العنوسة وعسر الزواج

عناصر الخطبة

  1. حث الإسلام على الزواج وتيسيره
  2. أسباب عسر الزواج اليوم
  3. كيفية المعالجة
اقتباس

والحديث عن الزواج والأفراح قد يتخذ عدة أبعاد، فهناك أهمية الزواج لكل مسلم ومسلمة، وهناك عوائق الزواج، وهناك الوعي بقيمة الرابط الزوجي بين الفتى والفتاة، والذي يحول دون تفشِّي ظاهرة الطلاق، وهناك المخالفات التي تقع في حفلات الزواج، فالموضوع له أكثر من جانب، ونحاول اليوم -إن شاء الله- أن نشير إلى أسباب عسر الزواج وتعقيداته في واقع اليوم ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الزواج سنة يؤكد عليها الإسلام، يقول -جل وعلا-: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ [الرعد:38].

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، ومَن كان ذا طَوْل فينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء" رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح.

ويقول ابن مسعود-رضي الله عنه-: لو لم يبقَ من أجلي إلا عشرة أيام ولي طَوْلٌ على النكاح لتزوجت، كراهية أن ألقى الله عزباً. ويقول الإمام احمد -رحمه الله-: ليست العزوبة من الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام .

والحديث عن الزواج والأفراح قد يتخذ عدة أبعاد، فهناك أهمية الزواج لكل مسلم ومسلمة، وهناك عوائق الزواج، وهناك الوعي بقيمة الرابط الزوجي بين الفتى والفتاة، والذي يحول دون تفشِّي ظاهرة الطلاق، وهناك المخالفات التي تقع في حفلات الزواج، فالموضوع له أكثر من جانب، ونحاول اليوم -إن شاء الله- أن نشير إلى أسباب عسر الزواج وتعقيداته في واقع اليوم.

معاشر الأخوة: لقد كثر الحديث عن مشكلات الزواج، وتعددت فيه الكتابات والمقالات، وبحَّت حناجر الغيورين على مجتمعهم من التحذير مما يعقِّد الزيجات، وقد أبانت شريعتنا الحكيمة المنهج الواضح في هذه القضية المهمة، جاءت بتيسير أمور الزواج، والحث على الاقتصاد فيه.

ففي الجامع الصغير بسند صححه السيوطي من حديث عائشة-رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة". فالذين يخالفون هذا المنهج بالتعقيد والإسراف والمبالغة إنما يخالفون شرع الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- القولية والفعلية، ولا شك أن هذا أكبر مؤشر على عسر الزواج واستفحال العنوسة.

وقد ذكر اجتماع رسمي عقد نهاية العام الماضي بين عدد من الجهات الرسمية أن عدد السعوديات العوانس بلغ مليون و500 ألف فتاة سعودية وذلك حسب آخر إحصائية، ودُوِّن الرقم خلال اجتماع للجنة الشئون الأمنية بمجلس الشورى لمناقشة مشروع تنظيم زواج السعودي بغير السعودية والسعودية بغير السعودي، ومشاركة عدة وزارات وهيئات حكومية تمثلت في وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة الشئون الاجتماعية، وهيئة حقوق الإنسان.

أيها الأخوة: إن من أسباب العنوسة ما يعود إلى الفتاة ذاتها، فكثيراً من بنات اليوم يختلفن في نظرتهن للزواج واهتمامهن به عن بنات الأمس، فالحياة المعاصرة فيها من المستجدات الفكرية، والملهيات، والاعتبارات الثقافية ما يضعف قيمة الزواج في ذهن الفتاة.

ومن ذلك التعليم، هل تصدقون؟! نعم! كثير من البنات يرفضن الزواج قبل إتمام الدراسة الجامعية، لماذا؟ لخوفهن من الانشغال المخل، فيفوت عليهن الزمان، ويتقدمن في السن.

وبعضهن يبالغن في وضع مواصفات عالية جداً للمتقدم من ناحية وضعه المادي، أو من ناحية جاهه أو شهادته، أو شكله، أو غير ذلك، مبالغات.

ومن أسباب تأخر البنات في قبول المتقدم للزواج حرصهن على العمل، بل إن بعضهن يرينه أهم من الزواج! ولا شك أن الدعوات العنيفة التي تصب من كل مكان كهدير السيل، تلك التي تنادي بخروج المرأة، وفتح الفرص العديدة لها في سوق العمل، تلك الدعوات -شئنا أم أبينا- تعين على شرود ذهن الفتاة عن التفكير في الزواج؛ ومن ثم تَحْمِلُها على تأخير قبولها لمن يتقدم لخطبتها.

في استبانة شاركت فيها 100 ممرضة كانت نتيجتها أن 62% من الممرضات السعوديات عوانس، و25% مطلقات، و32% يرفضن الزواج، 18% فقط متزوجات.

وأشارت دراسة حديثة إلى أن نسبة الموظفات السعوديات غير المتزوجات ممن جاوزن سن 28سنة فأكثر 44%، إذن العمل له علاقة.

من أسباب عسر الزواج الأسرة، الوالدان أحدهما أو كلاهما، أو ربما الإخوة أحيانا يقفون عائقا ً أمام زواج الفتاة، أم الأب فقد يعطي ابنته مبدأ الرفض، ولا بأس في ذلك، ولكن ليس من دون نصح ومناقشة وتوجيه، خاصة إذا كان المتقدم الذي ترفضه شاباً كفؤاً ذا دين وخلق.

فبعض الآباء سلبيون، يقفون عند قرار الفتاة دون تعليق، قبلت وافقوا، رفضت وافقوا، لا تعليق، لا نصح، ولا إرشاد! ربما لفرط حبهم وإشفاقهم عليها، وخوفهم من فراقها، وربما لشعورهم؛ لأن الفتاة في بيت أبيها أكثر أمناً وسعادة، وقد يكون الأمر كذلك في حالة الزواج الفاشل نعم، ولكن الفشل أمر غيبي، وهو في الغالب بعيد إذا ما احتاطت الأسرة، ودقَّقَت جيداً قبل قبولها بالزوج.

ومن أخس الأسباب التي تدعو الأسرة إلى تعقيد زواج الفتاة، بل ومنعه مطلقاً، أن يكون الأب طامعاً في راتب ابنته، كله أو معظمه، وهذا من أخس الأسباب، أو راغبا ً في إبقائها في خدمته، أو الأم هي التي تريد إبقاءها من أجل ذلك مع الأسف! وأحيانا يكون السبب هو العادة الغبية التي تمنع زواج الصغرى قبل الكبرى، فعادة غبية، مراعاة لشعور الكبرى وهذا والله ظلم.

ومن العادات البالية حجر الفتاة على ابن عمها، أو ابن خالها، أو من قبيلتها أحيانا، أما من الخارج فلا! فماذا يحصل؟ لا هي التي قبلت بابن عمها الذي تقدم لخطبتها بعد طول زمن؛ لأنها أصلا لم تكن ترغب في الزواج منه، وربما ينتظرها ابن العم هذا سنوات طوالاً، وفي النهاية يفاجئهم بزواجه من غيرها.

ومن الأسباب الأسرية الاجتماعية التي تعسِّر الزواج، المغالاة المخيفة في المهور، قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: ألا لا تغالوا صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، ما علمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نكح شيئاً من نسائه، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية.

إذن، فمن أسباب عسر الزواج المغالاة في المهور، وكذلك تبعات الزواج الأخرى من هدايا وحفلات، مما تفرضه العادات الجاهلية المعاصرة، أو لربما المباهاة والمفاخرة التافهة، وليس بنو فلان بأفضل منا! أو ربما لمجرد الخوف من كلام الناس، فيحمِّلون الشاب من المصاريف أكثر مما يحتمل، وبالنظر إلى غلاء المعيشة اليوم وضعف الرواتب، ناهيك عن معدلات البطالة، ثم وجود مثل تلك النفقات فإنك لا تكاد تجد مفراً من عزوف الشباب؛ وبالتالي انتشار العنوسة.

أما السبب الآخَر من أسباب إعاقة الزواج، وهو السبب الأخلاقي الذي يجعل الشاب يدمن الرذيلة، وبالتي يخشى أن يقيد الزواج شهواته. في صحيح الجامع من حديث أنس-رضي الله عنه- قال عليه الصلاة والسلام: إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين ، فليتَّقِ الله في النصف الباقي". كلما قيل له: ألا تكمل نصف دينك؟ قال: بدري! لا تدري ما وراء الأكمة!.

وعوامل هذا السبب متنوعة، منها الإعلام الذي يحرك الغرائز، ويزين المحرمات من زنا وخمور؛ ومنها وكالات السياحة التي تسهل تلك الرذائل وتسوِّق لها بالدعايات المغرية لإيفاد من شاء للبلاد المشهورة بتوفير الرذيلة في عطلة نهاية الأسبوع، وفي العطل الصيفية، وبأبخس الأسعار؛ ومنها الفضائيات الإباحية، وتلك الهابطة التي تدمر أخلاق الشباب تدميرا، وتبعدهم عن دينهم؛ ومن العوامل الانترنت ومواقع الدردشة، مواقع التعارف بين الجنسين، والمواقع الرديئة الأخرى أيضا، ومنها أصحاب السوء وأثرهم السيئ في صرف الشباب عن الزواج.

الحاصل أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى عزوف الشباب وتعقيد الزواج: ذاتية، وأسرية، وثقافية، واجتماعية، وبيئية؛ ولابد من النظر في وسائل العلاج من أثَر كُلِّ سبب.

معاشر الأخوة: إنه لا يمكن لخطبة الجمعة وحدها أن تستوفي الحلول لمثل هذه القضية الكبيرة، بل لابد من تكاتف المجتمع كله في تخفيف ظاهرة العنوسة، ومعالجة تعسير الزواج بتيسيره، أما أن يتمسك كلٌّ بموقفه بكل عناد فلا هذا يتنازل ولا ذاك يصلح ولا هذا يغير، فليس في هذا مصلحة إطلاقا، بل فيه كل المفسدة.

كل عاقل يدرك أن بقاء الوضع على حاله لن يجلب للمجتمع إلا الأمراض النفسية والأخلاقية، بل ويحل بالمجتمع العقوبة والبلاء بسبب تزايد المنكرات المشؤومة التي تنزع البركة، وتغضب الرب -جلَّ وعلا-. أسأل الله تعالى أن يصلح الحال، وأستغفره تعالى فاستغفروه إنه تواب رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: الحلول تكمن في شيئين رئيسيين: الأول: عناية العلماء والقضاة، وعناية العقلاء وأهل الحكمة؛ والثاني: الأخذ على أيدي السفهاء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

فالحل الأول عناية العلماء والقضاة بهذا الموضوع، وعناية العقلاء وأهل الحكمة، الذين يمتازون بهاتين الصفتين حقاً، العقل والحكمة، سواء أكانوا آباء أو إداريين أو تربويين أو إعلاميين، وعناية أمثالهم من السياسيين الذين بيدهم صنع القرار، عناية هؤلاء جميعا بعلاج هذه الظاهرة بمختلف الوسائل، ولو طال الزمان.

والثاني الأخذ على أيدي السفهاء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، سواء أكانوا أفراداً أو مؤسسات إعلامية أو سياحية، ووضع التدابير النظامية التي تحد من إفسادهم، وتعيين جهات رقابية مخلصة تتابع تطبيق النظام، حتى تخفف آثار ما تقدم من أسباب.

والله تعالى ولي التوفيق