وعقولُهم، وخرجَت أجيالٌ من البشرية من عبادة الله إلى عبادة الكواكِب، والجنِّ والشياطين، والقبور والمشاهِد، وأفسدَت عقولَهم لوثاتُ الشرك والإلحاد والخُرافة، والأفكار الضالَّة والبدع المُضلَّة، وخاضَ كثيرون في آراء ونظرياتٍ وفلسفاتٍ وكلامٍ وجلٍ عقيمٍ لا طائِل تحته.

وكرِه أناسٌ الحديثَ عن العقيدة، وألصَقوا بها أفكار التطرُّف والإرهاب، واستكثَروا العنايةَ بها، والحِرصَ عليها تعلُّمًا وتعليمًا ودعوةً، فكانوا كما قال الله – تبارك وتعالى -: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: 45].

وما علِموا أنه لا صلاحَ للنفوس والقلوب إلا بأن يكون الله هو مولاها وإلهَها وربَّها ومفزعَها ومهربَها وملجأَها عند الشدائِد والأهوال، وفي كل الأحوال.

أيها المسلمون:

إن التوحيد وحقائِقَه هو السِّياجُ المنيعُ للأمة من كل انحِرافٍ عقديٍّ وفِكريٍّ، أو تحلُّلٍ سلوكيٍّ وأخلاقيٍّ. إن منهجَ العقيدة الصحيحة هو العاصِمُ – بإذن الله – من قواصِم الغُلوِّ والتطرُّف والتفجير والتكفير، التي نتجَ عنها سفكُ الدماء البريئة في المساجِد وغيرها، وتكفيرُ المُسلمين أفرادًا ومُجتمعاتٍ وحكوماتٍ.

إن كلمة التوحيد تُوحِّدُ المُسلمين في مشارِق الأرض ومغاربِها، وتجمعُهم ولا تُفرِّقُهم، وتُؤلِّف بين قلوبهم في محبَّةٍ وأُخوَّةٍ وتعاطُفٍ وتناصُر، وتمنعُهم من التفرُّق والنِّزاع والشِّقاق.

ومهما ابتغَت الأمةُ الوحدةَ والاجتماع، والنصرَ والتمكينَ فلن تبلُغه إلا بتوحيد الكلمة على كلمة التوحيد، وتحقيقها قولاً وعملاً وسُلوكًا ومنهجًا، وحينَها يفتحُ الله للأمة أبوابَ النصر والتمكين والعزَّة، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

 وقال – سبحانه -: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]، لهم الأمنُ العقديُّ، ولهم الأمنُ الفكريُّ، والنفسيُّ والاجتماعيُّ، ولهم الهدايةُ التامَّة لكل ما يُحقِّقُ لهم مصالِح دينهم ودُنياهم.

وإذا أقامَت الأمةُ حياتَها ونظامَها وإعلامَها ومناهِجَها على التوحيد وحقائقه، ومُحكَمات الشريعة، وجعلَتها مُنطلَق التربية والحضارة والرُّقِيِّ، فوالله الذي لا إله غيرُه ليفتحنَّ الله عليها أفرادًا ومُجتمعاتٍ بركاتٍ من السماوات والأرض، وليأكلنَ من فوقهم ومن تحت أرجُلهم، وليُبدلنَّّهم من بعد خوفّهم أمنًا، وليرُدَّن عنهم كيدَ الكائدين، وإفسادَ المُفسدين من أهل الغلُوِّ والتشديد والتفريق.

حُجَّاج بيت الله الحرام:

إن شرائِع الإسلام القولية والعملية مبنيَّةٌ على أساس التوحيد إخلاصًا لله تعالى، ومُتابعةً للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم -، وكلما عظُم التوحيد في القلوب قامَت الجوارِح بفعل الشرائِع بقوَّةٍ وثباتٍ وانشِراح صدر.

وإن من أجلِّ العبادات التي تتجلَّى فيها حقائِقُ التوحيد ومعانِيه ودلائِلُه: عبادةَ الحجِّ التي ستُظلُّنا بعد أيامٍ – بإذن الله -، تلكُم العبادةُ العظيمة التي تزخَرُ بالدلائل والبراهين على التوحيد، ومناسِكُها وشعائِرُها آياتٌ بيِّناتٌ، ودلائِلُ باهراتٌ على العلاقة الراسِخة بين التوحيد والحجِّ.

حيث إن من أعظم مقاصِد الحجِّ وتكراره كل سنةٍ: إعلانَ التوحيد وترسيخَه في القلوب، وإقامةَ ذكر الله تعالى في التلبية، والإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة ومُزدلفة، ورمي الجِمار والنحر، وغير ذلك.

فدُونَكم – يا حُجَّاج بيت الله -، دُونَكم موسِمُ الحج معلَمةُ التوحيد الكبرى، ومدرسةُ العقيدة العُظمى، ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: 26].

إلهَنا ما أعدلَك  *** مليكَ كل من ملَك

لبيكَ قد لبَّيتُ لك *** لبَّيكَ إن الحمدَ لك

والمُلكَ لا شريكَ لك *** ما خابَ عبدٌ سألَك

أنت له حيثُ سلَك *** لولاك يا رب هلَك

لبَّيك إن الحمدَ لك *** والمُلكَ لا شريكَ لك

ثم صلُّوا وسلِّموا على سيِّد البشريَّة وهادِيها، وسِراجها المُنير؛ فإن الله – عز وجل – قد أمرَنا بالصلاة والسلام عليه، حيث قال في مُحكَم تنزيله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

وثبتَ عنه – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال: "من صلَّى عليَّ حين يُصبِّح عشرًا، وحين يُمسِي عشرًا، أدركَته شفاعتي يوم القيامة".

فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على نبيِّنا وحبيبِنا وسيِّدنا وقُدوتِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة الراشدين: أبي بكرٍ الصدِّيق، وعُمر الفاروق، وعُثمان ذي النورَين، وعليٍّ أبي الحسنَين، وعن سائر أزواجه وذريَّاته، وصحابتِه الكرام الأبرار الأطهار، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، اللهم انصُر من نصرَ هذا الدين، واخذُل من خذلَ الدين بقوتك يا قوي يا عزيز.

اللهم انصُر إخواننا المُسلمين المُستضعَفين في كل مكان، اللهم انصُر إخواننا المُسلمين المظلومين المُشرَّدين في فلسطين، وفي الشام، وفي العراق، وفي اليمن وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.

اللهم انصُر إخواننا المُجاهدين المُرابِطين على الحدود، اللهم انصُر إخواننا المُجاهدين المُرابِطين على الحدود، اللهم كُن لهم عونًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا بقوتِك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، اللهم اجعَلهم مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفِر لنا وارحمنا، وعافِنا واعفُ عنَّا، وارزُقنا واجبُرنا، وارفَعنا ولا تضَعنا، ربَّنا تقبَل توبتَنا، واغسِل حوبَتَنا، واهدِ قلوبَنا، وثبِّت حُجَتنا، وسدِّد ألسِنتَنا، واسلُل سخائِم صدورنا برحمتِك يا أرحم الراحمين.

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.