صور من ذهاب الغيرة

عناصر الخطبة

  1. صُورٌ لذهاب الغيرة في الحفَلات والأسواق والأسفار
  2. ردود على بعض الشبهات
  3. استهداف المرأة من قِبل أعداء الإسلام
  4. واجبات الرجال للمحافظة على أعراضهم
اقتباس

إن من أغلى ما يملكه الإنسان عرضه وشرفه، وإن العاقل لَيبذل الغالي والنفيس للدفاع عن عرضه؛ بل ربما عرَّض الإنسان نفسه لسهام المنايا ليصد أقواها فلا تلوث كرامته، وبمثل هذه الغيرة جاء الإسلام، يقول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: “ومَن قتل دون أهله فهو شهيد”..

إن الحمد لله، نحمده على ما كان، ونستعينه من أمرنا على ما يكون، ونسأله المعافاة في الدين، كما نسأله المعافاة في الأبدان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصلي الله عليه وعلى آله النجباء، والصحابة الأجلاء، وعلى من سار على طريقهم وابتع هداهم، ما وقب الغاسق، ولاح الضياء.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن من أغلى ما يملكه الإنسان عرضه وشرفه، وإن العاقل لَيبذل الغالي والنفيس للدفاع عن عرضه؛ بل ربما عرَّض الإنسان نفسه لسهام المنايا ليصد أقواها فلا تلوث كرامته، وبمثل هذه الغيرة جاء الإسلام، يقول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن قتل دون أهله فهو شهيد".

قال ابن القيم -رحمه الله-: إذا رحلت الغيرة من القلب ترحَّلت المحبة، بل ترحل الدين كله.

ولذهاب الغيرة في وقتنا هذا صور، أقتصر على ذكر ثلاث منها لكثرة انتشارها خاصة في مثل هذه الأيام:

وأولها: ما يحدثه بعض الناس في مناسبات الأفراح هذه الأيام، من سفور وتبرج، ولبس الملابس الضيقة والقصيرة والشفافة المظهرة للمفاتن، حتى أصبحت صالات الأفراح أماكن للتعري والتفسُّخ، والتبذل باللباس، وإظهار النحور والأفخاذ الملونة بالحناء والأصباغ.

فتيات مراهقات؛ بل -وللأسف!- نساء كبيرات أسرفن على أنفسهن، ولقلة حظوظهن من أدب النفس لجأن إلى مغالاة في اللباس والزينة، وليسترن نقصهن، ويدفنَّ عوارهن؛ ولكن هيهات! فمقاييس الكمال عند العقلاء جلية لا تخفى.

وهذه رسالة من إحدى الأخوات أنقلها إليكم باختصار، تقول الأخت فيها: نحن النساء بأمسّ الحاجة للنصح والإرشاد؛ لأن النساء ناقصات عقل ودين، وينجرفن خلف تيارات ووهم دفين، اسمه الحضارة والتحضر و(الموضة)، أريد منك نداء توجهه لكل ولي أمر نسي أنه محاسب عند الله عن كل من هم تحت رعايته، أريد منك نداء لكل مسلمة ظنت أو تظن التبرج حضارة وتحضراً.

إلى أن قالت: لعلك تتساءل: لماذا هذه الرسالة وهذه الصرخة؟ فأقول: لقد رأيت العجب العجاب، رأيت في حفل أقيم في قصر من قصور الأفراح السفور والتعري، رأيت نساء كاسيات عاريات، رأيت الرقص والغناء والتصوير بالفيديو، أحسست ساعتها كأنني في بلد غربي لا يمت للدين بالصلة، رأيت في هذا الحفل شياطين تتخبط بصور البشر، تألمت وذرفت من الدموع أنهارا ونارا، جرحت بديني، ويا أسفا على قيم ضاعت، ورجال تاهوا! أين أولياء الأمور؟ أين هم منا ومنهن؟! الحقوا بنا قبل أن نهوي ونضيع ونندم، ولا ينفع حينها الندم!.

عباد الله: هذه رسالة من عشرات الرسائل والمهتافات من نساء غيورات عاقلات، نعم! لقد بكت الغيورات حتى ليم يبق في المآقي دمعة بسبب تعدي السافرات، وجرأتهن على قتل العفة والعفاف، فشكت الكثير منهن عما يجري هذه الأيام في قصور الأفراح وصالات المناسبات.

بل قالت البعض منهن: لقد أصبحنا بين أمرين كلاهما مر: فإما أن نقطع الصلة بأرحامنا أو أقاربنا فلا نستجيب لدعواتهم بحضور أفراحهم فتقع الوحشة بيننا وبينهم، أو نستجيب فنحضر فنرى ما يحرق القلب، ويدمع العين، ويغضب الله؛ فإن نصحنا أو تكلمنا نفاجأ بسيل من السب وبذيء الألفاظ.

أيها الإخوة: إني أجل أسماعكم في هذا المكان المبارك عن وصف ما سمعت وما وقفت عليه من صور للبذخ والإسراف، والتعري والسفور، مما يجري في مناسبات الأفراح هذه الأيام، حتى لقد تأذى الشرفاء، وأزعج الكرماء، فقد جيء إليهم ببدع من الأمثال والأفكار، ثياب للصيف، وثياب للخريف، وملابس للشتاء، وأخرى للربيع، وما يلبس في الليل لا يصلح عندهم في النهار، بل وما يلبس في الأصيل لا يليق بالسمَر! وهذا و-ربي!- شطط سمج، وإسراف ممقوت، فرضته مجتمعات مَن لا يرجون الله ولا اليوم الآخر، إنه هوس يبرأ منه العقلاء والأتقياء.

عجبا! نساء من؟! وبنات من؟! وأزواج مَن هؤلاء النسوة اللاتي نزع من وجوههن الحياء؟! وصدق الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "إن الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".

بل قال -صلى الله عليه وسلم-: "شَرُّ نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم"، أي ندرة الداخلات منهن للجنة كندرة هذا النوع من الغربان.

إن بعض النساء، بحجة أن عورة المرأة أمام المرأة من السُّرَّة إلى الركبة، خلعت جلباب الحياء، وحسرت عن ظهرها وصدرها وبطنها، ولم تستر ربما سوى العورة المغلظة، فرحماك يا الله بنا!.

أيتها النساء! معاشر الرجال! إن الاحتجاج بحدود عورة المرأة أمام المرأة حجة هزيلة، وشبهة دخيلة لكسر حاجز الحياء، وانتشار السفور والتعري، يقول أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء: ونظرا لكثرة الاستفتاءات الواردة إلى اللجنة عن حدود نظر المرأة إلى المرأة وما يلزمها من اللباس فإن اللجنة تبين لعموم نساء المسلمين أنه يجب على المرأة أن تتخلق بخلق الحياء الذي جعله النبي مِن الإيمان، وشعبة من شعبه، ومن الحياء المأمور به شرعا وعرفا تستر المرأة واحتشامها، وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتنة ومواضع الريبة.

وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة؛ فقد قال تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ [النور:31].

وإذا كان هذا هو نص القرآن، وهو ما دلت عليه السنة، فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا.

وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو ما يظهر من المرأة غالبا في البيت وحال المهنة، ويشق عليها التحرز منه، كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في التكشُّف فعلاوةً على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة، هو أيضا طريق فتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها، وهذا موجود بينهن، وفيه أيضا قدوة سيئة لغيرهن من النساء.

كما أن في ذلك تشبها بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن تشبه بقوم فهو منهم"، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن النبي رأى عليه ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها".

وفي صحيح مسلم -أيضا- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".

ومعنى(كاسيات عاريات) هو أن تكتسي المرأة ما لا يسترها، فهي كاسية؛ ولكنها في الحقيقة عارية، مثل من تلبس الثوب الرقيق الذي يشف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها، أو الثوب القصير الذي لا يستر بعض أعضائها.

المتعين على نساء المسلمين التزام الهدي الذي كان عليه أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة -رضي الله عنهن- ومن ابتعهن بإ حسان من نساء هذه الأمة، والحرص على التستر والاحتشام، وذلك أبعد عن أساب الفتنة، وصيانة للنفس عما تثيره دواعي الهوى الموقع في الفواحش.

كما يجب على نساء المسلمين الحذر من الوقوع فيما حرمه الله ورسوله، من الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات والعاهرات؛ طاعة لله ورسوله، ورجاء لثواب الله، وخوفا من عقابه.

كما يجب على كل مسلم أن يتقي الله فيمن تحت ولايته من النساء، فلا يتركهن يلبسن ما حرمه الله ورسوله من الألبسة الخالعة الكاشفة والفاتنة، وليعلم أنه راع مسؤول عن رعيته يوم القيامة. انتهى كلام العلماء في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حفظهم الله.

فهل بعد هذا البلاغ من بلاغ؟ أدلة قاطعة، وبراهين واضحة للمسلمين والمسلمات، الذين يستجيبون لله وللرسول، ويحبون الستر والحياء والعفاف، أما الغافلون من الدهماء فقد وقعوا تحت تأثير ما يسمى بلغة العصر برامج(الموضة) والأزياء، والتي يقودها أهل الأهواء، طلبا للثراء، وعرضاً المفاتن والإغراء، استنزافا للأموال، ونشرا للفاحشة، ووأدا للعفاف، واستخفافا بعقول الرعاع، لسان حالهم -بل مقالهم- يقول: "إن الزمن كفيل بقبول كل معارض للتجديد والإحداث!".

أي تجديد هذا الذي يجعل المرأة تستعرض أمام الملايين بلباس صفيق لا يغطي سوى السوأة المغلظة؟ ليستفز العيون من محاجرها مشرئبة، وتتقد كوامن الشهوة في النفوس. سبحان الله! ما أشبه الليلة بالبارحة! ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الأحزاب:33].

بل هي جاهلية أشد رذالة وإهانة للمرأة، إنها جاهلية التحضر والتمدن، إنه التفنن في جعل المرأة سلعة تجارية رخيصة، تتلاعب بها الأهواء والشهوات، إنه التفنن في إذابة الأعراض، وتعويد المرأة المسلمة على التعري والسفور، كل هذا تعرضه(الفضائيات) والمجلات باسم المرأة العصرية المتحضرة، وهي -وربي!- رجعية لجاهلية مظلمة.

والعجب! تلك الاستجابة لها من مسلمة أكرمها الله بدين أعزها وأنقذها! استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأعجب العجب! موافقة ذكور يدعون الرجولة لما تلبسه نساؤهم، ولكن صدق -صلى الله عليه وسلم-: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت".

معاشر الرجال: ما معنى أن يخرج محارم الرجل من بيته إلى قصور الأفراح، لا يدري ما ذا لبست؟ وبشعرها ماذا صنعت؟ وبجسدها ماذا نقشت وصورت؟ عجبا لرجال هم آخِر من يعلم بأي شكل كانت ابنته البارحة؟ حتى إذا أصبح سمع الناس يتغامزون ويتهامسون عن تلك المتبرجة السافرة؟! وما علم الغافل المسكين أنهم يلوكون عرضه وشرفه؟.

إن الرجولة شخصية وغيرة، ومسؤولية ونخوة، قبل أن تكون خشونة صوت، ولبس عمامة! والله! ما بلغ النساء هذا الحد من السفور والتعري إلا بتساهل الرجال! ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:74].

فاتقوا الله يا من أهملتم وقصَّرتُم، الغيرةَ الغيرةَ! فإن لم تغاروا فاعلموا أن ربكم يغار، "ما من أحد أغير من الله؛ من أجل ذلك حرم الفواحش".

وصورة أخرى من صور ذهاب الغيرة: خروج بعض النساء للأسواق، بكامل زينتها وتعطرها ونقابها الواسع الفتان، وبدون محرم، تزاحم الرجال، وتشاكسهم بالأسعار، وتتكسر في مشيتها، وتظهر مفاتنها، وربما خرجت بالبنطال بين الرجال، والعيون الجائعة تلاحقها، والذئاب المسعورة تطاردها، والزوج في بيته أو في سهرته وبين(شلته) وهي في أماكن تجمع شياطين الإنس والجن، والمرتع الخصب لضعاف النفوس الذين لا هم لهم سوى معاكسة النساء، والإيقاع بهن بأساليب وحِيَل يعجز عنها الشيطان، لا يفرقون بين متحجبة ولا متبرجة!.

عن علي -رضي الله عنه-: ألا تستحون أو تغارون؟! فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج.

والمصيبة الكبرى أن يكون معها محرمها، وهي بهذه الحال، فأهان كرامته، وأمات غيرته، ولكن: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج:46].

ومن صور ذهاب الغيرة أيضا إصرار بعض الأزواج على ذهاب زوجته معه للخارج، أمرها بكشف وجهها ونزع حجابها، فهذه امرأة تسأل فتقول: إن زوجي يسافر بي، ويجبرني على نزع الحجاب، فما العمل؟!.

أأشباه الرجال ولا رجال؟! أجسام البغال وأحلام العصافير؟!.

وشاب تزوج فسافر هو وزوجته إلى الخارج، وكانت من بيت صالح، وقد تربت على الصلاح والستر والحشمة والعفاف، وكان هذا الزوج يرغب بنزع الحجاب عن وجهها! وفعلا بدأ فأقنعها بهدوء، ولكنها لم تستجب لطلبه، وظلت على سترها وحشمتها، فقال لها يوما: كفى تحجبا، وانزعي الحجاب؛ فإنه لا يرانا أحد مما يعرفوننا؟! فردت عليه بالرفض.

وحاول ثانية وثالثة فقالت: إذا كنت مصرا على أن أنزع حجابي عن وجهي، وآثرت رضا الناس على رضا الله، فأعِدْني إلى بيت أبي! فتغير وجهه، وجف ريقه، ثم قالت: نعم أعدني إلى بيت أهلي، فقد خرجْتُ من بيت أبي عفيفة محتشمة، ولم أوافق على الزواج منك إلا لتُعِفَّني وتسترني، لا أن تفتنني وتفسدني، واعلم أن الطعام والشراب والكساء متوافر في بيت أبي أكثر مما عندك، فلست مستعدة بأن أنزع حجابي الذي أمرني به ربي.

فلما رأى قوة إيمانها وشدة تمسكها بحجابها تركها، وحرص على ألا تخرج معه دائما، وبعد انتهاء فترة السفر عادا معا، ولم يجرؤ على السفر بها بعد تلك المرة، حيث لقنته درسا في الاعتزاز بالدين، والتمسك بشرائعه وآدابه حتى في بلاد الكفار، فهي مسلمة في كل زمان ومكان؟!.

ونقول لهذه الزوجة: هنيئا لك هذا الإيمان الصادق، والاعتزاز بالدين، وعدم التنازل عن شيء من أحكامه، وأرجو أن تكوني ممن قال الله تعالى فيهن: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء:34].

وإياك أن تعرضي نفسك ودينك وعفافك للفتنة والامتحان! واسألي عن حكم السفر للخارج قبل أن تتعرضي للفتن؛ فما حرم الإسلام أمرا إلا صيانة لك.

وشتان بين هذه وبين تلك التي قالت عندما سئلت عن عدم التزامها بالحجاب في سفرها، فقالت وبكل جرأة: لم أسافر وأنا أريد أن أتحجب.

لا تُحَدِّثْنِي عن الفسق، ولكنْ *** عنْ فتاةٍ مزَّقَتْ عنها الخمارا صدَّقَتْ قول الأعادي حين قالوا *** إن صون العرض يُزري بالعذارى أيها الغرب الذي يبعثُ فينا *** كلَّ يوم موجةً تطوي منارا أسَفي يا غرب أنْ أبصر جيلا *** مِن بني قومي على نهجك سارا كم غويٍّ يطلب الربح ولكن *** لم يجد في غَيِّه إلا خسارا

عجبا لهؤلاء الأزواج! ألا يعلمون أنهم بالسفر بزوجاتهم للخارج وترددها على أماكن اللهو يجرئونها على نزع الحياء، واستمراء العري والسفور، والنظر في وجوه الرجال الأجانب؟ فكيف لهذه وأمثالها أن تقوم بحق الزوج؟ وكيف يأمنها على نفسها وعرضه؟ وأي نوع من الأولاد والبنات سيتربى على يدها؟!.

ويا ويل الأب يلقي بابنته في يد شاب فاسق يفسد صلاحها ويذهب حياءها! إن هذا الأب لم ينصح لابنته، ولم يحسن إليها، وستخاصمه أمام الله يوم القيامة؛ لأنه لم يختر لها صاحب الدين والخلق.

أيها الآباء! إن أمثال هؤلاء الشباب يفسدون الصالحات، فكيف بالغافلات؟ وقال أهل العلم: على والد الزوجة أن يمنعها من السفر إلى الخارج مع زوجها إذا كان لمجرد النزهة أو لشهر العسل كما يقولون، وعلى الزوجة ألا تطيع زوجها في ذلك السفر؛ لأنه: "لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف".

ولولي المرأة أن يشترط عند عقد زواج ابنته ألا يسافر بها زوجها للخارج؛ لكثرة انتشار الفتن، والافتتان بالدول الغربية وعاداتهم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلي الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المسلمون! فالوسط والعدل هو قاعدة الإسلام الكبرى، والإفراط أخو التفريط، والإسلام دين التجمل والزينة، ودين الطيبات والمباحات؛ ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:32].

وفي الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هذا هو نهج عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان:67]، يأخذون من الطيبات، ويستمتعون بالزينة، لكنهم واقفون عند حدود الله"، فلا يظن بعض فلاسفة الزمن أننا ضد الحضارة والتحضر، وضد الرقي والتقدم، فالحضارة وعي وفكر وتجديد، وليست بتبرج واختلاط وتقليد؛ والحضارة سمو أخلاق وعزة وشموخ، وليست بتعرٍّ وسفور ورضوخ.

عباد الله: الجميع يعرف ويعلم أن المرأة المسلمة مستهدفة من قبل أعداء الإسلام، والواقع أكبر شاهد على ما نقول: هجمة إعلامية شرسة، وفضائيات قذرة، ومجلات سافرة، وأزياء مبتذلة، ولهو طرب، وغناء ورقص، واستنزاف للأموال، وإسراف وبذخ وترف، كل هذه وغيرها سهام وجهت لنحور بناتنا وأزواجنا وأخواتنا.

نعم، تُركن يتلاعب بعقولهن عُبَّاد الدينار والدرهم، وعباد الشهوات والملذات، باسم المدنية والتحضر ومجاراة العصر تارة، وباسم الجمال والتجمل تارة، وباسم حقوق المرأة تارة، ونحن معاشر الرجال آباء وأبناء وأزواجا وأولياء نقف موقف المتفرج، والطامة ألا يشعر بعضنا بموجة التغريب والتغير في بيته، والأطم من هذا أن يكون البعض عونا لهن على التبرج والسفور.

معاشرة الرجال: إن المرأة خلقها الله بفطرتها ضعيفة عاطفية، سريعة التأثر، تحتاج لقوة الرجل وعقله، وحسن تدبيره مع حسن أخلاقه وتعامله، تحتاج لرجل فطن لوسائل المكر والدهاء، الذي يسلكه الأعداء، إن الله حكيم عليم خبير؛ ولذا جعل القوامة للرجال؛ فقال: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء:34].

فما تخلى بعض الرجال عن هذا التكليف إلا لانشغاله بدنياه، أو لضعف شخصيته وولايته، أو لانغماسه بلهوه وشهوته، استرجلت المرأة، ليس فقط بشكلها، بل بتصرفاتها وجرأتها، وخروجها ودخولها، وهكذا! إذا ضعف القوّام، فسد القُوام، وكم خربت بيوت عامرة تحكمت فيها نساء وأشباه نساء في حلي وحلل، يتكلفون ما لا يطيقون، وينافسون على مالا يقدرون!.

معاشر الإخوة: كأني ببعضكم ينظر إلى بعض، كل يتهم الآخر، ويبرئ ساحته، ويدعي أن زوجه وأهله أبرياء من التأثر بمثل هذه المؤثرات، ولا يمكن أن نعالج أخطاءنا ونربي أبناءنا وأهلنا إلا بمواجهة النفس، ومصارحتها، فكن شجاعا واصدق مع نفسك، فكلنا خطاء، وخير الخطائين التوابون، ولا بأس! فــ "خيركم خيركم لأهله".

ولكن احذر من التهاون والرضوخ لطلبات النساء المحرمة، فلا تغلبنكم النساء على رجولتكم؛ فإن القوامة لكم، ولا تلتفتوا لأقلام مسمومة، وأفكار محمومة، تريد أن تخلخل هذه القوامة، لتبقى المرأة بلا قوامة؛ فيسطو الذئب متى شاء، وكيف شاء! شاهت الوجوه التي تأمر بتغيير ما أنزل الله! فالرجل مطالب بممارسة حق القوامة التي كلفه الله بها.

وقد يتساءل البعض عن الطريق، وماذا علي أن أصنع؟ فأقول: أولا: ابحث عن أسباب انتشار مثل هذه الظواهر في أهل بيتك، ومن عرف الداء سهل عليه الدواء، ومن أهم هذه الأسباب: ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله عند المرأة، والتشبه والتقليد، وحب الظهور والتفاخر بين النساء، وتأثير وسائل الإعلام الموجهة للمرأة؛ كبرامج الموضة والأزياء، وغير ذلك من الأسباب.

وهنا أقول: استعن بالله، وأخلص النية لله، واعلم أن طريق الإصلاح طويل؛ يحتاج إلى صبر وحكمة وطول نفَس، وليس إلى غضب وحماس وانفعال ينتهي بأيام، فإذا عزمت فتوكل على الله.

وانتبه لوسائل الإعلام المؤثرة، وطهر بيتك منها، ثم أدخل وسائل الخير، واحرص على تكثيفها وتنويعها، وخاصة المؤثر منها، كالأشرطة المفيدة، والمجلات النافعة، والكتب والقصص الهادفة.

ثم إياك أن تمل من النصح والتوجيه والتذكير بلسانك، وبالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة! فإن المرأة بحاجة في كل لحظة إلى من يذكرها، ويخوفها بربها، وبدون ملل أو يأس، وهكذا الصالحون الصابرون في بيوتهم، ولا بأس من الشدة عند الحاجة إليها، لكن آخر الدواء الكي.

وأخيرا أيها الإخوة والأخوات: إن ذوَتْ في الغصن بعض الورَقاتِ *** وتهاوتْ للثَّرَى مُسْتَبِقَاتِ ورمتْها الريح في وادي الشتاتِ *** فعلى الأغصان زاهي الزهَرات وهنا طلعٌ رضيُّ النفَحات *** فتعلَّمْ! ذاك عنوان الحياةِ

نعم أيها الإخوة! إنْ تهاوى بعض النساء وراء صرخات الموضة والسفور؛ فهناك الكثير الكثير -والحمد لله- من بنات المسلمين صالحات محافظات، محتشمات، فهنيئا لهن ولأوليائهن هذا العز والسؤدد! ويكفيهن فخرا ومجداً ثباتهن على الحق، والمحافظة على العفة والكرامة، والستر والاحتشام في زمن التبرج وعدم مبالاة.

إخوة الإيمان: هذه صور من ذهاب الغيرة عند بعض الناس، والكلام يطول، وحسبي ما ذكرت حبا ونصحا لكل مسلم ومسلمة.

اللهم اشهد! اللهم هل بلغت؟! اللهم وفقنا إلى ما فيه صلاحنا وسعادتنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة، اللهم احفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، واحفظنا من مُضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

اللهم احفظ نساء المسلمين من التبرج والسفور، اللهم اجعلهن صالحات مصلحات، هاديات مهديات، واغفر لهن ذنوبهن، واستر عليهن عيوبهن.

اللهم من أرادهن بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه، اللهم واحفظهن من كل سوء يا رب العالمين.