خمس محاكمات عقدية لعيد الحب: فالنتاين

عناصر الخطبة

  1. الغرب يغزو بلادنا بنزغاته الفكرية
  2. اهتمام بعض المسلمين بالاحتفال بعيد الحب
  3. خمس محاكمات عقدية لعيد الحب
  4. مسؤولية الآباء والأمهات في مواجهة الغزو الفكري
  5. نصيحة للشباب والفتيات
اقتباس

وأمام هذا الحدث المعاصر، أضع بين أيديكم خمس محاكمات عقدية وشرعية لعيد الحب أو ليوم القديس فالنتاين أو لعيد العشاق، نقيس بها هذا العيد ونحاكم بها المحتفلين به، لا بمقياسي أنا ولا أنت، بل مقياس الحق -سبحانه وتعالى- الذي أنزل علينا ميزان القرآن والسنة.

الخطبة الأولى:

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.

وبعد:

أيها المسلمون: في ظل عصر العولمة الغربية الأمريكية التي تجتاح العالم، وفي ظل حالة الوهن الحضاري لأمتنا بتنا نُصاب ما بين الفترة بنزغات الغرب، تغزونا في فكرنا وسلوكنا، وتحلّ في بيوتنا ومجتمعاتنا، لتجدها بعد قليل وقد أصبحت واقعًا سلوكيًا عند بعض المسلمين.

ومن بين تلك النزغات الغربية ما بات يعرف بعيد الحب أو الفالنتاين الذي يصادف تقريبًا منتصف الشهر الثاني من كل عام ميلادي (14/2)، أي بعد نزغة عيد رأس السنة بشهر ونصف، وصرنا نلحظ اهتمامًا به من قبل ثلّة من أبناء المسلمين، ومن وسائل الإعلام.

أيها الإخوة: وأمام هذا الحدث المعاصر، أضع بين أيديكم خمس محاكمات عقدية وشرعية لعيد الحب أو ليوم القديس فالنتاين أو لعيد العشاق، نقيس بها هذا العيد ونحاكم بها المحتفلين به، لا بمقياسي أنا ولا أنت، بل مقياس الحق -سبحانه وتعالى- الذي أنزل علينا ميزان القرآن والسنة.

أيها المؤمنون بالله: وأولى هذه المحاكمات العقدية لعيد الحب أو الفالنتاين: هي في قوله تعالى: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾. هذا هو أصل القضية والمرجع الأول والأخير لموقفنا من عيد الحب، ولمحاكمته في ميزان العقيدة، هل الله تعالى -صاحب الحق المطلق في التشريع لنا- هو من شرع هذا العيد؟! أم أن الذين شرعوه هم بشر وخلق من خلق الله ليس لهم السلطان في ذلك؟! إن الله تعالى لم يشرع لهذه الأمة المحمدية هذا العيد أبدًا، وإنما هو من تشريع أهل الضلال والطغيان لبعضهم، فهل تقبل -أيها المؤمن- أن تأخذ بتشريع غيرك من البشر.

إن هذا العيد وغيره من الأعياد إنما هي دين من وضع البشر قد حذّر الله سبحانه منه فقال: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾، ولذلك قال -جل في علاه-: ﴿إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾، فهو سبحانه من يشرّع الأعياد ويحدد طبيعتها المباركة، قال سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾.

ولذلك من الذي شرع لنا عيد الفطر وعيد الأضحى؟! اسمعوا ماذا يقول في ذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حينما وجد الناس في المدينة يحتفلون بعيدين من أعياد الجاهلية، عندها قال نصًا واضحًا: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ"، قال ابن تيمية: "فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: "إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين"، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما كقوله سبحانه: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾.

فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما"، يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما وقوله: "خيرًا منهما"، يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية".

فالذي شرع قال: إن الله قد أبدلكم، أي شرع لكم عيدين بدلاً من أعياد الكفار. فقضية عيد الحب أو الفالنتاين قضية عقدية، إما أن أتبع فيها تشريع ربي سبحانه، وهو لم يشرع هذا العيد، ولم يأذن به، وإما أن أتبع شرعة البشر فأكون قد اتبعت ما لم يأذن به الله.

أيها المسلمون: وثاني هذه المحاكمات العقدية لعيد الحب وللمحتفلين به هي في قول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم".

فمن يحتفل بعيد الحب فهو مسلم متشبه بغير المسلمين من الكفار، فهذا العيد هو من أعياد أمة الكفر، وليس من أعياد أمة الإسلام، واشتراكك معهم في مثل هذه المناسبة، وإحياؤك لطقوسهم هو تقليد لهم وتشبه بهم، وهذا ممنوع شرعًا ومحرم ديانة، ويصدق على من يفعل ذلك حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه حينما حكم فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم"، وقال أيضًا متبرئًا: "ليس منا من تشبه بغيرنا".

وقد روى البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه قال: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة".

وقد أفتى علماء الأمة المعاصرون بحرمة الاحتفال بعيد الحب بأي شكل من الأشكال.

أيها الإخوة المسلمون: والنبي -صلى الله عليه وسلم- حينما يحذر أمته من التشبه إنما يريد لها أن تبقى لها هويتها الإسلامية، فالتشبه يشوّه حضارة المجتمع، ويضعف مكانته، ويهين فكره، ويخلط ثقافته، ويشيع الانقسام في صفّه، فعندما تجد المجتمع المسلم بدلاً من أن يحتفل بعيدين اثنين شرعهما الله تعالى بعيدين يعبران عن خصوصية المجتمع المسلم، وإذا به يحتفل بخمسة أعياد أو بسبعة بعضها شرقية وأخرى غربية وبعضها لا شرقية ولا غربية، وهذا يفقدها هويتها الإسلامية وخصوصية انتمائها إلى رسول رب العالمين -صلوات الله وسلامه عليه-، فأين في حياة الأمة هديه، أين قاعدة: "وخير الهدي هدي محمد"، وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾. قال: "الزور: أعياد المشركين".

أيها المسلمون: وثالث هذه المحاكمات العقدية لعيد الحب وللمحتفلين به هي في قول ربنا -سبحانه تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾.

والمقصود من هذا النص أن الحق -سبحانه وتعالى- قد نعى على أولئك البعداء من المشركين الذين جعلوا عباداتهم الشركية وطقوسهم التعبدية مختلطة بالمكاء والتصدية، أي بالتصفيق والتصفير؛ قال أهل التفسير: "الْمُكَاءُ الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ التَّصْفِيقُ"، وقال صاحب المنار: "وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ صَلَاتَهُمْ وَطَوَافَهُمْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ اللهْوِ وَاللَّعِبِ". وهكذا هي الاحتفالات بعيد الحب وبغيره من الأعياد التي لم يأذن بها الله، أعياد فيها التصفيق والتصفير والغناء والطرب واللهو، وقد يصحبها شرب الخمر والفاحشة والرقص وغيرها مما يغضب الله تعالى".

إن رسولنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة المنورة ووجد الناس يحتفلون بعيدين من أعياد الجاهلية فيها التصفيق والتصفير والهرج لم يأذن للمؤمنين والمؤمنات بأن يشتركوا معهم ويشاركوهم ويختلطوا معهم في احتفالاتهم، بل أراد لهم التميز والصفاء والتوحيد الخالص، فكما في حديث أنس -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟!". قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ".

ولذلك من علامات أعياد الجاهلية والمشركين والعلمانيين والأعياد التي يشرعها البشر لبعضهم وجود الفاحشة والمنكرات والخرافات والبدع والضلالات والتزمير والتطبيل والشركيات. وهكذا عيد الحب مبني على أصول شركية، وأهواء وغرامات وتصاوير وتماثيل وكلام فاحش وسهرات مختلطة ولقاءات منكرة وألوان وهمية، يقدس فيها اللون الأحمر، وتهادٍ وبهرجه مزيفة، لا تعبر عن عقيدة صادقة، ولا عن فكر سليم، ولا عن قيم حضارية رشيدة.

أيها المسلمون: ورابع هذه المحاكمات العقدية لعيد الحب وللمحتفلين به هي في قول ربنا -سبحانه تعالى-: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

فالمؤمن الحق والمسلم الذي امتلأ قلبه بتقوى الله وإجلاله، يظهر منه التعظيم لله تعالى ولشريعته، ولشعائره، ولرسله، ولبيته، ولآياته، ولا يظهر منه أبدًا أيّ نوع من التعظيم لغير ما عَظّم الله تعالى من شأنه، فهو سبحانه لم يجعل قدرًا لشيء من الشركيات والجاهليات والخرافات، والمنكرات، والأعياد الوضعية، والسلوكيات المحرمة، والمقامات البدعية، والقامات الطاغية، والتصاوير المحرمة.

أيها المؤمنون بالله العظيم: أتدرون أن الاحتفاء بما يسمى عيد الحب إنما هو تعظيم لغير ما عظّم الله تعالى، إنما هو تعظيم لرجل كاهن نصراني صليبي كافر بالله تعالى وبكتابه وبرسوله، ذلك الذي سمي في حضارة الغرب القديس فالنتاين الذي بات يعرف عيد الحب باسمه، فيقال: عيد الحب أو الفالنتاين أو عيد القديس فالنتاين، هذا الرجل الذي تم قتله لأنه أباح العلاقات غير المشروعة بين الرجل والمرأة، أباح علاقات الغرام والعشق بين الشاب والفتاة قبل الزواج، وعارض آنذاك السلطات الرومانية التي منعت زواج الشباب لأجل الحروب، فتم قتله في مثل هذا اليوم، فجعل النصارى من الغرب يحتفلون بذكراه كل سنة في مثل هذا الوقت منتصف الشهر الثاني من كل عام، وأصبح يعرف في تاريخ الحضارة الغربية هذا اليوم بعيد الحب.

وفي المصادر الغربية: "أنه نُفِّذ فيه حكم الإعدام يوم 14 شباط عام 270 ميلادي ليلة 15 شباط عيد لوبركيليا، ومن يومها أطلق عليه لقب "قديس". وبعد سنين عندما انتشرت النصرانية في أوروبا وأصبح لها السيادة تغيرت عطلة الربيع، وأصبح العيد في 14 شباط اسمه عيد القديس فالنتاين إحياءً لذكراه؛ لأنه فدى النصرانية بروحه وقام برعاية المحبين، وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل الأزهار الحمراء وبطاقات بها صور "كيوبيد" المُمَثَّل بطفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً، وهو إله الحب لدى الرومان، كانوا يعبدونه من دون الله".

فهذه هي قصة هذا العيد؛ حيث يتفاخر الغرب في هذا اليوم بهذا القديس ويجعلون منه رمزًا لشهيد العشاق.

ولذلك يقع المسلم في تعظيم من يشرك بالله تعالى ومن يكفر بالله تعالى ومن أسهم في تكريس الفسق والعلاقات غير المشروعة.

فهل يقبل المسلم أن يكون داعية إلى حرام وشاهد زور على حرام؟! هل يقبل المسلم الموحد أن يساعد في نشر رذيلة العشق بين الرجال والنساء ويكثر سواد دعاتها؟! هل يقبل المؤمن بالله أن يحيي طقوسًا وثنية؟! هل يقبل المؤمن الموحد أن يشارك في إحياء ذكرى رمز من رموز الشرك وكهنة الكفر والتثليث؟!

أيها المسلمون: وخامس هذه المحاكمات العقدية لعيد الحب وللمحتفلين به هي في قول ربنا -سبحانه تعالى-: ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾.

إن مظاهر وطقوس عيد الحب ويوم القديس فالنتاين هو تبادل الهدايا ذات اللون الأحمر، وإظهار الزينة ذات اللون الأحمر، والتجمل باللباس ذي اللون الأحمر. وكل هذا ينفق فيه المال الكثير ويبالغ في إنفاقه، وطبقًا لآخر الإحصائيات حول النفقات العالمية على ما يعرف بعيد الحب، فإن العالم ينفق أكثر من 50 مليار دولار سنويًا في هذا اليوم.

وإن كان للشعوب الغربية الكافرة ما يبرر إنفاقها وتبذيرها وإسرافها في أعيادها الخاصة بها، فهم كما قال فيهم ربك سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾، فما الذي يبرر للمسلمين أن ينفقوا في هذا العيد الصليبي الملايين على إقامة طقوسه، فبلد مثل الأردن ينفق فيه الأردنيون الذين يحتفلون بهذا العيد أكثر من مليون وربع دينار أردني لشراء الزهور، ويتم استيراد أكثر من ثلاثين ألف عرق ورد بلون أحمر، ويتضاعف سعر الوردة الحمراء خمسة أضعاف سعرها الحقيقي، هذا غير ما تستهلك جيوب كثير منهم رسائل الخلوي ومواقع الإنترنت، كما أن الطلب على الذهب يتضاعف بنسبة مائة بالمائة، وكل هذا وفقًا لوكالات أنباء أردنية. فلماذا هذا الإنفاق؟! وفي سبيل مَنْ؟!

أيها المسلمون: والغريب والعجيب أنه من طقوس هذا العيد المنكر المشتهرة تبادل بطاقة عليها طفل له جناحان ومعه قوسه يسدد منه سهمًا، وهذا الرمز يمثل إله الحب في عقيدة الرومان -واسمه كيوبيد-، كما تشير إلى ذلك كتب التاريخ والأديان، فلك -أيها المؤمن الموحّد- أن تتصور أحوال بعض المسلمين الخائبين الجاهلين الذين وصل بهم الحال ليتبادلوا آلهة الرومان تعبيرًا عن فرحهم بهذا العيد.

إنني أذكّر الذين يبتهجون ويظهرون اهتمامهم بهذا العيد المنكر، أولئك أصحاب المحلات الذين يستوردون الأزهار والدببة والبطاقات ويتنافسون في عرضها، وأولئك الذين ينفقون أموالهم، أذكرهم بأن هذا المال ستسأل عنه: بيعًا وشراءً، فلا يجوز بيع ما يعين على الحرام والإثم، ولا يجوز شراء ما يستخدم في أمر منكر.

وأقول لهؤلاء: اسأل نفسك متى آخر مرة تبرعت فيها لبناء مسجد؟! متى آخر مرة قدمت فيها مالاً لخدمة الدعوة إلى الله؟! متى آخر مرة بذلت فيها مالاً لإخوانك الفقراء من المسلمين؟! واسأل نفسك: متى قدمت هدية لأمك الحنونة أو لأختك الكريمة، في الوقت الذي تنفق فيه بغير حساب لمن لا يحل لك شرعًا الارتباط بها إلا بعقد الزواج!!

وأقول للإعلام بكل أشكاله الذي يخصص مساحة إعلامية ودعائية خاصة للترويج لهذا العيد، وإظهار البهجة بقدومه، بل والإشادة بموقف الكاهن فالنتاين كما أظهرت ذلك بعض الصحف الأردنية وبعض وسائل الإعلام العربية: إنّ دوركم هذا هو منكر من القول وزور.

ولقد بلغ الأمر بإبداعات العرب المسلمين أن قام بعض الخبراء العرب بإنتاج تطبيقات على الخلوي تساعد في التعامل مع متطلبات عيد الحب، ويا ليته أبدع لنا اختراعًا علميًا يسهم في توفير أموال المسلمين لا إتلافها.

إن هذا الدور وهذا الموقف في مثل هذه الأعياد وغيرها ينطبق عليه قول الله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾، فبدلاً من إسهامكم السلبي في تضييع أبناء المسلمين ودعوتهم للباطل، قوموا بنشر الفضيلة، واجعلوا في إعلامكم مساحة لنبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- للتعريف به وبدعوته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله…

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ولا بد من كلمة نختم بها، نوجهها إلى أولئك الذين جعلهم الله سببًا في وقاية أهليهم من النار؛ أيها الآباء وأيتها الأمهات: ليكن لكم دور يرضي الله تعالى، ليكن لكم موقف تربوي تتبعون فيه نهج نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بأن تبينوا لأبنائكم هدى الله الحق المبين، فحذروهم من التشبه بغير المسلمين في أعيادهم، ولا تتركوا أبناءكم فريسة للإعلام والإنترنت والصحبة السيئة، اغرسوا فيهم القيم النبيلة.

وإياكم من أن تكونوا أنتم قدوة السوء لهم في الاحتفال بعيد الحب؛ لأن بعض الآباء يجعل في بيته بعض مظاهر الابتهاج بهذا العيد الصليبي المنكر ويجامل فيه زوجته بوردة حمراء اقتداءً بما يفعله أبناء الغرب الكافر وتقليدًا لهم، وكأن المسلم بحاجة ليتعلم من الغرب أخلاق الحياة الزوجية، وعنده هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

لا نريد أمثال هؤلاء الذين يقلدون الغرب، نريد أمثال ذلك الزوج الذي قال لإحدى وكالات الأنباء الأردنية بأنني غالبًا ما أهدي زوجتي الأزهار، ولكنني يوم عيد الحب سأتجنب فعل ذلك حتى لا يظهر مني التقليد.

وأنتم -يا أيها الشباب ويا أيتها الفتيات- أنتم عماد هذه الأمة، حافظوا على أنفسكم، واجعلوا لكم شخصيتكم المتميزة الراسخة التي لا تميل مع كل مائلة، ولا تذوب قيمها في كل مستنقع آسن، وجهوا محبتكم لنبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي أوصاكم فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، وجهوا انفعالاتكم ورسائلكم وكلماتكم إلى المستضعفين من إخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. اجعلوا تقديركم واحترامكم للوالدين والأقربين، ولمن علمكم، وأنعم عليكم.

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئًا يا رب العالمين.